الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مونودراما تسبب النعاس للجمهور بين سامي عبد الحميد وسامي آخر

سرمد السرمدي

2011 / 6 / 7
الادب والفن


جل ما قدمته المسرحية من حكمة هو ان الواقع الإنساني أصبح من القسوة لدرجة ان مدمن الخمر لو لم يشرب ليلة واحدة لأكتشف واقعا إنسانيا قاسيا جدا يفضل عليه عالمه الوردي, ونقول بدورنا عن حكمة هذه المسرحية المقدمة للمتلقي العراقي, أن مشاهدة هذا المستوى من العروض لمرة واحدة يجعلنا نكتشف فنا خربا نفضل عليه بالتأكيد واقعا إنسانيا قاسيا جدا, جدا.

يعد النقد المسرحي من أهم عوامل نجاح الظاهرة المسرحية في طريقها لتحقيق أهدافها المرجوة على الصعيد الاجتماعي, وما أحوج المسرح العراقي إلى الدرس النقدي الأكاديمي الذي يرافق خطوات المسرحيين في عملهم من اجل توطيد العلاقة بين المتلقي وعمل الفنان المسرحي, وتأكيد أهمية النقد الفني تنكشف من خلال تفعيل احد أهم عناصر العمل المسرحي التي لا تدرج عادة ضمن العناصر الفنية لأنها ذات أثر بعدي أكثر منه قبلي, إلا إن ذلك لا يبرر الاستغناء عنه وهذا العنصر الغير مدرج في تقاليد المسرح العراقي مع شديد الأسف, هو النقد, وإقامة الجلسة النقدية ما بعد العرض المسرحي في المكان الذي يفترض أن يكون الرائد الأول في رصد وتفعيل الظاهرة المسرحية في مدينة الحلة, وكيف وهو مسرح كلية الفنون الجميلة التابعة لجامعة بابل, فلم يكن هنالك جلسة نقدية بعد عرض مسرحي منذ فترة ليست بالهينة قياسا إلى العروض المسرحية التي قدمت من على خشبة مسرح الكلية والى الصفة التي التصقت بالنسبة الأكبر من هذه العروض وهي أن كوادرها الفنية والتقنية من الطلبة حصرا وتخلو تقريبا من مشاركة المحاضرين والمعيدين وأساتذة قسم الفنون المسرحية مما يرجح تفرغهم للنقد الذي يتجلى من خلال إقامة الجلسة النقدية بالضرورة.

حينما نتعرض لقراءة العرض المسرحي الذي قدم من على خشبة مسرح كلية الفنون الجميلة التابعة لجامعة بابل العراقية, لابد أن نرجح ابتداء كفة الاستلاب الثقافي الذي لم يفارق المسرح العراقي لحد الآن, هذه التبعية المقيتة للمسرح الغربي بكل تفصيلاته والتي لم تتخذ حيالها أي خطوات عملية إلا المحاولات البائسة لغرض تأصيل المسرح العربي عموما والتي كانت بدورها تنبش القبور بحثا عن مخلفات التاريخ المنبوذة من قبل المجتمعات والشعوب الشرقية تبعا لإطار التقاليد والأعراف المجتمعية الطاردة لكل هامشي لا يمت لتوحيد وجهة النظر المركزية للنظام الاجتماعي برمته, وقد فشلت محاولة تجذير المسرح كحاجة معرفية لأنها التصقت بالتراث كمطلق غير قابل للتجزئة, والدليل على ذلك كون التراث الذي اتخذت منه المسرحيات العربية كمسرحيات السوري سعد الله ونوس، لم تنجح في نقل المسرح الى عالم الحاضر بل إعادته إلى نقطة انطلاق فكرية تراثية المنحى تغاضت وفقها عن تثبيت الدعائم المجتمعية العربية من خلال إطار المسرح ليكون لهذه المحاولة اثر التأصيل أولا وقابلية قياس هذا الأثر من بعد ذلك على النتاج المسرحي العربي عموما, وهذا الفشل أفضى بدوره إلى ما يناظره في المسرح العراقي كمسرحيات العراقي قاسم محمد, فعلى سبيل الحكم المبدئي على تجربة المسرحيين العراقيين المتقلبة بين تقبل النتاج الغربي كما هو حينا وبين محاولة تلوينه محليا على أمل الوصول إلى نتاج مؤصل نوعا ما يفرض تواصلا مجتمعيا ويستند إلى شروط وجود موضوعية يتضح أن مسرحية المخرج سامي الحصناوي تقدم دليلا جديدا في يوم الأحد الموافق 2011-05-16م, على الفشل في التحرر من الاستلاب الثقافي الغربي منذ محاولة (مارون النقاش) 1847م.

المونودراما ليست بالشكل المسرحي الذي يستهان بالأعداد له مهما كان مستوى الممثل المسرحي من التألق والأبداع الا ان ما لم يحسبه سامي الحصناوي استاذ التمثيل في كلية الفنون الجميلة وهو يقدم مسرحيته في شكل المونودراما ان ما تحقق لم يتعد حدود التحدي المهني بوصفه الأستاذ الوحيد الذي يجرأ على تقديم مسرحية بطولها وعرضها لوحده متجاوزا كل تقاليد الشهادة الجامعية والأطار الكلاسيكي الذي طالما يوضع حامل شهادة الدكتوراة داخله في العراق حتى لو كان اختصاصه هو الفنون المسرحية فنسبة من يمتهنون المسرح منهم تصرخ بحقيقة ان هذه هي نهاية المطاف بالنسبة له كفنان, هذا ان كان هنالك بداية, فهي ليست من شروط نيل الشهادة وقد لا اجد سببا علميا يجعلها كذلك الا ان السبب فني وهذا المهم فكيف وصل مثلا لهذه المرحلة متجاوزا كل لجان الاختبار العملية كمبدع موهوب يستحق العبور, وهذه اللجان المشكلة من استذة مختصين في الفنون المسرحية تضمن السبب العلمي الذي نبحث عنه بلا شك, الا لو كان اغلب هؤلاء السادة المحترمين لا يتفقون معي على سلبية ما وصل الحال الفني الأكاديمي اليه فمثلا كيف يعقل لأستاذ جامعي يدرس مادة التمثيل المسرحي ويتعرض لسؤال من الطلبة لماذا لا تمثل انت يا استاذ ؟ ويأتي الجواب مع تعديل ربطة العنق التي لا تعطي للجواب أي صفة علمية خاصة لو كان يقول "ان السبب الذي لا يجعلني امثل لأن الفن حرام والتمثيل مبتذل وما واجبنا الا التعريف به لا امتهانه وتجربته", حقا, لم يترك سامي الحصناوي الشك في انه يؤكد اتحاده قلبا وقالبا مع المادة العلمية التي يدرسها للطلبة على عكس النموذج السلبي سالف الذكر, الا ان اختيار المونودراما لم يكن له ما يعتمد عليه من امكانيات الممثل المهولة التي يتطلبها هذا الشكل المسرحي, فتقنية الصوت والحركة لابد ان تكون في احسن احوالها لتجسد ابعادا لا يكون معها الأستغناء عن الممثل الثاني والثالث مسببا لفراغ في فضاء المشهد الدرامي المقدم, أي ان الممثل في المونودراما يمتلك على اقل تقدير قدرة على تمكين المتلقي من ان لا يغط في نومه نظرا لتمتع الممثل بأمكانية الأنعطاف الصوتي مستعينا بالتلوين في الأداء الصوتي تارة ومرونة الجسد التي تمهد ارضية الأنتقال لأداء حركي لا يساهم بدخول الملل والنعاس لذهن المتلقي, ونقول المتلقي لأن المونودراما كشكل مسرحي لديها القدرة على عرض ادق المشاعر الأنسانية التي تختلج في دواخل الشخصية الممثلة والتي بالضرورة تكون مركبة حتى تساعد هذه التقنية الدرامية على ان تقدم كجرعة مكثفة تركزت الى اعلى نسبة تركيز مسرحي يختزل بناء على ذلك كل عناصر العرض التقليدية.

بالنسبة للإخراج ان العمل الذي قدمه سامي الحصناوي او تقدم من خلاله سامي الحصناوي ليؤكد وجود سامي الحصناوي كخليفة سامي عبد الحميد المونودرامي من على ذات خشبة مسرح كلية الفنون الجميلة الذي عرضت فيه مسرحية لسامي عبد الحميد قدمت بذات الشكل المونودرامي لجمهور اساتذة وطلبة الكلية قبل اشهر من العرض الذي نناقشه, ان خارطة هذا العرض المسرحي الأخراجية لا تتعدى كونها انعدام التوازن الكلي في اداء مخرج هو بحد ذاته يؤدي دورا مسرحيا رئيسيا في المسرحية فمسألة انعدام الرؤية الأخراجية تجعل من اهمية وجود المخرج كمشاهد أول للمسرحية تعتلي قائمة الأخطاء التي لم يعي سامي الحصناوي لها بالا, فقد اعتمد آلية تقسيم الرقعة الجغرافية على خشبة المسرح وفقا لخط سير الشخصية التي افترض انها تم تمثيلها لدرجة ان لم يعد للمتلقي حجة في كل المعوقات الفنية التي ترافقه عندما يهم بالتفاعل مع المسرحية, ومن تلك المعوقات الكبيرة هي الرتابة التي ترتب عليها ارتباك شديد الأثر في نزع كل فتيل يمكن ان يفجر لهذه المسرحية اثرا في ذائقة المتلقي للدرجة التي لم يعد صعبا ان يتوقع كل المتلقين اين سوف يبكي سامي الحصناوي في نهاية كل خطاب اقتنع انه تم تمثيله بالشكل الكافي لمجرد ان النصف دائرة اكتملت, فالخطة الأخراجية برمتها تعتمد على نصف دائرة كان الممثل سامي الحصناوي يلصق خطواته بها دور مبرر وعنوة في اغلب الحيان وكانه رسم خطا ابيضا بالطبشور لكي يثبت لنفسه اولا ان هنالك خطة اخراجية مفادها خروج الشخصية تلو الأخرى من اقصى المسرح وانتهاء دورها الجزئي عند وسط الوسط تقريبا وهذه هنا منطقة البكاء التي ينزل فيها سامي الحصناوي على ركبتيه للمرة الرابعة على التوالي متجاوزا كل الرتابة التي تبثها خطته الأخراجية في فضاء المسرح مقتنعا بأن الجمهور سيصفق لكي يستمر بالذهاب مرة اخرى لأستكمال النصف دائرة والعودة لأجل التصفيق الأجباري, فلو لم يصفق الجمهور لتسمرت قدماه على الأرض منحنيا على ركبتيه صارخا بأعلى مااستطاع من طبقات صوته صاما بذلك اذان المتلقيين وحينها لم يعد الفرق واضحا عند تصفيق الجمهور هل هذا التصفيق تفاعلا بين الخشبة والصالة ام تعويذة تصفيق وقاية من لعنة فنية اخراجية تهجم من الخشبة على جمهور الصالة فلا يجد طريقا لأنهاء الصراخ الا التصفيق .

وفي النظر لمجمل الأداء التمثيلي في هذا العرض الذي لا يعدو كونه تمرينا مسرحيا متخم بالأنقطاعات التي يصرخ فيها الممثل على الجمهور فهو ذاته لم ينسى ولو لحظة انه استاذ وانه الآن شخصية مسرحية فكيف يطالب المتلقي بذلك, الا انه يطالب طلبته واساتذة الكلية الحاضرين ان يصمتوا ولا يتكلموا ولا يهمسوا ولا يعلقوا ولا يستنكروا ولا يرحبوا فكل ما يطلب منهم ان يلتصقوا كل على كرسيه في الصالة لحين ان تنتهي الرحلة الى مجهول في الشكل والمضمون قد فرض على ذاكرتهم كونه عرضا مسرحيا, فالممثل متعب منهك لا يستطيع الا ان يصرخ ليعبر عن قوة صوته ولا يقوى الا على ان يرقص ليعلن عن مرونة جسده التي رغم كل ادعاءاته لم يستطع منع نفسه طوال العرض المسرحي من الأنحناء الى الأسفل وكأن لديه ألما في الظهر, ولا اعلم بالضبط كم هو عمر سامي الحصناوي لكن هذا بالضبط ما تم مباركة سامي عبد الحميد عليه, وهو انه لم يزل يمثل رغم عمره الكبير, وهذا اغرب وصف فني يمكن ان يلتصق بسيرة ممثل مسرحي, الا ان اداء سامي الحصناوي لم يتعدى نطق الحوار والأعلان عن صعوبة الحفظ رغم ذلك , يعني حتى الحوار الذي يمكن ان يشفع له نطقه بشكل واضح وعلى شاكلة قراءة خطاب او نشرة اخبار لم يكن بالمستوى الذي يضمن وصول معنى النص للمتلقي, وكما اعتمد الأخراج على النصف دائرة المرسومة, اتخذ جسد الممثل طريقه لعرض الشخصية المونودرامية المركبة بأن ينحني ظهره للأمام طوال العرض متقوسا وهو يسير بخطواته التي يبدوا جليا انه يراعي الحذر فيها وكأنه يهتدي الى طريق بيته في الظلام وتناسى ان هنالك متلقي يستغرب هذه الطريقة في اتباع طبشور المخرج المرسوم على خشبة المسرح, فعلى صعيد الحركة يعد التلويح باليدين للأعلى رقصا وقمة في مرونة الجسد وعلى صعيد الصوت يعتلي الصراخ الغير مبرر الا لطلب تصفيق الجمهور اصدق التعبيرات عن الأداء وتمثل هذه النقاط مجمل أفشل محاضرة قدمها العرض المسرحي في الأداء التمثيلي.

اتخذت السينوغرافيا طريق المسرح الفقير على استحياء فلابد من التنويه ان الفقر في الأمكانيات حجة قوية حينما يصاحبه فقر في امكانية استثمار ما توافر من تقنيات مسرحية, فيبدوا واضحا ان السبب في كون الديكور متناثر مهلهل غير مرتبط بسير احداث العرض متبعثر هو ذاته السبب الذي يجعل الأضاءة والموسيقى المسرحية خارج اطار المسرحية تماما, والسبب هو ان اعتماد المخرج على اداءه التمثيلي المنفرد اوحى له بأن ذلك كافيا, بالتالي تم تقديم المسرحية من خلاله فقط لا غير, وكل ما يرافقه من تقنيات يجب ان تحسب من الأمور الثانوية التي يجبر عليها الممثل المسرحي, وهذا النهج يصح لو كان هنالك اداء تمثيليا يرتقي ليسد الفراغ لوحده, اما ترك الفضاء المسرحي بدون اي مؤشرات حيوية على وجود عرض مسرحي سواء من عنصر التمثيل او الأخراج او السينوغرافيا فهذه استهانة ما بعدها اهانة لذهنية المتلقي وتخريب متعمد لذائقة الجمهور صعودا الى قمة النتائج السلبية المترتبة على هكذا لا استحياء مسرحي أكاديمي غير محمود وهي النتيجة الأبعد اثرا على الثقافة المسرحية في بابل بل في العراق, هل هذا مسرح جاد ام جلسة لقراءة الفاتحة على الأمجاد, ان وجدت طبعا.

ما يمكن تقديمه في استعراض موجز عن خطاب هذا العرض المسرحي يبتنى على تنويه بسيط يلمس قلوب كل المسرحيين الجادين في عملهم قلبا وقالبا, خاصة في هذه الظروف التي لا تمت للاتكاء على عكاز مقص الرقيب وانعدام موارد الإنتاج او انقطاع عن التلاقح الفني مع العالم الخارجي بأي شكل من الأشكال التي يورد بها هكذا استدراك ليغرز العصا في عجلة الثقافة النقدية الكتابية التي تنبثق لتدون المضيء والمظلم من مساحة خشبة المسرح العراقي محاولا قدر استطاعته إيقافها, هذا التنويه ببساطة يأتي في كلمة ونصف.. لا يمكن ! .

الكاتب
سرمد اسلرمدي
العراق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - درس نقدي اهم من العرض المسرحي
طالب فنون مسرحية ( 2011 / 6 / 13 - 17:56 )
الناقد المسرحي الاستاذ سرمد السرمدي
اشد على صاعديك واهنيك من كل قلبي لشجاعتك ونبلك في التعامل مع الابداع بعيدا عن التهريج والعضلات المزيفة التي لطالما تقوقعت وكوشت على واجهات الابداع المزيفة
انت اعطيتنا درسا لم تصل اليه المسرحية بكل اشتغالاتها (النصية والشكلية) بل اساءت الى الدرس المونودرامي الذي قرأنا عنه ربما وفمناه اكثر مما شاهدناه في عرض سامي الاخر الذي لا يريد ان يتطور ابدا ولا يريد ان يعترف انه قد تقاعد فنيا منذ الثمانينيات ولا تبريد في تقديمه اعمال كلائشية توقعه في مطب الاخفاق والترهل الكلائشي في الاداء المميت ، ولا اجد تبرير لتقديم عمل مسرحي بهذا الشكل .
ومع كل الاسف انت الذي قلته لم يستطه قوله غيرك وهذا ما جعلني افتخر بمثلك في كليتنا التي دائما تحارب الابداع وتحتفي بكل من يبرز عضلاته دون اختباره رياضيا الشكل لا يكفي يا صديقي ولا الشهادة المهم المنجز الحقيقي النبيل
شكرا مرة اخرى لكل من يريد تقويم العملية المسرحية في الحلة وشكرا لكل من يريد ان يصلح ما خرب في كليتنا

اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي