الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سمعت يوما بلغة الزرافة؟؟ - عيادة التمدن 5

اواصر يوسف خالد

2011 / 6 / 10
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


الزرافة كما يقول النفسانى الامريكى مارشال روسينبيرج تملك اكبر قلب من بين الحيوانات، علاوة على انها تملك اطول رقبة بينها جميعا. لذلك اطلق على طريقتة التعاطفية التخاطبية باسم لغة الزرافة، لانها تستطيع بفضل رقبتها الطويلة ان ترى الى ما هو ابعد مما يظهر عن قرب، كما ان قلبها الكبير يمكنها من تحمل كل الانفعالات والتصرفات الغريبة
تطورت لغة الزرافة فى السبعينات من قبل مارشال نفسه ومن قبل الكثير من النفسانيين الاخرين الذين فرحوا بهذا الاكتشاف، لانها تدعو الى التعاطف بين الناس حيث يستطيع الجميع الحصول على الكثير من الاحتمالات فى تحقيق الرغبات و الحاجات الانسانية. الهدف من استخدام هذا النوع من التخاطب هو التعبير عن ما تريده وما تحس به وما تحتاجه دون اثارة اية ردود فعل مضادّة من الطرف الاخر، صمم مارشال لغة الزرافة جميلة ومحببة تسهل للناس تحقيق اهدافهم
انشغل مارشال فترة طويلة من عمله بسؤالين، الاول، هو كيف فقد البعض الرحمة الطبيعية التى تولد معنا في التعامل مع بعضنا، وكيف اصبح سلوكنا عنفوانى مليء بالغضب والقسوة والتفنن احيانا فى استخدامها مع الاخرين؟. والسؤال الثاني، هو العكس الذي حدث مع البعض الاخر من الناس حيث استمرت الرحمة الطبيعية والسماحة فى قلوبهم، بالرغم من خضوعهم الى معاناة تحت ظروف صعبة ولفترة طويلة
تساعدك لغة الزرافة فى تغيير كثير من العادات والسلوك الخشن الذى تمارسه من خلال ما تربيت عليه بدون ان تفكر يوما: هل لك الحق فى قول هذا الشى عن الاخر، او التصرف معة بهذه الفضاضة؟. يكمن مفتاح التغيير فى طريقة تفكيرك اولا، من ثم في قولك للكلمات وصياغتها، فى الوقت الذي تضمن حقك في كل ما تريده وتحتاجه. ان هدف لغة الزرافة ليس تغير كينونة الناس، بل خلق حالة انسانية اساسها التعاطف والصراحة بالاضافة الى تحقيق كل الحاجات والرغبات الانسانية، وبالتالى خلق حالة من الاحساس بالراحة الداخلية مع النفس والاخرين، وتوفير الجهد والطاقة المهدورة في معمعة المشاكل، لانجاز وخلق طاقة المودّة والسعادة والمرح

تتالف لغة الزرافة من اربعة مراحل:ـ
اولا، الرصد: عندما تتعرض لحالة تثيرك بدرجة او اخرى، عليك ان تبدا بوصفها وتلخيصها، دون ان تحلّلها او تضيف اليها من افكارك وتصوراتك شيء. هذه الخطوة كما يقول مارشال ليست سهلة، لانك تعودت ان تخلط بين ما تحلّله وتقيّمه وتصفه، وقد يكون هذا اكبر خطا ترتكبه فى حق الشخص الاخر، بسبب وجود فرق كبير بين وصم الاخر بصفة معينة وبين وصف ما رأيته من تصرف قام به. وبهذة الطريقة فانك لا تثبّت صفات الاخر، وانما تعمل على تغيير التصرف او الصور فى الخطوة التالية، ولذلك تعتبر لغة الزرافة جيدة فى وصفها الحياة بشكل متغير. فمثلا حين تقول المربية رنا فى الروضة لزميلتها فى العمل: هل رأيتى ام ندى اليوم انها عبوسة، فانها بذلك القول قد حكمت على شخصيّتها بانها امراة عبوسة، وهذا بحد ذاته اتّهام لشخصية ام ندى, ولكنها لو وصفت الامر كما رأته بالضبط "لقد رأيت ام ندى هذا الصباح، كان وجهها عبوسا" فانها لا تنفي امكانية ان تكون ام ندى ضحوكة في اليوم التالي.
ثانيا، وصف مشاعرك: بعد وصف الحالة وفق الخطوة الاولى، تستطيع الان ان توصف ما تشعر به وسبب اثارتك. فالشعور هو اشارة او جزء من المعلومة تستطيع ان تستخدمها لكي تصبح اكثر وضوحا بالامور التى تجرى فى داخلك، يتوجب ان نعبر عن مشاعرنا بدون ان نقيّمها اونعاتب الاخر فى اسباب هذه المشاعر. وهذا ليس بالامر السهل دائما، اذ تكمن في كثير من الاحيان صعوبة فى تطبيق ذلك عمليا، حيث يلاقى الكثير صعوبة فى ايجاد الكلمات المناسبة لوصف مشاعره، ولكن ذلك يتحسن بتكرار الممارسة
ثالثا، التعبير عن حاجاتك: صرح بحاجتك لكي تكون على مايرام. فالحاجة بنظر لغة الزرافة هى الامنية المهمّة والقيم اللتان ترغب فى تنفيذهما. والنقطة المهمة هنا ان لا تطلب من الاخر تغيير تصرفه، وانما ان تعبّر عن ما ترغب انت به كما في المثال اعلاه، حيث انّ رنا لا تملك الحق في ان تطالب بتغير تصرفات ام ندى ولكن من حقها طبعا ان تقول انها تحتاج الى جو مريح وبهيج فى الصباح. بهذه الطريقة حافظت على تمسكك فى مسؤوليتك حول نفسك فقط وبدون ان تدفع الاخر الى تصرف محدّد لاجل ان تكون انت مرتاح
رابعا، تحديد طلبك: وذلك من خلال صياغة تصور لحالة بديلة او صورة اكثر فرحا واشراقا، تجعل الاخر يعرف بالضبط ما تريده منه بدلا من التخمين. .
هناك مثل شائع يمكن الاستشهاد به، حيث يستخدمه الكبار مع الصغار كثيرا، ولا اعتقد ان احد منا لم يمرّ به. عندما يلعب الاطفال في صالة قريبة الى درجة الانسجام الكبير واصدار اصوات عالية، ياتى الكبير عادة ويقول: يالها من ضوضاء مزعجة اخرجوا الى الحديقة ولا اريد اسمع صراخكم. تقترح لغة الزرافة ان يقول الكبير اراكم تضحكون واسمع صراخكم العالى، ولكنّى لا احتمل هذا الصراخ وهذا ليس المكان المناسب للّعب، وانا بحاجة الى هدؤء، لذلك اطلب منكم الخروج الى الحديقة
كذلك يمكن للزوج ان يخاطب زوجته بلغة الزرافة كما في المثال ادناه: عندما تستمرين فى الكلام بدون ان تردّي على سؤالى الذى طرحته، اصبح عصبيا ومنزعج ، لانني افسر ذلك بانك تستهزئين بسؤالى وانا احتاج منك الى جواب على السؤال ، هل ترغبين بان تخبرينى بماذا تفكرين فى موضوع مشكلتنا واي حل تقترحين.<الخطوة الرابعة>ـ.
الجزء الاخر والاهم فى لغة الزرافة هو الاصغاء للاخر، او كما يقول مارشال "ان تصغى باذن الزرافة" فالاصغاء الى الاخر هو الاحترام الكامل لفهم الاخر والتفاعل معه فى مشاعره واحاسيسه، ويعرّفه مارشال بالتعاطف، فالخطوات الاربعه تكون مجرد وصفة جافّة اذا ما جردت من التماس التعاطفى. وجودك قرب الاخر بتعاطف يتطلّب منك ان توجه كامل انتباهك اتجاه الاخر وباحترام، وتعطيه الوقت والمكان فى التعبير الكامل عن احتياجاته، وان يشعر انه مفهوم من قبلك. مثلا القبول المحترم للاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، بكل حالاتهم واشكالهم، اوالعجزة فى المجتمع والتعامل معهم بكل مودة واحترام، نبتسم لهم عندما نلتقى بهم فى مكان عام، ونتعاطف معهم. التكلم الواضح معهم كان تقول لهم انا متفهم انك تعانى من صعوبة، واعرف ذلك جيدا. وتنهى الكلام بعبارة هل ترغب بمساعدة او لا تتردد في القول لى اذا ما احتجت ايّة مساعدة
فالتعاطف فى واقع لغة الزرافة يتواجد عند اصغائك لحالة الاخر فى التعبير عن مشاعره وبغض النظر عن غليظ الكلام الذى قد يصدر عنه او اي تصرف يبدر منه، سواء كان فيه غضب او كلمات لا تحب ان تسمعها. عليك ان تركز على ما يجري لذلك الشخص ونوع مشكلته، ولا تاخذ الامور بشكل شخصي لتمس داخلك، وبالتالى تحيّد وتحوّل الموضوع الى خصام وعتاب شخصي، يضيع عليك معرفة حالة الطرف الاخر ومعاناته والخبر الذى يريد ان يسمعك ايّاه. فالاولى بالمربية ان تركز ما يعرقل الاطفال فى هدوئهم بدلا من ان تاخذ كلماتهم وتصرفاتهم بشكل شخصي، كأن تفكر بانهم لا يحترمونى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عماء الادراك يشوش التواصل
لحسن وزين ( 2011 / 6 / 11 - 22:08 )
كعادتك تطرحين زوايا كثيرة لرؤية الحياة أي انه غالبا ما يؤدي تغيير المنظور إلى رفض الأفكار السائدة واللغة المتداولة التي تسجننا في رؤية أحادية ضيقة .فمثلا في لغتنا اليومية نادرا ما نستعمل في أحاديثنا أدوات التواصل التالية مثل بعبارة أخرى –بطريقة أكثر وضوح –بأسلوب أخر –بصياغة جديدة....بمعنى أن هناك أشكال مختلفة للتعبير عن الأفكار والعواطف والإحساسات ...بعيدا عن إصدار أحكام القيمة التي غالبا ما نخلط فيها بين الشخص والعمل الذي يقوم به . وكثيرا ما يدفع الأطفال في المدرسة ثمن أنماط التقويم التقليدي الذي لايميز بين شخصية الطفل ككائن إنساني يجب احترام وتقدير شخصيته وبين مجهوده المدرسي الذي يمكن أن يخضع للتطوير والتعديل والتقدم بعيدا عن الوصم القدحي في حقه بأنه بليد أو كسول أو غبي ...غالبا ما يكون سبب سوء التفاهم والتواصل ناجما عن سوء اختيارنا للعبارة المناسبة أو خلل في تقديرنا للموقف بسبب طغيان ذاتيتنا الانفعالية.
تحياتي الخالصة مع المودة والتقدير


2 - التقيم الحقيقى
اواصر يوسف خالد ( 2011 / 6 / 12 - 08:40 )
الى لحسن وزين
اعجبتنى جملتك فى المدرسة لا يميز بين شخصية الطفل ككائن انسانى يجب احترام وتقدير شخصيته وبين مجهوده المدرسي. انه مفهوم اجتماعى ونفسى عميق وعلينا ان نسعى اليه لكى ناخذ مكاننا فى الحياة وفى نفس الوقت نعطى للاخر مكانه ليعيش بتعاطف وسلام معنا
تحياتى


3 - اقترح لغة الحياة بدلا من لغة الزرافة
اسماعيل ميرشم ( 2011 / 6 / 12 - 12:23 )
تحية لك يا اواصر لتواصلك مع ما هو حديث وجديد وضروري للكتابة عنها وربما للمحاورة من خلالها مع قرائك ربما تجد لها منفذا نافعا للجميع للدعوة لجيل وربما لمجتمع يتحاور باسلوب جديد ملئها الاستماع للاخر والتعرف الصادق لحاجياته ومن ثم التظامن الانساني معه
قبل عدة سنوات في الغربة بعدما تحدثت لصديق عن تراكمات الماضي الماساوي التي عشتها في العراق بسبب النطام الاجتماعي والسياسي لعقود من الزمن فدعاني الى ورشة عمل باسم الحوار من دون عنف حيث التقينا من مختلف الملل والثقافات في الورشة ليستمع كل للاخر عن حاجاته فوجدت حاجاتي تختلف عن الاخرين حيث قدم الزمن وكبوتها وتراسبها في الاعماق لم تسنح لي حتى ولو عن تشخيص ومعرفة بشفافة الاخرين بل الاعلان عن حاجاتي بخلاف الاخرين الذين كانت حاجاتهم بسيطة ويومية وواضحة ومشخصة
فما هو الحل؟
على اية حال فكرت في بداية الورشة لشدة تاثري بما تضمن كتاب NON VOOLENVE COMNUCATON (a language of life) على ترجمتها للعربية لكن وجدت عدم امكانية تطبيقها في المجتمعات الاسلامية والعربية فتراجعت عن الفكرة وجدت صعوبة بل عدم تماشية مع الواقع عندنا
تقبل احتراماتي لجهودك الانسانية


4 - الخطا فى طريقة التطبيق
اواصر يوسف خالد ( 2011 / 6 / 12 - 16:07 )
الى اسماعيل ميرشم
شكرا على رايك فى كتاباتى وهذا يشجعنى فى كتابة المزيد
واحب ايضا اوضح لكل القراء الاعزاء حقيقة اساسية فى محور عملى وفكرى. وساكررها
مئات المرات الحقيقة تقول ان الانسان يولد مع حاجات رئيسية واحدى هذه الحاجات هى حاجة المشاعر والتعبير عنها ومن خلال المشاعر تتشكل ايضا كثير من الافكار فبالتالى اصبحت حاجة الحوار من حاجات المهمة للانسان منذ ولادته الى مماته ولكل البشرسواءا الذين يسكنون فى بلدان عربية واسلامية او فى بلدان متقدمة.بعد ان تدرك بجوهر هذه الحقيقة سناتى للسؤال التالى, كيف سنطبق هذه الحقيقة؟وما هى الطريقة لتلبية حاجاتى؟
تحياتى


5 - وهل هناك مساحة للتواصل؟
اسماعيل ميرشم ( 2011 / 6 / 13 - 11:18 )
اشعر بالقلق لعدم التواصل معي
اني بحاجة لاستمع لرئيك في مداخلتي
واخيرا انني اعتقد بعدم وجود اية مخالفة لقواعد التعليق
فان وجدت فارجوا التوضيح للفائدة منها للمستقبل!؟


6 - aus Lattakia
daryusi ( 2011 / 6 / 15 - 18:21 )
I would like to communicate with you.
My Mail address is: [email protected] .
Yours sincerely.
A. Daryusi
Germany

اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة