الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجبهة في بلاد العرب (محاولة في تنظير الواقع)

مصطفى مجدي الجمال

2011 / 6 / 14
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


مثل بناء الجبهات (على اختلاف مستوياتها ونوعياتها) معضلة مزمنة لحركات المقاومة والتحرير والتقدم في البلدان العربية، رغم أن الدرس الأعظم لكل الحركات الوطنية والاجتماعية الناجحة، في مختلف البلدان والمراحل التاريخية، هو أن توحيد القوى المناضلة على أساس ديمقراطي وحول برنامج سياسي محدد، يشكل الضمانة الأولى لوقف الانتكاسات وتحقيق الإنجازات.
فلا تستطيع قوة اجتماعية أو سياسية بمفردها أن تنجز سائر أهداف النضال الطويل، ولا بد للجميع من أن يدرك الحاجة الموضوعية للتنسيق والتلاحم مع القوى الأخرى المتقاربة مع أهدافه وتوجهاته.
ومن المفهوم أن هناك أسبابًا كثيرة وراء فشل التجارب الجبهوية العربية، لعل أهمها جدل وتداخل قضايا النضال الوطني والقومي والديمقراطي والاجتماعي بشكل يعقد من عملية الاتفاق على برنامج. وقد ازداد الأمر صعوبة مع التراجع الذي أصاب المشروعات الوطنية والمشروع القومي العربي، والنمو السرطاني للنزعات العرقية والمذهبية والجهوية. خاصة مع نزوع الأخيرة إلى الاستناد على ظهير دولي أو إقليمي، وميل البعض منها إلى تبني مشاريع انفصالية أو الدفع باتجاه فكرة أن المحاصصة هي الحل للدولة الفاشلة، ولا مانع لديها من إقامة تحالفات ضارة مع قطاعات من العسكر والبيروقراطية، أو حتى تشكيل ميلشيات خاصة بها.
أيضًا أدى ضعف تطور الثقافة الديمقراطية في البلدان العربية (لجملة طويلة من الأسباب) إلى عدم اهتمام بعض القوى من الأصل بالتحالف مع الآخرين، أو الاعتداد الشديد من بعض التيارات بقوتها إلى حد مطالبة الآخرين بالتماهي التام معها حتى على المستوى الأيديولوجي.
وهناك الغياب التام للحياة الحزبية الحقيقية في البلدان العربية، وكذلك ضعف المجتمع المدني (خاصة النقابات العمالية والاتحادات المهنية..)، وتبعثر وموسمية وجزئية الحركات الاحتجاجية والاجتماعية الجديدة وافتقادها للأطر التنظيمية الفعالة وشحوب رؤيتها السياسية. ولا شك أن غياب القوى المنظمة بشكل عام لا يسهل بناء الأشكال الجبهوية.
يضاف إلى ما سبق أن الإمبريالية العالمية والصهيونية أيضًا قد تراكمت لديها خبرات هائلة في استغلال التناقضات الداخلية في كل بلد عربي، بما يحول دون التقاء القوى الوطنية على صعيد نضالي موحد، مع التواطؤ الواضح مع النظم القمعية ودعم زعامات رجعية تقود الأقليات العرقية والطائفية والمذهبية إلى مواقف تابعة وانعزالية وحتى انفصالية.
وكان من الطبيعي جدًا أن تعمل القوى الدولية والإقليمية والمحلية المناوئة لموجة الثورات العربية الأخيرة، على تعميق التناقضات بين القوى المشاركة في الثورة، أو إثارتها "قبل الأوان"، مستفيدة من هذا من غياب البنية التنظيمة المتماسكة للائتلافات الشبابية والاحتجاجية، فضلاً عن تغذية الميول الزعامية والانفرادية.
ومما يؤسف له أن الاعتبارات الشخصية والذاتية والشللية لا تزال تلعب دورًا سلبيًا في طريق العمل الجبهوي، ويتمثل هذا في الحساسيات المبالغ فيها، والمشاحنات والملاسنات الخارجة عن السيطرة، ونزعة بعض الزعامات إلى الاستثار والهيمنة، بل واستخدام البعض للجبهة نفسها كورقة رابحة في المساومة مع القوى المعادية للثورة والشعب والوطن.
أدت كل العوامل سابقة الذكر إلى غياب رؤية أو نظرية للجبهة عند معظم القوى السياسية، وتبع هذا خلط عند كثير من القوى بين الجبهة الاستراتيجية والجبهات التكتيكية (المرحلية أو النوعية)، بل إن بعض التيارات تكاد تقحم أيديولوجيتها الخاصة على الأنشطة التنسيقية المباشرة، ناهيك عن العمل الجبهوي. ويزداد الأمر سوءًا حينما يكون هذا الطرف المهيمن في مقاعد السلطة أو يتمتع بقوة جماهيرية أو انتخابية كبيرة.
كما تنظر بعض القوى إلى الجبهة نظرة تبسيطية لا ترى فيها سوى اتفاقات علوية بين الهيئات القيادية في الأحزاب (إن وجدت)، أي أنها لا تتعامل مع الجبهة على أنها عملية تتطور بالتفاعل بين أطرافها، كما تتطور بفعل الإنجازات التي يحققها العمل المشترك نفسه.
من ثم يمكن تحديد بعض الشروط الأساسية لإنجاح العمل الجبهوي في بلداننا:-
(1) توفر الإرادة السياسية للتنسيق والتعاون مع الآخرين، وهي الإرادة التي تتكون بفعل التحليل السليم للسياقات الدولية والإقليمية والمحلية التي تجري فيها نضالاتنا، وتحديدًا: المخاطر الوجودية المحيقة بنا.
(2) المرونة من حيث الاستعداد لبدء النشاط من مستويات النضال الجماهيري حول المطالب المباشرة، وتنسيق العمل المشترك حولها. والمرونة من ناحية أخرى تعني أن أشكال العمل الجبهوي غير قابلة بالضرورة للاستنساخ من تجارب أخرى، وأنها يجب أن تنبع من إبداع النضال الشعبي واجتهادات القيادات السياسية والاجتماعية. غير أن هذا لا ينفي أهمية العمل مبكرًا على تحقيق هدف بناء قيادة مركزية موحدة تقوم على مبدأي المساواة وتمثيل الجميع.
(3) إنه لا يمكن انتظار التبلور الكامل لتنظيمات حزبية ديمقراطية قبل الشروع في عمل جبهوي، لأنه لا مانع من نشأة تفاعل جدلي بين بناء الأحزاب والعمل الجبهوي، بل إن كليهما يمكن أن يدفع الآخر قدمًا.
(4) ضرورة أخذ التطورات الاجتماعية- الاقتصادية الجديدة في الاعتبار، حيث تتوارى أدوار بعض القوى وتزداد أدوار أخرى. مع أهمية الانفتاح على الحركات الاحتجاجية والاجتماعية الجديدة، خاصة بعد أن لعبت دورًا مهمًا في انتفاضات مصر وتونس واليمن..الخ. من ثم أهمية العمل على خلق وشائج للاتصال وأطر تنظيمية مرنة ومبتكرة لإشراكها في مجرى النضال الوطني والقومي والديمقراطي والاجتماعي العام، مهما كانت جزئية ومرحلية مطالبها. ونذكر على سبيل المثال هنا: التحركات العمالية والفلاحية والشبابية، وتجمعات المثقفين والإعلاميين والمدونين، وحركات المرأة والبيئة وحقوق الإنسان والسلام..
(5) تعتبر قضية البرنامج من أهم قضايا العمل الجبهوي، ومن المنطقي مع تعدد مستويات وأشكال العمل الجبهوي، أن تتعدد وتتنوع البرامج والشعارات.
(6) ولن يكلل كل عمل جبهوي بالنجاح ما لم تحدد أهدافه بدقة حتى لا يتم تحميله بأهداف ومهام غير مناسبة، مع اقتران هذا بخطة عمل وآليات واضحة.
(7) لن تتحقق الثقة بين أطراف العمل الجبهوي الواحد بين عشية وضحاها، وإنما تتراكم بفعل التماس القاعدي المباشر في العمل المشترك. ويضاف إلى هذا ضرورة توفير آليات داخل أي جبهة تكفل الحوار بما يزيل الهواجس ويبني على نقاط الاتفاق المشركة.
(8) ضرورة عدم تركز العمل الجبهوي في العاصمة والحضر، ولا بد أن تكون له فروعه في المراكز والأرياف.
(9) أهمية أن تنشأ أدوات اتصال وإعلام على أساس جبهوي، على أن تكون هذه الأدوات نفسها في خدمة الدعاية للبرنامج الجبهوي والتعبئة الجماهيرية له.
(10) إن التركيز على بناء الأشكال الجبهوية على المستوى القطري لا يعني إهمال ابتكار أطر إقليمية (عربية) جديدة للتنسيق والتضامن على المستوى القومي، كما يمكن بالطبع الاستفادة من بعض الأطر القائمة بالفعل مثل الاتحادات المهنية والنقابية العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ??مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب يساري لرفعه العلم الفل


.. الشرطة الإسرائيلية تفرق المتظاهرين بالقوة في تل أبيب




.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تل أبيب وسط مطالبات بإسقاط


.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟




.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح