الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حس الفكاهة المفقود

عمر دخان

2011 / 6 / 14
كتابات ساخرة


يشتهر العرب بشكل عام و الجزائريون بشكل خاص بافتقادهم لروح الفكاهة، و خاصة عندما يتعلق الأمر بما يعتبرونه ثوابتهم التي لا يقبلون المساس بها على الرغم من أنهم يدنسونها بأنفسهم منذ سنين طوال، و لكن بشكل غير مباشر يحفظ لهم الشعور الوهمي بأنهم يملكون ثوابت و مبادئ و هو ما يناقض الواقع على كل حال.

الصحف العربية و الجزائرية أقامت الدنيا و لم تقعدها بسبب ما حدث من شاب مغترب في فرنسا، شارك في برنامج غنائي فكاهي الغرض منه التسلية و الترفيه، و هي مفاهيم لا يفهمها العرب و الجزائريون على ما يبدوا، و الذين يثورون على كل ما كان غرضه الفكاهة و الترفيه إن هو تحدث عن "مبادئهم" بينما تراهم يضحكون و يسخرون كلما تعلق الأمر بالديانات الأخرى، من باب "حرام عليكم، حلال علينا".

كل ما قام به الشاب المغترب هو ارتداء ملابس تمثل إماما وفق المفهوم العربي، و رقص بشكل فكاهي يبدوا واضحا أن الغرض الوحيد منه هو الترفيه، و هو كما أسلفت مفهوم لا يفهمه العرب الذي يعشقون العيش في ثقافة الأمراض القلبية و العصبية الزائدة، و اُستقبل مقطع الفيديو في العالم العربي و في الجزائر تحديدا – وهي الموطن الأصلي للشاب- بالاستنكار و الاستهجان، و هو أمر متوقع من شعوب منغلقة على أنفسها و مليئة بالحقد و الكراهية لكل من خالفها، و ما زاد الطين بله هو ظهور ممثل يرتدي زي حاخام يهودي مع الشاب في الحلقة، و هو ما أظهر حقيقه هذا الشعب - أي الجزائري و العربي بشكل عام - المعادي لليهود كديانة في أبشع صور للعنصرية يمكن أن تراها، و توقفوا عن الكذب رجاء، لأن العداء ليس ضد إسرائيل فقط بل هو ضد كل ما هو يهودي و ضد كل ما لا يسير وفق الأجندة العربية الإسلامية المبنية على الهراء، الهراء، و المزيد من الهراء.

هل لمجرد أن شعوبنا تعيش في الحضيض، أصبحت كالمريض النفسي التي يتحسس من كل حركة حوله و يعتقد أن كل ما يحدث في العالم منصب حوله، و أن كل نكتة بريئة هنا أو هناك لا تعدوا كونها جزءا من "المؤامرة" الخرافية التي نعيش في أوهامها و نلصق بها حتى الكوارث الطبيعية، و نتوجس خيفة من كل من يتحدث بحرية أو يمارس عرضا فكاهيا لا يناسب وجهة نظرنا التي نريد فرضها على بقية سكان الكره الأرضية من باب " أَسلَم تَسلَم"!.

عالم الكوميديا لا يأخذه على محمل الجد سوى مغفل، أو شخص منغلق على نفسه لدرجة لا يدرك معها مفهوم الكوميديا، و لم يشاهد المواد الكوميديه في نوادي الكوميديا العالمية التي لو قيلت خارج مجال الكوميديا لاعتبرت مسيئة، و لكنها عندما تدخل في باب الكوميديا و إضحاك الجمهور، تصبح مجرد ترفيه و من لا يريد مشاهدتها يمكنه تفادي ذلك بكل سهولة، و لكن من غير المعقول أن يتحدث العرب و المسلمون عن الحريات و الظلم الذي يتعرضون له في بلدانهم، بينما هم في نفس الوقت يريدون كبح الحريات الصحافية و الفنية و الإعلامية و الآن يريدون تدمير المجال الكوميدي أيضا، لأنه على ما يبدوا لا يوافق المسار العربي الإسلامي المبني على الكآبة و ندب الحظ و البكاء على الماضي، بالإضافة إلى ثقافة الرعب المبنية على التخويف من العذاب الدنيوي و الأخروي و كأن معاني الدين الجميلة كلها اختفت لتصبح النار و عذاب القبر رمزا للدين!.

تحدثت من قبل عن الوقوف في وجه الطوفان الإعلامي، و أنه من الغباء محاربة الفن و الإعلام لأن مثل هذه الأمور لا يمكن محاربتها في عصر العولمة، و بدل التصدي لها بطرق همجية تذكرنا بمواجهة الكنسية للعلماء في العصور الوسطى، يجب محاولة فهمها و بناء قوارب النجاة لركوب الطوفان، و صدقوني أن كل من يحارب الانفتاح الإعلامي و الحرية الفكرية و حرية التعبير سيغرق في بحر الطوفان الإعلامي، و لن يبقى له حاضر أو مستقبل، و سيبقى يثرثر و يهذي كالمجنون بينما هو يغرق في طوفان لم يستعد له على الرغم من أنه حُذر من قدومه من قبل أناس إعتبرهم هو خونة.

من يطلع على تعليقات العرب على المواقع التي تحدثت عن "الواقعة" و وقائع أخرى من قبل يعتبرها العرب المصابين بالبارانويا "إساءة" لهم، يدرك مدى كمية الجهل و الغباء و التخلف الذي مازال يسيطر على الإنسان العربي، و الذي يتحدث دوما من موقع قوة لا يملكها، ويحارب كل ما خالفه، و يحاول فرض ما يراه على الآخرين دون مراعاة لرغباتهم الشخصية، من باب أن الحريات الشخصية مفسدة للإنسان، فلاوجود للإنسان السليم القويم في الثقافة العربية مالم يسلم عقله و فكره تماما لرجال الدين ليقرروا له تصرفاته، و كل من يحاول أن يفكر لنفسه، و لو في داخل الإطار الديني، يعتبر زنديقا خارجا عن الجماعة، و في أحسن الأحوال يتم تكفيره أو انتزاع حياته في أسوءها.

كمية الحقد في التعليقات و حتى في العناوين الصحفية، و التي حرصت على التأكيد على وجود المشارك الآخر و الذي ارتدى ملابس راباي يهودي، كانت كافية لقتل العالم بأكمله بالتسمم، و أظهرت حقيقة هذه المجتمعات الموبوءة بالحقد و الكراهية، و التي تعتبر الأصوات العقلانية الداعية إلى التفكير العقلاني أصوات فتنه تسعى إلى تدمير أمة مدمرة أساسا، و تسارع دوما إلى كتم أي صوت يرغب في تحريرها من قيود وضعها أشخاص استغلوا الدين لتحقيق منافع شخصيه، و يعتبرون أنفسهم آلهة بحكم أن كل من يتحدث ضدهم هو عدو للدين، و كل من يساندهم جزائه الجنة و التي يبدوا أنهم يملكونها و يوزعون فيها المقاعد وفق أهوائهم الشخصية.

لا أدري متى سنتحرر من عقدة كراهية كل من يجيد الاستمتاع بحياته و يفوقنا فهما و علما، و متى سنتخلص من معاداة كل ما لا نفهمه، و متى سنتحرر من قيود يفرضها علينا أشخاص مثلنا مستغلين الدين و الذي مسحوا منها كل مظاهره الجمالية، و استبدلوها بكل ما هو بشع من تهديد و وعيد و محاربة لكل ما هو جميل، و كل ذلك من أجل خدمة مصالح أفراد في المجتمع وجدوا في الدين وسيلة للسيطرة على عقول العامة و تسييرهم وفق أهوائهم الشخصية. لا يمكنني سوى أن أبقي على أمل طفيف أنه ربما تفيق هذه الأمة يوما ما قبل أن تتسبب في انقراضها بنفسها، و ربما نلحق بركب الحضارة في الوقت الضائع، لأنه لا مكان للبربرية و الهمجية في العصر الرقمي، و كل من يعتبر البربرية و الهمجية مبادئ و موروثا ينبغي الحفاظ عليه، سيتسبب في انقراض نفسه بنفسه و هو الخبر السعيد الوحيد في هذا المقال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا على المقال
ناديه احمد ( 2011 / 6 / 14 - 10:22 )
مقال رائع استاذ عمر , لقد قلت كل ما كنت اشعر به ولا استطيع ترجمته , وكأنك كنت تقرأ ما فى نفوس كثير من الناس , وتعبر عنه بهذه البساطه وهذا الاسلوب الرائع , فلك منى الف تحيه .


2 - شكرا على التعليق سيدتي
عمر دخان ( 2011 / 6 / 14 - 14:23 )
شكرا لك على أخذ الوقت الكافي لكتابة تعليقك و الذي بالتأكيد يعطينا دفعة أكبر من أجل كتابة المزيد حول واقعنا المؤلم و محاولة تغييره و لو أبى غالبية العرب ذلك. سعيد بتلقي ملاحظاتك و تعليقاتك دوما.


3 - الكتابة
سعيد يكن ( 2014 / 3 / 11 - 18:27 )
مقال رائع يا أستاذ عمر وأسلوبك شيق وأفكارك عميقة ،لا تحرمنا من جديدك

اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا