الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف يكره إنسان شعبه؟

نارت اسماعيل

2011 / 6 / 11
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


أثناء إحدى رحلاتنا أنا وزوجتي إلى منطقة مشتى الحلو وأثناء إجازة صيفية قديمة العهد، استأجرنا شقة صغيرة مفروشة هناك، في إحدى الأمسيات خرجنا نبحث عن دكان لنشتري بعض الخبز للعشاء، وجدنا دكانآ وسألنا البائعة عن الخبز فاعتذرت وقالت أنه لم يعد عندها خبز، لاحظت ضيقنا فأشارت إلينا أن ننتظر ثم خرجت من الدكان وطلبت من ابنتها التي كانت تقف في الشرفة فوق الدكان أن تحضر ربطة خبز من البيت، أخذت الخبز ولما رأتني البائعة أخرج حقيبتي لأعطيها الثمن امتقع وجهها وقالت بلهجة فيها شيء من الغضب والعتاب: ألم تر أنني أعطيتك الخبز من بيتي وليس من الدكان؟ موعيب؟ روح يا ابني الله معك
ذهبنا أنا وزوجتي ونحن نحاول بتلعثم واضح الاعتذارعن سوء تصرفنا.
في مناسبة أخرى وفي قرية الكفرون، كنا نهيم أنا وزوجتي وولدانا الصغيران بسيارتنا في الطرق الجبلية وبين المزارع فاشتد بنا العطش، رأيت بيتآ وإمرأة وأولادها جالسين في شرفة أمام البيت، أوقفت السيارة وذهبت أسألهم بعض الماء، هرعت الصبية وأحضرت إبريقآ من الماء البارد وكؤوسآ، وهرع شاب وأحضر بعض الكراسي لنجلس عليها، ثم أحضروا الشاي وبعدها المتّة ثم بعض الفواكه الطازجة من حقلهم، لن أنسى كم استمتعنا بالأحاديث التي تبادلناها معهم وتلك الطيبة والكرم الذي قابلونا به.
في مدينة النبك، قرعت باب أحد البيوت، فتح رجل الباب وقبل أن أفتح فمي قال : تفضل، قلت له: شكرآ، هل تعرف أين يقع بيت أبو غازي؟ رد: نعم، تفضل، قلت له: شكرآ ولكني مستعجل وأرجو أن تدلني على بيتهم، قال: على عيني ولكن لماذا لا تتفضل إلى البيت أولآ ثم أدلك على بيتهم؟ اعتذرت بلطف منه فخرج ودلني على بيت أبي غازي.
عائلة أبو غازي عائلة مسلمة، في رمضان لا يبدؤون إفطارهم حتى يأتي جارهم الأعزب المسيحي أبو عبدو ويشاركهم إفطارهم، وكانوا دائمآ يمازحونه: شو أبو عبدو؟ صايم اليوم؟ فيرد ضاحكآ: الحمد لله.
نعود إلى الجبال الساحلية، كنت وزوجتي نهيم في منطقة دريكيش فوجدت نبتة الزعتر البرّي، شكّكت زوجتي كعادتها بحقيقة وأهمية اكتشافي فقلت لها حسنآ لنسأل هذه الفلاحة القادمة وكانت هناك إمرأة قادمة باتجاهنا تركب حمارآ، استوقفتها وسألتها عن النبتة، نزلت عن الحمار وقالت: هذا يسمونه زعتر برّي، وصارت تشرح لنا عن خصائصه واستعمالاته والحّت علينا أن نذهب إلى بيتها لتناول الشاي وقالت إنه قريب، اعتذرنا بلطف وتركناها تكمل طريقها.
في فصل الربيع وبعد أن تملأ الخراف بطونها من كلأ الأرض، يمتلئ ضرعها بالحليب وتصنع النساء في حوران الجبن البلدي الرائع بنكهة أرض حوران المميزة. كنا في طريق عودتنا من الجولان إلى دمشق فمررنا على قرية تابعة لحوران لنشتري بعض الجبن، استقبلتنا الفلاحة الحورانية في بيتها بوجهها البشوش، سارع أولادها لإحضار بعض الأشياء الخشبية لنجلس عليها ريثما تحضر السيدة طلبنا، كنا نحاول إطالة زمن بقائنا عندهم بأسئلة عن الموسم والجبن والأحوال، فهي لم تكن صفقة بيع وشراء، بل كانت رحلة ممتعة إلى عالم آخر، عالم من أناس بسطاء مبتسمين، ألوان أخرى ووجوه أخرى تجدها هنا، غير تلك التي تجدها في المدينة المزدحمة المغبرّة. عندما سألتها عن ثمن الجبنة، شعرنا بترددها وحرجها لكونها تأخذ ثمنآ لجبن تبيعه في بيتها مع أنها تبذل جهودآ جبارة كل يوم لتحلب الغنم وتجمع الحليب وتحضّر الجبن، ولكنها طيبة وبساطة أهل الريف.
عندما كنت شابآ صغيرآ، سافر والدي وطالت مدة غيابه أكثر من المعتاد ونفذ المال في بيتنا، اتصلنا بوالدي فطلب مني أن أذهب لشريكه وأقترض منه بعض المال إلى حين عودته. ذهبت إلى الرجل وكان رجلآ متدينآ له لحية صغيرة بيضاء، لم يدعني الرجل أكمل حديثي حتى أخرج من جيبه رزمة كبيرة من المال وأعطاني الجزء الأكبر من الرزمة وبدون أن يعدّ المبلغ، حاولت أن أعدّ المبلغ أمامه حتى يعرف كم أعطاني ولكنه منعني وشدّ على يدي بقوة قائلآ: إذهب يا ولدي، الله معك وإذا احتجتم أي شيء فأنا مثل والدكم.
أثناء إحدى المظاهرات الأخيرة في سوريا، أصيب شاب مسيحي إصابة بالغة، أحاط به بعض الشباب لمساعدته، اعتقدوا أنه سوف يموت لا محالة فقال له أحدهم: شهّد بالله يا أخي، شهّد بالله. فرد الشاب بصوت ضعيف: أنا مسيحي، انقض عليه أحدهم يعانقه ونادى على زملائه: يا شباب، هذا بطل من إخواننا المسيحيين، فصاروا يقولون له: بارك الله فيك يا أخي، بارك الله فيك.

من يكره هذا الشعب الطيب إلا لئيم متعجرف؟
كيف يدّعي كاتب أنه يحمل رسالة تنويرية وهو لا يتوقف عن وصف هذا الشعب بأنه مجموعة من المرضى النفسيين المنكوبين بعقولهم؟
ألا يحتاج مثل هذا الكاتب إلى إعادة تأهيل نفسي؟
كيف يكره إنسان شعبه ويحتقره إلى هذا الحد؟ أنا أفهم أن يكره أحدهم حاكمآ أو أي إنسان فاسد، ولكن لا أفهم كيف يكره هذا الإنسان شعبه كله؟
هل تصدقون أن من يكره شعبه يمكن أن يكون صاحب مشروع تنويري حقيقي؟
أنا لا أصدق إلا أن يكون صاحب تجارة تدرّ عليه الأرباح، ولكنها للأسف تجارة بلا ضمير، تجارة فاسدة مثل فساد الحكّام.
هذا هو شعبنا، بحلوه، بمرّه، سينهض يومآ ما ويتطور وسنساعده وننصحه ولكن لن نسمح لأي أحد بعد اليوم، حاكمآ كان، أم كاتبآ متسولآ على أعتاب الأبواب الخلفية أن يهين هذا الشعب الطيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قصة أخرى
سيمون خوري ( 2011 / 6 / 11 - 08:25 )
أخي نارت المحترم تحية لك على هذه الشواهد الجميلة ، هناك شاهد أخر على طيبة البشر عندما لا تسرقهم أيديولوجية العنف الدينية الأصولية أو الشمولية . في منطقة تدعى - كردتسا - منطقة جبلية جميلة جداً قريبة من وسط اليونان ، قبل خمسة عشر عاماً كنت في زيارة لبعض الأصدقاء . على الطريق ، لزيارة دير عتيق تاريخي توقفت سائلاً أحد الفلاحين عن وجهتي ، أجابني لكنه بنفس الوقت طلب مني المرور عليه في طريق العودة لشرب القهوة .وعنما عدت وجدته بإنتظاري على الطريق الجبلي مع زوجته التي تحمل سلة تحتوي على خضروات وفاكهة من أرضهم قالت هذه هدية للعائلة . لم يسأل عن إسمي ولا جنسيتي الأصلية كل ما هنالك أني تكلمت معه بود وعرضت إيصاله الى بيته إن كان بعيداً . دائماً اخي نارت الخير يسكن في الإنسان فلا أحد يولد شريراً . مع التحية لك


2 - كره من شدة الحب
فاتن واصل ( 2011 / 6 / 11 - 12:11 )
الأستاذ نارت اسماعيل، أعتقد أن الكره أنواع ومن هذه الأنواع كره يتولد من شدة الحب وتراكم الاحباط فنحن فى شرقنا العاصى علينا ، لم نتلق سوى الاحباط .. عشقنا بلادنا بكل حمية وسخونة الشرق فى دماءنا ، ذبنا فى روائح البخور وتهنا فى حارات مهما ضاقت رأيناها رحبة رطبة مريحة ، قبلنا جبين أم واحتوانا دفء جد ،ولكن ما الذى حصدناه غير ذل وهوان وسحق من جراء أنظمة استبدادبة ، فحلت فى أعين البعض الهروب وكرست فى قلوب البعض الآخر حقد وغل .. وهناك من يتحصن بالرومانسية وينسى أو يتناسى كل شئ ويفكر فقط فى الوجه الجميل للحقيقة أما وجهها القبيح فيتجاهله .. وهذا ما فعلته ويفعله الكثيرون وانا من ضمن... أنا ألتمس العذر لهؤلاء لأنهم كرهوا من شدة الحب....... تحياتى د/ نارت وشكرا لإتاحة الفرصة


3 - ردود
نارت اسماعيل ( 2011 / 6 / 11 - 18:49 )
الأخ سيمون المحترم، برأيي كل الشعوب فيها الطيبون وفيها السيؤون وما يجعل إحدى الكفتين ترجح على الأخرى هي الظروف التي يعيشون فيها وخاصة الظروف الاقتصادية ومستوى المساواة والعدالة الاجتماعية في المجتمع، في الأحوال السيئة يسود المنافقون والثرثريون والعكس صحيح، شكرآ لك وتقبل تحياتي
أخت فاتن واصل المحترمة، أرجو أن يكون هذا الكره من شدة الحب كما قلت أنت وليس بسبب مركب نفسي، وأتمنى أن نصبّ كرهنا على المسببين لهذا الاحباط الذي تحدثتي عنه، يكفي أن نلقي نظرة على مهرجي البرلمان السوري لكي نعرف حجم إفساد النفوس الذي تسببت به هذه الأسرة التي تحكم سوريا منذ خمسين سنة، ألا يستحق هذا الشعب أن يمنح فرصة حقيقية قبل أن نصفه بالجنون؟
شكرآ سيدة فاتن وتقبلي تحياتي


4 - هذا أيضا شعبك
عبد القادر أنيس ( 2011 / 6 / 11 - 18:59 )
((أذهب إلى أرض الوطن كل سنة أو سنتين، أشعر بسعادة لالتقائي بأهلي ومن تبقى من أصدقائي القدامى، ولكن فرحتي لا تعمّر طويلآ، لمجرد أن أبدي رأيي بموضوع ما أجد نفسي محاطاً بأربعة أو خمسة أفواه غاضبة تقذف الحمم، أرفع يدي أمام وجهي لأتقي من رذاذ لعابهم المتطاير من براكين غضبهم: ماذا ينقص المرأة عندنا؟ وهل وضع المرأة في أفضل الغرب ؟ ما المشكلة إذا انتشر الحجاب بين الفتيات الصغيرات؟ بماذا يزعجك ذلك؟))
عندما انتهيت من قراءة مقالك، تذكرت مقالا سابقا تحت عنوان ((ما أصعب العيش صامتا)) فعدت إليه واقتبست منه الفقرة السابقة. لا شك أنك لم تنس هذا الكلام. هذا أيضا شعبك يا أخي.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=211704
تحياتي


5 - فعلا
محمود المنيف ( 2011 / 6 / 11 - 23:56 )
على راي زين العابدين فهمتك اخي
تحتاج الكاتبة اياها الى تاهيل نفسي
دمت و دام قلمك الحر


6 - ردود
نارت اسماعيل ( 2011 / 6 / 12 - 05:10 )
آسف على تأخري بالرد بسبب ظروف طارئة

الأخ عبد القادر المحترم، أعتقد أن كلا النموذجين موجودان في المجتمع، النموذج الذي ذكرته في مقالتي والنموذج الذي نبشته أنت من دفاتري القديمة، أنا أحاول دائمآ أن أصور نماذج ومشاهد من الواقع ونحن هنا نتكلم عن مجتمع فيه شرائح مختلفة من الناس، وظيفة المثقف هي مساعدة الشرائح المعتلة على النهوض ولا يكون ذلك بإهانة الناس واحتقارهم، خلاصة المقال أنه لا يمكن لشخص يكره شعبه أن يكون مصلحآ وتنويريآ، تحياتي لك

الأخ محمود المنيف، أشكرك على مرورك وتقبل تحياتي


7 - الأستاذ نارت اسماعيل المحترم
ليندا كبرييل ( 2011 / 6 / 12 - 07:46 )
أرسلت لحضرتك تعليقاً من الصباح ( صباحي أنا ) ولم ينشر حتى الآن . أكرر التحية لك على صوتك العالي في نصرة قضايا الوطن ، آمل أن يتفضل المشرف المحترم بالإفراج عن تعليقي إذ ليس فيه ما يخالف على ما أظن وشكراً


8 - ردود
نارت اسماعيل ( 2011 / 6 / 12 - 10:29 )
الأخت العزيزة ليندا، لم أطلع على تعليقك السابق وأنا أشكرك على حضورك وتأييدك المستمر، تحياتي الصادقة لك

اخر الافلام

.. بلينكن في الرياض.. إلى أين وصل مسار التطبيع بين إسرائيل والس


.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين يرفضون إخلاء خيمهم في جامعة كولومبيا




.. واشنطن تحذر من -مذبحة- وشيكة في مدينة الفاشر السودانية


.. مصر: -خليها تعفن-.. حملة لمقاطعة شراء الأسماك في بور سعيد




.. مصر متفائلة وتنتظر الرد على النسخة المعدلة لاقتراح الهدنة في