الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التراجيديا المغربية: 2 - المخزن وطقوس الأضحية

محمد السلايلي

2011 / 6 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


التراجيديا المغرية
2 - المخزن وطقوس الأضحية
نقتبس التحديد المبسط الذي وضعه جورج بلانديه للدولة التقليدية في كتابه ( الانتروبولوجيا السياسية ) لتحديد مفهوم المخزن، ويمكن إجمال هذا التحديد في الخصائص التالية : احتكار السلطة بمقتضى حق الهي أو وراثي مما يضفي على السلطة قدسية تفترض خضوعا كليا لها وتجعل عصيانها مروقا دينيا. وهذه السلطة يجسدها شخص او أشخاص بحيث لا يمكن التفريق بين مصالحهم الخاصة والمصالح العامة. وهو ما يوافق نمط السلطة الباترمونيالية حسب بلاندييه.

فما نسميه اليوم بالفساد الاقتصادي والسياسي، هو في واقع الأمر مجمل العلاقات التي يعتمدها النظام من خلال بسط سلطته عن طريق علاقات التبعية، العمودية والأفقية، من خلال الارتباطات العائلية والزبونية والمحسوبية وغيرها..
هذا النظام هو الذي حافظ عليه الماريشال ليوطي ودعم ركائزه لتسهيل عملية استعمار المغرب، وتجنب تكرار نموذج فرنسة الجزائر الذي أعطى نتائج عكسية ورد فعل عنيف من طرف المجتمع ومقاومته. ولأول مرة في تاريخ المخزن، الذي يعود جهازه الإداري والسياسي في نظر أغلب المؤرخين لعهد السلطان إسماعيل العلوي، سيتم تقنينه وتلقيحه بإدخال الهياكل الحديثة للدولة العصرية. مما أدى في مرحلة متقدمة إلى تقنين مسألة انتقال الملك من ملك لأخر مع محمد الخامس في فترة الحماية، حيث كان هذا الانتقال مضطرب ومثير لعدة قلاقل في الفترات السابقة. وبصورة أوضح وسلسة بعد وفاة الحسن الثاني حيث اتخذت البيعة طابعا دستوريا من طرف الحكومة التي ترأسها عبد الرحمان اليوسفي، و زعم العديد من المتتبعين أن تشكيل هذه الحكومة كان الهدف منه هو انتقال الملك واستقرار النظام المخزني، باحتواء المعارضة الديمقراطية وتقديمها كأضحية لتجنب البلاد مخاطر " السكتة القلبية " التي نبه لها الملك الحسن الثاني قبل وفاته.
السؤال الذي يؤرق المؤرخ لتاريخنا الاجتماعي والسياسي هو: لماذا تميزت تجربة المجتمع المغربي الطويلة بالحفاظ على طقوس القداسة رغم أنه كان ولازال مجتمعا تتعدد فيه أشكال العنف والصراع؟ كيف نفسر غياب منطق الثورة في كل الصراعات الداخلية الكبرى التي كان يشهدها؟ ولماذا يسود منطق التمرد والعصيان وليس منطق الثورة الذي يؤدي الى تغيير جذري في بنية النظام أو النموذج القائم؟ في كتابه " التقاليد والصراع في إفريقيا " يقول ماكس كلاكمان: "في بعض أنواع المجتمعات حين يتمرد المحكومون عليهم ضد حاكمهم، فهم يتمردون عليه كشخص بدون أن يثوروا على سلطة الوضع الذي يحتله...وإذا كان الهدف هو أخذ مكان الحاكم فذلك يعتبر تمردا لا ثورة ". وهذا ما كان يقع، منذ عهد الادارسة إلى عهد العلويين. فكل هذه السلالات التي وصلت للحكم كانت تزيل الحكم السابق بالاستناد على بنية النظام القائم وأن عمليات انتقال الحكم هي التي كان يحدث فيها تغيير ( اعتماد المرابطين والموحدين على العصبية القبلية، والسعديين والعلويين على الإيديولوجية الدينية من خلال مسألة النسب ألشريفي).
باستثناء الصراعات التي عرفها المغرب في القرن 19 ، وهي الفترة المعروفة سوسيولوجيا بفترة "السيبة"، والتي لازالت المعلومات عنها إما مغيبة أو مفقودة، فان معظم الصراعات الكبرى التي عاشها المغرب كانت تنطلق من نفس الأسس للنظام إلا ثورة عبد الكريم الخطابي بالريف المغربي سنة 1922 وانتفاضة 1984 بنفس المنطقة ( أحداث الناظور)، حيث يمكن أن نلمس مطالب واضحة بتغيير النظام وليس لإصلاحه.
يحق للباحث أن يتساءل عن الأسباب التي تؤدي إلى عدم حدوث تحولات كبرى نتيجة المجابهات السياسية والاجتماعية ذات الطابع العنيف؟ هل كما يستنتج السوسيولوجيون أن الأطراف المتعارضة تتبنى نفس السلطة المرجعية، وتعتمد نفس المبادئ والتصورات والاستراتيجيات التي أشار اليها جون واتيربوري في " أمير المؤمنين"؟ أم ان طبيعة المجتمع المركبة بين عدة مجتمعات بين عرب/أمزيغ، ثقافة تقليدية/حديثة، شرع/عرف..هو الذي يفسر غياب المشاريع الاجتماعية البديلة للنظام القائم حسب نظرية بول باسكون أو لنظام المراتب في السلطة الذي يخفي من ورائه مظاهر الارتباطات التقليدية وأشكال التضامن العمودية وعلاقات الوساطة والزبونية، وما يترتب عن ذلك من سيادة لآليات التنفيس التي تخفف من حدة تناقضات البنية الاجتماعية وتتحكم فيما يحدث بداخلها من توترات واختلالات ....
ويلاحظ المؤرخون أن المخزن بارع في احتواء أي تحول وتبنيه لإعادة إنتاج نسقه التاريخي. وهو ما جعل بعض الباحثين يصنفونه ضمن الأنظمة النيوباترمونيالية. فسياسة " المغربة " مثلا، التي تبناها النظام بعد الاستقلال تحت ضغط المعارضة اليسارية والديمقراطية، تحولت لعملية تكوين طبقة جديدة من الملاكين وأصحاب الشركات مكان المعمرين مرتبطة بالسلطة المخزنية. و ساهم الإصلاح الزراعي أيضا من خلال إعادة توزيع الأراضي، على بروز طبقة من المزارعين تلعب دور الحاجز الطبقي بين الملاكين الكبار والفلاحين الصغار..فالأسلوب ألاستباقي كان ولازال أداة لتجدد المخزن واستمراره.
فالمخزن الوارث لبنيات سياسية تقليدية ملقحة بجهاز إداري وسياسي عصري، لم يباشر في تاريخه الحديث أي عملية لإصلاح النظام السياسي إلا تحت الضغط الأجنبي، فالمغربة وحلقات المسلسل الديمقراطي والمبادرة الوطنية للتنمية مثلا، جاءت بعد إدانة الخارج لفظاعة العنف والقمع الذي مورس على المعارضة. والخطوة الاستباقية الراهنة لتعديل الدستور، هي أيضا محاولة للتحكم في الحراك السياسي، الذي ولدته الثورات العربية، ووجدت في التربة المغربية من يمكن أن يلتقط إشاراتها.
اللافت للانتباه، أن النخب السياسية المغربية بما فيها جزء من اليسار، حددت مسبقا تعاملها مع مطالب الشارع الذي يتشكل وراء حركة 20 فبراير. واختارت الواجهة الدستورية لدعم ومساندتها، أصبحت عند البعض حركة للمطالبة بتغيير الدستور ، ولذا البعض الأخر حركة للإصلاح الشامل للنظام السياسي القائم. ما يهمنا هنا هو الفريق الأول الذي ضحى بشعار إسقاط الفساد والاستبداد ورمى بكل بيضه في سلة/ فخ الدستور.
مطلب اسقاط الفساد والاستبداد لا يمكن اختزاله في القراءة القانونية الصرفة للدستور. وهو مطلب يعكس تناقض البنيات الاحتماعية والسياسية والاقتصادية. هذا التناقض هو الذي جعل غالبية الاطارات الحزبية والاحتماعية تتورط من خلال شعار " اصلاح المخزن من الداخل" و تتمخزن بدورها، حيث منطق الزبونية السياسية يعمل على نسج شبكة من العلاقات بين الزعيم / القيادات والأتباع، للاستفادة من ريع المشاركة في المؤسسات الرسمية. وظاهرة الموظفين "الأشباح" أبرز نموذج في هذا الصدد.
نعيش اليوم لحظة تأزم هذا النظام في شموليته، مخزنا وإطارات مجتمعية راهنت على علاقتها به، لم تعد قادرة على مسايرة التحول الذي يشهده المغرب من جراء هذا الحراك الاجتماعي والسياسي.
قوة هذا الحراك لا تتمثل في الحركات السياسية المساندة له، اما بالمزايدة أو بالمهادنة، رغم أن دورها أساسي باعتباره يعبر عن تناقضات حقيقية في بنية المجتمع. قوته في تتشكله وسط البنية الشابة للمحتمع التي(حوالي 70 في المائة من الهرم السكاني هم أقل من 50 سنة)، وفي العفوية الاجابية التي تركز على تنظيم فعلها بعيدا عن الاصطفافات الايديولوجية والتخندقات السياسية الضيقة. هذه العفوية هي التي تتصدى لها الدولة باعلامها و"ديمقراطييها" باسم محاربة الشعبوية والغلاة المغامرين. وهذا موضوع أخر..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحركة الطلابية العالمية تتضامن مع فلسطين … الأبعاد و التداع


.. كيف تتطور أعين العناكب؟ | المستقبل الآن




.. تحدي الثقة بين محمود ماهر وجلال عمارة ?? | Trust Me


.. اليوم العالمي لحرية الصحافة: الصحافيون في غزة على خط النار




.. التقرير السنوي لحرية الصحافة: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريق