الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخيال والمفاجآت الإدراكية لشباب الثورة العربية

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 6 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة أجماع – من زاوية التحليل الجيلى – على أن الشرائح الشبابية كانت القوة الرئيسية المحركة للفعل الإنتفاضى على أرض الواقع العربى .

هذه القوة الشابة حظيت بأهتمام طال ملامحها وأطارها السياسى وظروفها الطبقية والمجتمعية وكذا تأثيرات ثقافة العولمة والتكنولوجيا السيبرية التى شكلت وعيها الحافز للثورة .

لكن يظل هناك بعد غائب عن نطاق هذا الإهتمام البحثى - من وجهة نظر كاتب هذه السطور- يتعلق برصد ملكة " الخيال " عند هؤلاء الشباب ومفاجآتها الإدراكية والأدائية وجديد آليات شحذها وأرهافها التى أذهلت الجميع على أرض التجربة الثورية .

فالثابت أن هناك حالة أختراق حقيقى للقصورالذاتى التاريخى المميز لسيكولوجية الخنوع والإستكانة والإستسلام , وبما يشهد على تغيرفى سلوك تلك الفئة الشابة يتعين الإنتباه اليه وأستيعاب محطاته والأسباب الدافعه له .

أهمية هذا الطرح تتأكد فى أن حركة الشباب العربى وجدولها المرتبط بمفردات الخروج والإندفاع والتمرديعصف بالقراءات التقليدية التى كانت تنعتهم بجيل العجز والسلبية واللامبالة , وأنهم جيل ينتظر Generation in Waiting - منذ عقود طويلة - حلولآ جاهزة لأزماته الإقتصادية والإجتماعية والسياسية.

كما يختزن هذا الطرح ردودآ على هامش سؤال " الدهشة الثورى " الذى يردده كثيرون الآن , وكيف لم يتوقع أو يتصورأحد شكل ومضمون السيناريوالتونسى والمصرى وما جرى بالمحيط العربى بعد ذلك .

هذا الخيال الشبابى يمكن تعريفه بالقدرة على انجاز وأستنساخ أفكارووسائط نظرية وعملية , وبهدف تقديم حلول غيرنمطية لمعطيات وأشكاليات الحدث الإنتفاضى المتلاحق . أنه ترجمة لهذا الجانب الإبداعى حيث بدل هؤلاء الشباب - من خلال فعلهم الخلاق والمنتج -فهمنا لماهية الفعل الثورى وفلسفة وطرائق توجيهه ضد السياسة والسلطة القائمة .

فوفقآ للثراث الثوري التاريخي فأن وجود طليعة أوزعيم يعد أمرآ حاسمآ للقول بأشعال الثورة , فى حين بدد ثوار مصر وتونس "مركزية " تلك القيادة ومنحوا " الجمهورالعام " أحقية الإنفراد بالفعل الثورى .

وحيث راهن هؤلاء الشباب على فكرة " التمدد والإنتشارالأفقى الواسع وغيرالقابل للإحتواء " وبما يربك حسابات النظام الأمنى والسياسى الباحث تقليديآ عن الرؤوس والأيادى المحركة وبهدف التعامل معها وأستقطابها وتصفيتها.

ولعل هذا ما يفسر أنشغال الأمن الداخلى " لأبن على " بالبحث عن قائد للثورة وأعتقاله " لحمه الهمامى " – زعيم حزب العمال الشيوعى – منذ الأيام الأولى للإنتفاضة , وكذلك أقدام مخابرات مبارك على أختطاف " وائل غنيم " – المندوب الأقليمى لشركة جوجل – لمعرفة من يقف وراء حشود ميدان التحريرومن يحركها .

وتكشف المعلومات والمقابلات الموثقة عن مجموعة الشباب الذين أعتصموا بميدان التحرير فى ظهيرة يوم 25 يناير عن تصور ذهنى ثبت صحته ودقته بعد ذلك , مفاده أن أيجاد " نقطة تمركز أو نواة صلبة لبعض الوقت " تعتمد على عدد محدود من الأفراد كفيل - فى ظل حالة الإحتقان - بترتيب موجات عفوية من الحشد الجماهيرى الكثيف - تمامآ مثل ألقاء حجر صغير فى بركة ماء ثم أتساع وتوالى الدوائر المحيطة به .

هذا الإستبصار بواقع ما سيحدث لم يتركه الشباب عرضة للخداع الإدراكى illusion – ولذلك شرعوا فى أختيار ساحة للتجمع من بين ثلاثة ميادين كانت مطروحة للإعتصام فى الأسبوع السابق ل25 يناير .

ووفق خرائط تفصيلية تم الإتفاق على " ميدان التحرير " وبالنظر لوسائط الدعم اللوجيستى المتوافرة فيه , مع العمد لتغيير شرائح وأرقام هواتفهم النقالة / المحمولة , وأختيار أسماء كودية للتواصل فيما بينهم , مع منح أفضلية " للفتيات " كمجموعات خفيفة الحركة و بهدف تأمين وصول الغذاء وتصويرالأحداث ونقلها للفضائيات ومراقبة مداخل ومخارج الميدان والشوارع الخلفية .

العقلية الأمنية والسلطوية القديمة والشائخة لم تفطن لمدى نجاعة وفاعلية هذا ( الخيال الشبابى الخططى ) ومن ثمة ظل تعاملها نمطيآ معه , ووفق حسابات خاطئة تصب فى قدرتها النهائية على حصارالموقف , مع يقين زائف بأن ما يحدث هو مجرد " تنفيس وغضب شبابى عارض " تشكل فى ظلال أفتراضية ولن يراكم رصيدآ مؤثرآ على أرض الواقع .

كما لم تنتبه تلك الذهنية لواقعة غياب الأسقف المنخفضة لأهداف الشباب ( الخيال الشبابى المطلبى ) وحيث تشكل وعيهم وفقآ لمنظومة القيم السائدة فى المجتمع النتى / اللاهرمى والتى تحقق مساواة أفتراضية بين الجميع , وتسقط كافة التابوهات , وتقدم حرية مطلقة فى التعبير.

هذا الطموح المطلبى وخياله اللامحدود أرتبط عضويآ بقدرة متنامية على دفع الثمن وضريبة التغيير , والمثير أن " منحى التضحية " يعد من جانب : مرادفآ " لمجانية الدخول للمجتمع الشبكى " , ومن جانب آخر : مناقضآ لتقاليد الفئات الوسطى المحافظة والسلبية التى خرج من رحمها هؤلاء الشباب .

وكما تجاهل الخيال السلطوى العقيم أهمية " الفضاء الإعلامى البديل " الذى خلقه الشباب عبر مواقع التدوين والتواصل الإجتماعى والرسائل والصورالنصية التى وفرت " تعبئة عن بعد " للناشطين وللثوارالمحتملين .

وتكشف المعلومات المتاحة عن أن سيناريوالثورة التونسية كان موضع دراسة وتمحيص من جانب مجموعة 25 يناير , وأن خيال تلك النخبة المصرية الشابة أنصرف إلى أعادة صياغة بعض أهم تضاريس النموذج التونسى وبما ينسجم و يتوافق مع مفردات وظروف الشأن المصرى .

ففى الحالة التونسية أنطلقت الشرارة من الفردى الخاص ( محمد بو عزيزى ) إلى الفضاء العام , ثم تحول المطلب الإجتماعى لمطلب سياسى برحيل أبن على والنظام , وأخيرآ كانت الحركة من الأطراف والمحيط إلى قلب العاصمة و قرطاج .

أما فى مصر وفى ظل أخفاق عدد من المصريين المنتحرين فى أستنساخ نموذج ( محمد بو عزيزى ) , وتراجع الحركات الإحتجاجية الفئوية التى أستهلكت الطلب الإجتماعى وأنكسرت موجاتها عقب الإنتخابات التشريعية أنصرف خيال الشباب المصرى لحتمية أنتاج نموذج مغاير للحالة التونسية .

ومن هنا تقدمت فكرة أن الصمود وأشعال الموقف فى قلب العاصمة ( القاهرة ) سيكون حاسمآ لمسيرة ونجاح الثورة , على أن تنتقل الشرارة بعد ذلك لباقى محافظات مصر, مع حتمية الحفاظ على النواة الصلبة بميدان التحرير , والحيلولة دون أجهاضها مع أنتاج أيقونة موازية لرمزية التونسى / محمد بو عزيزى وهو الشاب ( خالد سعيد ) ,وسرعة طرح المطلب السياسى بإسقاط النظام وتجاوزالمراحل التمهيدية الداعية للإصلاح وأستمرار مبارك .

ثم كان التطويرالميدانى الخلاق لفكرة ضغط الأفران Pressure Peer المستوحاة من فعاليات المقاومة الشعبية فى صيربيا ضد الرئيس / سلوبودان ميلوسيفيتش , والمنقولة عن نظرية الأكاديميى الأمريكى " جين شارب " لإسقاط الحكام الطغاة .

وهى منهجية تعرف " بقوة اللاعنف " وتؤكد على عدم الإنزلاق والرد على رصاص الشرطة حيث تحض على مواجهة البطش الأمنى بأسلوب سلمى مع فضح وتعرية هذا العنف السلطوى بالتقاط صوره ومشاهده والترويج لها بالداخل المنتفض لتجنيد الأنصار, وفى الخارج لجذب مزيد من المتعاطفين عبرشبكة الإنترنت.

هذا النمط ( السلمى واللادموى ) للتظاهر والإحتجاج هو ما أستخدمه شباب تونس ومصر وخلقوا به قوة مضافة لثورتهم داخليآ وخارجيآ. وبرهن - كما قال الصحفى الأمريكى الشهير / نيكولاس كريستوف فى مقال له بصحيفة " نيويورك تايمز " بعدد 17 أبريل الماضى - " على أن هناك تواصل أنسانى عظيم وأستفادة من ضغط الأفران فى صيربيا ومصرضمن سياق عالمى ثورى غير مسبوق " .

و هكذا - ففى ثنايا وتضاعيف مفردات الحدث الإنتفاضى المصرى والتونسى يتجلى هذا ( الجانب الإبداعى لجيل شاب الثورة ) ودوره المحورى فى أنجاز مهمة التحرير و فى أزاحة أثنين من أعتى أنظمة القمع بواقعنا العربى .

ومن الأهمية بمكان التأكيد على أنه جانب يتسم بالأصالة ولا يعرف حتى الآن النسخ أو المحاكاة , بل يباشر عملية الإختيار والتأليف والتركيب بين عناصر الخبرات المتباينة, وفى شكل تركيبى / ترابطى combining / associative , ولإنتاج حلوله الخاصة الكفيلة بأختراق وزلزلة و أسقاط هذه الأنظمة القمعية ( لاحظ نموذج الحالة فى / اليمن و ليبيا و سوريا والبحرين ) .

وعن يقين بأنه عندما يكتمل المشهد الثورى العربى ويتشكل شرق أوسط جديد سنكون أمام بانوراما أيقاعية رائعة لعمل هذه الملكة الخلاقة .. فقط - نحن الآن فى بداية الطريق نحورصد وفهم هذا الخيال العربى الشبابى الهادرمن المحيط إلى الخليج ! ..

عماد مسعد مسعد السبع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. دعم صريح للجيش ومساندة خفية للدعم


.. رياض منصور: تغمرنا السعادة بمظاهرات الجامعات الأمريكية.. ماذ




.. استمرار موجة الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين في الجامعات


.. هدنة غزة.. ما هو مقترح إسرائيل الذي أشاد به بلينكن؟




.. مراسل الجزيرة: استشهاد طفلين بقصف إسرائيلي على مخيم الشابورة