الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلفيون ومليونية اطلاق اللحى!!

صالح سليمان عبدالعظيم

2011 / 6 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


يُعد السلفيون من أكثر الفئات الاجتماعية التي ظهرت بكثافة بعد الثورة في مصر، وهو أمر مفهوم في ضوء القمع الهائل الذي مارسته القوى الأمنية ضدهم في قبل الثورة. وعلى ما يبدو أن السنوات الماضية مثلت بالنسبة للكثيرين من هؤلاء فترة كمون طويلة، انزووا خلالها عن العيون والنظام والقوى الأمنية؛ البعض لجأ للسفر إلى الخارج ضمن سياقات أكثر محافظة وجمودا وتخلفا، والبعض انزوى داخل الوطن وآثر العزلة ضمن العشوائيات والزوايا الدينية، والبعض الآخر اختلط بالمجتمع وفرض قيودا على التواصل مع المحيطين به وكأنهم من كوكب آخر. فلقد مثلت الجماعات الدينية والأفراد المنتمين لها جزرا منعزلة تماما عن باقي هيئات المجتمع، ومن الغريب واللافت للنظر هنا أن قطاعات واسعة من أقباط مصر اكتسبوا أيضا السمات الانعزالية نفسها خلال العقود الماضية واحتموا بالكنيسة ليشكلوا جزيرتهم النائية الأخرى بعيدا عن المجتمع.
وعبر كافة هذه الممارسات نظر معظم هؤلاء السلفيين إلى المجتمع نظاما وحكومة وربما أفراد نظرة رفض مرتبطة بالنقد والتكفير وإلقاء التهم شمالا ويمينا. واللافت للنظر أن هؤلاء السلفيين لم يكن لهم حس ولا خبر طوال العقود الماضية، وبشكل خاص منذ منتصف التسعينيات في أعقاب الحملات الأمنية المتواصلة ضدهم، وفي ضوء الحملات الإعلامية الفجة التي وضعت كل الإسلاميين في سلة واحدة بغض النظر عن ممارساتهم ضد النظام وما يقوم به البعض من تغيير عنيف.
ويمكن القول أن الوضع الذي آل إليه السلفيون، وربما يمكن القول الإسلاميون ككل، من ناحية التطرف الفكري والعناد السلوكي والمواجهات المجتمعية العنيفة، يتحمل تبعاته كل من السلفيين أنفسهم والنظم السياسية المتعاقبة على الحكم في مصر. فالنظم الحاكمة تعاملت مع السلفيين، وباقي التنظيمات الدينية الأخرى، من خلال تعامل خطي واحدي التوجه تمثل في المواجهة الأمنية العنيفة التي تمثلت في التعذيب المنظم والمقنن الموجه ضدهم ناهيك عن التصفية التي ارتبطت بالقتل المنظم. وعبر كافة هذه المواجهات الأمنية العنيفة لم تتجه الدولة ولا أي من أجهزتها الأمنية أو الدينية إلى التواصل مع هذه الجماعات الدينية ومحاولة استيعابها في المجتمع وإدماجها في ممارساته المختلفة. والواقع أن الدولة ذاتها لم يكن في مكنتها القيام بذلك في ضوء الممارسات الأمنية العامة والشائعة التي وجهتها ضد باقي القوى السياسية المجتمعية المختلفة؛ فلم يكن في أجندة الدولة ولا في نواياها القيام بأي حوار ديمقراطي حقيقي مع أى قوى سياسية في المجتمع والسماح لها بالممارسة الفعلية عبر البرلمان والأحزاب السياسية الفعلية لا الشكلية.
ومن ناحية أخرى فإن السلفيين أنفسهم وغيرهم من الجماعات الدينية لم يقدموا نموذجا توافقيا يحرص على السلم الاجتماعي والتواصل مع الفئات الاجتماعية الأخرى، فلقد خلقت لديهم المواجهات الأمنية العنيفة والتواطؤ المجتمعي العام، ناهيك عن التواطؤ الكوني، حالة من الرفض العنيف للسياقات المحيطة بهم، وأجبرتهم على تفضيل العزلة والتقية على الاختلاط بالمجتمع الكافر، من وجهة نظرهم، المحيط بهم.
إن هذه المواجهات العنيفة بين السلفيين وبين الدولة لعبت دورا كبيرا أيضا في جمود الفكر الإسلامي، خصوصا من ناحية الممارسات السياسية والاندماج في متطلبات هذه الممارسات بتوجات وأطر جديدة. فالملاحظ أن الفكر السلفي مرتبط بالأساس بأطر ماضوية، كما أنه مرتبط بتفسيرات محدودة لمجموعة من الشيوخ الذين يتعامل معهم باقي الأعضاء بنهج تقديسي أقرب للممارسات المسيحية الأرثوذكسية. إن هذه الوضعية التي وجد السلفيون أنفسهم عليها هى التي تفسر بدرجة كبيرة تلك السلوكيات الغريبة الي يحاولون ممارستها الآن؛ فمن هدم للأضرحة وتدمير للتماثيل مرورا بالتأكيد على النقاب وإطالة اللحى إلى رفض للالتحاق بكليات الحقوق...إلخ من تلك الممارسات التي تشبه منع النساء من قيادة السيارات.
ومن أغرب الحملات التي قادها السلفيون حديثا، واستخدموا من خلالها الإنترنت، الدعوة لمليونية إطالة اللحى قبل رمضان. فهل من المعقول تصور إطلاق حملة بهذا الحجم في ظل مجتمع يعاني من مستويات غير مسبوقة من الفقر والعشوائيات والجريمة وتراجع مستوى التعليم والصحة. وإذا كان السلفيون يتحدثون عما قام به السلف الصالح، فكيف يستخدمون الإنترنت والفيس بوك من أجل اطلاق حملتهم؟ وهل انتهت المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حتى يتفرغ المجتمع لإطلاق اللحى؟
أغلب الظن أن المواجهات الأمنية الطويلة والعمل السري والخفي قد أوصل الفكر السلفي للتخندق ببعض المقولات الجوفاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع في زماننا هذا. ففي الوقت الذي يصدعنا فيه السلفيون وشيوخهم بمثل هذه المهاترات التافهة، يعجز المرء أن يجد في التاريخ الإسلامي الأول زمن الرسول والصحابة الأجلاء أي تناول لمثل هذه التفاهات والقضايا الجوفاء. اللهم ارزقنا بسلفيين حقيقيين على شاكلة السلف الصالح الذين جمعوا بين الدين وبين راحة الإنسان وسعادته الدنيوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا بد من التعامل الامني معهم
عزيز محمد ( 2011 / 6 / 16 - 09:41 )
تحية للكاتب اعتد ان السلفيين بسلوكهم المخالف للتحضر والمنغمس بالظلامية هو ما يجبر السلطات للتعامل الامني معهم لان هذه المجموعات نتيجة لفشلها في اقناع الجمهور برؤيتها للمجتمع تحاول فرض ذلك بالقوة اذا اتيح لهم حتى ولو القليل من الحرية والامثلة واضحة في حرق محلات الكاسيت وحرق مقاهي الانترنيت واجبار محلات الحلاقة بالعراق على عدم قص اللحية ولكن يجب ان يكون مترافق مع حملة اعلامية لتوعية الجمهور باهداف هذه الجماعات وخطرها

اخر الافلام

.. في شمال كوسوفو.. السلطات تحاول بأي ثمن إدماج السكان الصرب


.. تضرر مبنى -قلعة هاري بوتر- بهجوم روسي في أوكرانيا




.. المال مقابل الرحيل.. بريطانيا ترحل أول طالب لجوء إلى رواندا


.. ألمانيا تزود أوكرانيا بـ -درع السماء- الذي يطلق 1000 طلقة با




.. ما القنابل الإسرائيلية غير المتفجّرة؟ وما مدى خطورتها على سك