الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقاعس

دينا سليم حنحن

2011 / 6 / 9
الادب والفن



بصوته المتحشرج أتبعتهُ، ذاك الطيف البعيد يأخذني إلى غربة الليل المتشح بالصمت، ومن منطقة العين توقفت عند بيئة حيوية تنفث كل ما تبقى منها في الهواء، أتنفس الهواء رغم خرابه، ضجّ السكون من حولي وفُرط الأرق، وعندما اشتعلت من مجرد كلمة حلوة تقال، انفتحت ردهة القلب، سمعت الصدى يناديني فترجلت نحوه بانبهار، قلت هنا تكمن راحة البال، وصلت بؤرة الحقيقة، تجاويفها تقلقني، توارى الصدى كما توارى لون اللازورد، لون البحر، ليحل محله السواد الذي استدرك الفضاء البعيد... هذا الذي تخيلته أمامي يغيب عني.

قفزت قفزة واحدة فأصبحت خارج المكان، لجأت إلى جزء آخر من العالم لعلي أجد السكينة، هربت مما يؤرقني ويوجع قلبي المكلوم بسبب الأخطاء الكثيرة التي سبق وفعلتها، أحداث كثيرة حدثت معي في السابق، التاريخ مليء بالهفوات وكنت أنا جزء لا يتجزأ منه، لم أحسب حسابات المستقبل، ولا حسابات السنين ولا عقاب الضمير.
وبدون أن أدري، تمسكت بصخرة ناعمة رغم بروز خشونتها، إحساسي يقودني إلى اللاشيء، ربما منها تبدأ أولى خطوات النهاية، هل أتبعه أم أقف مكاني دون حراك، فالليل في قطعه سفاح مهيب، قررت التوقف فتوقفت عندما ركلتني بعض الحجارة الصماء، فالإحساس يقول " فضيلة القلب لا فضيلة الأيدي"، هل فعلا أتحدث عن الفضيلة!

شيء غريب أن أجد يدي تدخل مسنّ الصخرة العملاقة، تلك التي حجبت عني أطراف السماء، لكني سرعان أن أخرجتها وتفقدت أناملي، عددتها، واحدة، اثنتان ..ثلاثة فرابعة وخامسة، الإبهام ينطوي على ذاته، هل هو مضموم على نفسه أم أراه هكذا بسبب ذبول عيني وغبش الرؤية!
خرجت من صدري قطرة ماء واحدة، تلألأت فبدت مثل نجمة تصب جمر نورها على صدري، من أين جاءت هذه القطرة، ومن وضعها هنا حيث نبض القلب الذي تحوّل حالا الى مأوى لعدة قطرات نزفتها وجهي وذقني، أنزف عرقا لا دماء، فالفرق شاسع بين اللونين، تجمعت النجمات على بقعة بيضاء، بياضي جميل، وعنقي أبيض غارق بالماء حتى سجد بين ثديّي وأترع، تنعكس الأضواء فتتحد مع نجمات السماء التي كانت صافية تلك الليلة، ليلة أمضيتها في العراء وأنا أبحث عن دليل يقودني إلى نفسي ويعيدني من التيه.

البحر يخاصمني، والصخرة تعبث بمسامعي، تنز منها حشرجة بلغة لا أفهمها، لغة الكائنات التي عاثت في المكان وطرقت أبواب السكون، أم هي فصل من فصول أوهامي الثقيلة، لا، لم تعث الحشرات في المكان، ربما هو سراب مسمعي، من أكون وأنا واحدة من خلق الله، من رمى بي إلى هنا، وأنا أطمع بأكثر من هذه الحشرجة التي لا تهدأ، هل أكون فعلا قد هربت من فجيعة العالم ووصلت إلى حيث لا أدري!
هل يرافقني الأرق حيث أنا، أم هو المكان الذي يلعب دورا بخسا في عالم الخيال وأنا بطلة حكايته، من أكون، وأين أنا، وما هذا الصوت الذي يراودني عن قرب فيعيدني إلى حقيقة نفسي التي أريد أن أهرب منها، سمعته يقول:
- ضعي السمّ على شفتيكِ وقبليهما لتموت هي وتواصلي أنتِ مع حلمكِ!
صوت الأنا يخاطبني محتجا، يحدثني بلغة العنف والقتل:
- حان وقت موتكِ لأعيش أنا الميتة منذ عصور، أنا أحق منكِ بالحياة!
- لم أعش، دعيني أتواصل مع حبيبتي الحياة!
- أنا ابنة الضمير!
- وأنا ابنة الحياة!
- في موتكِ حياتي، دعيني وغادري!
- حياتي من بعدكِ مستحيلة، لا تقتليني!
- سأعيش على ذكراكِ!
- دعينا نعيش معا، فولدنا معا كتوأمين، وسنموت معا!
- الضمير والأنا لا يتفقان، لماذا تتقاعسين، امضغِ السمّ وغادري!

الصمت يلف المكان، الحشرجات تختفي فجأة، الليل ينقشع ويظهر ضوء النهار في الأفق، لا أحد هنا، سوى أنا والضمير نقفل على أنفسنا صندوق الحقيقة، الحقيقة تصبح أكبر عاهرة إن ظهرت وعلم بها الآخرون، الحقيقة عاهرة أن اختفت دهورا، عاهرة الحقيقة، إن انفجرت الصخرة العملاقة .
الآن سوف تنساب منها ثعابين الليل الضعيفة، فتقوى في النهار، عاهر كل هذا التقاعس في البحث عن مهرب من الحقيقة المرّة، أين هي الأنا ذاتي، أين أهرب منها، كيف لي الهرب مما اقترفت يداي، هل أقطع يدي التي شاركت في صناعة الموت، عشرات، بل مئات، بل آلاف القتلى غادروا بسبب يدي هذه التي وقّعت على صفحة مليئة بالتواقيع، إذن لم أكن وحدي ممن وقّعوا، لكنهم ما زالوا يوقّعون وأنا هربت منهم، لماذا لا يهربون مثلي، ولماذا هذا التردد بترك المكان؟

لم يكن وهما أو خيال، بل هو ثعبان عاهر يغزو المساحة بيني وبينه بقامته المرقطة، يقف بجموح في وسط الصحراء والشمس في اشتداد، يقترب مني، يتأهب لغرز نابه في قدمي، ملامح الخوف تغزو وجهي، تحولتُ الى جوكر يلهو في مساحة التردي، تذكرت حينها وجوه القتلى وأجسادهم الملطخة بالدم، عيونهم الجاحظة وبطونهم المنتفخة، الثعبان جاء لكي يخلصني من عذاب الضمير، هل أهرب منه أم أدعه يغرز السمّ على شفتيّ، إنه يدنو مني، حان موعد العقاب، سيخلصني من صوت الضمير الذي لا يكن ولا يهدأ، سوف أتقاعس ولن أهرب منه عندها فقط تنسحب من صدري جميع النجمات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف


.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال




.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج