الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوعى الزائف بالتاريخ .. مصر تمحو حقبة مبارك !

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 6 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


نتعلم من التاريخ أن لا أحد يتعلم من التاريخ – تذكرت هذه الشذرة للفيلسوف (هيجل ) وأنا أطالع الحكم الصادرمن محكمة القاهرة للأمورالمستعجلة بأزالة أسم وصور مبارك وزوجته سوزان من الميادين والساحات والشوارع و المدارس و المكتبات والمنشآت العامة الكائنة بجميع أنحاء مصر .

الحكم وصف بأنه ( تاريخى ) , ولم يطعن عليه أحد بالرفض أوعدم القبول فقد صادف ارتياحآ من المصريين فى ظل مزاج ثورى يروم محو بصمات مبارك وطمس القرائن الدالة على عهده ووجوده.

اللافت أنه عقب صدورهذا القضاء تعالت أصوات بضرورة وضع نهاية لثلاثة عقود من حكم مبارك من خلال اسقاط تدريس حقبته السياسية من المناهج المعتمدة للطلاب والخاصة بتاريخ مصر فى مرحلتى التعليم الأساسى والثانوى .

هذا التوجه ربما يمنح المصريين مساحة للتنفيس ولتسريب بعض من مخزون الإحتقان والغضب ضد سنوات فساد وأستبداد مبارك الطويلة , ولكنه يطرح فى الوقت نفسه قضية تعاملنا مع التاريخ وفهمنا وأستيعابنا له وكأحد أهم مشكلات الثقافة العربية .

وفى الحقيقة فأن ما أرست المحكمة المصرية من قاعدة بأزالة أسم مبارك وصوره ليس بعيدآ عن بعض التقاليد الفرعونية والمعاصرة المتصلة بمحو تاريخ وأسماء بعض آلهة وحكام مصرالمغضوب عليهم .

فالملك تحتمس ومن بعده أمنحوتب الثانى قاما بأزالة الكتابات والنقوش والتماثيل الدالة على الملكة " حتشبسوت " وطمسا تاريخها من قائمة الحكام الرسميين ,كما أن الفرعون " إخناتون " لم يتمكن من التأسيس لديانته التوحيدة الجديدة الإ بعد أن أزال جميع الآثارالخاصة بالآله " آمون ".

وعندما قامت ثورة 23 يوليو فى منتصف القرن الفائت أزال عبد الناصر ورفاقه كافة المعالم والتماثيل والألقاب الدالة على حكم الملك فاروق والأسرة العلوية الممتدة لمؤسسها ( محمد على باشا الكبير ) وجرى تشويه وأبتسارتلك الحقبة الفريدة من تاريخ مصرتربويآ وأعلاميآ .

الجديد فى حدث أزالة أسم مبارك و صوره وتاريخه أنه مازال على قيد الحياة وأن هذا الحكم القضائى ترسم روح الشرعية الثورية وذهب لمحو تاريخه ووجوده , و لم ينتظرالشرعية القانونية و القضاء أدانته أو برائته من التهم السياسية والمالية و الجنائية المنسوبة اليه .

وفى الواقع فأن هذا القضاء لم يعتد بالبعد ( التاريخى والنفسى ) الذى دعى مبارك للإستقراروعدم الرحيل من مصر , فقد كانت الفرصة سانحة أمامه للهروب لأحدى البلدان العربية أوالأجنبية منذ الأيام الأولى للثورة . و لكنه آثرأن يظل جزءآ من تاريخ هذا الوطن وبصفته ( رئيسآ سابقآ ) ومتواجدآ على أرض مصروليس ( رئيسآ فارآ أومبعدآ ) منها ,وقد عبرهو نفسه عن ذلك فى آخر خطاب له للمصريين حين قال " مصر هى أرض المحيا والممات " و" أنه عاش وحكم و سيموت فى ترابها ".

ولذلك فأن اقرب صدى للحكم الصادربحق مبارك ربما تكون أعراف العالم الرومانى وحيث كان يصدر مجلس الشيوخ مرسومآ حكوميآ " بأدانة الذكرى " يتم بموجبه كشط أسم المدان وتدمير صوروأيذاء تماثيله والجداريات المرسومة له مع ألغاء كتاباته ووصاياه.

ولكن يبدو أن القبول العام بمحو وأزالة صورمبارك لا يرتبط فقط بالعقاب على ممارساته السياسية القمعية , ولا بالسوابق المماثلة لإدانة الذكرى فى التقاليد الفرعونية والرومانية وأنما يرتبط ببعد دينى / أسلامى داعم وساند لذلك المنحى .

فالتحريم يطال التماثيل والتصاويروالمنحوتات من جانب الفقه السنى , وتظل هذه المفردات الفنية محل أدانة دينية وباعتبار أن الملائكة تمتنع عن دخول الأماكن التى توجد بها, فهى تترجم من وقائع الصنمية والوثنية والشركية بالله الخالق والمنشىء الوحيد .

فضلآ عن أن منطق المحو يجد له أثرآ عبر القراءة الإسلامية للتاريخ وحيث جرى طمس الآثار الإيجابية والحضارية للحقبة العربية السابقة على ظهور النبى وبحسب كونها مرحلة ( جاهلية وظلام وشرك ) وأن تاريخ العرب الحقيقى تبدأ منذ بعثة محمد ورسالة الإسلام .

ومن الإنصاف ذكر أن حظر الصور كان موجودآ بالعالم المسيحى أيضآ , ولكن كأداة لإظهارالتطرف والتعصب الدينى وليس بدافع الإنتقام , فالكنيسة البيزنطية كانت معروفة بازالة صور الزنادقة والمهرطقين من اللوحات البابوية , وفى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية كانت تتم أزالة صورالبابوات الذين لا يحظون بقبول من الشعب.

وتبقى النتيجة التى تكرس أخطاء الماضى , والتى يشهد عليها هذا الحكم وقبوله العام وهى أستمراروعينا السلبى بالذات وبالتاريخ .

فالتاريخ تجربة وممارسة اجتماعية وثقافية ذات خصوصية لإرتباطها بالجماعة الإنسانية , وعندما ينكر ويجحد هذا التجمع الإنسانى ماضيه فأنه يفقد ذاكرته , ويصبح فى أسوأ حالاته ويمارس سلوك المهزوم وتنعدم ثقته بنفسه.

فالذات الواعية لأى جماعة هى فى التحليل النهائى الحصاد الأخير لخبراتها عبررحلة الزمن , والوقوف على فصول وأحداث تلك الرحلة هى رافعة أساسية لمعرفة كينونة هذه الجماعة ورسم خريطة طريق حاضرها ومستقبلها.

فالوعى بالذات من خلال الوعى بالتاريخ هوالذى يعلمنا من أين بدأنا وأين نسير وكنتيجة لعملية التطورالتاريخى والموضوعى الذى تسلكه الجماعة فى محطات صعودها و أزدهارها وفى فترات جمودها وأنكسارها.

مبارك وتاريخه يجب أن يظل هناك فى بؤرة الوعى الذاتى والتاريخى المصرى ,لأنه يضع هذا الوعى أمام أستحقاقاته الأصيلة والحاسمة ,ولكى يواجه بشجاعة مقررات من السلوكيات السياسية والإجتماعية والأخلاقية السلبية التى مرد المصريون عليها وأصبحت ضمن لحمة و سدى نسيجهم الثقافى والقيمى حتى الآن .

منطق الحذف والإستبعاد لمبارك ومحو صوره وأسمه وذكراه قد تريح المصرى الثائر, ولكنها أبدآ لن تريح ( ضميره التاريخى ) لأن مبارك صارمن ميراث وتجربة ورصيد هذه الأمة – شئنا ذلك أم أبينا .

ومن ثمة يجب على الذات المصرية الآ تهليل التراب على حقبة مبارك وصوره , والآ تدفنها سريعآ فى متحف التاريخ , وبالآحرى : الآ تهرب من أستحقاقها وتساؤلها الكبيرو المنسى : لماذا صمت وعجز الجميع أمام مبارك عبر ثلاثة عقود كاملة ؟ .

المثير أنه فى وقت أصدرته فيه المحكمة هذا القضاء وبما ينطوى عليه من أقصاء لرموزمبارك فى الفضاء العام المصرى , فأن التيارالديني السلفي الذى يستلهم أسماء وطقوس وأيقونات وأشكال الماضى بصورة عاطفية ووردية ويجرده من جوانبه السلبية والأشد ظلامآ – يكتب له مزيد من الحضورو الهيمنة , ودون ثمة وعى تاريخى بموقع هذا التيارالسلفى داخل تلك الذات وعبرتجربتها الإنسانية .

ربما كان من الأفضل أن ننتظر حكمآ بأدانة مبارك سياسيآ وجنائيآ وأعلاء لمنطق سيادة القانون ,أو نرفع طابع الإلزام عن أجراء المحو ونطلق لمن بحوزتهم صور لمبارك أن يقرروا بأنفسهم ما يشاؤون .. باختصار: كان يجب على شعب مصر أن يحتفظ ببعضآ من ذكريات رئيسه السابق ليتذكرهو نفسه خطاياه التاريخية , ويتذكرمعها دومآ جرائم هذا الفرعون الأخير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التاريخ لن يتغير
إيمان المصرية ( 2011 / 6 / 12 - 10:37 )
ومن المفارقة أن مبارك لم يحاول طمس تاريخ الرؤساء السابقين له, بل على العكس, والدليل البسيط هو إطلاق إسم ناصر والسادات على محطات المترو, والذي أنجز في عهده.. .فقد محى ناصر إسم محمد نجيب من التاريخ كما محى أسم فاروق..وحاول السادات محو عصر ناصر بمحاولته القضاء على الإشتراكيين والشيوعيين.. لكن مبارك إحترم تاريخ سابقيه.. فعلا شئ غريب أن نطالب بمحو ثلاثين عاما من تاريخنا وتاريخ مصر, بحلوها والكثير من مرها... أما الأخطر من ذلك أن البعض ينادون بإسقاط قوانين الأسرة لأنها تحمل إسم قوانين سوزان مبارك. فظهر محامون يطالبون بإسقاط قانون الخلع. وآخرون يطالبون بإسقاط قانون منع ختان الإناث بدعوى أنها قوانين الهانم.. في ظل هكذا أوضاع أخشى العودة إلى الوراء

اخر الافلام

.. سودانيون يقتاتون أوراق الشجر في ظل انتشار الجوع وتفشي الملار


.. شمال إسرائيل.. منطقة خالية من سكانها • فرانس 24 / FRANCE 24




.. جامعة أمريكية ستراجع علاقاتها مع شركات مرتبطة بإسرائيل بعد ا


.. تهديد بعدم السماح برفع العلم التونسي خلال الألعاب الأولمبية




.. استمرار جهود التوصل لاتفاق للهدنة في غزة وسط أجواء إيجابية|