الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جيفارا القدس .. ميلاد

ماهر علي دسوقي

2011 / 6 / 12
سيرة ذاتية


كان قد جال لتوه في أرجاء المنزل، تمعن جيداً في وجوه أمه وأبيه وشقيقته، نظر بتفحص الى صورة أخيه الأكبر الذي يدرس في الخارج .. جلس حيث يجلس كل يوم أمام منزل العائلة وبعض من أترابه يتأمل الطبيعة المحيطة.. وكأن هاجس داخلي كان يقول له إفعل ذلك ..

لم يكذب حَدسه توجه الى لوحة مفاتيح الحاسوب، رغم علمه بأن الساعة بالكاد تجاوزت الثالثة فجراً، ودق الكلمات التالية: لا تتأخروا في النوم يا اصدقاء موعدنا صباحاً.. اليوم يوم الشهادة!!

ميلاد سعيد عياش، فتى مقدسي أدرك منذ نعومة أظافره معاني التضحية والبسالة والعطاء، أراد عشية الذكرى الثالثة والستين للنكبة أن يرسم صورة أخرى للقدس التي أحبها .. كيف لا وهو يرى بأم عينه ما تتعرض له المدينة من هجمة صهيونية منظمة ، تطال كل ما هو عربي وفلسطيني .. من سحب للهويات، وتوزيع للمخدرات، ومصادرة للأراضي ، واغلاق للمؤسسات، وهدم للمنازل وتهويد لكافة معالم التاريخ والحاضر.. نادى الى تجمع ومظاهرة في بطن الهوى بسلوان الوسطى، او حي مراغه ، فهناك سبع عائلات عنصرية صهيونية استيطانية ، سرقت وسيطرت على عمارة سكنية فلسطينية، وتعبث في الأرض فساداً ، شأنها شأن كافة بؤر الاستيطان في فلسطين، برعاية كيانهم السرطاني ..

هي شجاعة الفتى ومن معه من أصدقاء اذا .. أبت الا ان يكون النزال هناك .. هم بصدورهم العارية وبعض من حجارة .. ولصوص الأرض محصنون من خلف الجُدر وبأسلحة فتك وقتل امريكية متنوعة، وحراسات من جيش الاحتلال تكفي "لحماية" مدينة بأكملها ..
وكأنه بذلك يقول: اذا كان من النزال بدٌّ فليكن حيث رموز طغيانهم ..

وما أن انبثق ضوء النهار ودبت الحركة صباحاً ، حتى كان القائد الصغير ذو السبعة عشر ربيعاً قد جهز نفسه وانطلق مع رفاق العمر الى حيث كان القرار .. وقف امام اللصوص بصدره العاري، رافعاً شارة النصر وعلم فلسطين .. تقدم الصفوف "نحوهم" .. القى الحجارة .. فاتبعوه الرصاص .. وهكذا حتى ساعات ما بعد الظهر .. لم يكلّ ولم يتراجع وبقيت الابتسامة الساخرة تعلو وجهه الطفولي ..

رصاصات قناص من سطح البناية المصادرة سمع دويها وكأنها تسمع لأول مرة .. اخترقت الجسد النحيل لمنظم ومحرك المظاهرة .. فسقط أرضاً مُدرجاً بدمائه .. حاول "الشباب" الاقتراب منه عدة مرات لإنقاذه لكنهم فشلوا لكثافة اطلاق الرصاص .. حاولوا ثم حاولوا حتى تمكنوا من حمله .. وقد مضى على اصابته ما يكفي لاستشهاده .. فهذا ما كان يخطط له القاتل ..

جيفارا القدس، ميلاد، قبيل استشهاده صرخ في وجه القتلة .. أنا هنا .. يا من سرقتم البسمة عن شفاه اطفالنا ، ولوثتم الهواء وجثمتم على أنفاسنا، ورفعتم راياتكم البهيمية في سماء وطننا وهودتم قدسنا، واغتصبتم منا بيوتنا ، انا هنا .. انا هنا لا أخشاكم .. أبي أمضى في الاسر ما يقارب عمري قبل ان يتحرر .. وخالي "جهاد" في الاسر منذ اكثر من عقدين وسيتحرر .. وأمي تكدح في سبيل عيش كريم وثوبها برائحة الورد والزعتر .. وأجدادي فلحوا الأرض قبل أن تأتوا اليها مستعمرين .. وستتحرر .. وكم من الغزاة قبلكم ظنوا بأنهم باقون .. هزموا هنا حيث انتم الآن تقفون ..

أنا هنا أحمل على كتفي نعشي .. وفي سماء القدس نسرٌ سأحلق وأطير .. وسأرسم بابتسامتي ودمي حدود الوطن الأسير .. وسأعلو وأقدامي ستطأ رؤوسكم والمندسين .. فهاتوا رصاصكم فلن تقتلوا فينا غير السلام المهين ..

ميلاد الذي سقط شهيدا في 14/5/2011 امتلكت سلاح المغامرة الثورية الحقة .. فنال عن جدارة لقب الفارس جيفارا ..

فيا جيفارا القدس .. ميلاد .. هنيئاً لك مذ علت أقدامك رقبة الجلاد .. وحلقت روحك في سماء فلسطين بكبرياء وعناد ..
امتلكت الان بشجاعتك ميلادين .. ميلاد الحياة ، وميلاد الشهادة ..في الاول حب للاهل ووفاء .. وفي الثاني بقاء وخلود واباء ..

والى أن نمتلك روحك الجيفارية ونلحق بك .. تحية لك من القلوب يا ابن الشرفاء ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البطوله في سلوان
مراد القدسي ( 2011 / 6 / 12 - 20:43 )
البطوله في سلوان والجيفاريه بعينها بالقدس
الرحمه لميلاد والشرف لاهله على هذه التربيه الوطنيه الاصيله

اخر الافلام

.. علماء يضعون كاميرات على أسماك قرش النمر في جزر البهاما.. شاه


.. حماس تعلن عودة وفدها إلى القاهرة لاستكمال مباحثات التهدئة بـ




.. مكتب نتنياهو يصيغ خطة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب


.. رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي: الجيش يخوض حربا طويلة وهو عازم




.. مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين