الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. النهايه

حامد حمودي عباس

2011 / 6 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


في مطار اتاتورك الدولي في العصمة اسطنبول ، لم تشأ شرطية فحص الجوازات عند البوابة الاخيرة لركوب الطائره ، ان تسمح لي بالسفر الى اي مكان اخر خارج دائرة خيارات ثلاث .. العودة الى تونس ، او ليبيا ، او السفر الى الاردن .. ولم اكن اعرف ولحد الان ، لماذا جاء الاردن كخيار ثالث ، رغم انني لم اقصد السفر الى هناك ، سبب الممانعة كان لانتهاء صلاحية ذلك الجواز الملعون ، والذي لازال يحمل صورة صدام حسين داخل دائرته الفسفورية الباهته .. وقامت سلطات المطار بعد ان ذهبت توسلاتي سدا ، بانزال حقائبي من الطائرة ليتم حجزي في المطار ولاربعة ايام متتاليه لم أنم خلالها الا ساعات قليله ، مستغلا وجودي في عالم هامت فيه روحي وهي تعيش أروع ما أفرزته العلمانية الاتاتوركية ، والتي حماها العسكر طيلة صراع مرير مع قوى الردة الدينية ، حينما حاولت العبث بمكتسبات الشعب التركي والنيل من دولته المدنية المتفتحه .. لقد كنت اكتفي بين الحين والاخر ان اتفقد بناتي وهن يرقدن في فندق انتظار الترانسيت داخل المطار ، فأغطيهن وأطمئن عليهن ، لأعود ثانية الى حيث تعج جماهير غفيرة من المغادرين والقادمين من كافة انحاء العالم .. صبايا شبه عاريات ، ونساء يعتمرن الخمار ، ورجال دين يهود تتدلى ظفائر شعرهم على جنبات اجسادهم ، وشباب مهووس بالفرح ، واطفال يتزحلقون على بلاط الممرات المكسوة بالمرمر .. شرطيات وضابطات وطيارات ومضيفات بالوان الزهور ينطلقن رواحا ومجيء ، ووجوههن تقطر عذوبة وبراءه .. لم اسمع أذانا طيلة الايام الاربعة الماضيه ، غير ان عدد كبيرا من المصلين الاتراك كانوا يقصدون جامعا مغلفا بالالمنيوم النظيف داخل المطار، ليؤدوا ما عليهم من صلوات دون صخب أو حسيب او رقيب .. هاجمني احد العراقيين ممن تعرفت عليهم في مخيم تونس ، وهو يشحط بحقيبته ويصرخ ، وقد وصل توا الى المطار : اين انت يارجل ؟ .. لماذا لم تنتظرني حتى نرحل سوية ؟ .. بالله عليك اين المسجد ؟ .. كان يحدثني وهو على بعد امتار ولم يتكلف بالدنو مني لاتلقى راجماته لوحدي .. أشرت عليه بالسكوت ريثما نقترب من بعضنا البعض .
- اين المسجد ؟ .
- لماذا انت مستعجل ؟ .. ضع حقيبتك في الفندق وبعدها سأدلك عليه .
- كيف ذلك ؟ .. الوقت الان وقت الصلاة .
- وما ادراك بانه وقت صلاة ؟ .. التوقيت التركي يختلف .. اكمل اجراءات اقامتك وبعدها الله يسهل .
بعد حين ، علمت بان افرادا من الشرطة التركيه ، منعوا صاحبي من احداث صخب وهو يؤدي مراسيم الوضوء ، مستخدما قنينة من المياه الغازيه خارج بناية المسجد .
العلمانية ( المكروهه ) .. العلمانية التي أصبحت تقض مضاجع الغيارى من ابناء جلدتي وهم يحتمون منها بسبل لم تمنعهم من ارتياد مسالك السحر ، والاعتقاد بان عجوزا تعيش في غياهب احراش الاهوار ، بامكانها ان تضيء نورا في بيتها دون كهرباء ولا وقود بمجرد الايماء بخنصرها الصغير .. العلمانية التي حاربها الزعيم في ليبيا طيلة فترة حكمه ، ولم يزل رغم الشدة التي هو فيها ، لا لشيء إلا ليثبت للعالم ( باعتباره فلتة عصره ) بأنها صرعة من صرعات الغرب الصليبي المتهتك .. العلمانية هاهي اراها ساطعة الملامح ، تظهر في مطار اتاتورك بأصدق الصور والمعاني ، فاتخيل بانني وعلى طريقة ابطال افلام الكارتون ، استطيع الطيران الى حيث يقبع اولئك اللصوص المحتالين من سدنة الكفر وليس الايمان ، لأسدد اليهم ركلة تبعدهم عنا الى خارج دائرة الحياة والتاريخ .. لقد قضيت في مطار اتاتورك احلى اربعة ايام رغم محنتي مع اجهزة الشرطة هناك .. وارتشفت اعذب طعم للحياة حيث كنت جافا لا يميزني عن سواي من مخلوقات الله غير أنني انطق بلسان فصيح .. ولم يكن لدي بديل عن الاستجابة الى دواعي فضولي في ان اسجل آخر ما في أعماق ذاكرتي وانا اتخطى بوابة المطار نحو طائرة اقلتني الى مجهول آخر .. لقد غادرت ليبيا وليس في نفسي اي شعور بالبغض لشعبها .. بل إنني سوف اكون جاحدا لو تنكرت لتلكم المواقف الانسانية النبيلة للعديد من الليبيين ممن تعرفت عليهم في العمل وبحكم الجيره .. إنه شعب ليس له أية جريرة عدا عن كونه ضحية نظام فارغ المحتوى ، يعيش في غياهب الماضي ولا يريد ان ينعم بالحداثة والتجديد ، نظام يفخر وحتى اليوم ، بكونه يستمد نظريته الثالثة من وديان الصحراء القاحلة وخيامها ، ويقحم نفسه عنوة في حياة الناس ليقطع شرايين هذه الحياة ، ويجعلها مجرد سباق باتجاه توفير القوت لا غير .
غادرت مدينة اسطنبول بعد تفاوض تواصل لاربعة ايام ، اقتنع المسؤولون في المطار خلاله بانه لا جدوى من بقائي في عهدتهم ، فلفضوني في ساعة متأخرة من الليل ، لأركب ظهر الغيوم من جديد ، في ترحال يبدو بانه لن ينقطع ..
وكنتيجة لهذا السفر المضني من جماهيرية المجهول .. اضع هنا حصيلة ما ترسب في قناعاتي عن مستقبل هذا البلد ، وأحدد ذلك بالآتي :
أولا - إن الدواعي الاساسية لما يجري في ليبيا من احداث تمثلت بالانتفاضة الشعبية المنطلقة من شرق البلاد ومن ثم غربه ، لم تكن بسبب الفاقة أو الحرمان الاقتصادي عموما ، وانما جائت بسبب الاختناق الاجتماعي المفروض على السكان ، وهيمنة الافكار السرمدية الجاهزة لشخص القائد دون سواه ، والتي أدت في النهاية الى بقاء الشعب الليبي برمته رهينة لتلك الافكار لا يستطيع التحرك خارج دائرتها المقدسه .. وبالتالي فان هذا الشعب صار حبيسا ضمن حيز لا يسمح له البته أن يتواصل مع العالم المحيط ، ولا يستطيع امتلاك موهبة الابداع والتجديد والتحرك صوب عناصر الثقافة الحرة وبكافة المضامين والمصادر .. وما إن ثارت البرك الساكنة في دول الجوار وغيرها من دول المحيط العربي ، حتى تصدعت الجره ، وتدفق البخار خارج فضاء المقدس .
ثانيا – إن الوضع في ليبيا ينذر بخطر الانزلاق بعد رحيل القذافي ، وهو أمر قائم ، ضمن متاهات عديدة جميعها توحي لي بالخطر المحدق بهذا الشعب غير المسلح بخبرة كافية لادارة شؤونه بنفسه .. ففي ليبيا ، لم تقم المؤسسات المعنية بالتعليم والصحة وادارة شؤون البناء التحتي بما يوفر الكادر المتعلم وفي شتى المجالات الأكاديمية والمتوسطة ، بحيث يمكن الاعتماد عليه في تعويض النقص الحاد والحاصل في كافة مفاصل الادارة العامة للدوله .. إذ أن تلك الادارة جملة وتفصيلا كانت ولحد قيام الثورة ، يشرف عليها ويسيرها غير الليبيين من الاجانب الوافدين سواء من اوروبا او آسيا وكذلك افريقيا ، والتي تولى مواطنوها القيام بجل الاعمال الخدمية اليومية للمواطن الليبي .. وهذا معناه ، أن تلك المفاصل الهامة من حياة الشعب الليبي ، ستبقى مرة اخرى رهينة بيد الطاقات الاجنبية ، والى حين تقويم مسار ادارة شؤون دولة لا تحمل من ذلك غير الاسم فقط ولفترة طويلة من الزمن .
ثالثا – وبناء على ما تقدم .. فإنني اميل الى كون أن الامور في ليبيا ، لو قدر للنظام ان ينزاح عن الساحة ، فسوف يطالها اضطراب مدمر ستطول فترة معالجته .. وستكون الطامة الكبرى في حياة هذا الشعب ، لو أقدم الامريكان ، متطوعين او راغمين ، على ان يمارسوا هواياتهم في اللعب بمقدرات البلدان التي تنزاح هيبتها وتستباح اراضيها تحت ضرورات الفراغ الأمني كما هو العذر دائما .. فلقد ضرب الوحش الامريكي وباستهتار متعمد في اطناب البلدان التي دخلوا اليها محتلين ، او حينما يحلوا لهم ان يقدموا على احتلال بلد تحت اية تفسيرات يرون فيها حجة لذلك ، فهدوا الدولة العراقية بمؤسساتها المدنية والعسكرية ، وتركوا البلاد نهبا للصوص شرهين للجريمه ، وجعلوا المواطن العراقي في متاهة عريضة لا يعرف لمصيبته حلا غير ان ينام على ضيم المحن .. وما اخشاه على الشعب الليبي هو ان تكون من حوله ذات الظروف المدمرة .
رابعا – في أسوء الحالات ، فإن الاسلام السياسي وكعادته بالتربص واستغلال الفرص ، ولكونه متواجد وبكثافة مؤثرة بين ظهراني الثورة والثوارحاليا ، فإنه سيقفز وبخطى عريضة لخطف مراكز القرار في البلاد ، سيما وإن المناخ التربوي والذهني للفرد الليبي مهيأ لقبول هكذا احتمالات .. حينها ستعود العجلة القهقرى وبشكل متسارع ، وقد يحن المواطن الليبي في يوم من الايام على عهده السابق عند العديد من مفاصل حياته .
بكلمة واحده .. فإن الوضع في ليبيا ، سيؤدي الى مسالك تتوزع في نهاياتها نتائج غير ايجابية لو لم تتخذ القوى الفاعلة في المعارضة سبيلا مغايرا لما فعلته المعارضة في العراق أو مصر وكذلك في تونس ، والتي بدأت تتخبط في طرق تعاملها مع العهد الجديد .. ويقيني بان ذلك سيحدث فعلا ، ولفترة ليست بالقصيره .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزيزنا الأستاذ حامد حمودي عباس المحترم
ليندا كبرييل ( 2011 / 6 / 13 - 21:18 )
أربعة أيام في مطار استامبول وهذه الانطباعات .. فكيف لو عشت في الداخل التركي ؟ وأذكر كيف كنا ننظر للأتراك نظرة استخفاف بين بعضنا ، ولما ذهبت إلى هناك وعشت فترة ليست بالقصيرة لعمل، تفاجأت بالمستوى العالي الذي يبعد أشواطاً لا تقاس عن بلاد المتخلفين الذين يتصورون أنفسهم رب العالم ومجده وهم في الذنب ، ضايقني أمر واحد ، أنهم يلقبون الكلب الأسود ذا الشعر المجعد ب
Arap
لكن الحقيقة أن الكراهية متبادلة ، فكما غذوا في نفوسنا كراهية الأتراك ( واليهود أيضاً ) هكذا الأتراك واليهود يعلمون أبناءهم كيف يكرهون من يكرهونهم ، للأسف . أعتقد أن قناعاتك عن الوضع في ليبيا ينطبق على الإنتفاضات العربية الأخرى إلى حد ما كما في سوريا مثلاً ، شكراً على سردك الجميل لرحلة العذاب التي بدأتها من عدة حلقات ، حمداً على سلامتكم وأتمنى لك حياة أفضل وشكراً ،


2 - يحيا النفط ويحيا الإسلام وتحيا أميركا
الحكيم البابلي ( 2011 / 6 / 14 - 06:55 )
صديقي حامد
شخصياً أعرف بأن كل توقعاتك لما سيحدث في ليبيا صحيح ، ومتوقع جداً
حالة الشعب الليبي وحاضنته تختلف جذرياً عما هي في تونس ومصر وسوريا ، وبما إنها دولة نفطية فستمر بجحيم لا يقل ضراوةً وتدميراً عن الجحيم العراقي
يعود لذاكرتي ذلك الفلم عن عالم الحيوان ، حين يقع الكبش بين مخالب وانياب عدة ضباع برية تلتهمه وهو حي يصرخ ، ونسمع صوت تكسر وطحن بعض عظامه وهو لا يزال يرفس محاولاً الإفلات
ها هي الضباع تنتظر اللحظة المناسبة للإنقضاض على الكبش النفطي الجديد
تعرف أخي حامد ، كنتُ اتمنى لو كان عراقنا بلا نفط ، كُنا سنعيش فقراء ولكن سعداء ، بينما شعبنا اليوم يعيش فقيراً تعيساً ينتظر من يحنَ عليه في مطارات العالم العاهر
وهذا ما سيحدث لأخوتنا الليبيين ، سيُعاقبون لأنهم أصحاب دولة نفطية
وسنعود لقراءة ما تنبأنا بحدوثه منذ الأيام ألأولى لهذه الثورات ، بعد سنة من نشر هذا المقال

خلال 37 سنة لم أتعرف بليبي واحد في مشيكان ، وأعرف انني سأرى الكثيرين منهم هنا في السنوات القادمة ، يحيا النفط
ومع هذا فلا أحد منا ضد الثورات العربية ، ولكن إبدال الضبع بضبع آخر لا يستحق المحرقة القادمة
تحياتي


3 - سيدتي ليندا
حامد حمودي عباس ( 2011 / 6 / 14 - 08:38 )
شخصيا لا مانع عندي بان يلقبونني بالكلب الاسود شريطة ان يمنحوني حياة اي كلب تركي بعهدة الدوله .. لقد بلغت الامور بنا سيدتي الى حدود القرف .. والذي يحز في نفسي هو انني ، وشخصيا ايضا ، ساقضي قبل ان ارى فضاء بلادي يعمه الهواء النقي بدل غبار الارض الجرداء من كل شيء اخضر .. تقبلي تحياتي


4 - عزيزي البابلي الحكيم
حامد حمودي عباس ( 2011 / 6 / 14 - 08:52 )
بالامس .. وفي مكان ما من بلاد النفط والعبث ، شاهدت طفلا لا تتعدي سنه العشر سنوات ، يركب دراجة صغيره يتجول بها قبالة باب دار اهله ، والغبار يحيطه من كل جانب نتيجة مرور الشاحنات في الشارع القريب .. كان الجسد الصغير يختفي من امامي ويظهر مع ظهور واختفاء الغبار .. لم استطع حينها ان افعل شيئا غير ان اتخطى حدود العرف العام وما يسمونه بالاخلاق ، فاشتم مستخدما بذيء الالفاظ وبلغة شارع موبوء بكل ما هو سيء .. انها الكارثة بعينها حينما تعلم بان تكلفة تعبيد ذلك الشارع قد لا تكلف نهب مصرف من مصارف القطاع العام قام ويقوم به اركان الحكومة .. معلش كما يقول اخواننا في مصر ، سننال نحن الفقراء الراحة يوم الحشر ، ومن المحتمل ان نلتقي معا انا وانت في قبة من قباب رياض الجنه .. تقبل امنياتي لك بطول العمر


5 - انتهي الجهاد الاصغر ليبدا الاكبر
محمد حسين يونس ( 2011 / 6 / 14 - 15:58 )
تركيا لازال دستورها علماني لكن لا نعرف كيف سيكون بعد الانقلابات الدينية في المنطقة حولهاو سيطرة المحجبين راسا و عقلا هكذا كانت لبنان قبل الحرب الاهلية.. نحمد سلامتك وبناتك و الي لقاء قريب


اخر الافلام

.. غزة :كارثة في الأفق ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مطعم في لندن طهاته مربيّات وعاملات نظافة ومهاجرات.. يجذب الم




.. هل تمتلك السعودية سلاحًا نوويًا؟| #التاسعة


.. روسيا تحذر...العالم اقترب من الحرب النووية!| #التاسعة




.. رئيس الاستخبارات الأميركية يلتقي نتنياهو لإنقاذ المفاوضات وم