الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسطوره

عمر دخان

2011 / 6 / 7
كتابات ساخرة


الغزو الثقافي الخارجي هو أحد أهم الأعذار التي ابتكرناها كعرب لنبرر فشلنا في تقديم أي جديد للإنسانية و العالم ككل، و هو كبقية الأعذار الأخرى مثل المؤامرة و الترصد، يخلو من أي منطقية أو بناء سليم للوقائع و المعطيات، و لا يعدوا كونه أحد الخرافات التي تم جعلها – بقدرة قادر- أحد أهم مبادئ التفكير العربي الإسلامي في تعامله مع بقية الأجناس.

أسطورة الغزو الثقافي و أسطورة المؤامرة، جعلت من الإنسان العربي انعزاليا، فاقدا للقدرة على الاندماج في المجتمعات الخارجية و التعاطي مع الثقافات الجديدة عليه. بل و جعلته متطرفا في رفضها، على اعتبار أنها تستهدف قيمه و مبادئه و التي يصور له مروجو أساطير الغزو الثقافي و المؤامرة على أنها الأفضل في العالم، و يستحيل أن تأتي أمة أخرى في الكون بمثيل لها أو أفضل منها، على الرغم من أن الكثير من المبادئ العربية محشوة بالأفكار المغلوطة، و هي التي تسببت بشكل أو بآخر، في إيصال الأمه العربية إلى الدرك الأسفل في خلف كل الأمم و الحضارات الإنسانية، و هو الموقع الذي لازالت تعيش فيه حاليا.

لاوجود لأي غزو ثقافي أو مؤامرة تستهدف العرب و المسلمين، و إن وجدت أية مؤامرة، فهي تآمر العرب على أنفسهم بإصرارهم على البقاء في مستنقعات الجهل التي يعيشون فيها، بمعنى أنه لا يوجد هناك عدو للعرب و المسلمين سوى العرب و المسلمون، و كل ما تقوم به الأمم الأخرى من أفعال نعتبرها مساسا بنا، لا يعدوا سعيها وراء مصالحها كأمم قوية مبنيه على أسس متينه، و لا يجوز و لا يحق للعرب الشكوى من ذلك، و ليعلموا أن السبيل الوحيد لتغيير ذلك هو إتباع الطرق التي اتبعتها بقية الأمم لتصل إلى ذلك المقام من نهضة فكرية و علميه.

الكثير من الأمم التي تقدمت إلى الصفوف الأولى اليوم، لم تضيع الوقت في الشكوى و النواح حول من يستهدفها و من لا يستهدفها، بل جدت و عملت إلى أن ترقت إلى تلك الصفوف. و أذكر على سبيل المثال لا الحصر : الصين ( على الرغم من أنها مازالت لم تحقق كثير في مجال احترام حقوق الإنسان) و كوريا الجنوبية و اليابان. كل تلك الدول عانت نفس ما عانته الدول العربية على مر التاريخ من جهل و قمع و استعمار، و لكن كونها شعوبا حية جعل منها تستيقظ و تغير ذلك الواقع، ولو ألقت باللائمه على الغير و إمتهنت النواح كالعرب لما حققت شيئا كالعرب.

يجب أن نتوقف عن الشعور بالحساسية من كل ما يأتينا من وراء البحار، و رفضه تلقائيا دون حتى محاولة دراسة جدواه. العقل العربي معطل و لذلك فهو يخشى أي شيء قد يتطلب إعادة تكييف ليلائم المجتمع العربي، فيكون الحل السهل هو الرفض الشامل لكل ما يأتينا من الغرب، و إسكات المعارضين لذلك بخرافة الغزو الثقافي التي فقدت بريقها، خاصة بعد أن اكتشف الكثير من العرب أنها لا تعدوا كونها كذبة تثبت أن ليس لديهم ما يقدموه للعالم سوى نصوص تاريخيه لم تعد بالشيء الجديد و تعداها العالم الذي أصبح يعيش في رحاب الكون الرقمي الجديد.

الأوروبيون في العصور الوسطى لم يمانعوا أخذ الثقافات و التعلم من العرب، و تصرفوا بكل ذكاء، مستغلين تلك الاختراعات ليحققوا للبشرية المزيد و المزيد من التطور. الأوربيون لم يأخذوا من العرب العود وفن صناعة الزرابي، و إنما أخذوا الأفكار المفيدة و التي طوروها بمجهودهم الخاص، و كل ما نراه اليوم ليس بفضل العرب الذين لم يقدموا سوى الأفكار الأولية، و التي لم تكن تنجح لولا مجهود الأوربيين و مثابرتهم الذين حولوها من نظريات على الورق إلى واقع ملموس نعيشه جميعا.

ماذا عن العرب اليوم و هم متخلفون و أوروبا متطورة، ماذا أخذوا منها؟. كل ما لا يفيد من السلع الاستهلاكية التي تتيح لهم مواصلة الاستمتاع بالكسل و إيذاء الغير و الإتكال عليه، و من ثم لوم الدول الأخرى على كل ما منحته لهم، على الرغم من أنهم اختاروا مايريدونه بأنفسهم دون أن يجبرهم أحد، اختاروا إساءة استخدام كل ما أنتجته الحضارة الغربية، و لم يقدموا لها شيئا في المقابل سوى لعنها كلما سنحت لهم الفرصة، بشكل أقل ما يقال عنه أنه “رخيص” و “دنيء” و لا يعدوا كونه مقابلة للإحسان بالإيذاء.

ليس لديكم أي شيء يطمع فيه العالم، لستم الوحيدين في العالم الذين تملكون ثروات باطنيه، و أنتم أيضا تعطونها عن ذلة و أنتم صاغرين و لا تملكون حتى حق التحكم في ما وجد في أراضيكم دون أن يكون لكم فضل فيه. لا شيء مثير للأطماع فيكم و في مجتمعاتكم، بل بالعكس، لو أن العالم يدرك فعلا حقيقة الفكر العربي و حقيقة المجتمعات العربية، لما تعامل معها أساسا، و لعاملها معاملة الأصحاء لحامل مرض جلدي معدي. لذلك، احمدوا الله أنهم لا يعلمون أو يعلمون جزئيا، و واجهوا الحقيقة المرة بالشجاعة التي تتفاخرون بها و لا تملكون ذرة منها، حقيقة أنكم فشلتم في أن تكونوا أي شيء، فلجأتم إلى لوم الغير على فشلكم، و محاولة إيجاد أي سبب مقنع – ولو لكم فقط – من أجل إلقاء اللائمة على دول مثل الولايات المتحدة، و التي هي نموذج للدولة العصرية الحديثة و النموذجية بكل ما تحمله الكلمة من معاني.

خلاصة القول: لا يوجد غزو ثقافي، و ليس لديكم ما يستحق أن يتم غزوه ثقافيا لأن السياسيين و رجال الدين قد تكفلوا بمهمة إغلاق العقول العربية و حمايتها من كل ما قد يطورها و بالتالي ينقص من سيطرتهم عليها، و لا سبيل لكم لكي تخرجوا من مزابل الأمم إلا بتغيير جذري في حياة كل فرد، تغيير جذري على المستوى العلمي، الثقافي، الأخلاقي، و حتى الاجتماعي. لا شيء سوى ذلك سيغير وضعكم المزرى، لا نصر من السماء و لا من باطن الأرض، العلم ثم الأخلاق و فقط. و صدق محمد بوضياف الذي كانت آخر كلماته قبل أن يقتل بعدها بثوان” الدول التي سبقتنا، سبقتنا بالعلم”، قالها و قتل على أيدي أعداء العلم و عشاق الجهل و التخلف و الذين يمثلون نسبة كبيرة جدا من العرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا