الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ومازالت العدالة مرفوعة من الخدمة!

سعد هجرس

2011 / 6 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


على جانبى كوبرى قصر النيل.. وبمحاذاة كورنيش النيل بالقاهرة.. وقف آلاف من الشبان والشابات المصريين، الذين يشرح منظرهم المتحضر والراقى القلوب الحزينة، فى سلسلة بشرية وهم مرتدين ملابس سوداء ويحملون شموعاً ولافتات مكتوب عليها شعارات تضم قائمة مطالب باسم شهداء ثورة 25 يناير، بمناسبة الذكرى الأولى لرحيل شهيد الطوارئ خالد سعيد الشاب السكندرى صاحب القصة المأساوية الرهيبة التى كانت بمثابة الشرارة الأولى للثورة، مثلما كات مصرع الشاب التونسى محمد البوعزيزى الشرارة التى أشعلت الثورة التونسية.
إحياء الذكرى السنوية الأولى لرحيل خالد سعيد بهذه الصورة الجماعية المهيبة يبعث برسائل عديدة إلى عناوين مختلفة.
الرسالة الأولى يلخصها سؤال بسيط جداً: ماهى المكانة التى يتبوؤها اليوم إسم خالد سعيد الذى كان مجرد شاب مصرى بسيط، لا به ولا عليه، وأسماء أولئك الذين قتلوه بعد أن نكلوا به، ثم حاولوا إخفاء فعلتهم الإجرامية بسلسلة من التقارير الكاذبة، وأسماء أولئك الكتبة، الكذبة، الذين كانوا مجرد أبواق تردد الضلالات التى تلقى بها إليهم أجهزة الأمن.
الرسالة واضحة والعناوين معروفة سواء فى أحهزة الأمن أو أجهزة الإعلام.
الرسالة الثانية يطرحها السؤال التالى: لماذا لم يتم خلال سنة كاملة صدور حكم قضائى وبات يضع الأمور فى نصابها ويقرر العقاب العادل لكل من اشترك بصورة مباشرة أو غير مباشرة فى هذه الجريمة؟ وهل هناك مسوغ لهذه العدالة البطيئة التى التى لا نجدها فى قضية خالد سعيد فقط، وإنما فى معظم القضايا الأخرى أيضاً؟
وهل يختلف أحد فى أن العدل البطئ هو الظلم بعينه؟!
أليس من حق الرأى العام أن يخشى من أن يتسبب هذا البطء الغريب، والمريب، فى أن يستطيع الجناة العبث بأدلة إدانتهم أو التأثير على الشهود أو الهرب إلى خارج البلاد؟!
الرسالة واضحة والعناوين معروفة فى وزارة العدل.
***
الرسالة الثالثة هى فى حقيقة الأمر دعوة إلى المقارنة بين هذا الشكل المتحضر والراقى من التظاهر الذى يرفع مطالب محددة، دون تعطيل لمصالح الناس أو عرقلة للمرور أو تهديد للاقتصاد.
وبين أشكال أخرى تسبب كوارث، منها أشكال حدثت فى نفس يوم مظاهرة خالد سعيد يوم الأثنين الماضى.
خذ على سبيل المثال ما حدث فى قرية "بهما" التابعة لمركز العياط بالجيزة حيث نجح الأهالى فى إجبار مسئولى المحافظة على إزالة برج لتقوية المحمول بعد اعتصامهم 17 ساعة، قطعوا خلالها السكة الحديد بين القاهرة وأسوان، وطريق القاهرة – أسيوط الزراعى، كما أشعلوا النيران فى الفلنكات الخشبية والحشائش والأشجار على جانبى الطريق، مما أدى إلى توقف حركة السيارات والنقل تماماً.
فماذا كان رد فعل الإدارة؟
توجه اللواء أحمد جمال الدين مساعد وزير الداخلية والدكتور على عبدالرحمن محافظ الجيزة واللواء عابدين يوسف مدير الأمن، إلى القرية للتفاوض مع المعتصمين، وانتهى الأمر إلى قرار إزالة البرج فوافقوا على فض اعتصامهم وفتح الطريقين.
وليست هذه أول مرة يتم فيها قطع خطوط السكة الحديدية. ولنا أن نتذكر أن هيئة السكة الحديد قدرت خسائرها الناجمة عن قطع خطوطها منذ 25 يناير حتى الآن بخمسين مليون جنيه نتيجة 40 حادثاً من هذا النوعية.
وليس ما نناقشه الآن هو ما إذا كانت مطالب المحتجين فى هذه الوقفات مشروعة أم لا. فهى على الأغلب مشروعة فى معظم الحالات نتيجة لاتساع نطاق المظالم الموروثة من نظام كان قائماً على تحالف الاستبداد والفساد.
وليس ما نناقشه هو حق المصريين بكافة طبقاتهم وفئاتهم فى التظاهر والاعتصام والاضراب.
فهذه كلها حقوق أساسية من حقوق الإنسان لا يجب الجدال فيها أصلاً أو محاولة الافتئات عليها بأى صورة من الصور.
لكن الأصل فى ممارسة كل أشكال ممارسة حريات التعبير أن تتم بصورة منظمة وسلمية مثل تلك التى رأيناها فى ذكرى خالد سعيد.
والقاعدة الذهبية بهذا الصدد هى : أنت حر مالم تضر.
وإذا طبقنا هذه القاعدة على ما حدث فى قرية "بهما" فإن من حق الأهالى أن يرفضوا بناء محطة تقوية المحمول، ومن حقهم أن يعتصموا ويتظاهروا ويضربوا حتى تتحقق مطالبهم.
لكن ليس من حقهم قطع خطوط السكك الحديدية.
ليس من حقهم إحراق الفلنكات.
لأن فى هذا وذاك تعطيل لمصالح آلاف مؤلفة من الناس سواء من داخل القرية أو من خارجها، وإتلاف لممتلكات عامة.
والرسالة واضحة، والعنوان معروف أيضاً، ويحتاج الأمر إلى تنظيم ممارسة التظاهر والاعتصام والاضراب.
ونحن لا نخترع العجلة.. فهذا التنظيم أمر مستقر عليه ومفروغ منه فى كل البلدان الديموقراطية.
وبدون هذا التنظيم – الذى لا يجب أن يصادر الحق فى التعبير بأى صورة من الصور والذى لا يجب أن يقيد ممارسة هذا الحق – تتحول الديموقراطية إلى فوضى، وتخريب وتعطيل ومصادرة لحقوق المجتمع كله.
بل ويمكن ان يتحول العبث بسلاح الاعتصام والتظاهر والاضراب إلى تهديد الثورة ذاتها وتقديم خدمات جليلة للثورة المضادة على طبق من ذهب، وتزويدها بذرائع إضافية لتضليل الناس.
وليرحم الله خالد سعيد وكل شهداء الثورة ، وليرحمنا جميعاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر