الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
شفق أم غروب؟
زكرياء الفاضل
2011 / 6 / 20الادب والفن
وقف الربع على شط شاحب، كالمحتضر، في انتظار الربيع الموعود وقد أدمعت عينهم المحملقة في الأفق الغاطس في حمرة قد تكون إيذانا بالشفق وقد تكون إعلانا عن الغروب.. فلا الشتاء رحل ولا الربيع حلّ، إنها المنطقة الحدودية بين فصلين ماردين كل منهما متمسك بحقه في البقاء.
صاح مناد: يا الربع، أقول لكم إنه الشفق!
وناد آخر: بل الغروب.. فذاك لون دم الشمس الجريحة!
لم يستقر الربع على قرار وتعالت الأصوات في فوضى جردت صدى الأصوات من كل دلالة وأقبرت تفسيرات ابن جني..
إنه مسرح العبث اختلط فيه الدرامي بالتراجيدي بالكوميدي لتتمخض الخشبة عن مشهد سوريالي: أفق دامي الحمرة.. شاطئ شاحب كالموت.. ومياه البحر.. آه.. أين هي المياه؟! يا لهول ما أرى..! المياه تبخرت ولم يعد لها أثر.. المسافة بين الأفق الدامي والشاطئ الشاحب مجرد هوة.. إذا الربيع لن يستطيع الإبحار إلى شاطئ ربعنا.. أ يكون الأفق أدمع دما لهذا؟ أ يكون الوقت غروبا ونحن توهمناه شفقا؟؟! أ تكون الدببة، عبثا، استيقظت من سباتها؟! أ تكون الغريزة قد خدعتها؟! ولما لا؟ فعصر العولمة غيّر المناخ ورفع درجة الحرارة، لذلك ذاب الثلج قبل موعده.. لكن الدببة قد استيقظت ولن تعود لنومها بعد اليوم، وجوعها الشديد سيدفعها لافتراس كل ما تصادفه بطريقها.. إنها الكارثة..
فتح المذياع فاخترق سمعه خبر، شبيه بقصة أهل الكهف المذكورة في الكتب السماوية، ناد به صوت جهوري رصين: لازال الربع معتصما بالشاطئ في انتظار شفق الربيع.. ولم يستطيعوا حتى الآن، رغم مرور أكثر من نصف قرن على وقفتهم، الوصول إلى قرار بشأن حمرة الأفق الدامي: أشفق هو أم غروب؟
حامت الخفافيش في سماء الظلمة ناشرة خبر الفوز العظيم، بعدما عيّن القاضي تاريخ عيد النصر..
- عيد! عيد من؟..
- يا لك من غبي! عيد الخفافيش طبعا.
- أ للخفافيش عيد؟!
- إنك لست غبي فحسب بل وأمي جاهل.. إنّ الخفافيش جعلت من خطبة صلاة الجمعة عيدا..
- لماذا؟
- لأن الخطبة، يا غبي، كانت بمثابة الإعلان عن تمديد ساعات الليل.. إنها ستنعم بامتصاص دم البقرة لساعات أطول من الليالي السابقة.. أفهمت يا ثقيل الفهم؟
- لكنه الربيع..
- أي ربيع يا هذا؟ الربيع عندهم.. أما في ديرتنا فشتاء إلى أجل غير مسمى.. إنها خدعة الطبيعة.. إنّ ثمرنا ما نضج..
نزل دمع السماء حسرة على ربيع ما شق طريقه نحو الشط.. ربيع اختزل مسافته واكتفى بقرطاجة ووادي الملوك.. وربما قد يحلّ بحضرموت.. لم يقرر بعد..
من على قمة الجبل المجاور نادت حسناء بصوت باك مصحوب بنغمات وتر رويشة الحزينة.. اخترق حصار الخفافيش ونفذ إلى وعي الربع فأيقظ حسهم بهستيرية الخفافيش من حولهم.. فما تراهم فاعلون..؟
قد يتوجه الربع للعرّاف.. وقد يستشيروا أرواح الشهداء.. لا أحد يدري ما هم فاعلون.. المؤكد أنّ وقفتهم الانتظارية لم تأتي بفاكهة تؤكل.. ومددت فترة الشتاء المظلم إلى أجل غير مسمى.. أما الربيع فعزف عنهم في انتظار نضج ثمرهم..
ملاحظة هامة:
القصة من وحي الخيال، وأي تشابه مع أي مجتمع هو من قبل الصدفة.. وربما لا.. العلم عند القضاة.. على أي مسرح العبث يتحمل كل شيء..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. وزارة الثقافة تكشف تفاصيل إطلاق مبادرة -المليون كتاب- من معر
.. الفنان السوري جمال سليمان من الطائرة المتجهة إلى دمشق: والله
.. باريس والأدب العربي : كتاب لكولين هوسيه يستكشف علاقة الأدباء
.. سوريا : ما دور المؤسسات الثقافية المستقلة في مرحلة التعافي ؟
.. فاطمة بدر.. كاتبة عراقية تحول منزلها إلى مكتبة عامة لنشر الث