الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاتجاه الاجتماعي في أدب يوسف عزالدين

وديع العبيدي

2011 / 6 / 8
الادب والفن


أمران في سيرة الدكتور يوسف عزالدين، تركا أثرهما المستمرّ على حياته الاجتماعية ونسيج نتاجه الفكري والثقافي..
- معاناته العائلية في عهد الطفولة نتيجة تبدّل الظروف الاقتصادية والسياسية مع ولادة الدولة العراقية، وتأثيرها المباشر على عائلته وشخصه باعتباره الطفل البكر لعائلته.
- عمله معلما في قرية إمام قاسم وتحسسه معاناة الفلاحين وآلامهم عن قرب.
بدء.. اسم (يوسف عزالدين) هو إسم مركب، دعاه به والده تيمنا باسم وليّ العهد العثماني، وهو إسم مفعم بدلالات تاريخية وروحية زاخرة وايجابية. ولكن.. على رغم الاحالات التاريخية لاسمي (يوسف ابن يعقوب النبي) الذي صار نائبا لحاكم مصر، و (يوسف عزالدين ولي عهد السلطان العثماني) فأن الاتجاه الفكري والنفسي للأديب الدكتور يوسف عزالدين اتجه نحو قاعدة المجتمع العريضة ممثلة بالطبقة الكادحة ومعاناتها شظف العيش، فوظف لها حياته ونتاجه العلمي الأكاديمي في أكثر من خمسين كتاباً.
أول مسرحية شعرية عن (الفلاح)..
أول ثمار توجهه الاجتماعي الانساني كان مسرحية شعرية بعنوان (الفلاح) كتبها أيام اشتغاله بالتعليم في قرية إمام قاسم، تتناول معاناة الفلاحين وصراعهم مع الاقطاعي الذذي يستلب جهودهم. ومن تلك القرية كان ينشر كتاباته في صحف تلك الأيام. وحسب توصيف الصحفي الرائد فيصل حسون، كان يوسف عزالدين –المراسل الصحفي الأصغر سنا يومذاك- المعلم والمدير الوحيد في تلك القرية المنعزلة والمقطوعة عن أسباب الحياة الحديثة في لواء ديالى في ثلاثينيات القرن العشرين المنصرم.
المطالعة و.. (الثقافة الاشتراكية)..
اهتمّ يوسف عزالدين بالمطالعة في سنّ مبكرة، إذ يتخذ من حكايات والده الشفاهية وقراءاته الشعرية أثناء انتقالهم بين (شهربان) و (بعقوبة) على ظهور الدّواب أحيانا بداياتٍ جادّة لتنمية تلك الذائقة التي قررت مستقبله الأكاديمي والثقافي. وفي مذكراته يذكر زملاء (رفاق) المطالعة في أيامه ومنهم الاديب والمترجم الكبير الاستاذ يوسف عبد المسيح ثروت وعبد المجيد حسيب القيسي، والكتب التي كانوا يتداولونها للمطالعة في تلك الفترة المبكرة من تاريخ مدينة بعقوبة. ويخصّ منها بالذكر الكتب الاشتراكية والماركسية التي كان لها بريق وجاذبية خاصة بين شباب ومثقفي الطبقات الفقيرة والكادحة في المجتمع العراقي وهو يطمح لمستوى حضاري لائق و غدٍ حرّ كريم.
انشاء مكتبة عامة في بعقوبة..
ومن مظاهر الانفتاح في تلك الفترة، فسح المجال لتلاقح الثقافي مع الوظيفي، والاستفادة من الخبرات الشخصية لمنفعة الصالح العام، حيث يجري انتداب يوسف عزالدين من التعليم الابتدائي لتنفيذ وانجاز فكرة إنشاء مكتبة عامة في بعقوبة. حيث يجري تخصيص بناية حديثة خاصة بها في وسط المدينة وقريبا من مركز السوق. وهي مكتبة عامرة وغنية بمختلف المصادر والمراجع التي تغطي كافة جوانب ومجالات الثقافة والعلوم والحياة. –وذلك حسب زيارتي الخاصة للمكتبة في بدايات السبعينيات-. تقع المكتبة في ساحة استدارة العجلات (أربعة شوارع)، منها الشارع المتجه نحو نهر خريسان. وكانت توجد في ذلك الشارع على نفس جانب المكتبة العامة مكتبتان أهليتان، ومع انطلاقة الدار الوطنية للنشر والتوزيع والاعلان في السبعينيات افتتحت لها مركزا عامرا في ذلك الشارع نفسه، وفي نهايته المرتبطة بشارع الكورنيش على خريسان.
ان كثيرا من مدننا لمّا يزل، يكاد يخلو من مكتبة عامة عامرة وحديثة، مما يترك نقصا كبيرا في الحياة الاجتماعية لتلك المدن وفي تكوين وبناء النسيج الثقافي والاجتماعي لأبنائها. والمرء.. لتحده أمنية، أن يجد مسعى جادا، لانشاء مكتبات عامة في كل مدينة ومحلة وقصبة، مجهزة بوسائل الاتصال والثقافة الحديثة، لتساهم في بناء حياة انسانية جديرة، وتمتص كثيرا من وقت الفراغ الذي يستهلك دوامات النهار الطويلة. وذلك عبر أوقات افتتاح تغطي حاجات الأهلين. ان المكتبات العامة ظاهرة مدنية حضارية راقية و "أرجو أن لا تبقى مجرد أمنية".
ان انشاء المكتبة العامة في ذلك الشارع كان حافزا لبثّ حركة ثقافية عامة في حياة المدينة وذلك الشارع تحديدا، وجدير بالذكر أن ذلك الشارع احتضن مبنى سينما (النصر)* وهي واحدة من أثنتين كانت الأخرى مطلة على خريسان قريبا من طريق بغداد الرئيسي، وكان اسمها سينما بعقوبة القريبة من بار متى يومذاك. ومن المكتبات الأخرى في المدينة، واحدة تقع قبالة الحسينية في شارع السوق الرئيسي الذي يحمل نفس الأسم. ومن صفاتها أنها كانت تغير اسمها من وقت لآخر، ومن تلك الأسماء، مكتبة الطليعة، مكتبة الامام الصادق. وكانت هناك مكتبات أخرى للقرطاسية ومستلزمات المدرسة.
القيم التربوية والثقافية..
يقول الدكتور في سيرته الذاتية، أنه لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب. لقد بدأ من الصفر. وكان عليه وهو طفل صغير أن ينتقل من مدينة إلى أخرى لاكمال سني دراسته الابتدائية. ويتحدث بتفصيل عن استضافته لدى عائلة قريبة من أجل ذلك، وما كابده من آلام نفسية خلالها، وما عاشه من صراع، كان يفترض منه التحمل والمجالدة لاستكمال دراسته بنجاح. ويصف تعلق والده به واهتمامه بأن يكون له مستقبل لائق، جعل الطفل يحتمل كلّ شيء لكي لا يخذل والده ويحقق ما يرتجيه منه.
في سنوات الابتدائية وفي السنة الثانية يتعرف إلى عبد المجيد حسيب المحامي* لاحقا، ولكن تلك العلاقة سرعان ما تنقطع مع انتقال عائلة عبد المجيد إلى مدينة أخرى. ويصف الدكتور المباريات الأدبية التي تتيحها المدرسة للطلبة المتفوقين والمتميزين في أيام الخميس، وما تتركه من حافز مهم وعامل دعم وتشجيع للطالب على طريق الحياة والمستقبل. ما أودّ تأكيده هنا هو دور الانفتاح والتشجيع في مساعدة الشخصية على النمو والتفوق والتطلع الانساني.
ان مكابدات الحياة ومناكدات الأقارب والزملاء تترك آثاراً سلبية على مشاعر الانسان وتكوينه النفسي والاجتماعي. ولكنّ من يعرف يوسف عزالدين الانسان وما تعتمر به نفسه من تعفف ومحبّة وتسامح ، يقدر عاليا تلك المقدرة الذاتية العالية على توجيه مواقف الحياة ومفارقاتها وجهة بناءة ايجابية تعتمد الصبر والحكمة وبعد النظر. بعبارة أخرى.. الانحياز لما يبقى وينفع، ونبذ الانفعال والطارئ.
حدّثني مرة عن شخص، لم يذكر اسمه كالعادة، كان مسؤولا ذات يوم، قصده الدكتور في أمر وظيفي فرفض. يقول الدكتور أنه بعد ذلك بزمن، اختير مسؤولاً عن تنظيم احتفال ثقافي لابن رشد ووجد ضمن طلبات المشاركة طلباً لذلك المسؤول السابق. وبعد إجازته وجد صاحب الطلب يزوره ذات يوم ويقول له: أنه كان يتوقع منه رفض طلبه كما رفض هو طلبه من قبلُ. لقد كان يعتقد، حسب قناعته، المعاملة بالمثل. لكنّ الدكتور تجاهل الموضوع، ولم يترك الماضي يسيطر على حاضره وفكره.
لم يقطع علاقته مع من أساء إليه. ولم يبادل الشيء بمثله. لا يعتب ولا يلاحق الكلمة ولا يردّ على كلمة سوء أو نقد، بل يعزو كلّ شيء للمحبة، ويمتنّ كثيراً للاهتمام والتواصل. بذلك كان الثقافي ينسجم ويتكامل مع الشخصي، فلا يترك فرصة للتناقض أو الازدواجية بين الشخصية ومحيطها الاجتماعي.
لقد آمنَ الدكتور يوسف عزالدين السيد أحمد السامرائي البعقوبي أن "الحبّ قوَّة، وانفتاح، وتواصل، واتحاد، وتقبّل"*، وعاش بايمانه ومثله.
يتبع..
يونيو 2001
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• عبد المجيد حسيب القيسي، كاتب ومترجم لعديد من الأعمال الأدبية، من بينها: مذكرات أميرة عربية.
• عماد سامي سلمان- كيف ننتصر في معركة الحياة- دار بيسان- دمشق- 2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم الممر مميز ليه وعمل طفرة في صناعة السينما؟.. المؤرخ ال


.. بكاء الشاعر جمال بخيت وهو يروي حكاية ملهمة تجمع بين العسكرية




.. شوف الناقدة الفنية ماجدة موريس قالت إيه عن فيلم حكايات الغري


.. الشاعر محمد العسيري: -عدى النهار- كانت أكتر أغنية منتشرة بعد




.. تفاصيل هتعرفها لأول مرة عن أغنية -أنا على الربابة بغني- مع ا