الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ستفرض قوى المحافظة هويتها على الدستور؟

الحسين بحماني

2011 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو أن نبوءات بعض سياسيي "العهد القديم" بدأت تتخذ مجرى التحقق على الأقل في مشروع الدستور الجديد الذي علقت عليه آمال الهيآت السياسية والمدنية الديمقراطية في ما يمكن أن يستجد فيه من بنود قد تستجيب لتطلعات فئات الشعب من تغيير، هذا التغيير الذي سيتماشى في السياق الحالي وطبيعة الدولة المؤسسة على تراكم من "الشرعيات" تتعرض الآن لكثير من الهزات. من هؤلاء من استفاد من ثمار نظام الأولغارشيات التي تتماهى مرجعيتها وتلك التي يحظى بها المخزن، ومنهم من يؤسس لأخرى تنبني على الإسلام وفق قراءة سياسية، وتستمد مشروعيتها من حضور المعطى الديني لدى الأغلبية من الشعب.
مناسبة هذا الكلام ما أثير من نقاش ذي طابع هجومي من قبل كل من "حزب الاستقلال" في شخص بعض قيادييه، وكذلك ممثلي الإسلام السياسي القريب من المخزن بقطاعيه الدعوي والحزبي في ما يخص هوية الدولة ومرجعيتها في مشروع الدستور الجديد. حيث ما أن ظهرت بعض الإشارات الصحية التي قد تكون بداية لترسيخ مجتمع متعدد لغويا، منفتح ثقافيا ومتسامح على المستوى العقدي، حتى تجندت الأقلام وشنت هجمة شرسة عبر وسائل الإعلام لهدف تكريس المنظور الوحيد الذي يراه قطبا المحافظة Conservatisme منسجما وتصوراتهما عن كل ذلك. فأظهروا وفاءهم لإيديولوجيا بالية تقوم على الأحادية ومبنية على الإقصاء، لتبقى الأمور على ما هي عليها وتظل الحظوة السياسية والاجتماعية لمن كانت له محمية بنص الدستور والقانون. فالأمر لا يتعلق فقط بتحول سياسي ودستوري ولكن يمتد ليشمل القيم والثقافة، فالمحظوظ والمؤثر سياسيا بالطبع ثقافته وقيمه ستتجاوز حدود مجاله الجغرافي لتفرض على الآخر وتصبح رسمية. ولنا مثال في نوع من الموسيقى الأندلسية كثقافة لبعض العائلات، والتى تذاع في كل المناسبات الرسمية وكأنها تعبر عن ثقافة شعب بأكمله. بالمقابل فمن حيث المبدأ الاعتراف بالتعدد يعني حماية المشترك الثقافي والقيمي، وإشراك الكل بسن سياسات وقوانين بما فيها الدستور الذي يعكس ذلك بشكل شمولي.
مكمن الخطورة إذن هو أن تصطبغ الدولة بلون باهت يعبر عن جزء من المجتمع بخصوص المرجعية واللغة، وتؤسس للتفاوت عبر الترسيم وفق منطق الأولويات المنبثقة عن اللحظة السياسية الراهنة. إذ أن النقاش الحالي نقاش سياسي بامتياز، لهذا فهو يكتسي نوعا من الخطورة لما يمكن أن يسفر عنه وقد أسفر عنه في اللحظات الأخيرة من تراجعات. وهو نقاش في جانب كبير منه يكتسي طابع الانتهازية للظرفية التي طرح فيها ونحن نعلم أنه لا يخدم إلا المخزن وحلفاءه لما أتاحه لهم من مجال – وليس لغيرهم- للتعبير عن مواقف أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها عنصرية. للوضوح لابد من إيراد مجموعة من النقط كأمثلة على ذلك:

الموقف من هوية الدولة:

حسب ما هو متوفر الآن وما ورد عن "الآلية السياسية" بخصوص مشروع الدستور المعدل يشاع أن "المغرب دولة اسلامية الهوية وهي متعددة الروافد"، أي ببساطة الاسلام هو العنصر المركزي وتأتي بعده العناصر الأخرى عكس ما أعلن عنه في "خطاب 9 مارس" حول الهوية. الشيء الذي يشكل تراجعا واضحا في الأولويات حددته هذه اللحظة التي تفاعلت معه بعض التصورات الإقصائية بشكل انتهازي وغير شريف وبتواطؤ مع المخزن للالتفاف على "الهوية المغربية المتعددة وفي صلبها الأمازيغية..." برغم كل التحفظ على هذا التجزيئ . وهذه اللحظة هي ما بين إعلان مضامين المسودة شفويا وبين تسلم بعض القوى السياسية للصيغة المكتوبة منها، وهذه أيضا من بين الأساليب الماكرة من قبل المخزن من أجل جس النبض عبر سياسة الغموض وتجنب ترك الأثر لما أعلن عنه شفويا، وتعديل ما يمكن تعديله بعد معرفة وجهة نظر قوى مشاكسة قد تشوش على لحظة الإعلان عن الدستور الجديد، لتصبح الصيغة المكتوبة نهائية بالإعلان عنها في خطاب للملك.
هنا يتبين بجلاء أن الضغط الذي مورس على الدولة من جانب تيارات الإسلام السياسي آتى أكله، فمنذ أيام جندت مختلف الوسائل لفرض تصورهم لهوية الدولة بشكل يتعارض مع التوافق المشكل لروح العمل الديمقراطي مستغلة هرولة الدولة لإنهاء وضع الدستور الجديد بدون إثارة زوابع تزيد الوضع السياسي سوءا.
أما ما يعتبره جانب كبير من المجتمع منصفا وفق معطيات التاريخ والواقع الثقافي فهو جعل الهوية أمازيغية من حيث الجوهر واعتبار العناصر الأخرى روافد لها انسجاما مع خصوصيتنا وانصافا لذاتنا الحضارية، وهو المطلب الذي لم يسند سياسيا وبشكل كاف أو بتحرك ميداني لضمان التنصيص عليه. فالهوية حسب بنكيران "لم يصنعها الاستعمار وإنما رسخت عبر تاريخ الدولة الطويل"، نتساءل معه هل الاستعمار هو من صنع الأمازيغية كما يقول امحمد الخليفة الاستقلالي؟
إسلامية الدولة كذلك لا يمكن أن تنسجم مع روح العصر، فالتنصيص الدستوري عليها سيبخس حق المختلف عقديا في أن تمثله هذه الدولة التي من المفروض أن تكون عصرية للمواطن وليس للمؤمنين بدين معين فقط. الخطير في الأمر أنها بداية لمشروع إرساء دولة دينية عبر بعث تشريعات ليس لها أساس إنساني بدعوى الخصوصية وقطعية النصوص. إذن عندما يحكم البلد على أساس الدين فإن الدستور يعطي شرعية لكل القوانين التي تتفرع عن ذلك. فمن هنا نفهم موقف دعاة الإسلام السياسي من كل مساس بهذا البند وتحركهم في هذا الاتجاه.

الموقف من اللغات الرسمية:

فيما يخص ترسيم اللغات فقد حافظ قطبا المحافظة هؤلاء على حد أدنى فرض عليهم لجعل الأمازيغية وطنية في الدستور واجتهد حزب العدالة والتنمية بإضافة كتابتها بـ"الحرف العربي" لتكتمل مراسيم تشييع جنازتها. والأخطر من ذلك أن هناك من يعارض حتى دسترتها في صفوف هذين التنظيمين السياسيين، ليتأكد بالملموس مدى التخلف الذي يعاني منه من يوكل إليه تسيير شؤون هذا الوطن. فالشارع بحسه الديمقراطي دافع عن رسمية تمازيغت إلى جانب العربية، فلما هبت نسائمه على هذه التنظيمات التي غطت في سبات إيديولوجي عميق، استفاقت بعده لتجد أنها متخلفة عن الركب فإن سألناهم "كم لبثتم؟" سيردون: "لبثنا يوما أو بعض يوم".
لا نستغرب حقيقة أن نسمع امحمد الخليفة يقول في برنامج تلفزي في قناة عمومية "لا يمكن ترسيم الأمازيغية" في الدستور الحالي، إن كنا قبل هذا استمعنا إلى نفس الموقف العنصري للأمين العام لحزبه يقول في لقاء لشبيبة الحزب "سأناضل من أجل أن لا تصبح الأمازيغية رسمية في الدستور"، العجيب هو أن يبث سياسي في حيثيات لغة لا يعرف عنها شيئا بمحاولة جعلها قاصرة وفي موقع اللغة التي يستحيل أن ترسم، ويعتبر أقل غرابة إن رجعنا قليلا في التاريخ إلى ما قاله علال الفاسي عن "جلاء البربر" .
في الحقيقة هذا موقف عنصري ينسجم مع تاريخ الحزب "النضالي" في كل ما يخص قتل الثقافة الوطنية وينسجم مع الإيديولوجيا العروبية التي يستحيل أن يتخلى عنها لصالح المشترك الوطني ، لذا فسيرفض أن تكون تمازيغت في موقع المساواة مع العربية في الدستور المقبل، وسيناضل ضد هذا بشتى الوسائل.
بعد أن سمعنا أن الأمازيغية ضمنت نفس المكانة التي للعربية في الدستور، فوجئنا مؤخرا بتكريس سياسة الدونية ذاتها عندما يتعلق الأمر بما هو أمازيغي. أصبحت "العربية هي اللغة الرسمية للدولة بالإضافة إلى الأمازيغية" أي أن الأخيرة ليست إلا للاستئناس كما هو معهود إن كان قد حسم في اللغة الرسمية. فالفرق واضح بين القول أن اللغتين رسميتان والقول أن هناك لغة رسمية بالإضافة إلى أخرى تابعة. إذن تحققت نبوءة السيد الخليفة أو ما كان مؤكدا لديه، وهنا أيضا يتجلى دهاء الدولة التي اختارت المنزلة بين المنزلتين أي بين الوطنية والرسمية استجابة لضغط القوى المحافظة. ويبقى السؤال المطروح: هل سنشاهد تحركا ميدانيا ضد هذا الحيف؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن