الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدستور المغربي الجديد..خطوة صغيرة ولكن باتجاه صحيح..

جمال الهنداوي

2011 / 6 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


على عكس السائد في ثقافة الحكم المستبد في المنطقة العربية..يبدو ان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد اختار ان يقود التغيير الذي تطالب به الحناجر الهاتفة في الشوارع من خلال المبادرات التي قد تدفع الى تعزيز موقع الحكم في السباق اللاهث والمتدافع بالمناكب ما بين الاصلاح والثورة..فتزامنا مع التأخر المأساوي لبعض الانظمة في ادراك المعطيات الحقيقية للفوران الشعبي المتأزم على الارض من تقادم الظلم والتمييز والاقصاء عن المشاركة في الحكم..نجد ان الخطوة التي اتخذتها المؤسسة الحاكمة في المغرب من خلال طرح المسودة المقترحة للدستور المغربي الجديد قد تدل على قراءة معمقة للاشارات التي يتعاظم صداها على الارض وقد تمثل استباقا ذكيا وضروريا لتطور اكيد ومنتظر للحراك المطلبي المتصاعد في البلاد وحتمية تحوله الى حركة احتجاجية واسعة ذات شعارات سياسية متقدمة قد لا تقف عند اسقاط النظام..
فالحراك الشعبي المغربي-او ما يصلنا منه عن طريق وسائل الاعلام على الاقل- لم يصل في شعاراته حتى الان الى القطيعة التامة التي لا رجعة فيها مع النظام الملكي ..اورفض شكل الدولة..او الاقتصاد الحر..بل تتلخص مطالبهم في ترجمة المفاهيم التي يتشدق بها النظام من شعارات التنمية والمساواة واحترام حقوق الانسان الى ارض الواقع فعلا ملموسا..كما ان حضارية وسلمية ورقي الوسائل التي تتبعها القوى الشعبية المحتجة قد تشكل فرصة طيبة للنظام الى التوصل الى نقطة تهدئة معقولة باقل الخسائر السياسية الممكنة..وهذا ما قد يفسر الفتور المغربي غير المنتظر تجاه الدعوة السعودية للانضمام الى نادي الدول الاكثر استبدادا وبعدا عن المسارات الديمقراطية في المنطقة..
ان مثل هذه المبادرات تؤشر الى الحاجة الفعلية والاولية للمقاربة السياسية كعامل منتج ومعزز بالضرورة لمسارات الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي ووسيلة فعالة لضبط المطلبيات الشعبية والفئوية ضمن حدودها المسيطر عليها وتضمن تدرجا تراتبيا مريحا للكثير من الخطوات المعبرة عن طموحات وتطلعات الشعب..
فجدية ووثوقية التغيير يتوجب ان تكون في الجانب السياسي كبداية واولية صحيحة ومثمرة ومبشرة بالمرور المرن من الخانق المجتمعي الذي تعيشه المنطقة وكمؤشر على فرص نجاح عملية الاصلاح السياسي والاقتصادي الشامل..ونقطة الشروع يجب ان تكون من خلال السعي الى انشاء نوع من العلاقة المتضامنة ما بين الحكم والشعب من الممكن الاعتماد عليها في تشكيل صورة عن الارادة الوطنية والخيارات المجتمعية ..وهو ما قد نستطيع تلمسه في بعض التعديلات الاخيرة على الدستور المغربي وان كان بصورة قد لا ترتقي الى مطالب وطموحات جميع قطاعات الشعب المغربي الكريم..
نتفق على ان هذه الخطوة قد لا تلبي جميع مطالب الشعب المغربي وقواه السياسية..ونتفق كذلك على شكلية وسطحية بعض التعديلات.. الا انه سيكون من الانصاف ان نسجل تطورها الكبير تجاه السعي لايجاد المنافذ التي من الممكن ان يلج من خلالها المغرب الى الحياة الديمقراطية السليمة ..واحتواءها على ما يمكنها من النأي قليلا عن نادي الملكيات العربية ويسهل تلاقيها المتفاعل مع الديمقراطيات العربية الناشئة والجوار الاوربي المتوسطي الباحث عن شكل جديد من العلاقة مع البلدان العربية خارج الاطار التقليدي والموحي ببداية سياسة قد تتقاطع في بعض مفاصلها الهامة مع اساليب حكم الديكتاتوريات العربية..
فان التغيير اصبح حقيقة واقعة في المنطقة..وهو يتجاوز الحراك الشعبي الى مواقف الدول الكبرى التي بدأت تعلي الصوت بضرورة التحديث واتباع الوسائل الديمقراطية والتعددية وازدياد عبئية الانظمة الديكتاتورية المتعاظم على مصالح وضمير واستقرار وامن المنظومة الدولية المتواشجة فيما بينها بعلاقات اقتصادية وسياسية شائكة ومعقدة بما لا يصح ان تترك بيد العائلات العربية الحاكمة التي نسيتها الايام والظروف السياسية الدولية السابقة تتعتق وتتعفن على كراسيها المبتزة من الحقوق الشرعية للشعوب في اختيار قادتها وشكل الحكم الذي يلائم خصوصيتها..
وهذا الواقع يحتم على جميع الانظمة العربية القائمة المبادرة لإنجاز انفتاح واسع وجريء على الشعب وقواه الحية والعمل على تخفيف حالة التسلط والاستبداد والاستئثار التي تشكل علامة فارقة للسياسة العربية ولعقود ..واول الصواب هو في الاعتراف بعدم امكانية مواجهة المعضلات القائمة في عالمنا المعاصر وتلافي الفشل المتقادم في تحقيق اهداف الشعوب في التنمية والرخاء دون انجاز تغيير أو إصلاح سياسي حقيقي يتدرج طامحا..ودون التعرض الى الهزات او الانقلابات البيضاء المعتادة..الى الانتقال من ممارسات حكم هجينة هلامية ملتبسة الملامح..الى نوع من اشكال الحكم الديمقراطي..وهذا ما قد نراه في التعديلات الاخيرة على الدستور المغربي وان كان بصورة جزئية نتمنى ان تتطور وتتصاعد بما يليق بكرامة ورقي وحضارية المواطن المغربي الكريم ويحقق تطلعاته في بناء دولة عصرية تكتنفها مؤسسات ديموقراطية راسخة ..وتكون اكثر تعبيرا عن الآمال العريضة للشعب و القوى الوطنية المناضلة من اجل الامن والتنمية والاستقرار..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقعات بتسليم واشنطن قنابل نوعية للجيش الإسرائيلي قريبا


.. غالانت: لا نسعى إلى الحرب مع حزب الله لكننا مستعدون لخوضها




.. حشود في مسيرة شعبية بصنعاء للمطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية


.. فايز الدويري: الاحتلال فشل استخباراتيا على المستوى الاستراتي




.. ساري عرابي: رؤية سموتريتش هي نتاج مسار استيطاني طويل