الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


براعة الماء-قصة قصيرة

عبد الفتاح المطلبي

2011 / 6 / 9
الادب والفن


براعة الماء – قصة قصيرة
عبد الفتاح المطلبي
في تلك اللحظة هائلة الضحك، زال ذهولي و تململت ذرات الدهشة فانتبهت ، كان الأمر ببساطة يكمن باستمرار لحظة الطفوله و فخامة الوجود المدهش و العبقري للأشياء....و عندما انتبهت خطوت إلى الأمام ببطيء وكانت دائما تقف أمامي مرآة لكنني لم ألحظها أو قل إنني لم ألحظ اندحاري المستمر عليها إلا بعد خمسين سنة ، خمسون سنة من الدهشة و الذهول كنت واقفا في باحة الكون الخلفية، معجبا بنهير صغير يصنعه المطر و بنملة مصرة على حمل قشة و بعصافير عاشت دائما لا تملك أحلاما فهي لا تفتأ تلتقط لحظتها و بالكاد تلحق لم هي وجلة هكذا ؟ ، تحط وجلة ، تطير وجلة و بينما أسحب نظراتي إلى محيط هيكلي المتهالك ذي السبع و خمسين سنة صرعني صرير مريع و عزيف كعزيف الجن في الأودية المسكونة بقبيلهِ ، فكان المشفى نُزلي الأخير و بعد نضال مرير في محاولتي لأن أكون نزيلامثاليا في مشفى الحكومة البائس فاجأني الطبيب بإبلاغي أنني بإمكاني أن أغادر مشفاه اليوم و في الحال،
قلت للطبيب: وهذا الصرير الذي يثقب أذني
ضحك الطبيب و قال: هذا من الدواء ، أنت تعلم لا أخذ دون دفع ثم أردف:
- إصبر عليه سينتهي يوما ما -

عجبت لكلام الطبيب البديهي و السطحي كيف فاتني؟ لكنني عذرت نفسي بما أنا عليه و لم أعذر الطبيب وكان ذلك واضحا من نظراتي إليه ومن موقفه المريب تجاهي ، فبعد كل هذه المعاناة و التسليم بما يفعل هذا الطبيب اكتشفَ ما ترمي إليه نظراتي المستريبة وحاول جاهدا أن يخفي ذلك بطيات حديثه الأبوي الجليل ، إلا أنه فشل في تحويل انتباهي عما أفصح به كلامه من لحظة يأس ، هكذا شددت قبضتي على عكازي وخلفته منهمكا بجملة أخرى لمريض آخر....
حالما رفعت يدي وقفت ثلاث سيارات صفراء ، كاد أحدهم يضرب الآخر لولا اللطف الإلهي و شطارة أحدهم الذي انزلق بسيارته رهوا بمحاذات الرصيف الذي أقف عليه ، ربما تتسائلون عن سر صغير ، أنا بنظر الثلاثة مشروع آخر عادة يكثر المريض من سخاءه وكأنه جندي سيستلم كتاب تسريحه عما قليل فيبادر إلى توزيع كل مقتنياته في المعسكر ، ثم لا تنسوا أعوامي السبعة و الخمسين التي تؤهلني لأعطاء ما يطلب سائق التاكسي دون نقاش تلافيا لامتعاضه من رجل مريض يخرج توا من عيادة الطبيب و هو يصر في هذه الأحوال على أنه الضحية ، هكذا وصلت البيت مع ابتسامة مصطنعة عريضه تربك الناظر فهي لا تشي بارتياح ولا انزعاج و ذلك أمر محير بالنسبة لمستقبلي (الذي يستقبلني) ، ليس أمامه سوى الرد بابتسامة مماثلة تدعوني للضحك ولا تستر حيرته وهكذا رحت أدندن لحنا قديما لحضيري أبو عزيز* عمي يبياع الورد ..... دم دام دم دام...دمدم
انتبه الجميع على نزقي الذي لم يتوقعه أحد، ولم يوقف هذا النزق الذي أمارسه على حافةٍ ما إلا مذيع التلفزيون وهو يعرض لنا دراما الرصاص و الدم و الإجادة الكبيرة للضحية بإداء دوره على شاطيء دجلة في قضية (عروس الدجيل) ، حقا سحقني الأمر، كان الوقت يقارب العاشره ليلا و الحر لا يطاق ، ما كان علي إلا الهروب نحو بعد آخر بعد لولبي تتحرك فيه روحي بمسار حلزوني نحو هوة ما و لم تكن بوابة ذلك المسار إلا الرقود بسلام على سريري الذي سيشهد في يوم ما إحتفالي الأخير
لم أستطع النوم ، مرت ساعة ، ساعتان ، لكنني يقظ لم أنم بعد وسبب ذلك استمرار اندهاشي من قدرة الضحية على استيعاب لحظاته الأخيرة إذ أركعوه على ركبتيه بحيث غمره الماء لحدود حزام بنطاله الذي بقي ، وذلك عجيب ، متماسكا مشدودا لآخر لحظة عندما دوت الرصاصة ، كان الضحية دقيقا جدا إذ لم يسقط على وجهه في الماء إلا بعد إن اخترقت الرصاصة جمجمته و قذفت شيئا من الدم إلى وجه الماء و كأن الماء المفجوع بالضحية و أعتقد أن ذلك قدر الماء في شاطيء التاجي ، كأنه مدّ ذراعيه مستقبلا الضحية ببراعةٍ لا يجيدها إلا الماء و أظن أن الإرهابي المتمكن من صنعته قد كان موفقا باختيار نوع كامرته الديجتال و كان متمكنا من زاوية لا يعرفها إلا هو، احتظن الماء الضحية بعد إن موه المنظور بقليل من لون الدم الأحمر ثم أخذا معا الضحية والماء بهمس لا يخص القاتل الذي انتقل إلى ضحية أخري تنتظر دورها ، .
في هذا المونولوج المستعاد على سريري و الذي طرد النوم من عيني عزاء لما لوح لي به الطبيب إذ قال : إصبر لا بد للصفير في رأسك أن ينتهي يوما ما ، وبذلك كان الصفير في رأسي دليلا على الحياة مثلما كان الدم الذي شخب من جمجمة الضحية دليلا على الموت الحقيقة كنت قلقا من مرور الموت على كياني دون أن أرقبه وهو يستل روحي إذ إنني كرهت هذا الإشتباك السريع بين الضحية و مصيرها ولم تكن هناك أدنى مساومة مع المصير ولو للحظات، أضن أن ذلك هو سبب عدم نومي ، و الان صاح ديك جاري ذي الصوت الأجش معلنا بزوغ فجر جديد و علمت أنني لا زلت حيا فهدأ بالي و نمت.
ملاحظة هامه: يبدو أن راوٍ ينهي سرده بالنوم كمن يموت فجأة ، لذلك كان نومي مليئا بالحياة إذ رأيت الجميع قد قاموا من اللقطة ، الماء والقاتل و الضحيةُ وكان القتله الباقين والضحايا السبعين كومبارسا في فيلم الكامرة إلا أن الدم رفض القيامة بشدة ورفض الحضور إلى حفل الجوائز ، كان هناك قضاة يشرفون على نزاهة توزيع الجوائز و أنا كنت في نومي أظن أن الماء سيفوز بالجائزة الأولى لبراعته كما أسلفت لكن القضاة المشرفين منحوا الجائزة الأولى للقاتل المقنعّ و الكومبارس(بصراحة شديدة كان الكومبارس لفيفا من القتلة المقنعين وكثير من الضحايا، قرابة سبعين فرداوأنا هنا لا أقلل من شأنهم قتلةً و ضحايا ) وجاء الضحية ذو الجمجمة المثقوبة بالدرجة الأخيرة أما الماء فاستبعد من قائمة الجوائز و انضمّ إلى الدم الذي رفض بشدة القيامة من الماء ووجدتني متعاطفا معهما و منددا بجوائز القضاة و أكملت نومي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتب مسلسل -صراع العروش- يشارك في فيلم سعودي مرتقب


.. -بمشاركة ممثلين عالميين-.. المخرج السعودي محمد الملا يتحدث ع




.. مقابلة فنية | المخرجة ليليان بستاني: دور جيد قد ينقلني إلى أ


.. صانع المحتوى التقني أحمد النشيط يتحدث عن الجزء الجديد من فيل




.. بدعم من هيئة الترفية وموسم الرياض.. قريبا فيلم سعودي كبير