الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخاطر الهوياتيين الممانعين و البعد الاستراتيجي لترسيم اللغة الأمازيغية

بودريس درهمان

2011 / 6 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


يتساءل الفرنسيون بحدة، إذا كانت المدرسة الابتدائية الفرنسية قد خلقها جول فيري، و إذا كان نابليون الأول هو من خلق الثانوية فمن يا ترى خلق الإعدادية؟ و حينما لا يجدون لهذا السؤال جوابا مقنعا يضيفون سؤالا آخر قائلين: هل الإعدادية هي مدرسة كبيرة أم هي فقط ثانوية صغيرة؟
الفرنسيون وهم يتناولون هذا الموضوع و بدون حتى الحصول على أجوبة مقنعة كانوا في واقع الأمر يتناولون موضوعا آخر ذو أهمية قصوى في المجال الاقتصادي و في مجال اقتصاد التربية بالخصوص، هذا الموضوع هو موضوع تاريخ هندسة المؤسسات التربوية أما نحن فرغم أننا نقلنا عن الفرنسيين و عن الأوروبيين عامة المدرسة الابتدائية التي تدوم عندنا حاليا ثماني سنوات و التي تنقسم إلى سلكين السلك الأساسي و السلك المتوسط فان هذه المدرسة التي نقلناها تم نقلها خارج مقومات و قوانين اقتصاد التربية. المدرسة الابتدائية المغربية تدوم ثماني سنوات في حين المدرسة الابتدائية الفرنسية الأقدم تاريخيا تدوم فقط ست سنوات، مع العلم أن هذه الست سنوات يدخل ضمنها قسم الفئة العمرية من 5إلى 6 سنوات المعروفة بـla grande section. أعداء المقاربات الاقتصادية في مجال التربية و التكوين في كل أنحاء المعمور يصنفون ضمن ما يسمى بالتيار الهوياتي. و الهوياتيون بشكل عام، لا يهمهم أن تصاب الدول بالانهيار الاقتصادي الذي سيترتب عنه الانهيار السياسي، و لا يهمهم الامتثال إلى القوانين الدولية أو إلى المؤسسات الدولية عن طريق احترام المواثيق و العهود الدولية، كل ما يهمهم هو قناعتهم الهوياتية لأنها رصيدهم السياسي و الإيديولوجي، بها يعيشون و من أجلها يكافحون. الهوياتيون متواجدون في كل دول المعمور وغالبا ما يشكلون بداخل الدول الديمقراطية القاعدة الانتخابية لما يسمى باليمين المتطرف، و في الدول غير الديمقراطية يشكلون القاعدة الانتخابية لليمين المتطرف و لليسار المتطرف كذلك. الهوياتيون يبالغون في إعطاء الأهمية لمنطوق الفئة الاجتماعية المهيمنة سياسيا. يعطون الأهمية المبالغ فيها لمنطوق الفئة الاجتماعية المهيمنة سياسيا و يسمون هذا المنطوق لغة وطنية و يقومون بترسيمه بداخل الدساتير لدرجة أن المجموعة المتطرفة بداخل تيار هؤلاء الهوياتيين يذهب حد تحريم اللغات الوطنية و اللغات الأجنبية بالإضافة إلى اللهجات الوطنية المحلية. من بين الأخطاء التي يرتكبها الهوياتيون هي أنهم يفرقون ما بين المنطوق المحلي المسمى لهجة و المنطوق العام المسمى لغة بشكل متعسف بدون مراعاة الشروط العلمية و الشروط السياسية التاريخية و الاقتصادية التي تحيط بتشكل اللغات و اللهجات و هم يجهلون هذه الشروط العلمية و هذه الشروط السياسية التاريخية و الاقتصادية أو يتجاهلونها عن عمد، يقومون من حيث لا يدرون بتحقير اللغات و اللهجات الوطنية. الشروط السياسية التاريخية و الاقتصادية تؤكد بأن اللهجة هي في واقع الأمر ليست إلا لغة فشلت سياسيا، بمعنى لم يصل المدافعون عنها إلى مراكز القرار و لم يستطيعوا التوفر على جماعة ضغط سياسية من أجل ترسيم هذه اللغة بداخل الدستور؛ مما يؤكد بأن بعض اللهجات عموما هي في واقع الأمر لغات حقيقية فشلت سياسيا لأنها لم تسطع التأثير في القرار السياسي الذي يعمل على تحديد اللغات و اللهجات. الشروط السياسية التاريخية و الاقتصادية تساهم بشكل كبير في تحديد اللغات و اللهجات في حين الشروط العلمية اللاحقة تحقق في كيفية تدقيق اللغات و اللهجات و تقوم حتى في التدقيق في اللهجات الفرعية و غيرها.
حددت الشروط العلمية أربعة معايير للتدقيق في الفروق المتواجدة ما بين اللغات و اللهجات. المعيار الأول هو معيار التاريخانية، بمعنى أن يتم استعمال هذه اللهجة لمدة طويلة من الزمن تقاس بالسنوات و القرون. المعيار الثاني هو معيار التقعيد اللغوي، أي التوفر على نحو خاص و صرف خاص و التوفر على كل فروع مجال الدراسات اللغوية. المعيار الثالث هو معيار التعميم أي أن تتم عملية تعميم اللغة على شرائح واسعة من السكان و هذا التعميم هو ممتد أفقيا و عموديا. الامتداد الأفقي هو امتداد جغرافي و الامتداد العمودي هو امتداد اجتماعي يشمل جميع الطبقات الاجتماعية. أما المعيار الرابع فهو معيار التوحيد، بمعنى أن اللغة توحد بين كل مكونات الأمة المعنية بهذه اللغة.
السجال البيزنطي الحالي الذي انخرط فيه مجموعة من الممانعين لترسيم اللغة الأمازيغية كل هؤلاء الممانعين و هم مصنفون بداخل الهوياتيين الغلاة و السياسيين الغلاة كذلك، يجهلون كليا الفوارق الحقيقية ما بين اللغات و اللهجات و لهذا كانوا يخضعون فقط إلى غرائزهم الهوياتية المدمرة المتمثلة ليس فقط في رفض لغات و لهجات الآخرين،بل و الأدهى من ذلك تفويت الفرص التاريخية على الدولة من اجل ربح رهان الاستباق الاستراتيجي المعمول به من طرف الدول المتقدمة و من طرف الدول الحديثة كذلك.
يتجلى رهان الاستباق الاستراتيجي المعمول به من طرف الدول المتقدمة و من طرف الدول الحديثة في كون ترسيم اللغة الأمازيغية بداخل دستور المملكة المغربية هو رهان استراتيجي يهم مواطني منطقة دولية تتجاوز مساحتها الجغرافية خمس القارة الإفريقية و يشتغل عليها أكثر من أربعة و عشرون دولة. الهوياتيون المنحصرون في صراعاتهم الهوياتية الضيقة يفوتون على الدولة و المجتمع فرصة ربح هذا الرهان الاستراتيجي الذي يبدأ، أول ما يبدأ بالاستباق في انجاز مهام التهيئة اللغوية و مهام إعداد الترسانة البيداغوجية لتدريس هذه اللغة، و أعتقد أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية قطع أشواطا مهمة في هذا الاتجاه مما يجعل منه مستقبلا مؤسسة وطنية قادرة على تحمل مهام الرهان الاستراتيجي في نشر و تثبيت الرؤية المغربية المتعلقة بقضايا الأمازيغ و الأمازيغية.
الأهمية المبالغ فيها التي يمنحها الهوياتيون المنغلقون لمنطوق الفئة الاجتماعية المهيمنة سياسيا يتم إسنادها بمبالغة أخرى لا تقل عنها أهمية و هي المبالغة في تأجيج الأحاسيس و العواطف المتعلقة بمسألة القومية و مسألة العقيدة.
بعض الهوياتيين الانغلاقيين، حتى قبل صدور الدستور الجديد المرتقب بدؤوا يحذرون المملكة المغربية من مغبة التفريط في المكون الهوياتي الذي يعنيهم، و كأنهم الأوصياء الوحيدين على هذه المملكة، في حين الأوصياء الحقيقيون، إن كان هنالك أوصياء أصلا، هم من يرغبون في استمرار المملكة في التاريخ و الزمن. هؤلاء الهوياتيون الانغلاقيون يعتقدون بأنه لا بأس أن تتنازل المملكة المغربية و تقوم باعتماد فصل السلط، بل و لا بأس أن تتنازل و توسع من الديمقراطية و من الحريات الفردية، و لكن حذار، حذار أن تتخلى عن المكون الهوياتي الوحيد و الأوحد. و لكي يكون مقنعين أبدعوا مصطلحا غريبا سموه التشظي الهوياتي؛ متناسيين أن التشظي الهوياتي الحقيقي هو الحاصل حاليا، لأنه قائم أساسا على تراتبية هوياتية مقيتة، و التراتبية الهوياتية المقيتة أقبح و أفظع من التشظي الهوياتي لأنها تنتمي إلى الماضي البعيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا بعد موافقة حماس على -مقترح الهدنة-؟| المسائية


.. دبابات الجيش الإسرائيلي تحتشد على حدود رفح بانتظار أمر اقتحا




.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذه حزب الله بطائرة مسيرة


.. -ولادة بدون حمل-.. إعلان لطبيب نسائي يثير الجدل في مصر! • فر




.. استعدادات أمنية مشددة في مرسيليا -برا وجوا وبحرا- لاستقبال ا