الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحادية أم مشاركة

عادل أحمد

2011 / 6 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


منذ الخامس عشر من آذار تعيش سوريا وضعا متوترا ضاغطا وصل اليوم حد الانفجار . قد يكون هذا الانفجار اجتماعيا ( احتراب داخلي ) على أرضية كل ما مورس من شحن وتجييش ( سياسي ، طائفي ) وقتل وعنف وتدمير مرفوض ومدان ، فأجهزة الأمن وممارساتها التي يجب أن تتوقف ، والملوثات العنفية والإرهابية التي ظهرت هنا وهناك والتي أضرت وخربت ليس الوحدة الوطنية والنسيج المجتمعي وحسب ، بل وكذلك أضرت التظاهر السلمي ورفعت الغطاء عنه مدخلة إياه في مأزق لا يحسد عليه .الدماء سالت ، دماء الشعب السوري المطالب بالحرية والتغيير ودماء الجيش وقوى الأمن التي من المفترض أن وظيفتها خارجية وليست داخلية وإنما استدرجت وزجت في معركة يختلط فيها الوهم بالحقيقة وأضحت معرضة لكثير من الأسئلة والتساؤلات .هكذا أصبح المواطن السوري الراغب في التغيير أو في حده الأدنى الإصلاح الجذري منقسما على نفسه بين إيمان ورغبة وبين واقع عنفي يضغط على أعصابه ويحرمه نعمة الأمان والاستقرار . هو مع الحق بالتظاهر والتعبير السلمي ولكنه رافض لاستخدام السلاح وممارسة القتل والتخريب والقتل والتدمير وكل الممارسات العنفية أو الإرهابية سواء كان صاحبها من الداخل ( قرارا وممارسة) أو من الخارج .هو ضد اعتقال المتظاهر السلمي أو إطلاق الرصاص عليه.وهو ضد التعرض لعناصر الجيش وغيرها ممن يحمون الممتلكات العامة والأمن العام .وهو مع سحب الأجهزة الأمنية والجيش من المدن في الوقت الذي يطلبها فيه للتواجد والتصدي للمخربين والقتلة الذين جندوا لزعزعة الأمن والاستقرار وضرب الوحدة الوطنية وأخذ البلاد بالتالي إلى مأزق الاحتراب .
أضحى النظام القائم كبنية سياسية وأدوات ووسائل وممارسة ، غير قابل للحياة بهذه الصورة ، وهذا رأي أهل النظام (أو بعضه) والمعارضة ورجل الشارع وان اختلفت سويات ومعايير البديل . هل تغييره وإحداث ثورة تطيح بالصورة القديمة لتنتج صورة جديدة ، ممكن مع الحفاظ على الأمن والاستقرار بالطريقة السائدة والمطروحة الآن من قبل النظام أو المعارضة وهي حتى اللحظة وبحقيقة الأمر ( اللا طريقه) لأنها تقوم على الإقصاء والإلغاء من هؤلاء وأولاء . فالسلطة حتى الآن غير جدية في تنفيذ الحوار الذي طرحته لسبب بسيط هو أنها لم تنجز المقدمات التي تهيء له وتسمح بنجاحه كإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين على خلفية الأحداث الأخيرة ، وإلغاء المادة الثامنة من الدستور ، والتخلي عن المظاهر الأمنية ووقف ممارسات أجهزتها . والمعارضة لم تحسم أمرها بعد ، وهي لا تزال تتأرجح بين موقفين : القبول بالحوار كمخرج وطني لا بد منه بل وربما الوحيد الذي يحفظ للبلاد وحدتها الوطنية واستقلالها ، ويحقق الإصلاحات التي تكفل للبلاد انتقالا آمنا الى الدولة المدنية التعددية على أساس عقد اجتماعي جديد ، أو الرفض لهذا الحوار تحت ضغط وبتأثير عدد من العوامل أولها الاختلاف داخل صفوفها حول سقف التغيير المطلوب ، ووسائله وأدواته ،وثانيها ضغط الشارع الذي يتظاهر سلميا والرافض لأي حوار والذي تصاعدت مطالبه حتى غطى شعار إسقاط النظام على كل ما عداه خوفا من أن أي توقف يعني إتاحة الفرصة للسلطات الأمنية للانقضاض على المشاركين بالتظاهرات والتنكيل بهم والإمعان في الانتقام منهم وتحميلهم مسؤولية كل الأضرار التي لحقت بالبلاد .
ما يضفي على هذه اللوحة الكثير من التعقيد ، ويثير الكثير من الشكوك ، هو جملة المظاهر المدمرة والعنيفة التي حصلت هنا وهناك كما في بانياس وحمص وادلب وجسر الشغور ، والتي ارتدت منحى عنفيا وطائفيا وأشرت بوضوح إلى ارتباطاتها الخارجية ، وما خلقته من انقسام في الرأي حولها ، وشك في صدق الأخبار المتداولة عنها ، ودور الإشاعة الهدام وما يولده من خوف ورعب وتوتر ، جو كان الإعلام فيه سلاحا أشد قتلا من الرصاص ، فالإعلام الخارجي ومنذ اللحظة الأولى تميز بالانحياز والخروج عن مبادئ الأمانة المهنية ، مع ما جرى من خلاله من خطاب طائفي وتجييش ودعوة للقتل والتدمير باسم الدين الذي اعتبروه ملكية خاصة وباسم الله الذي اعتبروه خاصا بهم ليتم عبر ذلك استثناء الآخر ونفيه من مملكة الله والدين كما يرونهما .أما الإعلام الوطني فقد كانت سمته بداية الارتباك والتخبط والتعتيم ومع أنه تحرر من هذه الثلاثية إلا أنه بقي نمطيا مستفزا في لغته وأسلوبه ، وتعبويا صرفا في خطابه العام ليتم عبره نفي أصحاب الرأي الآخر من مملكة الوطن والوطنية بالمقابل ( وكلاهما يشوش على الحراك الحقيقي والسلمي ويحاول أن يحرفه عن مساره ويوظفه لغير أهدافه) . ما أصبحنا نراه في سوريا نمطين من الناس ، أو لنقل شريحتين ، اتجاهين ، قسمين ، قسم لا يرى ويسمع إلا ( الجزيرة والعربية وفرانس24 والbbc والصفا ، وآخر لا يرى ويسمع إلا الإعلام الوطني ، مما أضر بقضية التواصل الاجتماعي والسياسي بين الناس وعطل إمكانية الحوار ومعرفة الآخر كطريق للوصول إلى رأي يرضي كلا الطرفين .
وبين الاثنين تقبع شريحة واسعة من المجتمع ترتكن إلى العقل والمنطق في فهمها وتقديرها للأمور ، لا تشطح ، لا تغرب ولا تشرق كما يقولون ، همها الإنسان والوطن وكل مل يتعلق بصالح هذه الثنائية . هي غير منتمية إلا للوطن ، وبالتالي تتعرض لنوع من التهميش والعزل والإلغاء ، هذه الشريحة التي تحمل وتتبنى كل المطالب التي أفرزها الحراك الشعبي – الديمقراطية والحرية والكرامة والدولة المدنية التعددية ، ومحاربة الفساد - و تؤمن أن الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي وسيلته نبذ العنف والتخريب وإدانة القتل والقمع والتجييش الطائفي ، كما ترى أن الدين لله والوطن للجميع وأن التشاركية مبدأ يجعل الجميع متساوون في بنائه والدفاع عنه .
ما هو مهم للجميع ، الاقتناع بأن حالة الاحتقان القائمة في سوريا ، وكل الممارسات ( الأمنية من جهة ، والعمليات الخارجة عن سياق الحراك السلمي أو الدخيلة عليه والمضافة اليه بهدف تشويهه ، من قتل وتخريب ومسحة الارتباط الخارجي التي تغطيها ) هذه الممارسات التي تزيد الوضع احتقانا تقتضي من كل سوري العمل على إزالة أسبابها لأن انفجارها سيأخذ البلاد إلى وادي الموت والهلاك ، كما أن التقاعس وعدم الخروج من حالة التقوقع والانغلاق على الذات والتمترس وراء الأفكار والمواقف المسبقة سيؤدي هو الآخر إلى التدويل والتدخل الخارجي المرفوضين من الجميع .المسؤولية هنا تقع بالدرجة الأولى على السلطة صاحبة القدرة على المبادرة ومالكة القوة والوسائل - ونعتقد أنها وعت وتعي أن المجتمع السوري لم يعد يقبل بالعيش في ظل نظام أحادي مغلق يفتقر إلى الديمقراطية ويقيد الحرية ولا يخضع لقانون مستخدما القمع والقهر وكم الأفواه في التعامل مع المجتمع - كما تتحمل المعارضة السياسية نصيبها من هذه المسؤولية .وبالتالي فان ثلاثية ( سلطة – معارضة – مجتمع ) كفيلة إذا ما اعتمدت مبدأ التشاركية أن ترشدنا إلى مخرج آمن من الأزمة وتسير بنا إلى الدولة التي نطمح إليها جميعا وبحيث يقوم الطرفان الأول والثاني ، السلطة والمعارضة بخدمة المجتمع .
أخيرا :
أليس الحوار الجدي الصادق والعميق وسيلة للفهم والتقارب والاتفاق ؟
أوليس انجاز مقدماته والتمهيد له واجب وطني ؟
ألا يشكل معبرا لمؤتمر وطني جامع يهيئ سبل الانتقال إلى دولة المواطنة ، الدولة المدنية التعددية الديمقراطية ، دولة لا تتخلى عن ثوابت النضال القومي ( فلسطين-الوحدة العربية - التحرر) ولا عن مقاومة مشاريع الهيمنة الامبريالية ( مشروع الشرق الأوسط الجديد ) .
ألم يحن الوقت لتخليص مفهوم السياسة والعمل السياسي من النزعة الماكيافيلية والصفة البراغماتية المفرطة ، واكتسائهما بدلا من ذلك مسحة أخلاقية ؟ أليست السياسة لغويا : (استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في العاجل أو الآجل // فن الحكم وإدارة أعمال الدولة الداخلية والخارجية ، ومنها السياسة الداخلية والسياسة الخارجية // السياسة المدنية : تدبير المعاش مع العموم على سنن العدل والاستقامة . الحقوق السياسية : هي التي يحق بمقتضاها لكل وطني أن يشترك في ادارة بلاده . السياسي : هو الذي يزاول السياسة أو يتخذها حرفة له .) "1"
اللاذقية 15/06/2011
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المنجد في اللغة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكوفية توشح أعناق الطلاب خلال حراكهم ضد الحرب في قطاع غزة


.. النبض المغاربي: لماذا تتكرر في إسبانيا الإنذارات بشأن المنتج




.. على خلفية تعيينات الجيش.. بن غفير يدعو إلى إقالة غالانت | #م


.. ما هي سرايا الأشتر المدرجة على لوائح الإرهاب؟




.. القسام: مقاتلونا يخوضون اشتباكات مع الاحتلال في طولكرم بالضف