الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللعب بالدماء

ساطع راجي

2011 / 6 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


حتى هواة السياسة والاعلام والمخابرات، يعرفون ان هناك طريقة سهلة لجذب انتباه الجمهور ودفعه للاهتمام بقضية ما وصرف اهتمامه عن قضية اخرى، ويمكن لمكائن السياسة والاعلام والمخابرات ان تحول انظار المواطنين وتلعب بعواطفهم وتشغلهم بقضايا تخلص السلطة من احراجات معينة، لكن لهذه اللعبة شروط وظروف وحدود، حيث يمكن مثلا اشغال الناس عن فضيحة مالية او كارثة نتيجة خطأ للسلطة او بعض حواشيها، فقضية مثل تسرب مواد غذائية سامة او تالفة للاسواق، او الكشف عن رشوة كبيرة او تزوير في حالة ما، يمكن تحويلها للاهتمام بأزمة رياضية او ارتفاع مفاجئ في الاسعار او فضيحة اخلاقية، لكن لا يمكن تحويل انظار الجمهور عن قضايا مثل البطالة او ازمة السكن او نقص الطاقة ذلك ان هذه الأزمات تمس الحياة اليومية المباشرة والتعامل معها او معالجتها يحتاج لوقت سيكون كافيا لاستهلاك عشرات القضايا المفتعلة او المثارة، وهنا اخطأ من حاول استخدام جريمة عرس الدجيل لحرف انظار الجمهور عن الاستحقاقات الاقتصادية والخدمية والامنية المتراكمة وسط غياب اي خطة للحكومة من اجل مواجهة هذه الاستحقاقات، ولذلك انتهت الازمة الجانبية (جريمة عرس الدجيل) بصدور القرار القضائي وبقيت الازمات الاصلية على حالها رغم ان الجلسات التلفزيونية لمجلس الوزراء حاولت أيضا مساعدة الحكومة في تمرير العاصفة.
جريمة عرس الدجيل، جريمة وحشية مدانة لاجدال في ذلك، وللاسف قد تكشف لنا الايام جرائم شبيهة وربما اكثر قسوة ووحشية من عرس الدجيل فسنوات الاحتقان الطائفي شهدت الكثير من هذه الجرائم التي يجب ان تلقى ادارة حكيمة تؤدي الى الاحتكام للقضاء ومحاكمة المتهمين وفق سياقات قانونية عادلة دون تحويل هذه القضايا الى ادوات سياسية تخلق فرصا للتهييج العاطفي الذي يهدد من جديد بإيقاظ الفتنة، وقد كان التوظيف السياسي لجريمة عرس الدجيل مجازفة خطيرة وغير مبررة لكنها أثبتت ان هناك شعب نضج كثيرا وتفوق على زعمائه الذين يدفعون من جيب الدولة للعب بعواطف المواطنين لابعاد انظارهم عن القضايا الاساسية واستخدام الملف الامني والضغط على مؤسسات القضاء في مواجهات شخصية وحزبية لا تهم المواطن ولا الوطن بل انها تضرهما معا.
جريمة عرس الدجيل، جريمة وحشية مدانة لاجدال في ذلك، ولكن طريقة التعامل بها ومعها تدفع للتساؤل عن عدد القضايا النائمة في الادراج بإنتظار استخدامها في الازمات السياسية، وهي تدفع ايضا للتساؤل عن معنى توريط الشارع في الضغط على القضاء ومستقبل هذا التوريط في قضايا قادمة، ومن نافلة القول ان الطريقة التي تعاملت بها السلطة التنفيذية مع هذا الملف القضائي سيتيح لكثير من الارهابيين فرصة الافلات من العدالة بعدما هربوا الى خارج الحدود حيث سيدفعون المنظمات الدولية الحقوقية لتبني قضاياهم وعدم تسليمهم للسلطات العراقية بذريعة "الاجواء غير السليمة" التي تدار فيها ملفات قضائية تحت تأثير الضغط الجماهيري والاعلامي والسياسي.
السؤال الاكثر الحاحا هو اليوم يتعلق بحدود الاستغلال السياسي لعواطف الناس وقضاياهم العادلة ومقدرات البلاد في مواجهات شخصية تقود الى تحويل دماء وارواح المواطنين لأدوات في لعبة خطرة قد تعيد البلاد الى دوامة العنف الطائفي خاصة مع تشغيل الساسة للواجهة العشائرية في احتقانات الشارع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نواكشوط تعلن اقتناء جيشها مسيرات وأسلحة متطورة، لماذا؟


.. مندوبة بريطانيا بمجلس الأمن: نحن فى أشد الحاجة لتلبية الحاجا




.. الجيش الإسرائيلي ينشر مقطعا لعملية تحرير 3 رهائن من غزة| #عا


.. عاجل | مجلس الأمن يتبنى قرارا أمريكيا يدعو لوقف إطلاق النار




.. نتنياهو يلتقي وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في القدس