الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنتفاضات العربية بين طابع السلمية وحتمية العنف الثورى

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


هل يقدم " الطابع السلمى " للثورتين التونسية والمصرية نقيضآ لمفهوم " العنف الثورى " الذى تطرحه النظرية الماركسية كسند رئيسى لإنجاز الثورة الإجتماعية والسياسية ؟ .

ما يفرض هذا التساؤل هو الحضور الكثيف لأسم " جين شارب " Gene Sharp – الأكاديمى الأمريكى ومدير مؤسسة البرت أنيشتين - والذى يعتبره الغرب أحد أبرز المبشرين بسقوط الأنظمة المستبدة بطريق اللاعنف والأب الروحى لنموذج الثورة السلمية .

جين شارب الذى يلقبه البعض " بماكيافيلى اللاعنف وكلاوزفتز الحرب السلمية " - هو صاحب كتاب من الديكتاتورية إلى الديموقراطية From Dictatorship to Democracy – وعدد من المؤلفات التى تدور حول فكرة أن النظام الإستبدادى ينمو على قاعدة من الهشاشة المدرعة بعناصر قوة يمكن القضاء عليها وتفكيكها من خلال عدد من الوصفات الخاصة بالمقاومة والعصيان السلمى .

مقترحات شارب أكتسبت شهرتها الواسعة باعتبارها أحد أدبيات حركة المقاومة الشعبية والطلابية الصربية المعروفة بأسم " اوتوبور " والتى شرعت فى أستخدام وسائل سلمية ضد حكم الرئيس " سلوبودان ميلوسيفيتش " , وتمكنت من أسقاط نظامه رغم سطوته الأمنية الشرسة فى يوجسلافيا القديمة.

أن مدى تأثير أفكار " جين شارب " على الثورات العربية ينطوى على مبالغة يتعين الإنتباه اليها , ومع ذلك فأن هناك عناصر تدعو لإنتاج مقاربة بين نسق تلك الأفكار وواقع ما يجرى على الأرض العربية .

فبوجه عام لا يمكن التسليم بوجود " نصائح خاصّة أو كاتالوج مسبق لثورة بعينها " فى ظل خصوصية ومعطيات كل بلد عربى على حدة , كما أن الكتلة الحرجة من الجمهورالثائر لا يمكن أن تكون قد طالعت كتابآ بالإنجليزية عن كيفية أدارة الصراع الثورى , فضلآ عن أن " جين شارب " – الأستاذ الجامعى المغمور– يعد أكتشافآ ومفاجأة للأوساط البحثية المهتمة بعملية التغيير والديموقراطية فى العالم العربى .

ورغم ذلك فأن هناك قرائن دالة على أرتباط بين أفكار شارب ونمط الثورات العربية , فقادة حركة 6 أبريل – التى لعبت دوررئيسى بثورة مصر – يؤكدون أن كتاب " من الديكتاتورية إلى الديموقراطية " كان مرجعآ أساسيآ لهم , كما أن رمز حركتهم ( القبضة السوداء الموجهة ) هو نفسه رمزحركة أوبتور الصربية .

فى حين يذكر الصحفى الأمريكى الشهير " نيكولاس كريستوف " فى مقال له بجريدة " نيويورك تايمز " - عدد 17 أبريل الماضى - أن القيادات الشابة بحركة 6 أبريل حصلوا على دورات تدريبية نظمتها حركة " أوتبور " الصريبة و كتنفيذ عملى واقعى على أفكار شارب.

كما أن نداء " سلمية .. سلمية " الذى تعالت به أصوات نشطاء جماعة " الإخوان المسلمين" أثناء ثورة مصريمكن أعتباره أنعكاسآ لإهتمام الجماعة بهذا الكتاب وحيث أقترحته على كوادرها وعلى مواقعها الإلكترونية كدليل عمل " للثورة السلمية " منذ العام 2005 .

فضلآ عن أن الإحتجاجات التى شهدتها مصر قبل ثورة 25 يناير( وأحداث الحوض المنجمى فى تونس أيضآ ) التى أتخذت صور الإضرابات والإعتصامات والمظاهرات السلمية تنتمى فى جانب مؤثر منها لأسلوب المقاومة والعمل اللاعنفى الذى طالما دعا اليه " جين شارب ".

وممالا شك فيه أن الإحصاءات المتوافرة عن ضحايا الثورة التونسية ( 300 قتيل ، و 700 مصاب ) والمصرية ( 847 مدني و12 رجل شرطة قتيل - ونحو 6505 مدني و750 من عناصر الشرطة -جريح ) يكشف عن معدلات " شدة منخفضة " للصراع بين الجمهور والنظام وأجهزته الأمنية .

هذا المشهد السلمى للثورتين يدفعنا لتأمل مفهوم " العنف الثورى" فى سياق النظرية الماركسية , والذى يكتسب أهمية خاصة كأداة تشق بواسطته الحركة الإجتماعية الطريق لنفسها وتحطم من خلاله الأنماط السياسية القديمة الجامدة والمتحجرة – بحسب تعبيرماركس .

يهتم ماركس بفكرة " الصراع الإجتماعى " وينبه لمظهره الأساسى حيث الصدام المحتدم والمستمر بين المالكيين وغيرالمالكيين داخل التكوين الإجتماعى الرأسمالى – ومن ثمة فهو ليس صراع الجميع ضد الجميع كما تذهب الأفكار البرجوازية وأنما هو صراع بين فئات وطبقات أجتماعية محددة .

غيرأنه يؤكد على " تاريخية هذا العنف " وارتباطه بأنقسام المجتمع إلى طبقات, فاستعباد الإنسان للإنسان وتحويل أسرى الحرب لعبيد منتجين وغزوالقبائل البدائية كان " واقعة تاريخية " لتطورمؤسسة الملكية الخاصة وتقسيم العمل وتزايد الإنتاج المادى .

ومن هنا يتقدم الصراع داخل المجتمع الرأسمالى كمحصلة للتناقض بين الطبيعة الإجتماعية للعملية الإنتاجية والملكية الفردية لوسائل الإنتاج . وبحيث يصبح سمة للحالة السائدة فى بنية المجتمع الذى أفسده جشع الرأسماليين ورغبتهم المسعورة فى جنى الأرباح وتعزيز فائض القيمة من عرق العمال والكادحين .

هذا ( الصراع ) الذى يؤشر لوجود عطب / خلل فى البنية الإجتماعية الرأسمالية يدعو ماركس إلى تجاوزه عبر( العنف الثورى) والذى يمكن تعريفه بأنه : توظيف الطبقة العاملة لعنصرالقوة - فى أطار موقف ووعى ثورى معين - ومن أجل الإستيلاء على السلطة السياسية وجهاز الدولة الطبقى .

فالعنف فى الرؤية الماركسية أداة تحريروخلاص للعمال والكادحيين والفقراء , فهو يلعب دورآ ثوريآ فى القضاء على المجتمع الطبقى الذى يجسد الظلم والقهروالتفاوت ويتمترس خلف أدوات قمع مادى ومعنوى ( الشرطة – الجيش – الإعلام – الثقافة .. ) تستخدمها الدولة البرجوازية لإخضاع الجمهوروالحفاظ على مصالحها.

فالدولة البرجوازية نوع من العنف وأداة لإستثمار الطبقة المظلومة , ولا يمكن للطبقة العاملة أن تنال تحررها وأنسانيتها إلإ عبرعنف ثورى منظم و مضاد لهذه الدولة التى لا يمكن أن تتخلى طواعية وبدون دماءعن السلطة السياسية وجهاز الدولة .

ويؤكد ( لينين ) على ذاك المعنى حين يقول : " ما من ثورة عظيمة واحدة حدثت فى التاريخ بدون عنف وأن ضرورة تثقيف الجماهير بصورة منظمة بهذا وبالتحديد بفكرة الثورة العنيفة هذه تكمن فى ندور جميع تعاليم ماركس و أنجلز " .

أن تأمل ماهية العنف وفق المفاهيم التى تطرحها نظرية الثورة الماركسية يكشف عن جانب من المبررات التى تقف وراء طابع سلمية ثورة تونس ومصر.

فالشرائح الشابة من الفئات الوسطى التونسية والمصرية كانت رافعة الفعل الميدانى فى كلا البلدين , فى حين تراجعت الطبقة العاملة كقوة أجتماعية صاحبة المصلحة فى التغييرالتاريخى وفى أجتثاث قواعد النظام القديم وتدشين نظام بديل .

فالبانورما الطبقية صاغت المشهد الثورى ساهمت فى أخصاء ثقله العنفى , وحيث لا وجود للطبقة العاملة وطليعتها ونظريتها الثورية -حتى ولو توافرت تنبيهات وأشارات ودلالات تقطع " بيسارية الثورة " .

ومن هنا فأن أى من الثورتين لم يتمكن حتى الآن من أنجاز عملية " تغيير جذرى وحاسم " فى نظام الملكية الإجتماعية , أوهيكل توزيع الثروة , أوبنية النظام السياسى والإجتماعى والثقافى .

أن أدراك المعنى الأصيل لفكرة العنف الثورى سيطرح تحفظات بشأن وصف الثورات العربية المتداولة , وبشأن بعض المجازات والمبالغات المجنحة التى تتقدم لتكييف ما حدث بتونس ومصر باعتباره ثورة " كاملة وغير منقوصة ".

فالمعادل الثورى الذى ارتبط بمطالب الحرية والديموقراطية والعدالة ( المتدثرة بطابع السلمية ) يعكس تناسب القوى السياسية والطبقية داخل الساحة والميدان – ويكفى أنه فقد سحره وألقه فى بداية الطريق وعندما أسلم " العسكر " زمام القيادة والمصير.

يبدو طابع السلمية مقبولآ خلال مرحلة معينة من تطور العمل الثورى وبشروط خاصة , أما أنجاز المسيرة الثورية من أجل التغيير الحاسم وأقامة المجتمع البديل فلا يمكن أن يتحقق الإ بتصفية ميراث الماضى وما يرتبط ببنيته الإجتماعية والإقتصادية والسياسية .

باختصار فأن ما يقدمه " جين شارب / غاندى الجديد " نظريآ " من وصفات لثورة سلمية وبيضاء , وما حدث "واقعيآ " بتونس ومصر – لن يطفأ العطش التاريخى للحركة الثورية الساعية نحونسف وتحطيم المجتمع القديم ,وكل أنماطه البالية والمتحجرة .
عماد مسعد محمد السبع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سباق بين مفاوضات الهدنة ومعركة رفح| #غرفة_الأخبار


.. حرب غزة.. مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس| #غرفة_الأخبار




.. قراءة عسكرية.. معارك ضارية في شمال القطاع ووسطه


.. جماعة أنصار الله تبث مشاهد توثق لحظة استهداف طائرة مسيرة للس




.. أمريكا.. الشرطة تنزع حجاب فتاة مناصرة لفلسطين بعد اعتقالها