الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزء الثاني من حوار مع الشاعر معتز رشدي

أحمد كاظم سعدون

2011 / 6 / 18
الادب والفن


س – قلت عن سعدي يوسف في الجزء ، الأول من حوارنا ، أنه أعظم الشعراء الاحياء ، برغم
أنك هاجمته ، اسوة بكثيرين ، سابقاً ، غير مرة !!
ج – أنا محق في انتقادي لمواقفه الدوغمائية المضحكة والمؤذية في آن معاً ، فقد وضع الرجل
نفسه ، بعد 2003 ، في قالب مُتكلس ، وأطبقه عليها . ولكني أعتذر عن اطلاقي عليه صفة ( أعظم
الشعراء الاحياء ) ، انه كبير بلا شك بين الشعراء في العالم ، اما ان يكون اعظمهم ، فهذه طريقة
في تقييم الأمور أو الاشخاص ، أكل عليها زماننا ، اليومَ ، وشرب ! أعتذر ، حقاً ، أعتذر .
س – كلامك في المقابلة نفسها عن عبد الرزاق عبد الواحد أثار ضحك الكثيرين ! ما تفسيرك ؟
ج – لعبد الرزاق عبد الواحد ، كما لعبد الباري عطوان ، ( من منهما علم صاحبه السحر قبل الآخر ؟ ) ، وجه
ضفدعة على وشك الولادة والموت في آن معاً ! اما جواد الحطاب فيقتصر دوره الابدي والشهير ، على ما ترتضيه
له القابلة غير المأذونة لقاء أجر حقير ... صفعات ٍأو دراهم معدودات : جواد ودي الطشت ! جواد جيب الجفن !!
س – هههههههههه ، وسامي مهدي ، الذي كتبت عنه شر ما يكتب المرءُ عن آخر ؟
ج – هذا شاعر موهوب ، وأنسان سادي حقا ! كيف اجتمعا في جسد آدمي ؟ الطبيعة ، في ظرف تاريخي – ما ، وعلم النفس ، وحدهما يعلمان . أقول لكلُّ من يفكر باجراء عملية تجميل تاريخية له ، ان يجريها في ساحة – ما
من ساحات بغداد ، عامرة ٍبالنعل ؛ أن سامي مهدي لفي ورطة مع نفسه ، أولاً ؛ اذ أتجه الافندي ، بعد زوال
سيده ، الى كتابة الدراسات التاريخية والنقدية !! وكأن شيئا لم يحدث في بلدٍ ساهم هو ، نفسه ، في تخريبه .
الجريمة ، العهر الاخلاقي ، الفظاظة ، الغلظة ، الجلافة ، الجبن ، الصمت الخسيس في أوقات ينبغي فيها
الكلام ، هذه كلها وسواها ، ديدن كلّ بعثي شريف !
س – أخبرك طبيبك ان مصير فروتك ، صلعة قادمة لا ريب فيها لمستريب ! ولكنك ، لم تدخر
جهداً في شتم صلعة سامي مهدي ، وكأنك من الناجين منها !
ج – بل ان صلعتي ، أطال الله عمر فروتي ، فضيحة ، بسبب من حجم رأسي الكبير ، بحيث ان اي
تراشق بالاحجار بين طفلين صغيرين ، في اي مكان في عالمنا الواسع ، هذا ، سينال منها ! بيد
ان ما يدفعني الى شتم صلعة ( سويمي ) المغسولة بزيت خروع رديء ، والمكفوخة ، كفخة أبدية ، بالشمس ، هو ،
انها ، في حقيقتها ، جلد دجاجة ، أجبره الحزب القائد على أرتدائها ، حماية لشخصه البعثي الحساس من
محاولات مخابرات دول الاعداء ، في طموحها الشرس الشهير ، الى تصفيته . وأزيدك أمراً : هل تعلم
ان القائد أمر البعثيين قبل أيام من اجتياح بغداد بعدم ارتداء الاحذية ، لان الحافي أسرع من غيره بالهرب !
س – لكن ، احذيتهم ، كانت ، تلمع ...
ج – كشواربهم المصنوعة في الصين ، والمصبوغة بصبغ أحذية شديدة لمعان السواد ، هذا أولاً . واما
ثانيا ، فأحذيتهم ، التي كنا نراها ، هي ، في حقيقتها ، رسمات على اقدامهم الحافية ؛ الم تر هربهم من دبابتين !
ان من اخطر ما فعلوه بنا ، هو ان شعوذاتهم وتعزيماتهم القومية الخرقاء ، الخاوية على عروشها ، استدرجت
الى جسد بلادنا ، جنياً قذرا وشريراً ، اسمه : امريكا ، فسكنه ، وطاب له المقام ، هناك ! من يخرجه ؟
من يُعيده الى الجحيم الذي أقبل الينا ، منه ؟ وجماله ... جني خارج من قمقم صهيوني !
س – تُرى ، ما الذي يدفع شاعراً كزاهر الجيزاني الى تكريمه في جريدة الدولة الاولى ، اي الصباح !؟
ج – يُقال أنه ، وبحكم موقعه ، سابقاً ، كضبع ثقافي ، أنقذ زاهراً من موقف صعب . لست مُلزما بما فعله لزاهر
أو لسواه . كم رقبة أخرى كسر سامي ؟ البعض يحاول ايجاد تبريرات لعبد الزاق عبد الواحد ، نفسه ، بحجة
ان صاحبنا كان يعطي من جيبه للمعوزين من الشعراء ! كمشة دنانير من مال الخلفوه لشراء قنينة عرق
مع شوية جاجيك ولبلبي ! انهم محظوظون ، حقا ، داخل السلطة وخارجها . لهم في كل صحن هبرة لحم .
لقد فشلنا ، الى يوم الناس هذا ، في تسمية الاشياء بمسمياتها الحقيقية ، هذه مشكلة أخلاقية كبرى ، تعاني
منها منظومة الدول العربية والاسلامية : نغفر للمجرم لانه كتب مجموعة قصائد جيدة ، نطلق تسمية
المجاهد على بن لادن ، نحب الخميني لانه قاتل جلادنا صدام ، نتصاغر أمام فلان لان عمامته سوداء ، نحب
صدام لانه قاتل امريكا ، نحب امريكا لانها أزاحت صدام ، نغض النظر عن مقتل 20 عراقياً في اليوم
الواحد من أيام الاحتلال ، لان جلادنا المقبور كان يحصد اضعافهم في ساعتين !! اي منطق أعجف أجوف
سافل ومنحط ٍ يحكم مصائرنا ؟
س – يقول البعض ، ان هذا يدلل على محبة العراقيين للشعر ، واستعدادهم للصفح عن زلات
قائله ! ما رأيك ؟
ج – ان صح هذا القول ، فهو دليل على ( فطاريتنا ) ، نحن العراقيين ؛ أنغفر لقمام مجرم لانه كتب
نصاً جيدا ؟ فليذهب ، هو ، ونصه ، الى الجحيم ، ان وجد له مكاناً فيها ! فهي عامرة بأمثال ابي نواس
ولوتريامون وكارل ماركس وكافافي ، أما أمثال ( سويمي ) مهدي وحميد سعيد وعباس جيجان المطي ، فمصير
هؤلاء قبور، من تراب ٍمُدافٍ بلعاب ضبعةٍ عقيم ، شواهدها نعل قديمة ، مقاس الواحد منها ، من طول
قامة ، وعرض ط ... ز صاحب القبر – المباءة ! مع ضرورة التذكير بخاصية فريدة ، ينطوي عليها قبرا
جيجان وعبد الرزاق عبد الواحد ، وهي : دفن خنفسانتين مقلوبتين على ظهريهما في قبريهما ، اما هما
فيحشوان تبناً وزفتاً ، وذباناً حياً ( لاضحاك كل ذي قلب مكلوم ) ، ويُعضرطان ِ( يُعرضان ) في متاحف
أمة العرب والاسلام ! ولا حول ولا قوة الا بالله .
س- وماذا عن البقية الباقية ؟
ج – تقصد بقية الرهط البعثي العتيج المؤمن ؟
أحمد – نعم .
ج – سأسامحهم ، ولكن ، لقاء شروط انسانية صعبة !!! رعد بندر ، مثلا لا حصراً ، سأحفر له وأستاذه
القرد الوسيم عبد الرزاق عبد الواحد ، حفرة واسعة نسبياً ، القيهما فيها عاريين ، مع أكياس لا حصر لها
من حبوب الفياغرا الكندية ، وآمرهما باتيان الفعلة الفعلاء ، بلا رحمة تُذكر ، حتى موت أحدهما ونجاة
الآخر ، عارياً ، بأمر منا ، الى سيبريا !!! من تظن يكون الغالب منهما ، أخي احمد ؟
أحمد – العلم علمك ما دمت أنت الآمر الناهي !
ج – سأخبرك سراً ، وأطلب منك ، بحق عذابنا ، كتمه ، وعدم البوح به ، حتى في أشد كوابيسك
قسوة ً : قررت أن يغلب الاستاذ تلميذه ، بطريقة لم تخطر لأبليس ، نفسه ! ومؤداها : يُدخل عبد
الرزاق عبد الواحد رأسه في ط... صاحبه ، مرة واحدة ، والى الأبد ، ويخلصنا منه ، ويتخلص منه ، هو
نفسه ، ومن منافسته له على زعامة الاشعار ، مرة واحدة ، ايضا ، والى الأبد !! ولكن ، المشكلة الوحيدة ، هي : ما
ان يُخرج الاستاذ رأسه من قنينة عطر تلميذه ، حتى تدب الحياة في جسد هذا الاخير !! فيضطر عبودي الى
أدخال رأسه ثانية وعاشرة والفا ، والى ما لا نهاية ؛ ان عبد الرزاق ايها السادة ، هو سيزيف زماننا البعثي هذا !!!
س- وماذا عن .....
ج – تقصد لؤي حقي ؟ حامل الورور ( مسدس من طراز عصملي ) العاطل عن المرؤة ، والمطلي بذهب
أسنان ملوكنا الشاخرين في مدافن سومر ، آشور ، وبابل !! أمهلني ، عزيزي ، عامين للتفكير بطريقةٍ – ما ، للعفو
عنه !!!!!
س – أنت من كتاب النثر الساخرين ، كيف اجتمعت لديك عذوبة مشهودة لك شاعراً ، وسخرية سوداء
ناثرا ؟ هذا أمر نادر الحدوث .
ج – سوألك مهم جدا عزيزي أحمد . أتُراني أعا ني فصاماً من نوع – ما ؟ ان كان ذلك كذلك ، فأهلاً به ، ومرحبا ؛ ما
الضير منه ، ما دمتَ صادقاً ومجيدا في كلا الحالتين ؟ الرجل الراغب باعتزال العالم ، والخائف ، كطفل ، منه ، من
جهة – هنا يحضر الشاعر - ، والآخر القادم من بلد شرقي معذب ، الى بلد رأسمالي عتيد ٍ، صعب ، معقد ٍ ، ومختلفٍ
عن بلده الاصلي جملة وتفصيلا ، من جهة ثانية – هنا يحضر الناثر – لكأن الثاني منهما يسهر - ويعمل ، كعبد ، أعمالاً
شاقة ، ويخالط شتى أنواع البشر في بلد يتكون من قادمين ، اليه ، من 150 بلداً آخر– لحماية الاول ، وديمومة
أحلامه ، ومده بأسباب البقاء . لا أعلم ، صدقني ، ولكني ، أحاول أعطاء تفسير مقنع . والسؤال الآخر ، هو : لِمَ
لم أكتب ، من بين كل أنواع النثر المتاحة ، الا الساخر منها ؟ ربما ، هي ، محاولة مني لرأب الصدع بين
الطفل المدلل ، منهما ، والناضج المبتلى بصاحبه المتطلب الباكي في معمعة العالم ! فالنثر الساخر ، في نهاية
الأمر ، لا يختلف عن الشعر كثيراً ؛ وهل اقصر طريقاً من الضحكة الى قلب طفل ، ونيل رضاه !
نعم ... طفل أناني ، شكاء ، بكاء ، بريء ، مؤمن بالخوارق من جن وغول وملائكة ، صادق لا يعرف الزيف
طريقا الى روحه من جانب ، ورجل أنضجته التجارب ، وتركت تماسيح التاريخ آثار عضاتها في لحمه
وأعماقه من جهةٍ أخرى . لنرع هذا الطفل فينا ، لنرعاه .
س – تتكلم كأب ، الآن !
ج – أتكلم كناثر ، يتكلم عن شاعره – طفله .
س – هل الشاعر ، بريء ، صادق ، عفيف ، شفاف ، خفيف ، كما تقدم من وصفك له !؟
ج – هههههههه ، لا لا ، بالطبع ، لا ؛ فالشاعر فيّ يمد الناثر الساخر ، بخبرات عجيبة ، تنتمي لأزمنة
الطفولة ، بل لأزمنة ، موغلة في القدم ، من عهد عاد وطسم وجُديس . انه ليس عالة ً على صاحبه ، كما أتوهم ، أحيانا ، او
اتكالياً ، الى هذا الحد ، كما تتوهم ! انه ، أيضا ، شجاع ، مغامر ، ونبي : لا علاقة لنبوته بفهم أمثال أدونيس
لها ، طبعاً ؛ وهو فهم بهلواني ، ذهني ، سوبرماني ، وعضلي مُضحك – كأن تقتل البعوضة فيل الحضارة !!! – بل ، قل ، ان
شئت عنه ، انه فهم شاعر البيرو ( سيزار باييخو ) من أثناء قصيدة ، له ، رسم فيها ، وبكل برآة وعفوية ، مشهد
احتضاره : باريس ممطرة ، وشاعر فيها غريب ، بعيدٌ عن بلاده ، يُحتضر ، أحتضاراً لا عودة منه الى عافية الحياة .
أما فهم أدونيس ، فهو فهم كاريكاتيري ، منقولٌ ، نقلاً رديئاً ، عن فهم نيتشة ورامبو ، مثلاً لا حصراً ، للأمور ، فاذا
كان نيتشة صادقاً ، أودت به مغامرته الى الجنون ، فأن أدونيس كذاب أشر ، وحرامي علوي ظريف ، كسعدي يوسف ، حين
حاول ، ويحاول ، أقناعنا بأنه ، نال ، وينال ، صاحبته الأنكليزية ( سعدي ، نفسه ، لا يعرف عنها شيئا ) ، وهو في التاسعة والتسعين من عمره ، 5 مرات في اليوم !!! ألم يقبض سعدي شيكاً من شيخ الامارات الخرف السخيف – على حد تعبيره –
ولم يعده اليه ؟ ألم يطالب شيخ انكلترا ، السخيف المجرم الآخر ، توني بلير ، بوضع حد لقصة البعث التي طالت أكثر مما
يجب ( على حد تعبيره ، أيضا ) ، ثم أرتد على عقبيه ، كملدوغ ، ما ان صدع توني العفن بما أمره به سعدي ! ألم يكتب
مقدمة لفوزي كريم ، وعاد فشتمه ! ألم يكتب أدونيس كتاباً ، مجد فيه فكر وفلفسة ( فلسفة ) الشيخ محمد بن عبد الوهاب ،
المشعول الصفحة الى يوم الدين ؟ ألم تزحف المسوخ على بطونها بين كل سطر وسطر من سطور القماءة ؟ ألم ينل عدنان
الصائغ جائزة الضحايا في السويد ، وهو ، من هو ، في عالم الخاكي ( لون ثياب عقارب القوم في ثمانينيات العراق المنقرض!! ) الثقافي ، المنظور ، اليه ، نظرةً رومانسية من وجهة نظر نقاد التفكيكية مابعد – الحداثوية ؟
ألم أُصفع وأشتم وأسحل وأقتل وأُهان ، لأني عراقي ؟ الم يخرأ علي سنة الله خرائهم القاتل القتال لاني شيعي ؟ ألم
يقتلني سادة الشيعة من آل محمد الفارسي – الصفوي ، لأني معيدي شروكي ، قدم الى بغداد ، من أهوار
ميسان ؟ ألم يُجن عمي ، وهو من أعضاء حزب الدعوة ، في السجن ، من كثرة تعذيب أزلام النظام
له ؟ ألم يرتمي أمتاراً ما ان وضع يده على قرآن ، أجبره لاطتهم على القسم به !! وضع يده ، فأرتمى
أمتاراً ، وشلت يده ، وسط قهقات ذوي الشوارب من أزلام الديوث سامي مهدي !! أعدم ، المسكين ، والمهندس
الوسيم ، والأب العراقي الطيب ل 5 اناث ، مجنوناً ومعاقاً !! أفهم ان ابناء اللكيعة
شنقوه ، ولكن ، ما لا أفهمه ، حقاً ، هو أنهم ، وان لم نستلم جثته ، الى يومنا هذا ، طرقوا الباب لاستلام
ثمن رصاصات ، لم تخترق جسده !! وأغتصبوه ، أيضاً ، ابناء العواهر ، القردة ، عن هذا لم ينبس سامي
مهدي السافل المنحط الديوث ببنت شفه ، عن صمت شاعره البعثي لم يقل التوفيقي الكبير زاهر أفندي الجيزاني
كلمة واحدة !! زاهر مشغول بأسعار البطيخ ، او بطريقة اغفاءة الزهاوي ، منتظراً طاغور ، في
مقهى البرلمان ، في عشرينيات القرن الخامس الهجري ! زاهر ، الله وحده يعلم ؛ كم أحببت شعرك
الموزون ، والله وحده يعلم كم أنت توفيقي !
س – مؤلم هذا ، حقاً ، وشنيع ، حدثتني عنه ، سابقاً ، وحدثتني عن دور ابيك المشرف والبطولي .
لو أعدت علينا ما قلته عن ابيك .
ج – اليك ما كتبته عنهما ، أبي الحبيب وعمي الأحب :
عمي الحبيب والي حميد الساعدي ، أعدم في 1983 بتهمة الانتماء الى تنظيم ديني محظور .
كان ساحر طفولتي الاول ، ورفيقها المفضل ، حيث الحلاوة والعيديات وقصص الأئمة
والسندباد . في 1981 ، فتح المقبور السافل حدود العراق للراغبين بالهرب ، من شيوعيين
واسلاميين ، من جحيمه المؤكد . رفض عمي الهرب الى ايران ، وجهة الاسلاميين الشيعة
حينذاك ، مفضلا البقاء في العراق ، بمثابة عضو أنيطت به مهمة ، هي ، من الخطورة في
غايتها : تفجير منظمات حزب البعث في مدينة الثورة . لعمي عائلة تتكون من زوجة و5 بنات
في مدينة كربلاء ، التي انتقل اليها ، قريباً ، حينذاك . رفض الذهاب الى ايران ، وظل بعيدا عن
اطفاله ، مختبئا في منزل ابي ، في مدينة الثورة المكتظة بمخبري الحزب وجواسيسه . كنا ، نحن
الاطفال ، نفتقده صباحا ، ونراه ليلاً ، فنبتهج بحلوياته ووجهه السمح الطيب .
ما كان يعلم ، في لحظة اشتياق جارف الى بناته ، ان منزله في كربلاء مُراقب ، ولم تجد توسلات
ابي ، به ، نفعاً ، بعدم الذهاب الى هناك ؛ بعد وصوله بساعتين ، حوصر المنزل ، والقي القبض عليه ، حيث
( أدخلته يدُّ الله في التجربة ) على حد تعبير الراحل الكبير أمل دنقل .
معدومٌ ككل المعدومين ؛ هذا ما كنت اقوله لنفسي ، حتى اجتياح الامريكان للعراق في 2003 .
بدأت ، بُعيد الغزو ، وبُعيد كشف ملفات النظام السابق الوحشية ، أتساءلُ ، برعبٍ ظل يلازمني ، الى
يوم الناس هذا ، : ماذا لو القوا على عمي القبض في منزلنا ، في مدينة الثورة ؟ ماذا سيكون عليه
مصيرنا نحن ، العائلة المكونة من ابي ، امي ، و 3 أطفال ، وعمي جبار ، زوجته ، وطفلين ، اضافة
الى جدتي ؟؟!! اي مصير كان ينتظرنا في سجون البعث ؟ أغتصاب أفراد العائلة فرداً فرداً ! هذا
مؤكد . أعدام ابي وعمي جبار ، وبالتأكيد عمي والي ، مؤكد . بقاء الاحياء من نسوة وأطفال في
السجن ، الى يوم يتعفنون ويُغتصبون مراراً وتكراراً ، أيضاً ، مؤكد .
هل أنس لأبي مغامرته الفظيعة تلك – عمي جبار اصغر سناً من أبي ؛ يصدع بما يأمر به ابي - .
أمغامرة ام مجزرة ؟ ان يُغامر المرء بروحه شيىء ، وان يُغامر بأروح أفراد آخرين شيىء آخر !
ومن أجل من ؟ من أجل أخ يريد مواصلة النضال الشرس ضد فئة باغية ، ساندتها ، حينذاك ، كل
أنظمة العالمين النفطي والمتحضر ! أوضعنا ، ابي ، نحن العزل وبعلمه الكامل طبعا ، في غابةٍ
ذؤبان ، أولها ديناصورات ، وآخرها تماسيح !
اثناء حديث لي مع الشاعر عبد الكريم كاصد حول هذا الموضوع ، راجياً منه
أجابته ، فأجابني ، ما مؤداه : ( كان والدك يتمنى لو كان هو ، نفسه ، مكان عمك في مقارعة الوحش !!!
وهذا شعور بالواجب ، حمله والدك ، الشريف ، والعراقي الاصيل ، على كتفيه ، أتظن انه – والكلام للعزيز
ابو سارة – ما كان يفكر ، مرعوباً ، ساهرَ الليل ، بمصيركم التعس الاسود لو علم الرجال – العقارب ،
بخيانة ابيك لحزب القائد – الضرورة – الثورة ؟ )
س – أجابة مقنعة . كما ان جماعة عمك اليوم وصلوا السلطة !
ج – نعم ، بفضل المحتل ! ليتهم لم يصلوا ، كان الشعب يحمل أفكاراً ايجابية عنهم ، انهم ، كما لا
يخفى عنك ، فاسدون ، حرامية ، عملاء لاكثر من جهة . مسختهم السلطة بسحرها الاسود . لم اكن أنتظر
منهم شيئا أفضل من ذلك . منذ مراهقتي وكرهي لاحزاب الاسلام السياسي ، يتفاقم .
س- لو رحل معهم الى ايران ، لعاد سلطوياً مثلهم !
ج – نعم .. ربما ؛ من يدري ! كاسترو في غابات وادغال كوبا ، غيره ، وهو ، على رأس السلطة فيها .
للسلطة سحرها الاسود المؤذي كما ذكرت لك ، أعلاه .
س – ما رأيك بما يجري في بلادنا ؟
ج – سحرٌ – نفطٌ – أسود . بلاد لن تُترك لشأنها ، هي ، اليومَ ، من الضعف في غايته ، مع التذكير
بقوى اقليمية من مصلحتها ، ابقاء البلاد ضعيفة ؛ ايران ، الكويت ، كردستان ، قوى الاسلام السياسي
الشيعي ، السعودية ، اسرائيل ، امريكا !! أنحن مُحاطون بالأعداء الى هذا الحد ؟ ينبغي على
هذه الدول ، دفع تعويضات للعراقيين ، عبر رفع دعاوى على ما مارسته ، وتمارسه ، بحقنا ، من جرائم
وسفالات .
س – آذينا الكويت وايران كثيراً .
ج – الكويت ... نعم ، ولكن ، ينبغي عليهم ، هم ، أيضاً ، تحمل نتائج مساندتهم ، غير المشروطة ، لصدام
حسين ، يوم كان في أوج سطوته ! أما ايران ، فيكفيها ، ثأراً ، ما فعلته بنا بعد 2003 ! مع ان من ينبغي
ان يدفع ثمن عدوانه ، المستمر ، علينا ، تاريخياً ، هي ايران ، وليس نحن ؛ أنسينا صولاتهم وجولاتهم
في مدن العراق ، في القرون الاخيرة ، يوم كنا تحت الاحتلال العثماني التركي ؟ أنسينا أنهم ، باوهامهم
الامبراطورية البائدة ، وجه آخر من وجوه القروسطية البشعة ، اي الطائفية ، والتي ، هي ، وجه العدمية الاشد قبحاً وقذارة ، ولكن ، بنسختها الشيعية اللطامة الرثة ! تشيعنا العربي ، نحن العراقيين ، مختلف
عن تشيعهم ، اكبر اختلاف ! ولكنهم ،سرقوا ، بذكائهم ودهائهم الشهيرين بالطبع ، التشيع ، وأضافوا عليه
من شخصيتهم الكارهة لعمر ، كرهاً تاريخيا أسود ، شيئا كثيراً ؛ وما ذلك ، الا لانه أذل أنوفهم الساسانية ، المهيمنة ، على ما سواها من أنوف الناس ، حينذاك ، اذلالاً كبيراً . شيعة العراق أنباط عوملوا من
العرب الفاتحين بقسوة ، وهذا سر حبنا لعلي – ذباح عتاة فرسان قريش ، أما تشيع الفرس ، فشعوبي ، كاره للعرب ، كعرق ، أصلاً . هم ، ايضاً ، أحبوا علياً ، لكره قريش ، له . لن يهدأ بالٌ لفارس ، الا
بابقاء العراقيين مشتتين ، ضعفاء ، ذباحين ومذبوحين لبعضهم البعض ! ان قصة الوهابية ، التي
ظهرت مع ظهور دولة آل سعود ، لا تختلف ، كثيراً ، عن صورة التشيع الصفوي في أيران ؛ وجهان
قذران عدميان طائفيان ، لعملة واحدة . لكأننا دمية نازفة ، بينهما ، حين يتذابحان ، أو طاولة ، يجلسان
اليها ، حين يتحاوران ، حوارهما التاريخي الممجوج التافه والسافل ، والذي لم يدفع ثمنه سوانا ، نحن
العراقيين ! مع فارق بسيط ، ومؤداه : العرب منا ، ونحن منهم ، اليومَ ، شاء من شاء ، وأبى من
أبى ، لغة ، ديناً ، وتاريخاً يمتد من زمن المناذرة ( حوالي 300 سنة قبل الاسلام ) ، لكننا ، لم
نعترف بالفرس والترك واليونانيين والمغول والامريكان والانكليز والسلاجقة ، الا كمحتلين ! والعرب
أمم شتى ، لا يشكل الخليجيون منهم ( ان كان البعض يكرههم ) ، اليوم َ ، سوى اقل من 10 بالمئة !
قالها محمد : العروبة انتماء ثقافي – لغوي ، وليست انتماء عرقياً بعينه : ليست العربية
لاحدكم بأم ، ولا أب ، العربي من تحدث العربية ! أهذا هو ، نص الحديث ، نصاً ؟
أقصد ؛ نحنُ ، والعرب أهلٌ : ديناً ، ثقافةً ، تاريخاً ، ولغة .
س – وضح لنا أكثر وجهة نظرك ، هذه !
ج – أخي احمد : ما تحدث طفلُ فينيقي ، بفينيقية اجداده ، ولا السومري ، او البابلي ، ولا
الكنعاني ! بل ، قل ، انهم ، تحدثوا بالفرنسية او بالانكليزية ! هذا وارد 1000
بالمئة !!! الدعوات الى الأكدية والكنعانية ، تُخفي تحتها دعوة ، للغةِ المستعمر ! ؛ جد لي
قائلاً واحداً من القائلين بهذا الهذر العرقي ، انصرفَ عن لغة العرب ، الى لغة سومر أو
كنعان . المثل القائل : الثور اذا سقط كثرت سكاكينه ، يصدق على لغتنا العربية العظيمة ، اليومَ .
العرب غزاة ! لسنا عرباً ! الى آخر هذا الهذر الممجوج ، جبناء ؛ يهربون من استحقاقات التاريخ
الجغرافي المشترك ، الى هذر المستشرقين . كم قرناً ، قبل ظهور العربية ، وسكان العراق والشام
والاردن ، يتكلمون لغة واحدة ، متباينة اللهجات ؟ العرب غزاة !! والانكليز ؟ ملائكة ! والاسبان ؟
ورود رومانسية ! والفرنسيين ؟ بنات عم لنا ! من يكره التحدث او الكتابة بلغة مستعمر – ما ،
فليتحدث الصينية ، فهم – الصينيون – لم يغزونا من قبل . الحديثُ ، اليومَ ، عن عروبة العراق ، وكأنها
شيئ حدث ليلة أمس ، فقط ، يُخفي وراءه ما يُخفي ، برغم حسن نية وبرآة بعض القائلين به .
نقطة أخرى أود ايضاحها : لِمَ يفتخر بعض العراقيين بحضارة آشور ، ويتنكرون للعرب ، الم يخلقوا حضارة
كان مركزها العراق ، وعاصمتها بغداد ؟ هل نسينا ان هؤلاء ، كمن سبقهم ، من عرق واحد ، هو العرق
السامي ! والعراق ، هو البلد الذي أظهر الساميون على أرضه ، أفضل ما لديهم ! هو ، البلد الضاج بملحمة
الجماعات السامية من عرب ويهود وآشوريين وكلدان وآكاديين وسريان ! ( لم يتفق العلماء حول أصل – ما
واضح ٍلاسلافنا السومريين ) . ستعيد ثورات العرب ، في يومنا هذا ، هؤلاء ، الى صوابهم ؛ نحاول ، الآن ، ايضاح الواضح ، وهذا عمل متعب ومضن . سعيد عقل نفسه في أشد طروحاته الفينيقة خرفاً ، لم يكلف
نفسه عناء الذهاب الى المدرسة ، لتعلم لغة اجداده الفينيقيين ! بيد ان فرنسيته لا غبار عليها !
العروبة ، اليومَ ، ليست جزيرة العرب فحسب ؛ انها قارة كاملة بين مُحيطين هادرين ، حقاً . انها وعد
ومستقبل .
س – أنت شيوعي ! ما رأي حزبك بآرائك ؟
ج – لم أر شيوعياً عراقياً آشورياً واحداً ، طلب مني التخلي عن لغتي العربية . بل ان بعضهم يتكلمها
أفضل منا ! فهد ، مؤسس الحزب ، كلداني . مسيحيو العراق من سريان وكلدان وآشوريين ، وصابئته ، أغنوا
لغتنا ، وثقافتنا . من قال أني عربي اصلاً ؟ انا نفسي أشك بذلك ، ان كنا نتحدث عن الاعراق . قد اكون
كلداني الاصل ، او صابئي ، ما ادراني ! دع شاربي ينمو قليلاً ، حنى ترى أي وجه تتري لي ، صدقني !
كأني ، بشاربي ، وجه جندي مغولي ! وجه أخي يقطر عروبة ، لي أخوال كأنهم كرد هبطوا جبال كرستان
قبل دقيقتين ! ابي اسمر ( طوخ ) . ابناء عمي جبار شقر الشعور ، عيونهم شهلاء ، والوانهم أوربية !
اي مغولي خرق جدة العائلة ؟ اي انكليزي راودها في اهوار ميسان ؟ اي عربي غازلها ، فمضت معه ؟
اي آكادي ان كانت سومرية ؟ اي كلداني ان كانت فارسية أو آشورية أو مريخية ؟ نحن خلطة عجيبة .
كم مرة غزا العراقيون العالم القديم ؟ ماذا كنا نفعل ، هناك ؟ نوزع وروداً على أهالي البلاد الاصليين !
نهبناهم ، وانتهكنا أعراضهم ، كما انتهبونا ، وأنتهكوا أعراضنا ، حين حانت فرصتهم ؛ فالناس ، كل
الناس ، على حد قول ابي حيان الوحيدي ، شجعان حين تحين دولتهم .
الحديث عن أصالة الاعراق ، خرافة هتلرية قومجية فجة واجرامية . أتحدث عن لغةٍ عمرها اكثر من
1500 سنة ، لها تراث مكتوب هو الاغزر في العالم ( تليها الصينية ) ، أتحدث عن جيرة وجغرافية ؛ قد
يطلب الله ، نفسه ، اللجوء الى عالم ، أو كوكب آخر ، ولكن السعودية باقية الى جوارنا ، مثلها مثل سوريا
والاردن . ليس من الصواب التحدث ، بخفةٍ ، عن لغتك وانتمائك ، وكأنك تتحدث عن قميص أو
حذاء ، لأن الاخير ، منهما ، سيرتد عليك ، بمثابة حجة مضادة . لست راغباً بتحمل نفقة مترجم
في سفري الى المغرب او لبنان او موريتانيا ؛ عروبة لغتي ، هناك ، تكفيني للتفاهم ، أقله ، مع
الناس . تخيل معي : عراق سومري لغوياً ، لبنان فينيقي ، سوريا أرامية ، مصر هيروغليفية !!!! ما
هذا الهراء التاريخي الاستشراقي المتصيهن ؟ كنا كذا وكذا ، ولا بأس ، الآكادية ( مثلاً ) وجه من وجوه
هويتنا الحضارية ، اما الارتداد اليها ( ان صدقناه ) فهو الشر الحضاري بعينه . يشتمون ، ابناء
اللكيعة ، لغة الفاتحين العرب ، بينما يتكلم أولادهم لغة مستعمرهم الأوربي القديم - الحديث !!!


وهذا ما اخترته من ادب الشاعر معتز رشدي لايضاح واضحاك

الليلة الليلاء :
مقامة حديثة في ذم عبد الرزاق عبد الواحد والذين معه

كان صراخ الحيوانات النادرة ، واصوات الباعة يصك الاسماع في سوق الغزل البغدادي الشهير . كان الوقت نهارا ، صيف 2005 . قلت لنفسي : اشتري لي حيوانا يؤنس وحدتي في بلاد حزني وغربتي ، في بلادي .
رأيت بعيرا صغيرا وردي اللون في مثل حجم الضربان ، وهذا الاخير ، لمن لا يعلم ، هو دابة ترعى المقابر فوق الجرذ ودوين السمور . كان ثمة ورقة ملصقة
على سنام البعير ، مكتوب عليها عمر ومواصفات البعير ، واسمه هو : ركاص الاعراس ، اي الراقص في اعراس الناس لقاء ماعون من هريسة ونحوها .
دفعت ثمنه من راتبي البسيط ، وحملته معي في كيس نايلون .
2
وفي مطعم شهير لبيع الباقلاء بالدهن ، استعرض البعير الرقيق مهاراته
على رؤوس الاشهاد ، حيث رقص ، لقاء طعامه ، الباليه . فاسر قلوبا مكلومة ، واضحك افواها قاسية .
3
عدت من المطعم الشهير الى سوق الغزل . وهناك ، رأيت نسناسا ، وعلى جبينه ورقة مكتوب عليها : مضيحجة المعزايات ، اي مضحك الحزينات من عوانس وارامل ونادبات . فقلت في نفسي : هل يكسر العرق القوي الا الماء ؟ بعير راقص ، وقرد بكاء .
واشتريت القرد بثمن بخس دراهم معدودات .
4
وفي منتصف الطريق الى البيت انفجر اطار من اطارات الباص ، فبكى القرد وعدد ، وبكى البعير من شدة الحر العراقي . بكيا معا ، كعاشقين توأمين ، على كتفي احدهما الاخر .
وفي الوقت نفسه ، اعلن عن فشل الحكومة في القبض على عزت الدوري ، فابتهج البعير وردح ، فابكى كل من ابتلاهم الله بركوب الباص .
5
وصلت المنزل بعد بكاء ورقص عظيمين .
ما ان وطأت بقدمي اليسرى عتبة المنزل ، حتى غطت جدتي وجهها ، وعاطت بي من وراء شيلتها : جده ليش تجيب علينا ناس اغراب ؟. قلت : جده ما معي احد . فقالت : بعيرك وقردك هذول جانو ناس وهم كلشي يفتهمون .
6
في الساعة العاشرة من مساء اليوم نفسه ، جيء بالسيد عبد السادة اسيود الموسوي ، فاستعاذ ، لما رآهما ، من غضب الله وشدة سخطه .
ما ان قرأ السيد آيات بينات من القرآن ، حتى انهار القرد كالمصروع على كاشي الدار . واما البعير فقد بكى بصوت طفل رضيع ، فابكى ، والله ، كل من كانوا في الدار . ما ان صمت السيد عن تلاوته ، حتى نهض النسناس الشيطاني بعضو منتصب كالراية السوداء وهجم على السيد ، يريد فعل الفعلة الفعلاء به ، ولكن توثيتي اوقفته عند حده .
7
واما السيد فقد بصق في فمي القرد والبعير ورمى عليهما سائلا اخضر اللون
من قنينة كانت معه . ثم انه صرخ في وجهيهما صرخة عظيمة : عودا الى ما كنتما عليه من بشرية . فذابا معا على كاشي الدار ، وتشكلت من ذوبانهما المشترك بركة موحلة مخضرة اللون . فاستغثنا ساعتها ، والله ، وتمرعدنا .
ثم ان السيد اخرج من تحت عقاله العلوي الاخضر اللون عصا غليظة مزخرفة بتعاويذ سريانية غامضة . رفع عصاه الى الاعلى وصرخ بصوته الملائي الجهوري : بسم الله كان ، وباسمه يكون . وبط ( اي ضرب ) البركة الموحلة بطا علويا عزيزا ، فانشقت البركة الملعونة عن ثلاثة افندية ، قائمين على اقدامهم ، وفي يمين ويسار كل واحد منهم كاس عرق وصحن مازة ، وهم يترنحون من السكر ترنحا طرِباً .
تريعوا ، لا بارك الله فيهم ، سوية ودفعة واحدة ، فكاد ان يغمى على كل من كانوا في الدار .
ولدهشتي ، كان الثلاثة هم : عزت الدوري نفسه وعبد الرزاق عبد الواحد ، والثالث لم اتعرفه الا بعد تقليب كل ما في ذاكرتي من وجوه واسماء : انه جسد حميد سعيد وقد ركب الله بين كتفيه رأس سامي مهدي بصلعته الشهيرة المغسولة بزيت خروع رديء ، والمكفوخة ، كفخة ابدية ، بالشمس .
8
لم يكونوا شجعانا ، برغم ما اشيع ، واشاعوه هم عن انفسهم من ردح رخيص كاذب حول شجاعتهم ونضالهم المزعومين .فبعد جولة تحقيقية واحدة ، حضرها الاستاذ ابو تحسين بنعاله الشهير ، كشفوا لنا كل ما كنا نعرفه عنهم ، ومؤداه : انهم يجهلون ما هم فيه من تحولات اوفيدية .وان كل ما يتذكرونه ، انهم اجتمعوا الثلاثة معا في بار من بارات عمان ، جمعتهم ولفيف من ادباء وامراء الصلخ والذبح ، هناك . وما هي الا ان سكر الجوق المؤمن ، وغير المبارك باطلاق ، حتى دهمتهم صيحة عظيمة من السماء ، فمسختهم على مكانتهم ، فاصبحوا خاسئين .
9
الاسئلة التي لم تفلح حيل نعال ابو تحسين ، في استدراجهم الى الاجابة عنها هي : ما الذي حل برأس حميد سعيد الحنيذ وجسد سامي مهدي ؟ من اوصلهم سوق الغزل ؟ وهل تم بيعهم في الساحة الهاشمية لهاو عراقي من هواة جمع الحيوانات الذكية والنادرة ؟
وماذا عن البقية من افراد الجوق المؤمن ، من سكارى الحانة الاردنية ، هل مُسخوا هم ايضا في تلك الليلة الليلاء ، ليلة المسوخ العظيمة ؟
اما السؤال الذي افلحنا في العثور على اجابة شافية عليه ، فهو : من منهم القرد ومن منهم ركاص الاعراس ؛ فقد تعاورهم السيد وابو تحسين وجدتي ام رشك ، وبكل ما في ايديهم الكريمة من كيوات ونعل وعصي ،
في غرفة مقفلة ، فانهار ركاص الاعراس، وهو من هو في عالم التحمل ، اولا ،
ولم ينهر القرد ، بل ظل قويا عزيزا مرفوع الهامة . عندها ، تأكد لنا ان القرد
هو عبد الرزاق عبد الواحد نفسه ، المشعول الصفحة حيا وميتا الى يوم الدين .
التساؤلات كثيرة ، معقدة ، وخطيرة
والذهن البشري محدود ، مكدود ، ومشعول ابيه .
فهل من معين على ايضاح ما غمض من ليلة المسوخ تلك ؟



الجزء الثاني من حوار مع الشاعر معتز رشدي
أجرى الحوار أحمد كاظم سعدون

ويتبعه الجزء الثالث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس