الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة الصامتة

نادية حسن عبدالله

2011 / 6 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


هناك عدد كبير من المعارضين الصامتين والذين يمثلون جموع الشعب المغلوب على أمره، والذي لا حيلة له، ولا وسيلة لديه للتعبير عن مطالبه المشروعة، وصوته خافت لا يعبر عن مطالبه أو عن رأيه. تلك الفئة - المعارضة غير المؤطرة - لا يسمع صوتها إلا من خلال الحديث الخافت في المجتمعات والمناسبات، يشتكون من سوء الخدمات وشظف العيش، ولكن لا يسمعهم أحد بل قد لا يسمعون بعضهم البعض.

إن الأغلبية الصامتة المكونة من الموظفين والأطباء والمدرسين ورجال الأعمال والتجار, هي معارضة متنامية وتزداد إعدادها يومياً، رغم العنف الذي يمارسه النظام لتخويفها من المشاركة في الثورة. حيث تعتبر المشاركة في المظاهرات أمرا حساسا وتتطلب شجاعة كبيرة، وهناك قناعة لدى الكثيرين أن كل من يتظاهر يعرض نفسه للاعتقال أو للموت. فالأجهزة الأمنية تستعمل كل وسائل العنف والقمع، مما يجعل هذه الأكثرية الصامتة بمجملها.. تصمت تحت وطأة الظلم والجبروت والتسلط ..وتخاف الإرهاب والبطش ..كما تخاف على حياتها ومصالحها ..ولعلها تنتظر التغيير .. بناء على وعود النظام الحاكم.

ويعترف الناشطون ببطء استمالة الغالبية الصامتة والتي يمكنها أن تنجح أو تفشل ثورتهم. ولكن تفاقم الوضع الاقتصادي وزيادة العنف يزيد من مشاركة الشباب المتحمس والذي يكسر حاجز الخوف يوميا ويشارك في الثورة. ولهذا يعتبر عدد من المحللين السياسيين ان هناك مقابل كل متظاهر يوجد مائة شخص يخشون ويخافون التظاهر. وان تزايد العنف والقمع وما يراه الشعب على الفضائيات من قتل وعنف يؤثر في إحساسهم الوطني، ويشعرهم بالغضب من النظام الأمني، وقد يدفعهم إلى المشاركة في التظاهرات التي تدفعهم للوقوف مع أبناء وطنهم المطالبين بالحرية والكرامة.

قال لي احد الأصدقاء وهو من الأكثرية الصامتة: كنت أرفض أن اسمع حرفا من معارض، بل بالعكس كنت أنا أول خط دفاع عن البلد وحكومته.. ومع استمرار ثورة شعبنا خلال ثلاثة الأشهر الماضية... يعني انتهاء مرحلة الخوف والصمت وعدم المبالاة والصبر والانحناء للطغاة، وابتداء مرحلة العزّة والكرامة والحريّة وكسر حاجز الصمت من الأفواه وانتزاع حقوق الشعب من خلال ثورة سلمية تركز على المطالبة بالحقوق والكرامة. أشعر انه من واجبي أن أشارك في هذه الثورة السلمية إذا أردت أن أشارك في الحياة في هذا الوطن، لا يمكنني أن أبقى صامتا، واترك أبناء وطني يتحملون كافة أنواع القمع والتعذيب، أن أبقى مشاهدا صامتا رغم الألم الذي يعتصر قلبي على كل شهيد وكل معتقل وكل مشهد تعذيب، فهذا يعني إنني افقد مواطينتي في هذا البلد، وحقي في العيش بحرية وكرامة.


إن النظام مصمم على استخدام القوة بكل أشكالها لوضع حد للتظاهرات السلمية، وهو مصر على تهميش الشعب وإقصائه، وكسر شوكة الانتفاضة وزعزعة إيمان الشعب بمقدراته وضرب تصميمه وقد اتبعوا سياسات متنوعة لقمع الشعب وتخويفه من المشاركة، أو لعلهم اعتقدوا بأن خوف الشعب بعضه من البعض الآخر، وتخويفه بالحرب الأهلية بسبب الانقسامات المذهبية أو العشائرية، يمكن ان يخوف الغالبية الصامتة من إي مشاركة حقيقية فاعلة.

ولكن، ما هي الأسباب الحقيقة التي تمنع الأكثرية الصامتة من المشاركة:

• ثقافة الخوف: تخاف الغالبية الصامتة من شدة ضغط أجهزة الأمن التي تحصي على الأفراد أنفاسهم بالمعنى الحرفي للكلمة، ولا يكاد فرد -سواء أكان ناشطا سياسيا أو بعيدا عن أي نشاط- يخرج من تحت السيطرة الأمنية المباشرة، ولا نشاط، مهما كان صغيرا أو كبيرا، تجاريا أو ثقافيا، يمكن أن يمر من بين شبكات المراقبة الضيقة وشكوكها المرضية وملاحقاتها الدائمة واليومية. إن ثقافة الخوف من الأجهزة الأمنية تنتشر بشكل مخيف حيث إن التهم جاهزة من الارتباط بجهات معادية للإخلال بالأمن إلى المساس بهيبة الدولة ويمكن أن تصل التهمه للمساس بالتوازن الإستراتيجي مع إسرائيل. إن التهم الحمقاء التي يتم توجيهها إلى أي معتقل لا تختلف كثيرا من شخص لآخر. ولقد فات الوقت الذي كانت سيادة الدولة فيه تعني حق أي حاكم أو نظام حكم -مهما كان أصله ومصدر شرعيته- في أن يستفرد بشعبه ويفرض عليه الإذعان.

• يخشى عدد كبير من المواطنين تحول بلدهم إلى عراق آخر، وبلا شك ما زالت مشاهد العنف الطائفي الدموي وفظاعته في العراق ولبنان خلال الحرب الأهلية ماثلة أمام أعين الكثيرين، كما أنهم يدركون أكثر من غيرهم نتائج "الديمقراطية" الأميركية في العراق، التي قتلت شعبه واستباحت ثرواته وهجّرت ما لا يقل عن مليوني عراقي من مختلف الفئات الى دول العالم المختلفة.

• الخوف من مصير ليبي، وخشية الشعب من أن يكون ما يقوم به هؤلاء هو استدراج للتدخل الأجنبي؛ كما حصل في ليبيا، ويكون ثمرة "الإصلاح" المنشود، احتلال أجنبي يستبيح البلاد ويغرقها في التخلف والجهل، ويعيش على إذكاء الخلافات الدائمة بين أبناء الشعب الواحد.

• الخوف من التدخل الخارجي، فبينما ينص ميثاق الأمم المتحدة على حظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، واحترام سيادتها، تقوم الدول الكبرى بتدخلات لا حصر لها في شؤون الدول الأخرى الأضعف، وتستغل الدول الكبرى بشكل دائم أي تحركات شعبية أو اختلال أمني في بلد من البلدان للتدخل في شؤونه، خصوصاً إذا كانت حكومة الدولة المستهدفة ضعيفة، أو تمّ إضعافها من خلال افتعال مشكلات داخلية وتغذية النزاعات في البلد المعني.

• حقيقة النظام السياسي الذي يعيشون في ظله ومخاطره على حياة الأفراد ووحدة البلاد واستقرارها. وقد خبروا تفكير قادته ودرجة إدراكهم لمضمون مسؤولياتهم، وحرصهم على حياة مواطنيهم ومصالحهم، من خلال الرصاص الحي الذي لا تزال القوى التابعة للنظام تطلقه على السكان العزل.

• غياب هيئة سياسية فاعلة قوية قادرة ان تعكس مطالب الحركة الاحتجاجية وتبلورها وتتمتع بما ينبغي من الصدقية لدى الشعب ولدى الرأي العام. حيث يتساءل الكثيرون من الذي سيحكم البلاد في حال سقوط النظام، وهل هناك جهة قادرة على ذلك؟ هل نترك البلد للعصابات، حيث لا تتوفر أي جهة قادرة على إدارة البلاد. وخاصة ان الشعب بشكل عام لا يثق بالمعارضة السياسية التي استمرت لوقت طويل في تسويق الأوهام؛ سواء في علاقتها بالنظام أو في علاقتها بالإرادة الشعبية؛ ولم تتمكن من تحقق الديمقراطية والحرية للفئات الشعبية؛ الشيء الذي حولها إلى عائق كبير؛ في وجه أي تحول ديمقراطي محتمل.

• النخبة المثقفة: هناك قناعة لفئات عديدة من الشعب إن أغلبية النخبة المثقفة أو التي تعتبر نفسها مثقفة تتعامل بفوقية مع فئات الشعب الاخرى؛ وتعتمد اعتمادا مباشرا على الدولة أو تستخدم من قبلها؛ و هذا ما يجعل أغلبية المثقفين في رأي المواطنين هم من مثقفي الدولة، ويتبعون لها.


• غياب الوعي السياسيِّ عند عدد كبير من المواطنين، وانعدام الرؤيا السياسية والمواطنة، حيث ان الفكر السياسيَّ عند عدد منهم يتَّسم بالقصور، فالثقافة السياسية الساذجة لها تأثير كبير على كل أمور حياتنا، وتأثيرات نفسية من حيث الإحباط، وزعزعة الثقة بالوطن، وإضعاف الانتماء الوطني، أو من حيث سذاجة الانتماء والولاء، وعدم قدرته على الصمود ، أمام أي هزة تتعرض لمفاهيمه بالنقد والتشكيك .

• أو قد تصل إلى مستوى الأمية السياسية التي تتلخص في الجهل الشديد بالشأن العام والقوانين الحاكمة لإدارة الدولة وصناعة القرار وأدوات إدارة الصراع السياسي. وتبدو الأمية السياسية أكثر بروزاً وخاصة ان شعبنا قد عاش ردحاً طويلاً في أجواء الاستبداد والتهميش والقمع الإعلامي، حيث يكون المواطن مغيباً عن الشأن العام ومعزولاً عن مدارات صناعة القرار السياسي ومهمشاً عن المشاركة السياسية الحقيقية بكل مستوياتها، ولأن إعلام النظام يكون أكثر حرصاً على ترسيخ الأمية السياسية، لأنها الضمانة الحقيقية لبقاء الاستبداد وتحصين النظام من الوعي الوطني والسياسي ومن ثم شل قدرتها على انتزاع حقوقها أو حماية مصالحها أو النضال من أجل المشاركة في صنع القرار. حيث في ظل الأمية السياسية يصبح سلب المال العام حقاً مشروعاً ويصبح الاستبداد والفساد المالي والإداري والرشوة أسباب قبضتها الأمنية والحامي لشرعيتها، وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى نقطة اللارجعة عندما تتوهم السلطة أن الدولة ستسقط إذا بدأت عمليه الإصلاح الحقيقي.

• القصور في المفاهيم السياسية الحديثة، حيث يعيش العالم الحديث في عصر المفاهيم الإدارية والسياسية الحديثة؛ فقضايا مثل استقلال وفصل السلطات والديموقراطية والتعددية، والدولة المدنية، ودولة الحق والقانون، ودولة المؤسسات، أصبحت أضلعاً وأسساً لأي كيان سياسي، والغائبون من الشعب والسلطات عن وعي الظاهرة السياسية يدفعون الثمن غالياً، حين تنعدم لغة الحوار، وتغيب الأرضية التي يرجعون إليها عند الاختلاف، وما حدث في تونس ومصر دليل على العمق التاريخي في الثقافة السياسية، وكان أحد أسباب سلمية الأحداث في البلدين العربيين..

بالاضافة الى المصالح الاقتصادية والتجارية التي تربط كبار التجار والصناعيين، حيث يخافون على مصالحهم من الانهيار في حال تغير نظام الحكم وخاصة ان العلاقات التي تربطهم بالمسؤولين الحاليين الذين يسيرون لهم أمورهم المالية والادارية والجمركية هي علاقات مرتبطة بانفتاح السوق والتغيرات الاقتصادية التي حصلت خلال الفترة الاخيرة. فهذه الفئات تعتبر مصالحها الشخصية والمالية اهم بكثير من مسؤوليتها الوطنية.

وبشكل عام فانه في جميع الحركات الثورية في العالم، نجد أن القلة القليلة هي التي تثور بعد أن تحس أن هناك ثمة ما يستدعي الثورة ويستعدي الحراك ...نتيجة لمتغيرات في المجتمع .. هؤلاء الشباب الذين حملوا على عاتقهم أعباء العمل ووزر الاعتقالات المتكررة والمطاردة المستمرة من الأجهزة الأمنية. هؤلاء الشباب الوطنيون اللذين يشعرون بالنبض العام للوطن والمواطن، يعرفون مكامن الضعف والخلل والفساد ويدركون سبل الخلاص ...وهم يدقون ناقوسا في جزيرة الصمت تلك. على أمل أن يصحو من كان نائما أو يفيق .. متخذين وسائل وأساليب كثيرة ..من الخطب والاجتماعات والمسيرات والمظاهرات وسائل للوصول إلى الناس ...على اعتبار أن المجتمع بحاجة إلى قيادة ثورية تحرضه وتشجعه وتقدم له الأنموذج والمثال.. ربما يدفع فيهم الشجاعة والقوة .. وربما يكسر حاجز الصمت ويهدم جدار الخوف ..

اننا بحاجة الى تأكيد وجود الشعب نفسه من خلال حركة الاحتجاج، بوصفه فاعلا سياسيا، ودخول مئات ألوف وربما الملايين من الذين كانوا قد استقالوا من السياسة واستسلموا للأمر الواقع إلى المعترك السياسي، وانخراطهم في نشاطات معارضة.

بكل ما في نفسي من حب لوطني وخوف عليه، أقول إلى الأكثرية الصامتة نحن بحاجه لكم، إن نجاح الثورة يعتمد عليكم، إن الفرصة قوية لنا، إن نحول وطننا إلى دولة مدنية يعيش مواطنيها بكرامة وتمتعون بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
الدكتورة شذى ظافر الجندي
دكتوراه في العلوم السياسية
حقوق الانسان ومكافحة الفساد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمطار الغزيرة تغرق شوارع لبنان


.. تشييع جثماني الصحفي سالم أبو طيور ونجله بعد استشهادهما في غا




.. مطالب متواصلة بـ -تقنين- الذكاء الاصطناعي


.. اتهامات لصادق خان بفقدان السيطرة على لندن بفعل انتشار جرائم




.. -المطبخ العالمي- يستأنف عمله في غزة بعد مقتل 7 من موظفيه