الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية العلاقة بين الأنا والآخر في رواية - بروكلين هايتس - لميرال الطحاوي

هويدا صالح

2011 / 6 / 13
الادب والفن


جدلية العلاقة بين الأنا والآخر في رواية " بروكلين هايتس " لميرال الطحاوي
هويدا صالح
هناك مدخلان هامان يُطرحان بقوة عند الدخول لعالم " بروكلين هايتس " الصادرة حديثا عن دار ميريت والتي نالت جائزة " نجيب محفوظ " ورشحت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية : المدخل الأول هو علاقة الشرق بالغرب أو الأنا بالآخر ، وهذا المدخل هو الأبرز في الرواية ، فبروكلين هايتس تعيد إنتاج هذه العلاقة التي طرحت من قبل منذ أن طرحها توفيق الحكيم في " عصفور من الشرق " و طه حسين في " أديب " و يحي حقي في " قنديل أم هاشم " ولويس عوض " مذكرات طالب بعثة" وعبد الرحمن بدوي في " هموم الشباب " وعبد الحميد جودة السحار في " جسر الشيطان " ويوسف إدريس في " السيدة ريفينا " و نيويورك 80 " والطيب صالح في " موسم الهجرة للشمال " و بهاء طاهر في " بالأمس حلمت بك " و " الحب في المنفى " وروايات أخرى اختلفت فيها نظرة الكاتب العربي إلى الغرب ما بين نظرة تتعامل مع الغرب باعتباره الغرب المثال المتفوق ثقافيا على الشرق المتخلف ، وما بين نظرة ترى الشرف الأفضل صاحب الحضارة والثقافة في مقابل الغرب المستغل ، موطن الفساد والشر .
إذن ميرال الطحاوي تطرق بابا سبق طرقه ، وتخوض عالما كُتب كثيرا ، فما الذي ستقدمه للقارئ يخرج عن هاتبن النظرتين النمطيتين للأنا والآخر أو لجدلية العلاقة بين الشرق والغرب ؟
وقعت ميرال الطحاوي في ذات النظرة النمطية لجدلية العلاقة بين الشرق والغرب ، فالبطلة " هند " التي ربت من عالمها التعس الشقي في محاولة لإيجاد ملاذ آخر تتحقق فيه بعد أن طلقها زوجها تكتشف هناك تعاسة أخرى جديدة تعيش فيها ، فقد عاشت هناك في حي الفقراء التعساء الذين لجأوا إلى أمريكا الحلم المنشود لكل تعساء العالم الثالث ، لكن أمريكا لم تكن رحيمة بهم ،فتعود الذات الساردة عبر الفلاش باك أو تقنية التذكر والاسترجاع إلى الوطن / الشرق ، ويغمرها الحنين ، فتلجأ للذاكرة الانتقائية وتنتخب من لحظات ماضيها من الشرق ما يؤكد على سبب هروبها حنينا ، وما تتوق لتعود إليه في لحظات غربتها حينا آخر .
إذن لم يكن الغرب هو المكان الأفضل للذات الساردة ولم يكن أيضا هو الملاذ الأكثر ملائمة للهروب .فهي تقر على لسان بطلتها التي جلست تشارك صغيرها الطعام وتفتح لفافة للحظ ، فيربكها حظها الذي سطر على ورقة اللفافة تقول : " كانت تريد أن ترى حظها في أي شئ . أبراج البخت وأوراق الحظ المسماة " تاروت " والكوتشينة ، وكف يدها أحيانا . جبينها لا ينع إذا كان هناك من يستطيع قراءته ، لكنها لم تتوقع أن تجده في قطعة العجين المقددة ، على ورقة صغيرة ملفوفة بطريقة حلزونية دقيقة . تفتحها بعناية من يخاف على قدره ومصيره الذي تحمله اللفافة ، ثم تقرأ : ما ينتظرك ليس أفضل مما تركته وراءك " .
إذن نبوءة حظها يظهر منذ البداية ، منذ الصفحات الأولى للرواية .
تلك النظرة جعلتها تغرق في النوستالجيا ، مما يجعلها تبحث عما يذكرها بأماكن الأنا / الشرق أو الوطن : " كلما أرادت أن تعود لحي العرب تحت وقع الحنين أو المقت "
في حين أن الابن الذي لا يمتلكها ذاكرتها ولا يمتلك ذلك الميراث من الحنين يتحرر أكثر من رغبتها في التواجد في حي العرب تقول " يرفض أن يذهب معها ويطلق تعليقاته الحادة :
ـ لا أحب أن أذهب عند العرب
ـ لماذا ؟
ـ " البيرج مش نظيف " وكمان فالجر وأنا لا أحب أن أكون واحدا منهم
ـ سنأكل كشري
ـ مش عايززززززززززز
ـ ستترك ماما تذهب وحدها ؟
ـ لماذا تحبين هذا " البيرج "
ـ ربما يذكرني بمصر
ـ ولكن أنا لا أحب ط البيرج " ولا أريد أن أرجع إلى مصر تاني . "
وهذه النظرة النمطية تجعلنا نتساءل هل الغرب مقولة فكرية ؟ أم تجربة وموقف ، وبالتالي،فإن العلاقة بين الأنا والآخر لا يمكن صياغتها في شكل ثابت وإنما هي علاقة تتغير باستمرار مثلما مثلما تتغير علاقتنا بالأنا خلال مراحل العمر المخلتفة وهي مرتبطة بمجمل الظروف والتغيرات المختلفة التي نعيشها ؟ .
المدخل الثاني للرواية هو المدخل النسوي ، أو الكتابة التي تتناول عالم المرأة وخصوصيته ، حيث تقدم لنا الرواية قصة هند التي تركت زوجها بعد أن طُلقت وهربت من عالم مترع بالتعاسة بسبب زوجها الذي اكتشفت خيانته ، ترحل إلى عالمها الجديد في أمريكا حاملة معها حلما بكتابة رواية تكون بطلتها امرأة تعيسة تشبه تعاستها أو هي ذاتها ، لا يرافقها في رحلة البحث عن ذاتها سوى ابنها الصغير ابن الثامنة .
قدمت ميرال الطحاوي عالما مليئا بالشخصيات النسائية المأزومة والمقهورة من عالم ذكوري متسلط مهما كانت هويته الثقافية ، فالذات الساردة / هند مصرية مقهورة ،و جوجو المكسيكية التي تترك زوجها عبد الكريم الكردي ضجرا ومللا من «رائحته العربية» وليليت التي تترك زوجها في مصر بلا مبرر وإيمليا الروسية التي تلقي محاضرات طويلة في نقد السياسة الأمريكية. ورغم هرب البطلة من القهر الذكوري العربي في بلادها إلا أنها تواجه ذات القهر حيث وصلت حين تتصادم مع صاحب الشقة التي تسكنها وهو " تانجو" الأمريكي الذي يريد إقامة علاقة جنسية معها ، وحين ترفض يعرف كيف يهين أنوثتها بالسخرية من big fat ass ، تجيد الكاتبة اقتناص اللحظات الخاصة بالمرأة عندما تشعر بإهانة موجهة لجسدها أو في الحوار الذي يدور مع ابنها أو في وصف شخصية مثل فاطيما الصومالية، وكذلك نزاهات، الطبيبة البوسنية اللاجئة، ، كئيبة كما يليق بامرأة شرقية، حزينة كما ينبغي لامرأة تري الاضطهاد في كل وقت وفي كل شيء، تسير بك الساردة وهي تحكي بلا مبالاة، هذه الجدة زينب، هذه الضيفة، هذا أبي وهذه أمي وهذا الرجل المتأنق السخيف هو زوجي "
في السطور الأولى من الرواية تسرب للقارئ الافتراضي أن بطلتها ستعيش حاملة وحدتها وصغيرها في بلاد تشعرها بالغربة والمرارة ، وتعطيها الفرصة لاجترار الألم : " ومن بين كل الشوارع تختار فلات بوش لأنه يصلح لها وهي تركض حاملة وحدتها وعدى حقائب وطفلا يتساند عليها كلما تعب من المشي " .
وتلك النظرة النسوية أو زاوية الرؤيا النسوية نجدها منذ المفتتح الذي اقتبسته من الشاعرة " فروغ فرخازاد " حيث تقول : " مضى الزمن ودقت الساعة أربع دقات
وها أنا ذا امرأة وحيدة على عتبات فصل البرد
بردانة أنا بردانة كأنني لن أدفأ أبدا
عريانة أنا عريانة كفترات الصمت بين أحاديث الحب
ثمة ريح في الزقاق وأنا أفكر باقتران الزهور والبراعم ذات السيقان الرفيعة
على عتبات فصل البرد "
لا يخفى على القارئ دلالة المقطع الذي أوردته ، وأنه يُعد عتبة مهمة من عتبات قراءة النص ، وأنه يرشح بقوة أهمية المدخل النسوي في قراءة الرواية .
يحتل المكان في "بروكلين هايتس" أهمية خاصة ، ليصير هو خامة الكاتبة لتوصف وتسرد حيوات شخوصها . المكان في الرواية لم يكن مجرد خلفية للأحداث أو مسرحا لها بقدر ما هو أداة سردية من خلالها تؤكد الكاتبة على تعاسة هؤلاء النسوة اللاتي امتلأت بهن الرواية . تطل الكاتبة من خلال ذلك المكان على فضاء العالم المتنوع، الذي تمتاز به مدينة نيويورك، بما تحتضنه من عشرات الأعراق والأجناس واللغات. في مشهد الإفتتاح تفيد الكاتبة من الوصف لتقدم لنا مكان روايتها : " فلات بوش تراه علي خرائط الإنترنت وهي تبحث عن غرفة واحدة تصلح للإيجار في منطقة بروكلين، تراه في عدسة البحث حارة ضيقة مليئة بالالتواءات.. يتعامد علي بروكلين بريدج، ذاك الجسر الممتد الطويل الذي يربط الجزيرتين." القسم الثالث والمعنون بـ "المقبرة الخضراء"، يضيء وصف الوضع النفسي لبطلة الرواية هند، عبر بهجة الموت وسكينة العجائز.. فتتجلي في وصف الطحاوي تقنية التداعي الحر للأمكنة، ودلالاتها، بل وإيحاءاتها عبر تيار الوعي؛ فتذكرها المقبرة الخضراء بأمكنتها الحميمة التي احتضنت طفولتها وصباها وتعلقها بجدتها.. لافتة إلي تَوَثُّق الصلة بين هند وجدتها، والذي يظهر حين تنام هند بحجر الجدة، كلما أرهقتها الوسائد الجافية القاسية التي لا تعطي حنانها لأحد، فتقول لها في الحلم: (لوكان بيت أبويا قريب، كنت أروح وأجيب، صحن زبيب تاكليه وتصلي علي الحبيب، وكل واحد له حبيب) لتنعس بعدها حالمة ببلاد لتتحقق خلال أحلامها النبوءة.
تهرب "هند" من ذاك الواقع الذي عايشته في الماضي ولم تطق تحمله، إلى واقع جديد كما أوضحنا ، ولكن الواقع الجديد دفعا لأن تمارس عملية التداعي الحر استدعاء للأمكنة والأحداث التي تسكن الذاكرة ، ولكن التداعي الحر جاء موفقا في بعض الأحيان وغير موفق في أحيان أخرى كثيرة .
أجادت الراوية وصف الأحياء التي يسكن فيها المغتربون , وأجادت وصف أحوالهم سواء في الخارج أو في مضيفة الأب ” مكان الأحلام المشتهاة ” , ورغم ذلك الوصف الجيد , إلا إنها افتقدت لإحكام الخيط الدرامي للأحداث . فرغم أن الرواية لم تراهن كثيرا على التجريب في السرد ، بل استخدمت آليات السرد الروائي الكلاسيكي إلا أن عدم إحكام البناء الروائي جعل الرواية تقف في منطقة البين بين ما بين الكلاسية والتجريب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بين النمطية والتجارب الحية
محمد البدري ( 2011 / 6 / 14 - 07:44 )
ما اكثر الذين نمطوا الغرب في مقولة ووضعوه في كبسوله بناء علي جملة هنا او قول فيلسوف هناك، تناولوا الكبسولة باعتبارها دواءا واراحوا انفسهم بابتلاعها، فظلوا يتلوون من الالم ويصرخون من شدته. الغرب تجربة وليس جملة مفيدة او قبيحة. ولن يكتشف الانا ذاته الا بالتجربة مع الاخر وليس من خلال مرآة الايديلوجيا . الاخيرة هذه اسوا من اردأ انواع الحقن الشرجية المسمومة وليس مجرد كبسولات لترياق مغشوش. لهذا اشكرك واحييك واثمن علي قولك بإن العلاقة بين الأنا والآخر لا يمكن صياغتها في شكل ثابت وإنما هي علاقة تتغير باستمرار مثلما تتغير علاقتنا بالأنا خلال مراحل العمر المختلفة وهي مرتبطة بمجمل الظروف والتغيرات المختلفة التي نعيشها. ظل المثقف لدينا يقاتل عبر النمطية وكان السياسي يرعاه إذا ما ظل هو مقيدا نفسه في قفص التنميط، الي ان انتهي الحال بنا جميعا الي بيئة ليس بها سوي الفساد والعفن بكل اشكاله. وتبقي المرأة وتجاربها الاكثر ثراءا لانها الاكثر مطالبة بالحقوق لا لسبب سوي انها الاكثر عرضة للاضطهاد والاستغلال في كل العصور وفي كل التجارب. مع وافر تقديري واحترامي

اخر الافلام

.. تفاعلكم | الفنان محمد عبده يكشف طبيعة مرضه ورحلته العلاجية


.. تفاعلكم | الحوثي يخطف ويعتقل فنانين شعبيين والتهمة: الغناء!




.. صراحة مطلقة في أجوبة أحمد الخفاجي عن المغنيات والممثلات العر


.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24




.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع