الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليست كل الزهور تتفتح في 25 يناير!

شاكر النابلسي

2011 / 6 / 15
مواضيع وابحاث سياسية



-1-

في مصر اليوم قصة الأمس !

وكأننا ما زلنا نعيش عقلية 1962. وكأن "حزب الانتقام" لم يختفِ من حياتنا، وتختفي أفكاره، وشخصياته.

قصة 1962 وما تمَّ آنذاك في "اللجنة التحضيرية" من عزل سياسي، لكل رموز السياسة، قبل 1952، وهي "اللجنة التحضيرية"، التي انبثق عنها ما عُرف بـ "الميثاق الوطني"، الذي وصفه خالد محمد خالد في وقتها، بأن فيه ألف كذبة وكذبة.. هذه القصة تُعاد الآن ثانيةً في مصر، وبالضبط. وكأن الزمن لم يمر، والأحداث لم تتغير.

-2-

صحيح أن الثوار في ماضي الأيام، كانوا ينتقمون من أعدائهم، ومن لا يوافق هواهم. وقد قرأنا ذلك في الثورات التاريخية، ومنها ثورة 1952 المصرية.

ولكن الجديد هنا، أننا في مطلع الألفية الثالثة. وأننا في بداية القرن الحادي والعشرين. ولسنا في منتصف القرن العشرين. وقد شهدنا تغيرات ضخمة، وهائلة الآن، وكانت واحدة من ثمار هذه التغيرات، ثورة 25 يناير. ولكن المؤسف حقاً، أننا ما زلنا نطبِّق المباديء نفسها التي طبقناها خطأً وخطيئةً، وجلبت علينا الكوارث والمصائب في 1962، وكانت نتيجتها الهزيمة الكبرى 1967.

إذن، ما معنى الثورة، إن لم يكن معناها التغيير الى الأحسن، والأفضل، والأكمل؟!
ما معنى التغيير إن لم نأتِ بالجديد، الذي يواكب روح العصر، ويساير روح تقدمه، وتسامحه؟!

ما معنى أن تتغير الوجوه والرؤوس، وتبقى الأفكار كما هي، وكما كانت منذ نصف قرن؟!

-3-

"حزب الانتقام"، هو الحزب الحاكم والمُتحكّم بالشارع المصري اليوم، كما كان هو الحزب الحكم والمُتحكّم بالشارع المصري عام 1962، وقبل نصف قرن من الآن.

"حزب الانتقام" هو الحزب الذي تدعمه القوات المسلحة الآن، وتنفذ له كل رغباته، في طلب العزل السياسي، كما كانت القوات المسلحة عام 1962 بقيادة عبد الناصر، تدعم مطلب العزل السياسي، لكل من تريد "الجماهير" أن تعزله سياسياً.

نجاح الثورة ليس في سقوط الأنظمة، ولكن في نهضة الشعوب، وفي حكمة الشعوب. وليست في حناجر الجماهير الغوغاء. فهناك بون شاسع بين مفهوم الشعوب، ومفهوم الجماهير. وكما قال الشاعر اللبناني أُنسي الحاج، فإن أسوأ كلمة في اللغة العربية هي "الجماهير"، التي تملك الحناجر، ولا تملك العقول، وتملك الأصوات، ولا تملك الأفكار.

فالعقل "لا يوافق الجماهير، وتعاليمه لا تفقهها إلا نخبة من المتنورين." كما يقول جمال الدين الأفغاني.

-4-

وإذا كنا نعتقد بأن الديمقراطية تُصنع في الشارع، فهذا خطأ جسيم.

فالديمقراطية صناعة سياسية، لها مكانها، ولها مجالها.

فلا الشارع مكانها، ولا الشارع مجالها.

فالشارع لا يقود الى المصالحة الوطنية، ولكنه يقود - بالتأكيد- الى العنف. والغاية من المصالحة الوطنية، هي التحكُّم في العنف. فقد كانت وظيفة البرلمان الأولى في أوروبا في القرن التاسع عشر، التحكُّم في العنف، لقطع الطريق على الاغتيالات، والانقلابات، والثورات السياسية، ليصبح ممكناً إسقاط الحكومات في حرَم البرلمان، وليس في الشارع. فالبرلمان، لم يعد نادياً تحتكره طبقة ما، بل غدا المكان الملائم لصنع القرار، والملائم أيضاً، لكي تحصل فيه كل فئة على حصتها من الثروة، والسلطة، والخدمات، حسب وزنها البرلماني.

والشارع، يمعن في التخندق الشعبي، وفي استدرار الحلول المستسهلة، القائمة على سُبل الاستتباع الاجتماعي والنفعي، بدلاً من سبيل السياسة. فيتحوّل الوسطيون إلى مناوئين، ويتحوّل الاختناق إلى تفجّر، وإلى مزاج عامي، انتقامي، متهوّر. فالجماهير ترى أن السياسة تُصْنَع من الشارع، وليس في المجال السياسي المخصص لذلك. وفي هذا ما يبعث على القلق البالغ، كما قال المفكر والأكاديمي السوري عزيز العظمة. وقال مونتسكيو، أحد فلاسفة الثورة الفرنسية:

"إن الغوغاء لا تصنع الديمقراطية."

-5-

في الأمس نجح "حزب الانتقام" في مصر، في التوصية بحرمان وقيادات "الحزب الوطني" المنحل من حقوقهم السياسية، لمدة خمس سنوات قادمة. وحرمان رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف القومية، والإعلام الحكومي المرئي، والمسموع من ممارسة جميع الحقوق السياسية لمدة خمس سنوات، لتورطهم فى تضليل الرأي العام. وبإصدار قائمة سوداء لعدد 2870 اسماً في مختلف المجالات، في مؤتمر أُطلق عليه "الوفاق الوطني".

فكيف يكون "وفاقا وطنياً"، وهو يستثني أكثر من مليونين من أعضاء الحزب الوطني المنحل، ويعزلهم سياسياً لمدة خمس سنوات؟!

ولماذا ننزع من الشعب المصري طبيعته الطيبة في الحب، والوفاء، والتآخي، بدلاً من شعارات "حزب الانتقام" العنيفة والمتشنجة؟!

-6-

في عام 1962 وفي "اللجنة التحضيرية" التي أقرَّت العزل السياسي لأعداء الثورة المصرية آنذاك، قال خالد محمد خالد، كما هو مثبت في كتابه (دفاع عن الديمقراطية، 1985) مخاطباً عبد الناصر، وجهاً لوجه:

" لا أظن أنه قد خطر ببالنا أبداً، أن نُقصي عن صفوف الشعب أناساً، لمجرد أنهم كانوا أثرياء، أو أناساً نحاسبهم على ماضيهم السياسي، قبل الثورة؟

لا أقول اهدموا العدل، ولا أقول تفسحوا في الرحمة، حتى تسع من لا يستحقها. فأنا قبل أن أكون رحيماً ببضعة أفراد من الشعب يجب أن أكون رحيماً بالملايين من أبناء هذه الشعب.

لا نطلب الرحمة بقدر ما نطلب العدل للجميع. ولنحاسب الناس على كل جريمة تُقترف في هذا المجتمع الديمقراطي، فيما بعد.

يجب أن لا نقاوم أعداء الثورة. ولكن يجب تقويمهم، ومساعدتهم على قبول الثورة، بدلاً من مقاومتهم. وعزلهم.

ليتنا نسلك مسلك القول للناس جميعاً أننا اليوم في مجتمع ديمقراطي جديد، نريد أن يأخذ الشعب فيه حقه في السلطة. فمن دخل فيه فهو آمن."

ولنا من الثورة في الصين المثال البارز، حيث كان هناك الكثير من الأحقاد، وشعارات العزل والقتل. ولكن صوت العقل كان أعلى الأصوات، وقال:

"دعوا ألف زهرة تتفتح."









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلسل إيريك : كيف تصبح حياتك لو تبخر طفلك فجأة؟ • فرانس 24 /


.. ثاني أكبر جامعة بلجيكية تخضع لقرار طلابها بقطع جميع علاقاتها




.. انتشار الأوبئة والأمراض في خان يونس نتيجة تدمير الاحتلال الب


.. ناشطون للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية: كم طفلا قتلت اليوم؟




.. مدير مكتب الجزيرة يرصد تطورات الموقف الإسرائيلي من مقترح باي