الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من وقائع الثورة في ليبيا # 7

حامد حمودي عباس

2011 / 6 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


معبر راس إجدير الحدودي بين ليبيا وتونس ، كان مسرحا لتدفق الالاف من الفارين من نيران الصراع الداخلي في ليبيا .. وهناك مدن لم تطالها تلك النيران بعد ، ولم تظهر على سكانها بوادر المعارضة المسلحة ، غير ان الاجانب فيها تحسبوا لما سيحدث مستقبلا فيما لو انفلتت الامور ، وغاب القانون ، وأصبح الشارع تحكمه شرائع ما يسمونهم في خضم ما حدث من ثورات عربية في الايام الاخيرة بالبلطجيه .. فالبلطجية في ليبيا ليس هم كبلطجية تونس او مصر او اليمن .. انهم شواخص بشرية ، تخزن في اعماق ذواتها كل عوامل الانتقام في عالم محصور ، لم تنفع به والتنفيس عن مكامنه المغلقة كل انواع الحبوب المخدرة وأكياس الخمور المصنعة محليا والتي تباع من فوق اسيجة المزارع الخاصة ، ولم تنفع في التخفيف من وطأة ثقل الافكار الجاهزة والمقتحمة على الدوام بيوت وعقول المواطنين الليبيين ، كل مخابيء تعاطي الهيروين ، ولا السلف النقدية الميسرة التسديد ، ولا المساكن والسيارات الحديثة .. فليست في ليبيا رغم ما حدث فيها من تطورعمراني خلال السنوات الاخيرة ، حدائق عامه ترتادها العوائل لتمارس طقوس النزهة بأمان من عبث المراهقين .. ولا توجد البتة دور للعرض المسرحي او السينما عدا عن تلك التي تكتفي بعرض يافطات امام بناياتها وهي شبه مهجوره .. لا فرق موسيقية ، ولا رقص ، ولا حفلات عامه تقيمها فنادق الدرجة الاولى او الخامسة عشر .. وليست هناك علامات للبهجة العفويه ، ولا يمكن ملاحظة ملامح لباس يوحي بالتغيير إلا أيام الجمع ، حين يتوجه عامة الناس لأداء الصلاة ، وما إن تنفض مراسيم ذلك الواجب شبه الرسمي ، حتى تنطلق شياطين العقول الباطنة من سجونها ، لتعبر عما تريد وتحب ، فتبدأ ملاحقة النساء في عرض الشارع ، والاستباق للحصول على قطعة حشيش ليس من المهم معرفة مصدر توريدها ولا نوعها .. فكل شيء يعتبر في خانة الحل مادام الاخ القائد هو المكلف بالتفكير نيابة عن الشعب ، وهو الذي يقود ، وهو الذي يحق له ان يمارس الفلسفه .. وهو الذي يقترح الحلول لجموع المستضعفين ، فيشير عليها بالرحيل الى ربوع افريقيا الخضراء كحل لمعضلتها في عدم القناعة بقسمتها في الحياة ، كما اقترح المغفور له صدام حسين على موظفي الدولة بالعمل في بناء بيوت الطين ، كحل لمواجهتهم مصائب الحصار الاقتصادي على البلاد ..
أكثر الموجودين في المعبر كانوا من الافارقة السود ، إضافة الى الجالية المصرية .. الجميع ينتظرون الايعاز بركوب باصات يبدو انها تستعد لنقلهم الى حيث يشير العاملون في منظمات الاغاثة الدوليه .. وفعلا لم يطل بنا المقام حتى تم نقلنا الى مخيم قريب يديره الهلال الاحمر الاماراتي ، في حين توجهت بقية الباصات باللاجئين من اصول افريقية سوداء الى مخيم اخر هو مخيم شوشه .. اليافطة المعلقة على الباب الرئيسي للمخيم تقول بانه مكان لخدمة الاخوة الليبيين .. ولم يكن هناك تواجد ملحوظ للمواطنين الليبيين عدا عن مخيم فرعي تعمد القائمون على ادارة المخيم بعزله في مكان محدد ، ليأويهم ولفترات لا تتعدى اليوم او يومين ومن ثم يغادروا المكان ليحل محلهم قادمون اخرون ..
عشرة ايام قضيتها في مخيم الامارات العربية المتحده ، أوحت لي بالكثير مما لم اكن متيقن منه .. وفي مقدمة ذلك ما شاهدته من استعدادات مبهرة لخدمة المقيمين في المخيم من قبل العديد من المنظمات الانسانية الدوليه .. مدرسة لتعليم الاطفال .. أطباء بلا حدود .. تطوع جماعي للاطباء العراقيين ومن الجنسين للعمل في المستشفى المركزي .. لجان فنية صحية لرعاية وتطبيب النساء الحوامل وبشكل دوري .. متابعة متواصلة لبقاء المخيم خالي من الامراض الساريه .. حراسة مستمرة وعلى أرفع المستويات من قبل الحرس الوطني التونسي .. وما جلب انتباهي وبشكل يدعو الى الاعجاب ، هو تلك المقدرة على تصريف شؤون المئات من القادمين على مدار الساعة وترحيلهم الى بلدانهم في اليوم التالي ليتم استقبال الوافدين الجدد .. ومن يرغب بالبقاء في المخيم بهدف الحصول على التوطين في بلد ثالث لا يتم ارغامه على المغادرة .. ترى .. اين كانت تلكم الالاف المؤلفة من البشر ؟ .. ماذا كان الشعب الليبي يعمل إذن وأين ؟ .. اكثر من شهر مضى على الاحداث الجديدة في البلاد ، والحدود الليبية لا زالت تقذف بالحشود الاجنبية ومن مختلف الجنسيات ، ومع هذا فان ظروف الحرب الداخلية ما زالت تقع حائلا دون خروج المحاصرين منهم وهم بالالاف ايضا .. إنها علامة واضحة من معالم الاتكالية المشينة لدا الشعوب العربية ميسورة الحال ، حينما تركن مهمة بناء اوطانها الى الاغراب ، ويجري الاكتفاء بامتيازات المكابرة والعيش في كنف حياة لا تحمل طعما ولا لون ولا رائحه .. في دول الخليج مثلا ، قد يكون الخط البياني لمسيرة حياة الفرد ، يمر بنقاط تؤشر امكانية السفر الى خارج البلاد بين حين وآخر ، للتعويض عن حالات الحرمان والانحسار الاجتماعي بسبب تطويق الفكر المحافظ ومقاومته لكلما هو جديد ومتطور ، ولكن في ليبيا .. لم أجد لدى الغالبية من الشعب رغبة او اهتمام بالسفر لاغراض الترفيه ، بل لاغراض العلاج فحسب .. والغريب جدا ، هو أن تلك الغالبية ، لا تشعر بالحيف من عدم استعدادها للراحة خارج ليبيا للاطلاع على معالم اخرى غير تلك التي يقضمها العقل الاجتماعي الليبي وبترديد ممل ويدعو للشعور بالشفقه .. فالتاريخ الليبي بنظر النظام والمجتمع لا يعدو عو كونه سلال من ورق سعف النخيل خاطتها الجدات ايام زمان ، واقراص رحاة طحن الدقيق تديرها العجائز ، والواح من الفخار أكلها العث وعبث بها المناخ .. وكنت استغرب جدا حينما ارى تلك الافواج الضخمة من السياح القادمين من اوروبا وغيرها من قارات العالم ، وليس امامهم كشواخص سياحية في ليبيا اكثر من اطلال ميته ، ومتحف مركزي واحد فقط ، يعرض في داخله عدد مما يسمونه بالارث التاريخي للبلاد ، يعلوه الغبار ، وتحيط به وجوه لا توحي بغير ملامح تصلب الشرايين ، وعيون تنثر الغضب المزمن .
الساحل الليبي يمتد لاكثر من الف كيلومتر بين مدينتي طرابلس وبنغازي .. هذا المكمن الاقتصادي الضخم ، والواقع على شواطيء البحر الابيض المتوسط ، كان له ان يمتص الملايين من الشباب العاطل والباحث عن متنفس لقتل فراغه المميت ، لو تكرم النظام بمد يد الرعاية اليه ، متخطيا تلك الفلسفة السخيفة بعدم جدوى فتح المرافق السياحية المثمرة بدعوى الحرام ، وعدم التشجيع على ظهور معالم التهتك الصليبي ، والابتعاد عن مسالك الفرح المثيرة لسخط الاجداد .. في حين تتفتح شهية الشباب الضائع وبطرقهم الخاصه ، للسهر في الطرقات العامة ، وفي زوايا الشوارع الفرعية ، وعند شرفات البيوت دون قيود ولا رقيب .
وفي مساء يوم كانت تتخلله برودة منعشه ، تحركت بي واسرتي ، وممثل عن منظمة الهجرة الدولية ، حافلة صغيرة ، متوجهة بنا الى مطار تونس ، وقد سجلت في مفكرتي الشخصيه ، اسماء وعناوين الكثيرين ممن وقفوا لتوديعي عند المخيم ، وانا مفعم بمشاعر الود للجميع .
يتبع
تونس
26 / 5 / 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اكاد اقرا نفس الامراض اينما و جهت النظر .. ك
محمد حسين يونس ( 2011 / 6 / 12 - 04:08 )
تذكرني بعائلات التجار الاثرياء الذين نزلت عليهم الثروة فجاءة بسبب المضاربات انهم يهتمون ان ياكلوا بشرة كميات كبيرة تشمل الاغلي و الاندر من الطعام و قد يملاون منازلهم باثاث ضخم غث الذوق و قد يتحلون بكميات هائلة من المصاغ ..لكن لا تجد لديهم كتاب او مجلة اوحتي جريدة فهم لا حاجة لهم بها ... كذلك تذكرنني انني منذ حوالي اربعين سنة ذهبت لدبي كي اعمل فلم اجد هناك الا الغرباء مصرى سوداني هندى ايراني فلسطيني كل البشر عدا مواطني دبي لقد كانوا اما مديرين او فراشين و لا يوجد بينهم طبقة وسطي الحياة في دول البترول حياة شاذة فمن بيدة القرار جاهل و يتصرف في المليارات و الشعب فارغ تعمد حكامة تفريغة .. وكنت اتساءل دائما بعد ان يرحل الغرباء من سيسكن كل هذة العمارات للاسف ضاعت الثروة هباء .. شكرا علي مشاركتنا في رحلتك و تاملاتك


2 - جهاز تسجيل وجاكتة بياقة فرو
فاتن واصل ( 2011 / 6 / 12 - 19:59 )
سافر الى ليبيا فلاحين مصر فى السبعينيات وكانوا يعودون بجهاز تسجيل ـ والذى كان اختراعا فى ذاك الوقت ـ وجاكيته جلد ولها ياقة من الفرو الاصطناعى وكان الفلاح يمشى فى الغيط بعد عودته ويعلق على رقبة الحمار جهاز التسجيل مرتديا الجاكتة على الجلابية مستعرضا أمام جيرانه فى البلدة ، والذين كانوا يميزونه فورا ، وحتى يومنا هذا فنحن المصريين حين نجد من يرتدى هذا الجاكيت الشهير نتغامز فيما بيننا ونقول - الأخ ليبى - بعدها بعدة سنوات كفاح يعود المصرى ليشترى سيارة بيجو ستيشن ( متشبها بمعظم الليبيين فى السبعينيات ) ويبنى بيتا من المسلح ويتوقف عن الزراعة ويفتح مقهى أو يشترى أرض... ما أتى به المصريون من السعودية وليبيا من قيم وأفكار يدفع ثمنه المصريون الذين لم يذهبوا الى دول النفط ويعانون منه حتى اليوم .. يا ويلنا من بدو فى أرضهم جاز..وفى رأسهم حجر ... متعة أن نقرأ لك أستاذ حامد وصدقنى أنا أنتظر السلسلة يوميا وأبحث عنها.. تحياتى لك أيها المبدع.


3 - ذكريات حية في مدن ميتة
الحكيم البابلي ( 2011 / 6 / 14 - 05:38 )
اخي حامد الإنسان
المعذرة لتأخري في التعليق على هذا المقال
اعدتُ قراءته لمرات ومرات ، فانا أقرأ ما يعجبني ببطئ شديد يُذَكِرني بالطريقة التي كنتُ الوك بها بعض طبخات أُمي الراحلة ، وكنتُ أمضغ كل لُقمة عشرات المرات وبعد أن أبتلعها أُمطق وأتلمظ ممتناً للطعم الخرافي الأصيل
حين أقرأ ما يعجبني أتذكر عشرات اللقطات من ماضينا الحزين ، ولقطات مُختارة ومُتشابهة من آلاف الأفلام السينمائية التي رأيتها والكتب التي قرأتُها ، واتعجب بحزن حين تصدمني حقيقة أن بعضنا ضاعت مواهبهُ التي كان من الممكن ان تتطور وتصل لمستوى الفن العالمي ... فقط لو كُنا قد ولدنا في الدولة ألأحسن
كتابتك وتصويرك البارع وأسلوبك الدقيق في العرض المآساوي التراجيدي يستحقون كل انواع التشجيع والتقييم من قبل من يُفرق ويُميز بين ألأدب الجيد و(الخريط) الذي تُعلق على صدرهِ مداليات المنافقين والمُزورين وفاقدي النزاهة
مقالك رائع ، وكم اتمنى لو تستطيع تحقيقه كرواية بعد ان تدخل في تفاصيل ادق وأعمق تُشَرِحُ فيها كل دقيقة وساعة ويوم مرت بك في بعض جهنم الشرق الصحراوي هذا
تحية أخوية ، تمتعتُ جدأً بالقراءة ، شكراً
تحياتي

اخر الافلام

.. غزة :كارثة في الأفق ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مطعم في لندن طهاته مربيّات وعاملات نظافة ومهاجرات.. يجذب الم




.. هل تمتلك السعودية سلاحًا نوويًا؟| #التاسعة


.. روسيا تحذر...العالم اقترب من الحرب النووية!| #التاسعة




.. رئيس الاستخبارات الأميركية يلتقي نتنياهو لإنقاذ المفاوضات وم