الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-فذكِّر، إن نفعت الذكرى-

علي جرادات

2011 / 6 / 15
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


"فذكِّر، إن نفعت الذكرى"
علي جرادات
منذ انطلق الحراك الشعبي العربي في القُطْرِ التونسي، وبعد تفجره في القُطْرِ المصري تحديداً، ناهيك عن امتداده إلى غير قُطر عربي، كان هنالك، (بعد الأنظمة الرسمية العربية طبعا)، مَن تبنى، (لجهل أو لمصلحة)، نظرية المؤامرة الأمريكية لتفسير هذا الحراك، خاصة وأنه جاء مفاجئاً وغير "كلاسيكي" في الأسلوب والوسائل. وبانتقال الموقف الأمريكي من رد الفعل الأولي المرتبك جراء المفاجأة، إلى التدخل المضاد المدروس بعد الاستيعاب، زادت نظرية المؤامرة رواجاً، بل، وبدت قابلة للتصديق أكثر، بما يسخِّف هذا الحدث الشعبي العربي التاريخي، الذي بمجرد تفجره أنجز، (فيما أنجز)، برهاناً آخر على بطلان نظرية أن الشعوب العربية، وشعوب "الشرق" عموماً، عاجزة عن إحراز خياراتها الوطنية والديمقراطية باستقلالية، وتبعا لشروط خصوصياتها التاريخية. ومعلوم أن تلك النظرية هي نظرية استعمارية استشراقية قديمة، وإن تعددت مظاهر التعبير عنها، بدءاً من المستشرق برنارد لويس، الذي صوَّر أن بين الديمقراطية والشعوب العربية والإسلامية حاجز يشبه سور الصين العظيم، وانتهاء بصموئيل هنتنجتون، الذي ركز هذه التهمة على الشعوب العربية، ربما بعدما دحضت وقائع التحولات الديمقراطية في اندونيسيا وماليزيا وتركيا، (مثلا)، نظرية سلفه برنارد لويس.
لقد تناسى أصحاب نظرية المؤامرة، الذين ابتلعوا تخرصات هنتنجتون وأسلافه، (بوعي أو من دونه)، حقيقة أن الديمقراطيات الليبرالية الغربية عموما، وأمريكا منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية خصوصا، لم تكتفِ فقط بممارسة الاستعمار المباشر وغير المباشر، (التبعية)، بكل ما قاد إليه ذلك من إعاقة للتحولات الديمقراطية في بلدان ما يسمى بـ" العالم الثالث"، ما أنتج أحد الأسباب الموضوعية الأساسية والعميقة للحراك الشعبي العربي، وقاد إلى تفجره بهذا الشكل المفاجئ والمدوي. بل، وتناسى أصحاب نظرية المؤامرة حقيقة أن الموقف الأمريكي، (وتوابعه محليا ودوليا)، من الحراك الشعبي العربي، إنما يشكل جزءا من الثورة المضادة، حتى، وإن جاء بصيغة التبني المسموم الهادف للتجويف والمصادرة والاحتواء واختطاف النتائج وتقليل الأضرار ما أمكن.
والأهم من هذا وذاك، فقد تناسى أصحاب نظرية المؤامرة حقيقة أن الانتفاضات الشعبية العربية، (كأي ثورات شعبية)، ما كان لها أن تتفجر لولا اختمار شروطها الموضوعية الداخلية، وأن دور مشعلي شراراتها الأولى، بمعزل عن هويتهم وأساليبهم ووسائلهم، لا يتعدى دور القابلة التي تسهِّل الولادة، ولا يتخطى دور الرافعة التي تضاعف القوة وتجعل الإنجاز أعلى بجهد أقل. ولعل حال مشعلي شرارات الانتفاضات الشعبية العربية، (كدور مشعلي أي ثورة شعبية)، هي كحال البيضة ورقود الدجاجة، الذي لا يمكن أن يقود إلى تفقيسها، مهما طال، إن لم تحتوِ البيضة ذاتها على العوامل الداخلية التي تجعلها قابلة للتفقيس.
ولست أدري كيف يستقيم منطق أصحاب نظرية المؤامرة في تفسير الحراك الشعبي العربي مع حقيقة أن الديمقراطيات الليبرالية الغربية، وأمريكا على رأسها، إنما انتهجت، ولا تزال، ديدن معاداة التحولات الديموقراطية في بلدان ما يسمى بـ"العالم الثالث"، وإلا كيف يمكن تفسير الدعم الغربي عموماً، والأمريكي خصوصاً، للأنظمة الاستبدادية الفاسدة المعادية لخيارات شعوبها وتطلعاتها الاستقلالية الوطنية والديمقراطية، بل، وعدم التواني عن دعم بعض الأنظمة الفاشية في مواجهة شعوبها وثوراتهم الوطنية والديمقراطية. ولعل شواهد الدعم الأمريكي للأنظمة الاستبدادية، والفاشية منها، (أحيانا)، أكثر من أن تحصى، وهنا ربما يكون من الأهمية بمكان التذكير ببعض ما قامت به أمريكا وذراعها المخابراتي، السي. أي. ايه. على هذا الصعيد:
1: ألم تدعم واشنطن نظام "فان ديان" الفاسد والعميل بعد أن تخلى عنه الفرنسيون إثر هزيمتهم على يد الشعب الفيتنامي في خمسينيات القرن المنصرم في معركة قلعة "ديان بيان فو" الشهيرة، الأمر الذي انتهى إلى هزيمة أمريكية نكراء قلَّ نظيرها؟؟!!
2: ألم تناصر واشنطن في ستينيات القرن المنصرم، انقلاب سوهارتو العسكري في اندونيسيا ضد نظام سوكارنو المنتخب والوطني الذي قاد بلاده إلى الاستقلال؟؟!!
3: ألم تدعم واشنطن في سبعينيات القرن المنصرم الانقلاب العسكري الذي قاده الفاشي التشيلي بينوشيت وتمكينه من الإطاحة بنظام سلفادور اليندي المنتخب ديمقراطيا؟؟!!
4: ألم تدعم واشنطن في خمسينيات القرن المنصرم شاه إيران المستبد وتمكينه من الانقلاب على ثورة مصدق ونظامه المنتخب ديمقراطيا؟؟!!
5: ألم تدعم واشنطن الانقلاب العسكري في الكونغو الذي قاده موبوتو سيسيكو ضد نظام لومومبا المنتخب ديمقراطيا؟؟!!
6: ألم تدعم واشنطن عصابات الكونترا في نيكاراغوا ضد نظام الساندنيين المنتخب ديمقراطيا بعد الثورة على نظام سوموزا الفاسد؟؟!!
7: ألم تدعم واشنطن نظام الفصل العنصري البائد ضد إرادة الغالبية السوداء في جنوب أفريقيا؟؟!!
8: ألم تساند واشنطن نظام تشان كاي تشك المنهار ضد الثورة الصينية، ونظام باتيستا الفاسد ضد الثورة الكوبية؟؟!!
9: بل ألم تقف واشنطن وباقي الديمقراطيات الأوروبية الليبرالية الغربية، حتى ضد ثورة الشعب الاسباني الأوروبي، حين ناصرت نظام فرانكو الفاشي، رغم تحالفه الواضح مع نظامي هتلر الألماني وموسيليني الإيطالي الفاشيين؟؟!!
والقائمة هنا تطول، بما لا يترك أي مجال للشك بأن أمريكا، حالها في ذلك كحال باقي الدول الاستعمارية الغربية، لم تدعم يوما، ولن تدعم اليوم أو مستقبلا، ثورات شعوب الدول التابعة وتطلعاتها الوطنية والديموقراطية، بل، إن هذه الشعوب لا يمكنها تحقيق هذه التطلعات دون مواجهة مع التدخلات الأمريكية وتوابعها، التي تشكل جزءاً أساسيا من الثورة المضادة. وهذا ما هو حاصل اليوم في مواجهة الحراك الشعبي العربي، الحدث التاريخي بكل المعاني، الذي تصعب قراءته خارج كونه صيرورة قد انطلقت، فيما نتائجه النهائية تخضع لعملية صراعية محتدمة بين قوى التغيير الشعبية المتعددة والمتفاوتة في منطلقاتها وبرامجها وبين قوى الثورة المضادة الداخلية والخارجية، وفي المقدمة أمريكا وتوابعها. وهنا ربما من الأهمية الإشارة إلى أن من السذاجة بمكان الاعتقاد أن الحراك الشعبي العربي، بما هو حدث تاريخي نوعي، سيحقق تطلعاته بمجرد إسقاط هذا النظام الاستبدادي التابع أو ذاك، من دون بناء البديل الوطني والديمقراطي، بكل ما ينطوي عليه ذلك من مخاض عسير، بل، وربما يحتاج إلى أطوار متصاعدة من الصراع والثورات، لكن الثابت والأكيد أن الصيرورة قد انطلقت، وأن حلم إعادة الوضع إلى ما قبل تفجرها قد ولَّى، فالشعوب العربية كسرت حاجز الخوف، وبذلك باتت لاعبا في السياسة، تحسب له قوى الثورة المضادة، داخليا وخارجياً، ألف حساب، أما تفسيرات نظرية المؤامرة لما جرى ويجري، فلا تعدو كونها جزء من التسخيف الذي يحمل بالنتيجة العملية وظيفة سياسية معادية، سيان بوعي أو من دونه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قيادي بحماس: لن نقبل بهدنة لا تحقق هذا المطلب


.. انتهاء جولة المفاوضات في القاهرة السبت من دون تقدم




.. مظاهرة في جامعة تورنتو الكندية تطالب بوقف حرب غزة ودعما للطل


.. فيضانات مدمرة اجتاحت جنوبي البرازيل وخلفت عشرات القتلى




.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف