الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأردن .. هل ينجو من طوفان الثورة العربية ؟

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


عندما تحدثت الأنباء عن رشق موكب عاهل الأردن " عبدالله الثانى " بالحجارة و الزجاجات الفارغة خلال زيارته لأحدى مدن جنوب المملكة أنطلق كثيرون يستفسرون عن " هوية " هؤلاء الذين نفضوا عن أنفسهم أحترام وهيبة الملك , وعن الجهة التى جاءوا منها .

فالضفة التى جاء منها الأجداد على جانبى نهر الأردن وركن المنشأ و المنبت مازالت تلقى بظلالها جزئيآ على المشهد الإصلاحى الأردنى , ومع ذلك تظل كلا الضفتين على وفاء للعرش الهاشمى - وهذا هو سرأستمرار " عبد الله الثانى " حتى الآن .

فالإصلاح بالنسبة للسكان الأصليين بشرق نهر الأردن يعنى مزيدآ من التنمية الإقتصادية و الإجتماعية , وكبح زمام الخصخصة و تجذير فكرة المؤسيسة و الحكومة , وتقيد تجنيس المزيد من الفلسطينين و بلورة هوية سياسية وثقافية أردنية بخصائص ذاتية .

وعلى النقيض من ذلك عندما يتحدث الأردنيون من أصل فلسطينى عن الأصلاح يبدوالمطلب أكثر سياسية ورديكالية , فيرتبط بالحريات الليبرالية والتمثيل النيابى وتقييد النفوذ البيروقراطى وضرورة الإعتداد بثقلهم التمثيلى كمكون يعادل النصف فى التركيبة الديموجرافية للبلاد .

الملك " عبد الله الثانى " يبقى فى مواجهة هذا وتلك عند مركز الدائرة والمنتصف مخلصآ لنهج والده وجده فى أدارة وصياغة التوازنات , وفى توظيف التناقضات الداخلية والخارجية من أجل بقاء العرش الهاشمى وصون وجوده .

الإ أن صيغة التوازن التى حافظت على المملكة طوال 90 عامآ تبدو معرضة لتحديات هامة , ومن ثمة فالأردن لن يكون بعيدآ -فى نهاية الطريق - عن طوفان التغيير وتحولات خريطة الشرق الأوسط .

فعلى الصعيد الداخلى يظل " عبد الله الثانى " محاصرآ على ثلاث جبهات تستوجب تقديم حلول وأجابات حاسمة لها :

أولآ : ثمة تفاوت أجتماعى وطبقى واضح ناتج عن برامج خصخصة المؤسسات المملوكة للدولة وتشجيع رأس المال الأجنبى وقطع الدعم الحكومى عن المواطنيين .
فأرباح العقد الأخير من حكم " عبد الله " ومن حقبة تحرير السوق الأردنى لم تظفر بها الإ نخبة من رجال الأعمال الفلسطينيين يعتمد عليهم الملك حصريآ كرافعة للنمو الإقتصادى بالمملكة.
فى حين لم يستفد الكثير من أردنيي الضفة الشرقية بوفرات هذا الإصلاح وحيث تتركز قاعدة نفوذهم أساسا في الصناعات التي تديرها الدولة والجهاز البيروقراطي .
وتشير دراسة حديثة لمركز الدراسات الإستراتيجية بالجامعة الأردنية أن 30% من الأغنياء يمتلكون 60% من إجمالي دخل البلاد ، فيما يمتلك 40% من الطبقة الوسطى 30% من إجمالي الدخل. ويمتلك أغنى 2% من السكان 13% من إجمالي الدخل، في حين يمتلك أفقر 30% من الأردنيين 11% من الدخل .
وهكذا تآكلت الطبقة الوسطى الأردنية التى نمت بشكل ملحوظ في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي نتيجة التوسع بعمالة القطاع العام، وتطور قطاع الخدمات، وارتفاع معدلات التعليم .
فى حين أزدادت نسب الفقر بالمملكة جراء موجات الغلاء الأخيرة بنحو 20% تقريبا فى العام الماضى ,مع توقع ازديادها خاصة أن التوقعات الرسمية للتضخم هي 13% فى ظل استقرار نسبة النموعند 6%.
ونتيجة لذلك فقد تصاعد الدين الخارجى والداخلى الأردنى خلال السنوات العشرالماضية من خمسة مليارات دولار إلى نحو 15 مليار دولار بسبب الصفقات التى أبرمت فى ظل الخصخصة .
ومما لا شك فيه أن مخزون الغضب والإحتقان الإجتماعى المتزايد ناتج عن هذه التحولات فى بنية الإقتصاد الأردنى. وحيث يربط المواطن الاردنى الآن بين الفساد وفقره وبين تحريرالسوق والملك الذى تركه عاريآ عن أوجه الحماية والرعاية الإجتماعية والإقتصادية .

ثانيآ : التفاوت الناتج عن تحريربنية الإقتصاد وتعثرعملية الإصلاح والتطورالسياسى والدستورى والديموقراطى .
ففى ظل سياسات التحرير الإقتصادى كان لابد من أنتاج مؤسسات سياسية للمساءلة ورصد للتجاوزات وضمان للعدالة وأن تكون المنافع متاحة للجمهور الأردنى بكامله . فعبد الله تحدث فى مناسبات متنوعة عن ضرورة " النظام الملكى الدستورى " وعن وجود الأحزاب السياسية و رئيس وزراء ينتخبه البرلمان بدلآ من أن يعينه القصر – غير أن ذلك لم يحدث.
وفى الواقع فأن ثمة " تنمية سياسية حقيقة " لم تتحقق فى عهد " عبدالله الثانى " , فالأحزاب السياسية غير موجودة فعليآ حيث تسيطر جماعة الإخوان المسلمين ممثلة فى " جبهة العمل الإسلامى " على المشهد السياسى والبرلمانى.
وقد ساهمت الشروط القاسية لقانون الأحزاب السياسية رقم 19 لسنة 2007 فى الحد من أنشاء الأحزاب والتجمعات السياسية . كما منح هذا القانون لوزارة الداخلية سيطرة تامة على مفردات عملية الإنتخابات و لم يسمح بأقامة مؤسسة مستقلة تشرف علي أجرائها وعلى نتائجها.
كما تهيمن الحكومة الأردنية على وسائل الإعلام و لها أن تحيل من ينقد للملك والنظام للماكمة أمام محاكم أمن الدولة وفق قانون الصحافة والمطبوعات الصادر فى العام 2007.
ومن هنا فأن غياب النية الجادة فى تحقيق أصلاح سياسى وأنتاج ملكية دستورية يديرها رئيس وزراء منتخب من الشعب وخنق فضاء حريات الرأى والتعبير- ستضع " عبدالله الثانى " أمام أستحقاقات مصيرية عليه تلبيتها فى ضوء الإنتفاضات العربية الجديدة .

ثالثآ : هناك التفاوت بين قيم الحداثة التى يترجمها الملك والملكة رنيا , وبين القيم التقليدية القبائل البدوية الأردنية.
فقد تزايدت حدة التناقض بين القيم المنفتحة التى يمثلها الملك والملكة رانيا مع القيم المحافظة للعشائرفى الضفة الشرقية - هذه الأخيرة التى تجسد تاريخيآ العمود الفقري الداعم للعرش الهاشمى .
" فعبد الله الثانى ورانيا " شابان جذابان يتحدثان الإنجليزية بطلاقة وينتميان للفكرة الأوروبية الداعية لحقوق المرأة والإرتباط بشبكة المعلومات الدولية ويحضران المؤتمرات والمنتديات العالمية و يباركان حواضر الثقافة والعلم ومنتدى دافوس ومهرجان جرش . وهذا كله ربما يثير أعجاب الغرب الإ أنها أمورلا يستوعبها أهل البادية الأردنية بهكذا بسهولة.
فالملكة رانيا تظهر بشكل مستمر فى الإعلام وتبدو كشريكة فى الحكم , وأناقتها ومظهرها الذى يشبه فتاة غلاف لمجلة أزياء لا يروق البدو ويتعرض للنقد و يبدو محل مقارنة بملكات " حسين الأب " . ولا تخلو العاصمة الأردنية مدينة رجال البلاط من شائعات ووشايات ربما ستجبر "عبدالله الثانى " فى النهاية على ضبط ومراجعة قواعد ظهورالملكة وحركتها على المسرح السياسى والعام , وعلى نحو يرتب مزيدآ من الإنسجام مع القيم البدوية.

وفى ضوء هذه التحديات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية فأن صيغة التوازن الملكى الأردنى التقليدى ستتعرض حتمآ لإختبارعصيب لاسيما فى ظل جديد معطيات الظرف الأقليمى المتلاحق.

فالمناخ الصاخب بالأقليم أثر سلبيآ على أمدادات الغازمن مصر,وعلى حجم المساعدات الخارجية وتحويلات الأردنيين العاملين بالخارج وأدى لفتورحركة السياحة التى تعد رافد أساسى لإيرادات الخزينة الأردنية .

كما أن المصالحة الفلسطينية والتمهيد لإجراءات السلام و الحل النهائى ستضع الأردن أمام أستحقاق تاريخى بالنسبة لحدوده الجغرافية ووجوده وطبيعة تركيبته السكانية ,فى ضوء مخططات أسرائيلية تقترح الأردن وطنآ بديل للفلسطينين و للنكوص على حق العودة لفسطينى الشتات .

فضلآ عن أن سقوط آل الأسد فى سوريا سيعرى المملكة من آخر غطاء قومى مقاوم , وقد كشفت أحداث " درعا " عن أرتباك أمنى وأنسانى لم تعتده ولم تحتمله سلطات الحدود الأردنية.

غير أن الحالة السعودية وأحتمالات سقوط عرش آل سعود وأعادة رسم خريطة شبه الجزيرة العربية تقدم ولاشك فرصة لإعادة الإعتبار التاريخى للعرش الهامشى ولتمدده جنوبآ فى أرض الحجاز - وهو ما يتعين اليقظة اليه فى قادم المواعيد .

وأيا ما كان الأمر فأن الملك " عبدالله الثانى " مطالب بتقديم تنازلات مؤلمة لأجل أنقاذ عرشه ومملكته الآن , فالتوازن التقليدى ورهان الوسط أضحى معضلة حقيقة وغير فعالة فى ظل ظرف الغموض وعدم اليقين الإقليمى .

ومن هنا فعليه أن يذهب سريعآ لتقاسم السلطة عبر نظام ملكي دستوري برلمانى وأحزاب سياسية ورئيس وزراء منتخب يدير شئون الأردن حتى ولو جاء على ظهر جبهة العمل وتيار الإسلام السياسى . كما أن عليه أن يعيد الإعتبار للنخبة الأردنية البدوية الآتية من شرق النهروالحفيظة على العرش - بعد أن سحب البساط من تحت قدميها فى ظل برامج الخصخصة وصعود التكنوقراط والطبقة الجديدة .

وقبل ذلك كله الآ ينسى نصيحة تشرشل لأبيه حسين عندما قال له : " الأردن يجب أن يعوم دومآ " .. فالطفو والغوص البعيد سيعصفان ليس فقط بالعرش الهاشمى وأنما بوجود المملكة ذاته .
عماد مسعد محمد السبع .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحفظ عربي على تصورات واشنطن بشأن قطاع غزة| #غرفة_الأخبار


.. الهجوم الإسرائيلي في 19 أبريل أظهر ضعف الدفاعات الجوية الإير




.. الصين... حماس وفتح -احرزتا تقدما مشجعا- في محادثات بكين| #غر


.. حزب الله: استهدفنا مبنيين يتحصن فيهما جنود الاحتلال في مستوط




.. مصطفى البرغوثي: نتنياهو يتلاعب ويريد أن يطيل أمد الحرب