الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اوكسجين

رياض كاظم

2011 / 6 / 22
الادب والفن


غادر العم علي مدينته وناسه وهو في اوج شبابه ، طويل ونحيف كشجرة سرو ، وله شاربان خفيفان وأسنان ناصعة البياض وشفتان رقيقتان ، تخرج منهما الكلمات كالقصائد ، ملابسه انيقة وحذاءه لامع دوماً وشعره مصفف بعناية فائقة ، وهو على الدوام يمسك بيده كتاباً ...
لم يقل لاحد الى أين وجهته ...
كان البلد أثناء مغادرته يخوض الحرب ، الحرب التي لم تنتهي أبداً ، مازالت مشتعلة على الحدود أو في المدن والقرى أو في قلوب الناس ..
استغرق غيابه سنوات طويلة ... سنوات تغير فيها كل شيء ، تغيرت قلوب الناس ، تغيرت اشكال الناس ، لم تعد وجوههم تشبه تلك الوجوه التي تظهر في البوم صوره ، تغيرت الحكومات ، تغيرت وجوه الحكام بسرعة ، غاب وجه الضبع المترب من على شاشة التلفاز وحل محله خمسة وعشرون رئيساً ، يتغيرون كل شهر وكأنهم تلاميذ مدرسة امام مديرهم ، رؤساء من كافة الاصناف ، ابو عمامة ابو يشماغ ابو صاية ابو طربوش ابو بريص ...
كل شهر يستيقظ الناس على رئيس جديد وهم ينبشون اسنانهم من بقايا الكوابيس .
_ عم علي ... عمو علي ..
عاد العم علي اثناء ولاية الرئيس الثالث عشر ( ابو بريص ) ، وصل على دراجة هوائية قديمة ، يرتدي بذلة سوداء متربة وحذاء رياضي بالي ويعلق بكتفه كيس نايلون فيه كل ما يمتلكه من حطام غربته ..
وقف ذاهلا بين جمع من الناس لا يكاد يتذكرهم ، اطفال كثار تحلقوا حوله وقبلوه ببرود ..
_ أين حقائبك يا عمو ؟
اطلق العم ضحكة مجلجلة _ انها في الشاحنة .. ستأتي الشاحنة فيما بعد ..
اطلق الاولاد ضحكات حبور _ شاحنة تحمل متاعك ؟
_ نعم ، انها ليست كبيرة لكنها تتسع ما تحتاجونه فقط .. ما تحتاجونه ، ليس ما تحلمون به .
كان العم يكذب على الاطفال ...
مظهره الرث ودراجته الهوائية وصرة ملابسه تشي بفقره المدقع ، الشاحنة المزعومة ستختفي حتما ، سيختطفها الارهابيون ، او يصادرها الرئيس الثالث عشر ..
ركن العم دراجته الهوائية على جدار غرفته الجديدة ، وهو يلهث ويتنفس بصعوبة ، حرارة الجو والغبار والعرق وتزاحم الزوار من حوله ، جعلته يبحث عن الهواء بصعوبة ..
قال _ اوكسجين ، اوكسجين ..
قال واحد من الزوار _ لا افهم ما يقول ، هل يتحدث انكليزي ؟
قال آخر _ الغربة انسته لغته ، لا احد يفهم ما يقول ..
_ عن ماذا يتحدث هذا المخبول ؟
_ ماذا تريد ؟
_ اوكسجين .
_ يا الله اخذ يتكبر علينا ويتحدث لغات ..
_ أخينا لا تتكبر علينا ، نحن مفتشين باللبن ، نحن عراقيين ، هل تفهم ما يعني اننا عراقيين ..
قال الاولاد _ يقول انه يريد اوكسجين ، ماذا يعني ؟
أجاب أحد الاطفال وهو يأخذ هيأة جدية _ انه يريد هواء ..
_ هواء ، الهواء ببلاش ...
تمدد العم علي على سرير خشبي وفتح ربطة عنقه وأخذ يتنفس بصعوبة ثم اغلق عينيه الى الابد ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل


.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين




.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض


.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار




.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة