الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابو مازن قبل الرحيل

محمد أبو مهادي

2011 / 6 / 9
القضية الفلسطينية



في الساحة الفلسطينية جملة من المتناقضات المتسارعة والمتلاحقة تتفاعل ويتفاعل معها قطاع واسع من ابناء الشعب الفلسطيني في محاولة لفهم ما يجرى واستشراف المستقبل او استنتاجه في ضوء المتغيرات الحاصلة اقليميا في معظم النظم السياسية العربية، وفي ظل ماكنة اعلام موجهة بامتياز نحو شيء مجهول سياسيا قد يكون "شرق اوسط جديد" مع ما يرافقه من مجاهيل اخرى على المستوى التنظيمي لمختلف القوى السياسية الفلسطينية وفي المقدمة منها حركة فتح باعتبارها الحزب الحاكم في الضفة الغربية وحركة حماس باعتبارها الحزب الحاكم في قطاع غزة.
الحزب الحاكم في قطاع غزة الذي حكم ببرنامج المعارضة والممانعة والمقاومة وحشد موقفه وقوته خلف تلك الشعارات فجاة وبدون تمهيد او تقييم او شراكة حقيقية مع قادته المؤثرين انقلب على الرؤية والبرنامج عندما اقدم رئيس مكتبه السياسية في 4 مايو 2011 على تفويض الرئيس عباس للتفاوض مع اسرائيل وتجربة فرص التفاوض التي طالما اكد الجميع وفي المقدمة منهم حماس على فشل هذا الخيار التفاوضي امام صلف وعنجهية حكومة اليمين الاسرائيلية بزعامة بنيامين نتياهو، هذا التفويض الذي شكل انقلابا حقيقيا على الموقف التاريخي لحركة حماس ترافق مع محاولات لجم خطيرة لاي معارض لهذا التوجه من داخل الحركة ولعل تجربة القيادي في حماس الدكتور محمود الزهار مع رئيس واعضاء المكتب السياسي للحركة كانت خير دليل على ذلك .

اما الحزب الحاكم في الضفة الغربية بزعامة ابو مازن رئيس الحزب ورئيس السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وصندوق الاستثمار ومهندس اتفاق اوسلو، فقد حمل رئيسه في الاوانة الاخيرة جملة من المتناقضات اصبحت عصية على الفهم في ظل الفشل الذريع الذي لحق ببرنامجه السياسي التفاوضي وبات يتخبط في عدة اتجاهات كالغريق الذي يتعلق في قشة، وليتحول لاحقا الى غريق يريد ان يغرق هو ومن معه.
التناقضات التي تصدر عن مواطن او كاتب او معارض قد تكون لها ما يبررها نظرا لانه لا يرى المشهد كاملا في محافل صناعة القرار الدولي او المحلى، ولكن القرارات والمتناقضات التي يحملها رئيس سلطة هي الاخطر من نوعها لما تحمله من مؤشرات غياب الرؤية والاستراتيجية وغياب البدائل الواقعية والحقيقية التي قد يتبناها في مفابل الفشل لمشروعه السابق.
في اول اعلان للرئيس حول نيته بعدم الترشح لموقع الرئاسة اذا ما جرت انتخابات، اعتقدت كما اعتقد الكثيرون وبردة فعل عاطفية ان هذا الرجل زاهد في موقعه ويريد حقيقة ان يعيش مثله مثل اي مواطن حالة من الاستقرار الاجتماعي الاسري، ولهذا اعجبت كثيرا بموقفه وتمنيت ان لا يفعلها ويغادر هذا المكان، رغم ان امنيتي هذه تتعارض مع عدة قضايا مقتنع بها وانظر لها باستمرار ومنها على سبيل المثال لا الحصر ان من يفشل عليه الرحيل، ومن يخطئ يجب ان يحاسب، وان الشعب الفلسطيني لديه الكثير من القيادات والزعامات وقادر على اختيار الافضل منها لقيادته والسير معه.
لم يدم اعجابي كثيرا لاكتشف بعد اطلالة وتفكير في خطوات هذا الرجل التي تحمل خطورة شديدة بالمعني السياسي تترافق مع خطورة اكبر بالمعني التنظيمي الخاص بحركة فتح والخاص بمنظمة التحرير وعلاقته مع الشركاء الطبيعيين فيها وبمصير التيار الوطني الفلسطيني الذي تلعب حركة فتح دورا مركزيا فيه، ويخفي هذا الرجل خلف موقفه من عدم ترشيح نفسه من جديد صراعا رهيبا ومريبا يتزعمه وليصبح معه مشروع ديكتاتور صغير، ولكنه ديكتاتور فاشل كحامل لمشروع ، وفاشل كقائد سياسي وحليف لشركاء دافعوا عنه وساروا معه في محطات مختلفة.
هذا القائد اعلن في اكثر من مناسبة بانه لن يتفاوض او يجلس مع رئيس وزراء اسرائيل طالما استمرت في توسعها الاستيطاني، ليسقط هذا الاعلان في اقرب دعوة وجهتها له الادارة الامريكية في حينه، ثم جاء ليعلن انه ذاهب الى الامم المتحدة لاعلان الدولة ليتراجع بعد ايام ويذهب الى نفس المؤسسة الدولية بمشروع ادانة الاستيطان وليسقط هذا التراجع امام فيتوا امريكي هو يعلمه مسبقا، ليعود يلوح بالذهاب مرة اخرى بمشروع الدولة الفلسطينية في سبتمبر القادم كاستحقاق سياسي ثم يتراجع ويقبل بالمبادرة الفرنسية التي حملت في ثناياها ترحيلا مسبقا لملفي القدس واللاجئين وخفضا للسقف التفاوضي الفلسطيني حتى قبل ان تقبل اسرائيل بهذه المبادرة بما تحمله من ثغرات تصب في صالح موقفها، ويعود مجددا ويطلب على لسان احد قادته في منظمة التحرير بالطلب من الولايات المتحدة العودة الى المفاوضات في اقصى تجليات التعبير عن عدم صدقه وقناعته في التوجه الى الامم المتحدة في سبتمبر القادم.
قائد لشعب يدعوا شعبه بعد انسداد افق التسوية السياسية لان يقوم بانتفاضة شعبية سلمية على نمط بلعين ونعلين وهذا رائع، ثم يفعل عكس تصريحاته بقرارات منعت في حينه اي تحرك شعبي سلمي للدفاع عن اهل غزة اثناء عملية الرصاص المصبوب، ويجاهرعلى الملأ منذ اشهر قليلة انه لن يسمح باي شكل من اشكال التحرك الشعبي ضد اسرائيل طالما بقي رئيسا للسلطة وترجم هذا الموقف فعليا عبر ممارسات الاجهزة الامنية في هبة اذار لانهاء الانقسام وهبة ايار لاحياء ذكرى النكبة وهبة حزيران في ذكرى النكسة !!!
يعلن ان حل السلطة هو احد الخيارات المطروحة اذا ما فشل مشروع الدولة ولا يضع اية خطة لاستحقاقات هذا الخيار سياسيا وتنظيميا ولا يبني اية خطط او استراتيجيات بديلة لهذا الخيار وكانه ينوى الرحيل ويترك الشعب مجهول المصير.
قائد يدعوا لسيادة القانون وسلطة القضاء وتعزيز الديمقراطية وتزداد ممارسات اجهزته قمعا لمعارضيه ويصادر مختلف انواع الحقوق والحريات الاعلامية والسياسية حتى مع فصائل التيار الوطني " اي شركاء كفاحه في منظمة التحرير"، ويتصالح مع خصومه السياسيين وفي نفس الوقت يتزعم معركة مع اركان قيادته الفتحاوية في محاولة لطمس او اقصاء عناصر القوة فيها في معركة تبدوا شخصية مع محمد دحلان ولكنها ذات ابعاد اخرى تختلط فيها السياسة بالجغرافيا بسلوك معيب كان يجب ان لا يسلكه رئيس يفترض انه رئيسا لكل الشعب.
لقد كان تاكيد الرئيس ابو مازن امام اجتماع المجلس الثوري الاخير بانه لن يترشح مرة ثانية لموقع الرئاسة هروبا من الاخفاقات المتواصلة وترجمة حقيقية لفشله كقائد للشعب ولمشروعه السياسي وكقائد لحركة فتح ومنظمة التحرير ، ولكن المثير للشك ان هذا الهروب يحمل في طياته اخطار اكبر مما هو معلن عندما يترافق مع خطوات تفكيك اركان قيادته الفتحاوية واضعاف موقع حركة فتح مركز الفعل والقرار في منظمة التحرير والتيار الوطني الفلسطيني، وايضا اضعاف الحلفاء الطبيعيين له في منظمة التحرير ويقوم بعقد صفقات محاصصة مع حماس دون مراعاة الحد الادني للشراكة السياسية والاجتماعية مع هؤلاء الحلفاء التاريخيين، وادار ظهره لهم في محطات متعددة الامر الذي دفع ثماني فصائل فلسطينية مهمة في منظمة التجرير لاعلان موقف عدم المشاركة في تشكيل الحكومة القادمة واعتبروها تحاصص ما بين حركتى حماس وفتح مع ان فتح اصبح مشكوك في حقيقة شراكتها بما يدور.
ابو مازن يعلم تماما المتغيرات السياسية الحاصلة في المنطقة، ويعلم انه هناك معركة انتخابية خلال سبتمبر في مصر الشقيقة وان تيار الاسلام السياسي قد يحقق نتائج كبيرة فيها باعتباران هذا التيار هو القوة الاكثر تنظيما في ظل فسيفساء الاحزاب الديمقراطية والتقدمية التي ازدادت تفككا وشرذمة، وفي ظل الاعلان الامريكي اكثر من مرة عن جهوزيته للتعامل مع قوى الاسلام السياسي في المنطقة باعتبارها قوى تمثل وزنا سياسيا واجتماعيا، وهو يعلم اين ستتجه اصوات الناس اذا ما جرت الانتخابات واكتملت الثورات ضد ما تبقى من نظم سياسية عربية اخرى كما كان يعلم ان هناك فوزا محققا لحركة حماس عشية انتخابات الفلسطينيين في يناير 2006 وكان التاريخ يعيد نفسه وكان ما وراء الاكمة ما زال وراء الاكمة !!!
ابو مازن يعلم ايضا ان خيار اعلان الدولة في سبتمبر القادم رغم اهميته وضرورته بانه غير مؤكد في موعده وفي نتائجه نظرا للموقف الامريكي الحاضر باستمرار ضد تدويل القضية الفلسطينية والذي يتماهي معه الموقف الاوربي عند لحظات الحسم السياسي وهذا ما دفع الفرنسيين الى طرح مبادرتهم وقد تطرح مبادرات اوروبية اخرى ....
المجتمع الفلسطيني عانى كثيرا جراء غياب الصدقية السياسية لقياداته المتعاقبة وقد تعرض للكواراث والنكبات المتلاحقة جراء غياب الشراكة الحقيقية في تحديد اهدافه واولوياته، فالقيادات تتناوب تباعا على الشعب وتخوض معارك خاسرة باسم الشعب وفي المحصلة تريد ان يهتف لها الشعب "خليك يا ريس" وهذا لم يعد ينفع امام التحولات الكبيرى التي تجرى في المنطقة وربيع الثورات التي بدات تخط طريقها في صياغة نظم سياسية جديدة ومستقبل جديد لم تعد تنفع معه وسائل المراوغة والتضليل وبدوا ان ابو مازن يغفل هذا التحول ويعتبر نفسه بعيدا عن مجريات التغيير.
ابو مازن ينوى الرحيل بعد مجموعة من القرارت الملتبسة والمتناقضة في ادارة السياسة الفلسطينية وفي ادارة القضايا التنظيمية لحركة فتح ومنظمة التحرير ويريد ان يترك وراءه ركام ما تبقى من حركة فتح والتيار الوطني ومنظمة التحرير في عملية تدمير ممنهجة لا اعرف ان كانت نتاج عقل فردي خاص به ام نتاج تفكير جمعي يملى عليه لصالح صفقات اقليمية ودولية بعد ان تاكد الجميع واقعيا بان المفاوضات والمقاومة بشكلهما السابق وواقع الاستيطان والتوسع في مصادرة الاراضي وتهويد القدس وموقف اسرائيل المحمي امريكيا في ظل الواقع العربي المتشظي والمنهك لن ينتج عنه دولة فلسطينية مستقلة في حدود الرابع من حزيران بعاصمتها القدس ولن يعيد اللاجئين الى ديارهم التي شردوا منها على الاقل في الوقت الراهن وان الدور المطلوب منه حاليا اكثر من اي وقت مضى هو استجماع اوراق القوة وتعزيز مكانة ودور حركة فتح تحضيرا لانتخابات قد تكون الخاسر الاكبر فيها ويخسر معها الجميع وقد تكون رابحة فيها وتشكل ضمانة للنهوض بالمشروع الوطني التحرري للشعب الفلسطيني وتؤسس لركائز مجتمع مدني ديمقراطي علماني يساعد الشعب الفلسطيني عالميا في كسب المزيد من الحشد والتضامن الدولى ويسجل انتصارا اخلاقيا وسياسيا على دولة الاحتلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ولكن ،،،
آدم الغزاوي ( 2011 / 6 / 10 - 15:40 )
لقد أخبرتك سابقا أن التنظيمات الفلسطينية ممثلة برموزها ( متعفنة ) ومحاولة انتقاء رجالات (( ع الفرازة )) كما تحاول يا محمد لن يجدي نفعا ؛ نحن بحاجة يا صديقي إلى تغيير دراماتيكي جذري له علاقة بأبجديات الثقافة والتراث ، اليابان صنعت النهضة على أنقاض عفونة رجالات حربها أولا ، ومن ثم انتفاضة على موروث الخرافة السائد آنذاك لتقدم اليوم للبشرية حضارة يعجز العقل عن تخيلها !!
فلنبدأ معا في محاربة الموروث المتخلف الذي يغذي مناهج تعليم أطفالنا ولنطلق آفاق الشك والريبة والتفكير الامحدود ، بعدها يمكن أن نتكلم عن الاحتلال وآلية مقاومته .
لا يعقل أن نطرح بدائل من داخل سلة التفاح المتعفنة ووضع مساحيق تجميل عليها لنقدمها للشباب على أنها هي البديل والأمل المنتظر !! (( أنت تفهمني بالتأكيد ))
ولا يمكن أن نقدم نهضة ثورية ما لم نقدم ثورة معرفية وثقافية ، فهما متلازمتان والتاريخ أكبر حجة بيننا ...
شكار على سعة صدرك ..

اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر