الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلم -حذاء الجنرال- للمخرج السوري أكرم الأغا.. خريف البطريرك وربيع الانهيار

احمد الهاشم

2011 / 6 / 16
الادب والفن



ابرز ما أنتج من أفلام التحريك أو الرسوم المتحركة، في عالمنا المشرقي يتصل، على وفق ما اطلعنا عليه، بالسياسة موضوعا ومداراً. والفرق أن الأفلام العربية القليلة لم ينجزها مغتربون كما هو الحال مع نظرائهم من بلاد المشرق غير العربية.
لنستذكر هنا فلم بلاد فارس perspolis " بيرسبوليس"، للمخرجة الإيرانية المغتربة مرجان ساترابي والذي أنجزته مع الفرنسي فانسان بارونو، وهو الفلم الروائي الذي حظي بجائزة التحكيم لمهرجان كان الدولي للسينما، مناصفة مع المخرج المكسيكي كارلوس ريغاداس، عن فيلمه "النور الصامت" 2007. إضافة لفلم المخرج الإيراني المغترب هو الآخر علي صمدي احدي "الموجة الخضراء" الذي شاهدت مقاطع منه، ويتناول التظاهرات التي شهدتها إيران عقب فوز الرئيس الإيراني احمدي نجاد بالانتخابات.
وفي القاهرة أتاح لنا المركز الثقافي الألماني مشاهدة فلم المخرج السوري أكرم الأغا "حذاء الجنرال" (مدة الفلم 17 دقيقة) والذي سبق ان حظي بشهادة تقدير من لجنة التحكيم مهرجان الاسماعيلية 2008، والذي شاركت فيه أفلام أجنبية من بلجيكا وأميركا وتشيكيا وروسيا وغيرها. وهو فلم سبق، كما يبدو من تاريخ إنتاجه، ما يطلق عليه اليوم "ربيع الثورات"، وجاء عرضه في ظل اهتمام المراكز الثقافية الغربية بالتحولات الجارية في عالمنا العربي.
يتناول الفلم سيرة جنرال من خلال رمز عسكري هو الحذاء أو الجزمة، في أسلوب تعبيري يتلافى المباشرة، اذ تتقمص الأحذية ادوار الشخصيات التي لا نرى من قوامها سوى الحذاء، فيما يأتي حذاء الجنرال بمثابة كناية واضحة عن التسلط والقمع. ولم يتعاط الفلم مع موضوعة المستبد من وجهة نظر الاستبداد الشرقي، بل سعى الى تحويلها الى موضوعة عالمية عبر عرض كل رموز الدكتاتوريات في عصرنا الحديث، وهو هنا اقرب إلى نموذج الأيدلوجيات الشمولية الغربية منه إلى المستبد الشرقي.
تواتر في الفلم توظيف المدرجات كناية عن الصعود والسقوط الدمويين. إذ يعرض احد المشاهد حذاء الجنرال وهو يتسلق درج السلطة الذي يتهاوى درجة بعد أخرى بمجرد ان يطأها حذاء الجنرال كما لو أن الأخير يصنع هاويته بنفسه خلال تسلقه.. او لعل ذلك تعبير عن سقوط كل المراحل السابقة لعهده. ولا يمكن نسيان ذلك الارتقاء حين يظهر القمر وعليه آثار الأحذية، وسط سماء ملبدة منذرة بالكوابيس التي ستجعل من أحلامنا تداس بالأحذية.
وفي مشهد معبر، نرى الجنرال عندما كان لا يزال مجندا صغيرا، وهو يخرج من إحدى الحانات مترنح الخطى، فيصادف حذاءا نسائيا ونفهم من نهاية المشهد أنها عملية اغتصاب تنتهي بظهور عكاز وفردة حذاء. حيث يكتفي الرجل المعاق بمراقبة الحذاء النسائي المستباح، وبعدم اكتراث يكمل مسيره نحو زاوية مهملة من الزقاق، ينبش برميلا للقمامة في إشارة إلى الشعوب المقهورة العاجزة.
في نهاية الفيلم نشاهد أحذية الناس العاديين وهي تهرب من اقتحام الأحذية العسكرية على درج طويل وممتد أراد من خلاله المخرج أن يحاكي مشهد درج أوديسا الشهير في فلم "المدرعة بوتمكين" للمخرج الروسي سيرجي ايزنشتاين، لكن أحذية الناس تتحول إلى كرة ثلج عاتية تتضخم حاملة كل الأحذية العادية لتطيح بتماثيل أحذية العسكر التي تتشظى قشرتها كاشفة عن تماثيل البشر من جديد وكأنهم كانوا محبوسين في قمقم الحذاء و يظهر زعيم جديد يخاطب الناس بزي مدني.
و لكن في آخر مشهد من الفيلم نرى الزعيم الجديد يجلس في مكتبه وأمامه حذاء عسكري، يهم بلبسه. ينتبه إلى أننا نراقبه، فيتريث أو يتردد. وهنا ينتهي الفلم.
وإذا كان مخرج الفلم عن أعرب عن جرأة في التعاطي مع موضوعه في زمن إنتاج الفلم (نذكّر ان الفلم أنتج في العام 2008)، فانه يبدو حازما في عدم التبرع بأي محاباة مجانية لكل معارضة. كما انه لا يبدي استعداداً لمنح يديه للتصفيق لكل ما يتلبس رداء جماهيريا لا يستقيم مع قيم الحرية. فحين سأله الجمهور معترضا بعد العرض عن احد المشاهد التي تظهر كيف تنتشر ملصقات الأحذية في كل الشوارع، ولماذا جعلها ممارسة أشبه بالشعبية وليس دعاية سلطوية فقط، رد بان الشعوب كانت مغيبة ومستلبة الوعي وتنشر صور مستبديها أكثر من نشر غسيلها. الم يأت هتلر عبر الانتخابات؟
وعلى رغم أن الجمهور اعتبر الفلم أشبه بنبوءة بالثورات، فإن المخرج لم يعتبر نفسه قد تنبأ بها، وإنما هو محض قراءة لدورة التاريخ والحياة، فالركود الشديد لا يعني مُحال التغيير، مستدركا أن الفن يمتلك، على رغم الاستبشار السائد، بحق الاحتفاظ بمسافة متسائلة حول الخيارات خشية أن تنوس أقدار الشعوب بين استبدادات قائمة وأخرى مؤجلة.
لا ننسى الموسيقى التي أدت دورها المعبر في الفلم، إذ وظف المخرج المقطوعة الشهيرة "أو فورتونا" من كارمينا بيوراتا للموسيقار كارل اورف والتي تتكلم عن آلهة القدر في الأساطير الإغريقية و كيف تلعب بمصائر الناس فترفع من شأنهم يوما و تحط منه في يوم آخر. انها دولاب الحظ الأزلي. وتترافق هذه الموسيقى مع مشاهد لدولاب القدر ولكنه يدار بواسطة الأحذية بينما نرى حذاء الجنرال يمشي بشكل عكسي على الدولاب ليظل في القمة.
سبق للمخرج أكرم الأغا أن أنجز فلم "الانتباه" 2005 والذي شارك في مهرجانات بدبي وتشيكيا وألمانيا والمكسيك وأميركا وسويسرا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي


.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت




.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري