الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذاكرة الفلسطينية في مملكة النساء وعلى بعد خمس دقائق من بيتي

محمود عبد الرحيم

2011 / 6 / 10
الادب والفن


فيلمان يستحضران مأساة الفلسطينيين بالداخل وفي المهجر

محمود عبد الرحيم


ثمة ما يجمع بين فيلم مملكة النساء للمخرجة دانا أبو رحمة، وفيلم على بعد خمس دقائق من بيتي للمخرجة ناهد عواد، ليس فقط لكونهما فلسطينيتين، وانما ما يتعلق كذلك ببنية فيلميهما التسجيليين.
أو بالاحرى تيمة العودة للماضي، وإن كان الأول اكتفى بالعزف على وتر الحنين وحمل التباسا في الرؤية لدى التعاطي مع اللحظة الراهنة، بينما الثاني سعى بوعي لتجاوز منطقة النوستولجيا إلى تخوم إشعال الذاكرة الفلسطينية، وتدوين التاريخ من المنظور الشعبي، بتفاصيله الانسانية البسيطة التي تصنع في الأخير صورة بالغة الدلالة عن شعب له قضية يراد لها التصفية، ويريد هو حمايتها مهما دفع من ثمن، ومهما طال أمد التضحية.
وقيمة أفلام القضية الفلسطينية التسجيلية ، إن جاز التعبير، في كونها، بلا شك، جزءا من المقاومة على المستوى الفكري، في وقت تتسارع فيها مخططات الكيان الصهيوني للإجهاز على القضية الفلسطينية، واستلاب تاريخها وهويتها، وليس فقط الأرض.
وما يزيد من أهمية هذه الاعمال توقيت عرضها، المواكب لذكرى النكبة الفلسطينية، ونكسة العام 1967 وما يرتبط بهما من تذكير العالم بأن ثمة شعبا سُرقت دياره، وشُرد في أصقاع الأرض، ومن بقي منه عاش تحت وطأة احتلال دموي ينتهك حريته وكرامته الانسانية، ولا يريد أن يغادره تحت سمع وبصر الجميع، وعلى رأس ذلك القوى الكبرى التي تنتصر للجلاد دون الضحية، وتتحدث عن حماية أمن السارق، وتتجاهل حقوق المسروق.
وتركز دانا أبو رحمة في فيلمها مملكة النساء على حياة الفلسطينيات في مخيم عين الحلوة بلبنان، ابان الاقتحام الاسرائيلي، حيث بدا المخيم بلا رجال، بعدما تعرضوا للقتل أو الأسر، أو الترحيل، ما استدعى من النساء إعادة بناء البيوت، وتدبير أمور معيشتهن هن واطفالهن، ومواصلة النضال بصوره المختلفة، الذي عرض بعضهن للسجن.
وإلى جانب شهادات النساء ذات الحس الذاتي، استعانت المخرجة بقصاصات الصحف، والرسوم المتحركة، ليس فقط لاستهلال المشاهد، وتهيئة المتفرج نفسيا، وانما كمعادل موضوعي غير تقليدي يجسد الوقائع المروية، على خلفية ايقاعية تميل للترقب، وسط لقطات حية لمخيم عين الحلوة بأزقته الضيقة وأوضاعه البائسة، على نحو يكسر الرتابة، عبر التنوع في توظيف أدوات التعبير.
وربما من الحكايات التي نتوقف عندها داخل الفيلم وتعكس الحس المقاوم على المستوى اليومي، حكاية النساء داخل السجون، وكيف كن يرفعن معنويات بعضهن البعض بالرقص والغناء مثلا، حتى لا يستسلمن للاحباط والروح الانهزامية، أو احتجاجهن على قرار الاونروا إقامة خيام لهن، واصرارهن على بناء بيوت مهما كانت المهمة شاقة، أو لجوء معلمة إلى الحيلة وتوظيف بكاء وصراخ الأطفال لإجبار الجنود الإسرائيليين على مغادرة سطح دار الرعاية، والروح التضامنية في استضافة اللاجئين أو إخفاء المقاومين، وايصال المساعدات للأسر الفقيرة، رغم ضيق ذات اليد وخطورة الوضع.
غير أن رسالة الفيلم جرى التشويش عليها، واهدار قيمتها، عبر عبارة على لسان زوج احدى النساء يبدي ندما على التضحية التي قدمها، ولم ينل شيئا، وتمني الزوجة ألا يتكرر نفس الوضع مع أولادها، وكأن للكفاح ثمنا وكأن النضال مرتبط بالماضي الذي ولى، وليس فعلا متواصلا يجب توريثه حتى التحرير، فضلا على لقطة البداية التي تكررت في النهاية والمرتبطة بذات المعنى الانهزامي، حيث الحلي اليدوية واشغال التطريز، وما توحيه من اختزال القضية في رقصة الدبكة والثوب والحلي، وليس المقاومة الفعلية السياسية والعسكرية، حسبما تتم تنشئة الجيل الجديد من الفتحاوية عليه، وهو ما تجلى بوضوح في الجملة الكاشفة التي أتت على لسان ابن هذين الزوجين عن استحالة العودة أو بالاحرى بعد امدها.
ويبدو فيلم على بعد خمس دقائق من بيتي أكثر جودة فنيا وفكريا بربطه بين الماضي واللحظة الراهنة فلسطينيا، وبلورة موقف، متجاوزا الحس النوستاليجي إلى الرسالة السياسية العميقة، وإن لم يخل العمل من بعض الثرثرة في مواضع عدة، غير أنه نجح في تعريف المشاهد بوقائع لا تبدو معروفة لكثيرين من قبيل وجود مطار كان متاحا للفلسطينيين استخدامه للتواصل مع العالم، فى حين أنهم الآن معزلون عن بعضهم البعض على ذات الأرض العربية التي قطعها الاحتلال إلى كنتونات ومعازل.
وقد أحسنت المخرجة في التركيز على حكاية الاختين اللتين تعيش احداهما بالقدس، فيما الاخرى تقيم برام الله، وتجدان صعوبة في التلاقي، رغم أن المسافة الفاصلة لا تزيد عن العشر دقائق، ما يعكس حجم المعاناة الانسانية للفلسطينيين التي زاد من وطأتها جدار الفصل العنصري، ونقاط التفتيش العسكرية المنتشرة يمنة ويسرة.
وكانت المخرجة من الذكاء بمكان لتقطع باستمرار على لقطة للجدار العازل، أو لسيارة دورية اسرائيلية تجوب الشوارع، علاوة على لقطة المطار المهجور والمنطقة الخاوية حوله التي يلفها الغبار وتستدعي الوحشة والفقد، لتبرز المخطط الاسرائيلي الذي بدأ يثمر في تفريغ مناطق فلسطينية من سكانها، عبر سلسلة من المضايقات اليومية، فضلا عن المقارنة المهموسة مع الماضي الذي كان أفضل حالا للفلسطينيين نسبيا، حيث سهولة الحركة، والسماح بالدخول والخروج للفلسطينيين والعرب من وإلى القدس، على نحو يكشف حجم الخسارة التي تلحق بالقضية الفلسطينية يوما بعد يوم على يد الاحتلال الصهيوني ومشاريعه للتهويد والاستيطان والترانسفير.
وقد لجأت إلى توظيف مقاطع من أغاني قديمة لفيروز وفريد الأطرش للايحاء بالزمن الجميل الأكثر رحابة، مقارنة باللحظة الراهنة، حيث التوتر والقلق اللذان سعت للتعبير عنهما بنغمات وايقاعات تجسد هذه الحالة، مع المزج بين اللقطات الحية والصور الفوتوغرافية القديمة بالابيض والأسود للتمايز بين العصرين شكلا وموضوعا، خاصة ما يتعلق بالمطار الذي اتخذت منه رمزا للقضية الفلسطينية، وما آلت إليه من نكبات.
غير أن ما يؤخذ على هذا الفيلم ترك المخرجة لبعض المتحدثين خيط الحديث عن تفاصيل غير جوهرية مثل استطراد الموظف السابق بالمطار، في حكاياته وذكرياته العديدة التي لا تفيد في تطور السرد، هو والمضيفة السابقة، خاصة ما يتعلق بأجواء العمل.
وان كان استطلاع رأي عينة من الفلسطينيين عن المبنى الخاوي بالغ الدلالة، حيث يكشف عن جهل كثيرين، خاصة من الجيل الجديد، لفصل من فصول التاريخ الفلسطيني والتحولات الديمغرافية والجغرافية التي يستحدثها الاحتلال الصهيوني، وهذا مؤشر خطر في حد ذاته، فيما حديث العجائز عن الحضور العربي على هذه الأرض في الماضي، بمن في ذلك الوافدون من الخليج، وبناء مسجد نراه في الخلفية ونسمع صوت أذانه، تأكيد بطريقة غير مباشرة على الهوية العربية الاسلامية للقدس التي يجرى تهويدها بتسارع محموم حاليا.
وبدا التعليق الصوتي الذي اختتمت به المخرجة فيلمها، أفضل ألا أراه.. لأني لا استطيع أن اسافر منه، أو اقترب منه دالا، إذ يجسد حالة الرفض لهذه الاجراءات الاحادية الجانب ورفض سياسة الأمر الواقع الصهيونية، كما أن العودة لذات اللقطة الاولى الطويلة التي بدأت بها للمطار، وللجدار الفاصل واختيارها كخاتمة كانت خطوة موفقة اكدت من خلالها رسالتها التي تريد ايصالها للمشاهد، بشأن الخطر الداهم الذي يحيط بمستقبل القضية الفلسطينية.
كاتب صحافي وناقد مصري
Email:[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي