الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من وقائع الثورة في ليبيا # 6

حامد حمودي عباس

2011 / 6 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


بدأت حال وصولنا الى المعبر الليبي ، أولى اجراءات العسكر للاشراف على عملية العبور ، وذهبت سدى كل توسلات سائق السيارة وصاحبه بأن يتم نقلنا وحقائبنا الى نقطة التفتيش المقبلة داخل المركز الحدودي .. حيث أصر الجنود على ان نترجل عن المركبه قبل ان نجتاز عارضة حديدية طويله تبعد حوالي 300 متر عن النقطه الاخيره .. واضطررنا الى تغيير السيارة بسيارة اخرى ، قالوا لنا بان صاحبها يحمل جواز سفر يؤهله لنقلنا الى داخل الحدود التونسيه .. وكان وداع مؤثر بيننا وبين من قام بإخراجنا من بوتقة الخطر .. المركز الحدودي لم يكن مكتض بالناس كما هي حاله في بداية المعارك .. تقدمت صوب شباك مراجعة الاجانب والاخوة العرب كما توضحه يافطة صغيرة مثبتة هناك ، واستلم الموظف جوازات سفري وعائلتي ، وما إن تصفحها بسرعة حتى ركنها جانبا وأشار علي بالوقوف جانبا ريثما يفرغ من اكمال اجراءات عدد من المراجعين الاخرين .. بعد حين ، دعاني اليه وبدأ للمرة الثانية يتصفح الجوازات :
- كيف لك ان تغادر وجوازسفرك منتهي الصلاحية ؟ .
- لم اتمكن من تمديد فترة النفاذ لعدم وجود سفارة عراقية في طرابلس .
- طيب .. لماذا لم تقم بنقل تأشيرة دخولك ودخول افراد عائلتك من جوازاتكم القديمه الى الجديده ؟ .
- كنت أنوي القيام بذلك ، ولكن الاحداث الاخيرة منعتني .
- على كل حال .. انها مشكلة عويصه ، وعليك العودة الى طرابلس لحلها .
- حاول ان تساعدني وانت تعلم بان الاوضاع تضطرني للمغادرة .
كان العرض مباشرا من قبله لحل المشكلة ( العويصه ) .. وجاء قبولي فوريا لعدم وجود سبيل اخر يدفع بي خارج دائرة النار .. وسرعان ما قام بختم جوازات السفر ، وسرعان ما تحركت وكأنني اقفز قفزا الى ما بعد العارضة النهائية للحدود ، فاصبحت بعد لحظات عند نقطة اخرى ، يرتدي افرادها بزز عسكرية مغايره ، هم من أفراد الجيش التونسي .
أحاط بي عدد من الرجال المدنيين ، وبشكل أوحى لي بأنني وسط حدود مراقبة قد تكون نظامية لمن يغادر ليبيا في هذه الفتره ، ولكنني علمت بأنهم من تجار تصريف العمله .. سألت أحدهم بعد ان توددت له .. هل أن الامر كان يجري وبنفس هذه الطريقة في عهد الرئيس بن علي ؟ .. فاجاب بالنفي ، لكون ان نظام بن علي اكثر حزما في تطبيق القوانين .
لقد اوحت لي الفكرة ، بان اقوم في دواخلي وانا أنتظر نتيجة استلام جوازات السفر من قبل الضابط التونسي ، بمحاورة فكرة طالما راودتني حول صحة أن يكون للحكم الديكتاتوري في بعض صوره فائدة بعينها في إرساء صيغ الحياة السوية ، لا سيما في بلادنا العربية ، ولطالما أيضا حاورت مع نفسي نتائج حققتها بعض الانظمة الدكتاتورية في منطقتنا ، ضمن مجال السيطرة على مفاصل الفساد الاداري وتقليص عقد الروتين ، تلكم المفاصل والعقد التي انفرطت واصابها التسيب ضمن ما يقال عنها بالانظمة الديمقراطية ، حتى أصبح عدم الالتزام وامتلاك ناصية الأمان من العقوبة ، سببا في عدم احترام حقوق الانسان واستشراء عوامل الفساد الاداري والمالي وبشكل شبه علني ، وكانت من النتائج المرعبة لهذا الانفصام المجتمعي في الدول التي نالت حريتها من نير الاستعمار وبناء انظمتها المستقلة ، ومن ثم ازاحت عن كاهلها ثقل الخضوع للحكم الدكتاتوري وبعمليات قيصرية ومفاجئة في الغالب ، هي أن فقدت مقاييس المؤسساتية في الدولة ، وبدت واضحة ملامح التسيب في اهم محاور البناء العام ، واهم تلك المحاور ضعف الخدمات وحدوث عرقلة مزمنة في تطوير البنى التحتية للمجتمع والدولة معا .
إنني أرى بأن شبحا من الفوضى المرعبة سيطال تأثيره مفاصل المجتمع الليبي ، لو قدر له أن ينتقل وبلا مقدمات ، مما أسميته بالحصار الاجتماعي الى الحرية المطلقة دون أن يفهم افراده ماهية الثوابت الاساسية لتلك الحرية ، ودون ان تأتي على رأس هرم السلطة الجديده ، قوى تتفهم ضرورات هذا الانتقال ، لتضع مقدما حيثيات من شأنها أن تكون صمام للأمان ، تحول دون حدوث خراب مدمر لو ترك الأمر للصدف فحسب ..
غادرني تجار تصريف العمله فور علمهم بأنني لست ممن يحققون ربحا يستحق ما يقومون به من عناء الملاحقه ، ولم اكن اعرف بالضبط ، لماذا يقوم ضابط الجوازات بتركي دون ان يبين لي أسبابا بعينها لذلك .. وفجأة أشاروا علي بتقديم حقائبي للتفتيش ، وقد حضر من استلم جوازات سفري معرفا نفسه لي بأنه ممثل للأمم المتحدة ، وأنه سيقدم لي المساعدة المطلوبه ابتداء من نقلي الى مخيم لأيواء اللاجئين .
إذن .. فقد اصبحت الان ، وبقدرة قادر ، لاجيء وفي عهدة المنظمات الدولية المختصه .. كم حاولت ان احضى بورقة تمنحني صفة لاجيء لدا مكتب رعاية شؤون اللاجئين في طرابلس .. وحين بلغت المرحلة الاخيرة من الاجراءات المتعلقة بمنحي هذه الصفة .. ودون بقية العراقيين الاخرين في ليبيا برمتها ، ساق لي حضي العاثر ، أحد اخواننا العرب ، من الحريصين على سيادة أواصر الحكم بتعاليم ديننا الحنيف ، ليجري معي مقابلة دامت اكثر من ساعتين ونصف .. وما إن علم من خلال حواري معه ، بانني من أنصار العلمانية كمبدأ من شأنه أن ينظم مسيرة حياتنا المدنية والسياسية ، حتى اعلن نيته في القتال من أجل حرماني من الاستفادة مما اوشكت على بلوغه ، باتجاه العيش في كنف مجتمعات تخلصني من مغبة هذا الترحال القاسي بين احراش غابات التخلف .. حاولت عبثا أن أقنعه بأنني استحق الهجرة الى عالم يحميني من الموت تحت وطأة القهر ، ويقتل في روحي وعقلي امكانية العطاء المفيد .. غير أنه أحجم وبإصرار عن قبول اي عذر قدمته له بهذا الصدد .. وكان ينظر لي بشزر ، ويوجه لي استفسارات تعجيزية جعلتني أشعر بإحباط من ينل قصب السبق في سعيه الحثيث باتجاه ما يريد ، ثم فجأة ينهار كل شيء من أمامه .. النتيجة ، هي انني تم رفض طلبي بمنحي صفة لاجيء ، نتيجة لتقرير قدمه بهذا الشأن ذلك الاخ في الدم والدين .
تقدمت صوب المنطقة التي تجمع فيها عدد من رعايا دول شتى وهم بانتظار الايعاز بالخطوة القادمه .. شعرت حينها بانني اصبحت حرا .. وبدت لدي رغبة ملحة في ان أنط كبقية الاطفال في الساحة المليئة بالبشر ومن كل الالوان .. وكانت أولى بوادر الشعور بالانعتاق ، هو أنني تيقنت تماما من كوني بمقدوري التحدث عن أشياء كنت لا استطيع التحدث عنها في الصباح الباكر لهذا اليوم .. من قال بأن الخبز ينفع دون ان يداف بملامح الحريه ؟ .. أنا الان اتجول على التراب التونسي ، وشغف حب الاطلاع يتملكني ، ويدفعني لاقتحام عوالم كل الموجودين معي في ذلك المكان المحايد .. وكان لي ما أردت ، مع كوني لم أعتد بعد تماما على التصرف دون بقايا من خوف .
يتبع
راس إجدير - تونس
16 / 5 / 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الابتذال الدينى
فاتن واصل ( 2011 / 6 / 8 - 22:14 )
إذن أستاذ حامد عرض عليك صراحة من أحد سماسرة الدين أن تنضم فى مقابل الأمان وحق اللجوء ...وهل هناك ما هو أكثر ابتذالا من هذا العرض ؟ فى مصر نتعرض لفترة قاسية من الفوضى والانفلات الأمنى والتشكيك فى كل شئ وأحيانا يسمونها الثورة المضادة .. ولكنى أرى أنها تشوهات تراكمت على مدى ما يقرب من نصف قرن فهل من العدل أن نتوقع انقشاعها كسحابة ؟ لا نعرف الى أين تأخذنا الخطى وهناك غموض شديد فى الرؤية ،وصراع حاد للقوى الرجعية الأصوليين السلفيين والاخوان على الاستيلاء على الحكم ، فماذا عن تونس .. ننتظر وجهة نظرك ونقلك الشيق للصورة وحمد الله على السلامة


2 - !!هذا ما فعلة حكامنا ..لاجئين
محمد حسين يونس ( 2011 / 6 / 9 - 05:17 )
اصبحت هذة البلاد غير صالحة لمعيشة البشر .. ولكن هناك ايضا غير صالح لمعيشة العرب .. ماذا نفعل غير المحافظة علي النفس من كارثة المرض او العجز .. اشعر بما تفضلت وكتبتة فلقد حدث لي منذ 44 سنة علي ارض اسرائيل عندما اصبحت في رعاية الصليب الاحمر ..خليط بين الحزن الشديد و الراحة لان اصبح اسمي مسجل عند من سيدافع عني


3 - قصة محزنه عندك نصفها وعندي بدايتها
االدكتور صادق الكحلاوي ( 2011 / 6 / 9 - 21:54 )
تحية حاره اخي استاذ حامد حمودي عباس وشكرا لك على هذه السلسلة التراجيدية من المقالات عن الشخص-قذافي-ونظامه الظلامي والبيئة التي تكونت فيها جماهيريته العظمى
مثلك بالتاءكيد ولكن قبلك ربعا بعقدين بعد ان فصلت من الخدمة الجامعية بمملكة صدام عام 77 حيث اضطررت للسفر للخارج لسنة ونيف في اليمن اللاسعيد ثم منذ 79الى93 في ليبيا بجامعاتها الثلاث -حينئذ اي ل14 سنه
طبيعي ان البداية تختلف الى حد كبير عن سنوات التسعينات وما بعدها ولكنه ليس اختلاف نوعي عميق
اسلوبك استاذي جميل وساحر ولولا عمري وصحتي لاقترحت عليك باءن تتكامل تجربتينا بكتاب قد يكون نافعا حتى لليبيين انفسهم
انا شخصيا فرح جدا لسقوط طاغية ليبيا وهو منطقيا -كما تقول حضرتك-وفي هذه الايام فعليا ايضا اصبحت قاب قوسين او ادنى
ان اشارتك ذات المعاني النفسية الاجتماعية ذات التداعيات الاقتصادية السياسية-عن الموقف اللاشبيه له في العالم من العمل عند اخوتنا الليبيين تعتبر قضية مركزية لاادري اذا كان قادة الثورة والتطلعات التمدينية الدمقراطية من الليبيين على علم بها ام لا
هل تعلم اخي ا حامد ان شبيها لهذا ظهر عندنا في العراق
افلاس شركة التنظيف التر

اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن|فيديوهات مرعبة! هل انتقلت البلاد إل


.. مصابون في قصف من مسيّرة إسرائيلية غرب رفح




.. سحب لقاح أسترازينكا من جميع أنحاء العالم.. والشركة تبرر: الأ


.. اللجنة الدولية للصليب الأحمر: اجتياح رفح سيؤدي لنتائج كارثية




.. نائبة جمهورية تسعى للإطاحة برئيس -النواب الأميركي-.. وديمقرا