الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرى حرب 1967 -- تاريخ منحوت في الذاكرة

منعم زيدان صويص

2011 / 6 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


في عام 1967 كنا طلابا ندرس خارج أوطاننا . وعندما بدأت الحرب في الخامس من يونيو حزيران كنا متحمسين ومتشجعين في البداية ولم يخطر ببالنا أن الدول العربية دخلت الحرب غير مستعدة وان الإعلام العربي، الرسمي وغير الرسمي، على قلته في ذلك الحين، عبأ الشعوب العربية نفسيا وهيأها "للانتصار" و"سحق إسرائيل" بالاعتماد على أسس واهية وجهل بضعف الدول العربية واستهتار بإمكانيات العدو وبالحقائق الدولية في ذلك الحين.

ونتيجة لهذا الشعور، وخاصة عندما سمعنا أن الجيش الأردني احتل جبل المكبر قرب القدس في أول ساعات الحرب، لم نصدق الأخبار الأولية من الجبهة المصرية التي أفادت بأن إسرائيل دمرت الطيران الحربي المصري على الأرض قبل أن يتحرك. وعندما سمعنا أن الجيش المصري بدأ ينسحب من سيناء فسرنا ذلك بأنه خطة تكتيكية لاستدراج القوات الإسرائيلية إلى وسط سيناء للإحاطة بها وتدميرها.

واستمر تعلقنا بالأمل حتى مساء التاسع من حزيران عندما أعلن جمال عبد الناصر الهزيمة قائلا "أننا منينا بنكسة كبيرة،" وبدأنا بالبكاء حول جهاز الراديو ولسان حالنا يقول ما قاله المتنبي:

طاف الجزيرة حتى جاءني خبرٌ فزعت فيه بآمالي إلى الكذب

حتى إذا لم يدع لي صدقه أملآ شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي

وكان بعض العرب يعتقدون أن إسرائيل ستنسحب مع "بوسة لحية" وضغط دولي كما حصل بعد حرب السويس سنة 1956. ولكن كثيرين من المعلقين والخبراء الغربيين قالوا أن المفاوضات ستطول "شهورا وربما سنين." ولم يكن تعاطف العالم مع العرب كبيرا لان إسرائيل والإعلام الغربي قبل الحرب، مدعوما طبعا بالإعلام العربي، أعطى انطباعا قويا أن العرب يريدون "أن يلقوا اليهود في البحر" بعد سحق دولتهم، وهذا ما كان يقوله احمد سعيد، مدير وكبير معلقي صوت العرب يوميا. ونفخ الإعلام الغربي قوة عبد الناصر ومصر بشكل خيالي.

وبعد الحرب مباشرة أعلن الاتحاد السوفيتي قطع علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل ليبرهن لحلفائه العرب انه يؤيدهم. غير أن هذه الخطوة كانت في صالح إسرائيل التي استغلتها لسنوات عديدة في منع الاتحاد السوفيتي من التدخل في قضية الشرق الأوسط بحجة عدم وجود علاقات دبلوماسية بينهما، وخدمت مخططات الولايات المتحدة في إجهاض أي تدخل للقوة العظمى الأخرى في قضية الشرق الأوسط. وتنبه العرب والروس لهذه النقطة بعد عدة سنوات. ولا شك أن العرب بذلوا جهدا باتجاه إعادة هذه العلاقات لإحداث تحرك دبلوماسي دولي، ولكن لم تعاد العلاقات إلا عام 1990 عندما كان الاتحاد السوفيتي يترنح، وبعد تنازلات وافقت روسيا بموجبها على السماح لأكثر من مليون روسي يهودي بالهجرة إلى إسرائيل.

"أراض" أم "الأراضي"؟

في 22 تشرين الثاني 1967، اصدر مجلس الأمن قراره الشهير رقم 242 مطالبا إسرائيل بالانسحاب من "أراض عربية احتلت في الحرب الأخيرة." وقد كانت النسخة الانجليزية، والمعتمدة، لهذا القرار من صياغة اللورد كارادون، مندوب بريطانيا في الأمم المتحدة. ولم ينتبه المندوبون العرب النجباء ولا أصدقاؤهم إلى أن النص ممكن ألا يفسر على أن معناه "كل" الأراضي العربية المحتلة، ولو أن بعض اللغويين في ذلك الحين قالوا أن شبه الجملة هذه يمكن أن تفسر بهذا الشكل لان الكلمات التي تتبع كلمة الأراضي تعرفها، متناسين أن إسرائيل يمكن أن تصر على رطلها من اللحم عند المفاوضات. وهذا في الحقيقة ما حصل.

هناك نقطة أخرى تشغل البال. لماذا لم يصر العرب وأصدقاؤهم الروس ودول عدم الانحياز، أو يقترحوا على الأقل، أن يتخذ قرار 242 والقرارات التي تلته، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؟ أغلب الظن أن العرب وممثليهم في الأمم المتحدة لم يكونوا يعرفون أن هناك شيئا اسمه الفصل السابع، الذي بناء عليه فيما بعد اتخذت القرارات المتعلقة بالعراق.

اعتقد انه كان من السهل في ذلك الوقت اتخاذ قرار 242 بموجب الفصل السابع لسببين: الأول هو الذي ذكرناه، أن الاتحاد السوفيتي و ودول عدم الانحياز والدول الإسلامية كانوا داعمين للعرب، والثاني أن العالم اعتقد أن إسرائيل ستنسحب في النهاية وأن أحدا في ذلك الحين لم يكن يتوقع أن إسرائيل ستصر على الاستمرار في احتلال كل هذه الأراضي لعقود طويلة ويستمر العرب بالتفرج على إسرائيل أو إصدار "اللاءات،" لأنه كان بالإمكان في ذلك الحين انسحاب إسرائيل وإيجاد حل شامل، وهو ما تطالب به الآن كل الدول العربية والإسلامية والعالم.

في الحقيقة لا يوجد أي دليل على أن العرب كانوا يعرفون شيئا عن هذا الفصل لأنه لم يظهر في أدبياتهم على الإطلاق. فيا ترى من هو الشخص الذي نبههم إليه ولكن بعد فوات الأوان؟ أنه بطرس غالي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة. ففي التسعينيات أصدر مجلس الأمن 12 قرارا ضد العراق وبدأ بتنفيذها بالقوة واحدا بعد الآخر. وفي أحد مؤتمراته الصحافية سأل احد الصحافيين العرب الأمين العام بطرس غالي، ببراءة الصحافي الجاهل: لماذا تطبق كل هذه القرارات بالقوة على العراق ولا تطبق أي قرارات ضد إسرائيل؟ فأجابه بطرس غالي بكل بساطة: ان القرارات التي اتخذت ضد العراق كانت بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بينما لم يتخذ أي قرار ضد إسرائيل بموجب الفصل السابع. وعندها أصيب الصحافيون العرب بالوجوم وكأن على رؤوسهم الطير ولم يناقشوه في هذا الموضوع. ومنذ ذلك الحين لم نسمع أي صحافي يسأل مثل هذا السؤال. أما الآن فقد أصبح البند السابع على كل لسان ولكن بعد فوات الأوان، فنحن امة يسكرنا الكلام فإذا علق في ذهننا شيء يصعب علينا تركه.

ما بعد النكسة

لقد أطلق جمال عبد الناصر تعبير "النكسة" على هزيمة العرب، وهو تعبير لم يغطي الحقائق بأي مقياس، ولكن الإعلام العربي تبناه، ولا يزال يتبناه. كانت "نكسة" لم يعرف لها العرب مثيلا وكان التأثير المعنوي للضربة قاسيا جدا بالنسبة لمصر، التي بدأت تعد العدة لاستعادة أرضها المحتلة ولجأت "لحرب الاستنزاف". واستمر الاستعداد حتى سنة 1973. وخلال هذه الفترة، سنة 1970، توفي جمال عبد الناصر، ملحقا ضربة معنوية أخرى بمصر ودول ما كان يسمى في ذلك الحين المواجهة العربية. ولكن القيادة المصرية الجديدة استمرت في التحضير لاستعادة الأراضي المصرية. وبقي السادات، أشهرا وسنوات، ينذر إسرائيل ويقول للعالم "أن ساعة الصفر قد دنت" حتى مل الناس ولم يعودوا يصدقونه. ولكنه تبين فيما بعد أن هذا كان جزءا من التضليل بانتظار اللحظة المناسبة. ومن الوسائل الأخرى لهذا التضليل أن قيادة الجيش المصري بدأت تعطي إجازات لكثير من الضباط قبل 5 أكتوبر بأسبوع أو أسبوعين كجزء من التمويه.

وفي ذلك اليوم الذي لا يُنسى اكتسح الجيش المصري خط بارليف ودفع بالجيش الإسرائيلي إلى داخل سيناء، وكان من الواضح أن إسرائيل أُخذت على حين غرة وأصبح كيانها مهددا، وبكت المرأة الحديدية رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير بمرارة. وكان من الممكن أن يكون الانتصار كاملا لولا أن الضابط الإسرائيلي اريئيل شارون لم يلتف على الجيش المصري من خلال ثغرة الدفرسوار ويحدث التوازن المطلوب لإيقاف التقدم المصري. وما لبثت الولايات المتحدة أن أقامت "جسرا جويا" لدعم إسرائيل. غير أن مصر استطاعت على الأقل أن تفاوض من موقف قوي نسبيا.

وكانت أهم نتيجة للحرب أن سورية ومصر اكتشفتا انهما راهنتا على الحصان الخاسر -- الإتحاد السوفييتي -- ووصلتا إلى نتيجة مؤداها انه ليس باستطاعتهما أن تتغلبا على إسرائيل بالقوة، كما روى عبد الحليم خدام بعد هروبه من سورية إلى باريس. أما مصر فأعلنت ذلك صراحة وبدأت بالاستعداد للتفاوض مع إسرائيل، وأما سورية فبدأ إعلامها وسياسيوها يتحدثون عما أسموه "تحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو الإسرائيلي". وبقيت سورية والعرب ينتظرون هذا التوازن بفارغ الصبر ظنا منهم أن الأحداث الدولية ستنتظرهم. غير أن حليف سورية الاستراتيجي، الاتحاد السوفياتي، بدأ يتهاوى في أواخر الثمانينيات وتفرقت دول هذا الاتحاد في بداية التسعينيات. وعندما تيقن حافظ الأسد من سقوط حليفه أوعز للإعلام السوري والسياسيين السوريين أن يسقطوا عبارة "التوازن الاستراتيجي" من وسائل الإعلام ولم يعد العالم يسمع بهذه العبارة. أما العرب فدفنوا رؤوسهم في الرمال ولم يسألوا سورية ولو مرة واحدة لماذا أسقطتها.

لم يصحوا العرب من هول تجربة ما سمي حرب الأيام الستة وظل المفكرون والمحللون العرب أربعة عقود يبحثون أين كان الخطأ ويحاولون أن يجدوا طريقة يأخذون بواسطتها زمام المبادرة دون جدوى إلى أن ولد جيل جديد ترعرع في القرن الحادي والعشرين في عصر لم يشهد له التاريخ مثيلا، عصر الإنترنت وثورة الاتصالات والديمقراطية وحرية التفكير، الذي الهم الشباب العربي وأزال الغمامة عن عيونهم وجعلهم يكتشفون أن الحرية والديمقراطية هما سبيلهم إلى الخلاص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إسرائيلي: حماس -تعرقل- التوصل لاتفاق تهدئة في غزة


.. كيف يمكن تفسير إمكانية تخلي الدوحة عن قيادات حركة حماس في ال




.. حماس: الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق بإصراره على استمرار ال


.. النيجر تقترب عسكريا من روسيا وتطلب من القوات الأمريكية مغادر




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال لمسجد نوح في