الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ماتت الثورة المصرية؟

شريف مليكة

2011 / 6 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


يتحدى بعض المصريين اليوم بقية ابناء الشعب المصري بأن الثورة المصرية لم تكن ستنجح أو تقوم لها قائمة، لولا تدخل جماعة الإخوان بثقلها لتعضيد ومؤازرة حركة الشباب يوم جمعة الغضب. وخطورة ذلك الطرح تكمن في التطور المنطقي له الذي يؤدي بأن استحواذ الإسلاميين على الشارع المصري برمته ما بعد الثورة، يعد أمرا طبيعيا بل ومتوقعا مبني على نظرية الفعل ورد الفعل، ولا يصح أن يصير مستنكرا، فهو الذي أدى إلى مرور الاستفتاء على تغيير بعض المواد الدستورية بأغلبية ساحقة، بعد تأييد الإخوان لتلك التعديلات، وإعلانهم بأسلمة وشرعنة التصويت بنعم تحت أعين المجلس العسكري والحكومة ـ على سبيل المثال. وسيؤدي إلى استحواذ برلماني بعد انتخابات سبتمبر المقبلة، حتى نصل إلى صياغة "دستور جديد" للبلاد مسوغ بصبغة إسلامية غير مغلوطة، تجعل المادة الثانية الشهيرة من "الدستور القديم" خفيفة الوطأة وأكثر عَلمانية بالمقارنة، فتجعلنا نترحم على أيام "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع".

تحدث كل هذه التحديات وتلك الخطوات المحسوبة تحت أعيننا وأبصارنا بهمة ودأب، منذ تخلي الرئيس السابق عن مقاليد الحكم للسلطة العسكرية، أو للمجلس العسكري الشهير، الذي انبرى أولا في تقديم آراؤه واتجاهاته للشعب المصري عبر أجهزة الإعلام المختلفة، فأبهرنا بديموقراطيته وانحيازه للإرادة الشعبية إزاء القوى السلطوية الحاكمة في ذلك الوقت. ولكن تدريجيا تبين للشعب إن تلك الواجهة الإعلامية كانت جوفاء في الحقيقة، إذ بدت الحكومة الجديدة شديدة الشبه بالقديمة إلى الحد الذي صعب معه التفريق بينهما كالتوأم الذي ولد ملتصقا، وكان دور المجلس العسكري وقتها كالجراح الماهر الذي بذل كل جهده ليفصل ما بينهما، ولكن تبين للجميع أن أحمد كان هو هو الحاج أحمد.

وبينما مر ذلك الحدث ذو الدلالة الهامة فوق رؤوس الجميع، إذ كان الكل بعده منتشي بفرحة الثورة ونشوة الأمل في التغيير المرتقب، جاءت الأحداث متعاقبة بعد ذلك تؤكد تقاعص القابضين بزمام السلطة في مصر عن الانصياع لصوت الثوار، والتباعد ما بين رغبة الشباب في التغيير واستعادة زمام الريادة المصرية في العملية الديموقراطية، والتجربة الليبرالية، التي كانت قد ولدت قبل نحو قرن من الزمان وتوجت وقتها بثورة 1919 ومولد حزب الوفد وترعرعه خلال النصف الأول من القرن العشرين. انبهر العالم في يناير 2011 بتلك الرغبة الجامحة النابعة من الشباب أولا، ثم من الشعب المصري برمته من بعده، في تحقيق تلك المبادئ العليا كأول مطالب الثورة المصرية الجديدة. وانبهر العالم ثانية بموقف القوات المسلحة المصرية، التي كانت خاضعة كلية للنظام القديم قبلا، بل كانت جزءا لا يتجزأ من السلطة عبر الستين عام الأخيرة، وكيف انسلخت بهدوء وإصرار من تلك السلطة وانحازت للشعب في متطلباته بعد قيام الثورة مباشرة.

أعود فأقول أن الوقت أثبت ـ مع الوقت ـ تزايد التباعد بين ما أراد الشباب الذي قام بالثورة أولا، وبين السلطة العسكرية المتمثلة في "المجلس" المتولي زمام السلطة فيما بعد. بدأ ذلك التباعد يتبلور عند الإصرار على إجراء على الاستفتاء بتغيير بعض مواد الدستور بينما الشباب والمثقفون يدعون لإعادة صياغة الدستور برمته، ثم جاء بعدها اختيار اللجنة المنوطة بتعديل الدستور برئاسة وعضوية شخصيات إسلامية ـ كما تحدث الكثيرون من قبل، ولم يؤد كل ذلك إلى شيء تقريبا، سوى إعلان المجلس العسكري عن تفرده باتخاذ القرار، حتى لو لم يوافق عليه الأغلبية، والشباب بصفة خاصة، كما بين توجههم للانحياز للقوى الإسلامية في المجتمع، بالرغم من الإعلان تباعا بأنها لا تمثل سوى 15% من القوى السياسية. وأعقب ذلك قنبلة الإعلان الدستوري، الذي دمر كل ما قد سبقه من حوارات حول تعديل بعض مواد الدستور أو تغييره، فبدا الإعلان الجديد وكأنه إعادة صياغة للدستور القديم، وإن لم يشارك في صياغة 80% من مواده سوى المجلس العسكري منفردا. بمعنى غياب منطق الديموقراطية المزعومة.

ثم توالت خطوات التباعد ما بين المجلس العسكري وبين شباب الثورة، ما بين قانون تحريم وتجريم التظاهر مثلا، والقبض على معارضي المجلس العسكري من الشباب، ومحاكمتهم وإيداعهم السجون، والإصرار على تقديم الانتخابات التشريعية قبل وضع الدستور الجديد. ثم جاءت جلسات الحوار التي لم يدعى لها أي من شباب الثورة أولا، ثم جاءوا إليها بعد إلحاحات واحتجاجات وطلوع الروح، في جلسة جمعتهم بشباب الإخوان الذين مارسوا هوايتهم المفضلة في التشويش على أفكار شباب الثورة، مما دفع بهؤلاء للانسحاب من جلسة الحوار. حتى وصلنا للموقف الأخير الذي حيرني فعلا عندما أعلن الشباب عن عودتهم لميدان التحرير فيما سموه جمعة الغضب الثانية، فأعلنت "جماعة الإخوان المسلمين" أولا عن امتناعها عن المشاركة، ثم أعلن "المجلس العسكري" بأن الجيش لن يتواجد بالميدان ليحمي المتظاهرين كما تعود، وجاء هذان الإعلانان بمثابة موقف رسمي لا يعنى سوى انفصال رسمي من جانب الإخوان والجيش عن شباب الثورة.

ولكن هل أفلحت كل هذه المحاولات ـ التي بدا بعضها على أقل تقدير متعمدا ـ في القضاء على شعلة الثورة في قلوب الشباب؟ .. هل ماتت الثورة المصرية؟ .. لا أظن.

فالدلائل لا تزال تشير إلى استمرار روح الثورة، والرغبة في التغيير تتجلى في ومضات تبدو أحيانا عبر أجهزة الإعلام، ثم تعود وتختفي. ومن أمثلة ذلك نرى دأب الشباب على النزول للقرى والنجوع والعشوائيات لمحو الأمية تارة، أو للدعاية لأحزاب سياسية جديدة على الساحة تارة، أو للقيام بمشروعات تنموية بسيطة، لم تكن متواجدة قبل الثورة. أليست تلك هي روح الثورة، وجوهر النداء "الشعب يريد تغيير النظام"؟
ألم يدعو الشباب للنزول من جديد لميدان التحرير قبل اسبوعين حين شعروا بحياد مسار الثورة عن طريقها، وفعلوا ذلك بالرغم من إعلان الجيش بأنه لن يحميهم، أليست تلك هي روح الثورة، وجوهر النداء "الشعب يريد تغيير النظام"؟
ألم يهب الشباب بتكوين مجموعات من بينهم أو ما سموه "الوفود الشعبية" للسفر إلى إثيوبيا وأوغندا وإريتريا، ولقاءاتهم المتعددة مع مسؤولي هذه الدول لإنقاذ مصر من جفاف محقق، لو تم تنفيذ معاهدة إعادة تقسيم مياه النيل الجديدة، والتي لم يلق النظام القديم إليها بأية أهمية، حتى وافقت غالبية الدول على تقديمها لبرلماناتها (ستة من بين عشرة دول من بينها مصر) لتصير قوانين ملزمة للتنفيذ. أليست تلك هي روح الثورة، وجوهر النداء "الشعب يريد تغيير النظام"؟

الثورة ما تزال حية إذن، وقلبها النابض هو الشباب الذي قام وثار بعد أن فاض به في الخامس والعشرين من يناير، ولن يهدأ له بال إلا إذا تم له تحقيق أهداف الثورة كلها. ولكن أعود وأقول أن ذلك لن يتحقق غدا أو بعد غد. بل وربما لن نراه يتحقق في جيلنا، مع الأسف. فالقوى الرجعية كاسحة وتبدو لي متماسكة ومتعاهدة على الوقوف بإصرار وباتحاد في وجه تيار التغيير. كما إن هناك مارد أو عفريت يسمى "الثورة المضادة" يختفي خلف كل باب، وعلى ناصية كل شارع، وفي كل جهاز من أجهزة الدولة، بل إنه يسيطر حتى الآن على أجهزة الأمن ويمنع تلاحمها مع الثورة، وحمايتها. وكما قلت لصديق لي قبل أيام، من إني لم أخلق بالجهاز الدماغي المسمى بمركز "الصبر"، ولذلك فأنا لست متفائلا في الوقت الحالي، لأني لست أبصر بوادر التغيير المنشود تتبلور أمامي، بسبب خوف المجلس العسكري من تحقيق كل هذا التغيير بما يتبعه ذلك من أطر للتطبيق ومؤسسات تأخذ على عاتقها تنفيذه، بينما يقول العسكريون إنهم ليسوا راغبون في الاضطلاع بذلك الدور، وإنما يبتغون رئيسا مدنيا منتخبا للقيام به. أو على الجانب المظلم من التحليل ـ جانب المؤامرة ـ تحدث الكثيرون (هامسين أحيانا لئلا يقعوا في المحظور) عن مؤامرة تحاك بين المجلس العسكري من جهة وبين الإخوان المسلمين من جهة أخرى، ربما تؤدي لأن يستأثر الأول بمقعد الرئاسة، بينما يحظى الإخوان بأغلبية المجلس التشريعي فيتجهون بمصر إلى الدولة الدينية. وهذا بالطبع أمر وارد، ولكنه في أغلب الأمر لن يتعدى أن يكون سوى حل مؤقت، يفشل بعد قليل في تحقيق النمو والتقدم، فتعود الأمور لتستقيم من جديد، وتتحقق أهداف الثورة في الحرية والمساواة والعدالة والبناء والتقدم، وذلك لأن الثورة المصرية ما تزال حية ترزق.
إلا إذا!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة