الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ستبقى الثورة سلمية

عقاب يحيى

2011 / 6 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


كنت حتى وقت قريب أعتقد أنني خبير بنظام الاستبداد وأعمدته التي قام عليها، وأعتبرها حجر الزاوية في كل مراحله، وهي التي تحتل اهتمامه الأول وشغله الشاغل ..
أعمدة النظام قامت بالأساس على نهج القمع وإخراس وتصفية كل صوت معارض، أو مكمن خطر ولو على الشبهة، ولو على مزاج الأجهزة، ولو وفق تقرير يكتبه مخبر مهووس باع ضميره، وفقد أخلاقه ولم يبق له سوى الأذى كبقايا سادية فيه ..
لأجل ذلك أقام الأب أجهزة أخطبوطية، سرطانية وزعها في عديد الفروع المنتشرة، والمتداخلة المهام، مطلقة الصلاحيات فدعّمها بالآلاف من "الموثوقين" الذين يجري غسيل دماغهم وتنشيفه ليصبح المواطن هو الهدف والعدو الأول، وحوّل الحزب البرقع، والمنظمات الشعبية التبّع إلى ملحقات بائسة همّها الرئيس، بل واجبها الأساس كتابة التقارير بالآخر فيما يعتبر واجباً وطنياً لا يرقى إليه آخر..
وفوق ذلك نشر إفساد الضمائر عبر شبكات واسعة للمخبرين تطال حياة البشر ويومياتهم وتفاصيل تفاصيل حركتهم وآرائهم.. فجنّد معظم العاملين بسيارت الأجرة والحافلات والنظافة والحراس، ناهيك عن حوانيت البقالة والمطاعم والمقاهي وأماكن تواجد البشر، وغيرها وفي مختلف المجالات بما فيها الأتراح والأفراح..وبكل ما تعرفه هذه العملية من تلوّيث للضمير، وتسابق بعض الانتهازيين في تدبيج التقارير ولو كانت مختلقة، أو تافهة، أو حتى بأقرب المقرّبين.. وآثارها في بنية المجتمع، ومشاعر البشر، وعلاقاتهم، ويومياتهم ..

وكان طبيعياً أن تقام واحدة من أشرس وأقوى ممالك الرعب في العالم، وأن يتبجّح أهل النظام بقدراتهم الخارقة على معرفة دبيب النمل وحركة النحل، ورصد الطير الطائر، وكلام عاشق فاشل حائر، وزوج بائر..وزرع اللواقط في الجدران والمباهاة بمعرفة ما يدور في غرف النوم..ومعها الشك والحذر داخل العائلة الواحدة، بين الأب وأولاده، والأخ وأخوته، وأولاد العم، والحارة، والحضانة، والمدرسة والجامعة.. وصولاً إلى المجتمع، والقوى السياسية الحليفة والمعارضة ..

النظام استمر كل تلك العقود بفضل قوة هذه الأجهزة وبطشها وسمعتها التي تسبقها وما أحدثته في بنية وعقول المواطن.. وقد صدّر خبراتها وفظائعها إلى دول الجوار.. فكان لبنان ساحة التجريب والفعل حين ساد وماد الأمن السوري وبات المرجعية ، الآمر الناهي، وصاحب القرار.. كما طالت يده عديد بلدان الجوار.. والفخر كبير بهذا الأخطبوط وأذرعته الكثيرة، الطويلة ..
وحين رقد النظام ورأسه طويلاً على فراش الاطمئنان هذا فراح ينفخ في الاستقرار والشعبية، ويتفلسف في معاني الحرية التي تحتاج أجيالاً وأجيالاً.. لأن" الشعب غير مهيّأ"، وغير ذلك من فيض التفلسف في المفاهيم والمصطلحات،والتمايز عن الغير، ومقالات المستشارة عن الثورات العربية التي لن تمسّ بلدها.. لأن سورية غيرها تونس، وغيرها مصر، واليمن، فليبيا.....لم يتصور أن احتقان الشعب السوري وصل الانفجار، وان أطفال درعا الميامين صاعق الصواعق الذي أحدث الزلزال.. وأن حوران أيقونة الثورة تنتفض.. فيشتعل الفتيل في أرجاء الوطن بلهفة الشوق الطويل لمعانقة حلم طالما انتظره الشعب : الحرية ..وأن استقراره كاذب يخفي تحته بركاناً يثور ..
فجأة انقلبت دنيا النظام. خطاباته وفلسفاته، تبجحه وفخره.. وإذ بنا في واحدة من (دول الموز) .. بل أكثر في رقعة من الصومال الممزق.. وإذ فجأة ببلد مملكة الرعب " نهباً" لعصابات مسلحة، وتنظيمات عسكرية، وشبكات تهريب سلاح، وخلايا نائمة، ومندسين، ومهلوسين، ومأجورين، وإخوانيين، وسلفيين، وعملاء".. وما تزال القائمة مفتوحة !!!! ..، وما زال النظام " يبدع" كل يوم في التأليف الذي يرتدّ عليه من حيث يدري أو لا يدري ..

واحتار دليلي فمن يصدّق المرء : الوقائع التي يعرفها الجميع والتي بلّعها نظام الطغمة بالإرغام للجميع، والتي تباهى بها حتى ناخ التباهي؟.. أم ما ينقله يومياً من "وثائق" لا يخجل باستماتته لترسيمها واعتبارها حقيقة تلهث بها قنواته الفاخرة الفاجرة، ومصادر معلوماته الغزيرة وأبواقه المُبرمجين ؟؟...
****
قلناها، وقالها شعبنا آلاف المرات، وجسّدها في ثورته ومواقفه وتصرفاته ومظاهراته وشعاراته: انه لا وجود لفبركات النظام، وان الدجل الطافح جزء من "خارطة طريقه البائس" الذي وضعته أجهزة أمنية متمرسة تصوّرت أنها ستنجح، كما في كل المرات السابقة، في تزوير الحقائق والوقائع، وإرغام الغير على القبول بها، وأنها ايام ويبطش بالشعب، و"يقبض" على المؤامرة ويعلق المشانق لها.. ثم يضحك ضحكاته الهستيرية إعلاناً للنصر المؤزّر ..

لقد كان الهدف واضحاً ورأس النظام المبقور بحقائق الواقع، يعلنها صريحة في خطاب مجلس التهريج، ويختصرها بعنوانين ملفتين : الفتنة، ووجود معركة سيخوضها..
وبدلاً من الاعتراف بحقوق الشعب في الحرية، وبدلاً من الانصياع لمطالبه المشروعة.. وبدلاً من ملاقاة المواطن في منتصف الطريق كان الطبع هو الغالب، والطبع نهج مريض أدمن احتقار الشعب وامتهانه، كما أدمن القوة وسيلة وحيدة للتعامل.. ولا غيرها ..
القوة القاتلة تحتاج البرقع المناسب كي تنتشي في القتل، وتستحم بدماء الشعب، وتطمس الجريمة المتنقلة وتبررها، وكي يظل بطل الممانعة ممانعاً وهو يخوض حروب التحرير ضد الشعب والمدن.. فترتفع رايات المؤامرة الخارجية يافطة متآكلة، لكنه لا يملك غير هذا الزاد.. فيواصل الكذبة وقد صدّقها، أو يريد أن يصدقها، وإذ بنا في بلد الصومال.. وإذ بقوائم الشهداء بالعشرات.. وإذ بالدبابات والمدفعية والراجمات والطائرات تحاصر المدن وتقصفها.. وإذ نحن في ساحة حرب مفتعلة.. بدأت بكذبة صغيرة ظنها العقل الحاقد أنها ستمضي وتنجح.. لتصبح مأزقاً شاملاً سيغرق النظام وينهيه ..
*****
الشعب بشبابه، وتنسيقياته، بكتلته الرئيسة، بفعالياته، بمظاهراته.. يؤكد كل يوم قولاً وفعلاً سلمية ثورته، وإصراره على طابعها، ورفضه أفخاخ النظام، وعروض إلقاء السلاح في الشوارع لالتقاطها، أو شراءها بثمن بخس من قبل شبيحة مختصة في هذا الميدان، أو الانجرار لرد فعل يعرف جيداً عواقبه.. ومع ذلك يصرّ نظام الدجل على رواياته.. ويتوسع بها، كما يشهر أوراقه من مخابئها بما في ذلك التخويف والتحشيد الطائفي،ومحاولات زرع الخوف والشك في هذه الطائفة وتلك، ورواية القصص المدبلجة التي يبدو أنه لم يعد يملك غيرها بعد أن أسقط شعبنا جدران مملكة الرعب، وبعد أن أفشل الحل الأمني وأسقطه في ميادين الانتفاض المتصاعد، والمتسع، وبعد أن صار المطلب يتمحور حول : إسقاط النظام كحقيقة واقعية .. حتمية ..

نعم ربما جرت بعض الحوادث الفردية هنا أو هناك..ولنا أن نتصور حالة أي مواطن عندما يُقتل ابنه أو أبوه، أو أخوه أمام عينيه، وعندما يُسلم الأهل جثة طفل، أو ابن مشوّهة من التعذيب العجيب، وعندما تمتهن الشبيحة الأعراض والممتلكات والكرامة والشرف.. وعندما.. وعندما...
الأكيد أن بعض ردود الفعل ستقع في استخدام سلاحفردي قد يكون مسدساً أو بندقية صيد على الأغلب، لكنها تبقى حوادث فردية، محدودة ..
كما أن تمرد وانشقاق بعض قطعات الجيش من الشرفاء الذين لا يقبلون أبداً أن يتحول الجيش الوطني التاريخ والمنشأ والمهام.. إلى قاتل للشعب، وأن تتجه الدبابات والمدفعية إلى المدن بدل الجولان المحتل.. أمر عادي.. وهو ما يثير الذعر في النظام، وهو الذي يفسر مستوى دمويته، وحشده.. خوفاً من انتشار الشرارة التي تقضي عليه ..

إن سلمية الثورة السورية رهانها الواضح ولن تقع بأفخاخ النظام، وكان شباب قيادتها من النضج الذي مكّنهم من تجاوز حقول ألغام النظام، أو ردود الفعل غير المحسوبة، كما أن حرصها وفهمها للوحدة الوطنية بكل مكونات الشعب السوري، وتوجهها المخلص بخطابها إلى الطائفة العلوية : البراء من جرائم النظام وآثامه، ومن محاولاته تجييش بعض البسطاء والمندفعين والمنتفعين فيها.. إنما يكرس فهمها للدولة الديمقراطية المدنية الضامنة لحرية الاعتقاد والرأي، وللمساواة التامة بين كافة المكونات على أساس دستور عصري، وقوانين حديثة تتعامل مع الجميع كمواطنين متكافئين ..

لكن أحابيل النظام ترتدّ عليه وبالاً.. وقد ارتدّت أضعافاً بفضح بنيته وهويته ودجله، وبتصاعد الثورة وتيرة ومطالباً وتجذيراً وأفقياً.. وها هو يغرق..ولن ينقذه منقذ من حكم الشعب ودماء شهدائه الأبرار ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نيويورك تايمز: صور غزة أبلغ من الكلمات في إقناع الآخرين بضرو


.. فريق العربية في غزة.. مراسلون أمام الكاميرا.. آباء وأمهات خل




.. تركيا تقرر وقف التجارة بشكل نهائي مع إسرائيل


.. عمدة لندن صادق خان يفوز بولاية ثالثة




.. لماذا أثارت نتائج الانتخابات البريطانية قلق بايدن؟