الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التربية الأسرية بين القسوة والتدليل

أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .

(Ahmad Hamdy Sabbah)

2011 / 6 / 22
العلاقات الجنسية والاسرية


كثيرآ ما يتبادر الى أذهان كثير من الآباء سؤال تاريخي محير ألا وهو هل نحن فعلآ كآباء نربي أبنائنا أم هم الذين يربوننا ؟! ، وبصراحة فان الاجابة تكمن في أن يجلس كل أب وأم لحظات صدق مع نفسهما ليجدا أن الاجابة هي مزيج متداخل في كلا الاتجاهين وأقرب الى التغذية العكسية ، فالآباء عادة (الا في حالات الافلاس العاطفي والتربية القاسية التي يتبعها بعض الآباء) يسعون عادة الى تقديم الأفضل لأبنائهم عبر توفير البيئة المناسبة لنموهم البدني والفكري وعبر نقل خبراتهم الحياتية الى الأبناء ولكنهم في نفس الوقت يجدون أنفسهم قد تراجعوا عن عدد من السلوكيات والمسلمات الفكرية بالنسبة لهم ، فيما أشبه بالمراجعة الفكرية المستمرة لأفكارهم ومعتقداتهم التربوية بل والحياتية على مدار السنين أثناء عملية تربية الأبناء .

وحدوث نموذج المراجعة الفكرية هذا في حد ذاته يعني أننا أمام نماذج ناجحة ومتطورة من الآباء تسعى فعلآ الى اسعاد أبنائها طالما لم يتعارض ذلك مع القيم والسلوكيات النبيلة المعروفة ، حتى لو حدا بهم ذلك الى مخالفة الأنماط القيمية المجتمعية وسلوكيات ومسلمات التربية الأسرية خاصة تلك المتبعة في المجتمعات المنغلقة التي تعلي من أسلوب الوصاية والاجبار المذل كبديل عن النصح والمحاورة ، بل وتنظر الى أسلوب العقاب البدني المهين والمدمر لنفسية الطفل وحريته العقلية على أنه واجب أبوي مبرر وطبيعي ، وكذلك سيادة التنشئة الأسرية المحكومة بتلك النظرة التي تؤله الآباء والأمهات وتجعلهم أقرب الى الرسل والملائكة المعصومين الذين لا يخطؤون ولا يجب أبدآ أن تتم محاسبتهم من قبل أبنائهم ؛ مما يجعلنا في النهاية أمام جيل من المشوهين نفسيآ وفكريآ بل وفي بعض كثير من الحالات مشوهين ضميريآ .

فكارثة مجتمعاتنا أننا محكومين ببنية عقلية متطرفة فاما الأبيض واما الأسود وبالطبع فان الأسود هو بالضرورة ذلك الآخر المغاير أيآ كانت طبيعة المغايرة سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم دينية أم اجتماعية وأسرية ، فنعاني بالتالي في نطاق التحليل الاجتماعي الأسري لأغلبية الأسر بين نماذج تربت على التدليل المفرط ونماذج تربت على القسوة والحرمان البالغين سواء على الصعيد العاطفي أو المادي ، وكلا النموذجين بالطبع يعدان أفشل النماذج وان كان نموذج القسوة البالغة يعد أخطر مجتمعيآ .

فان كان نموذج التدليل المبالغ يقدم الى المجتمع انسانآ غير قادر على الاعتماد على نفسه مفرط المشاعر الى الدرجة التي يغيب فيها عقله ، فان نموذج القسوة المبالغة يقدم الى المجتمع انسانآ كارهآ لنفسه وبالطبع فان فاقد الشئ لايعطيه ، فاذا كان فاقدآ للقدرة على حب نفسه (بالمعنى الايجابي لا الأناني) فانه سيكون بالتبعية فاقدآ للقدرة على حب الناس والمجتمع والتعاطف معهم أي ببساطة نكون أمام نموذج من الانسان الثلجي المشاعر .

واذا كان نموذج التدليل المبالغ يربي انسانآ مقبلآ على الحياة لا من باب العمل والاجتهاد بل من باب التواكل القاتل وظانآ أن الحياة دومآ ستقدم له الأفضل فان نموذج القسوة البالغة يربي انسانآ خائفآ من الحياة ظانآ فيها دومآ السوء وأن غده قد يكون أسوء من يومه فيجنح ساعتها اما الى :

1- الانطواء والنكوص والابتعاد عن الايجابية والفعلية والفاعلية في الحياة خوفآ وهربآ ، ويخلق له عقله عالمآ افتراضيآ ووهميآ من الضياع وبؤس الحال والخوف من النقاش أو الاعتراض ظنآ أن النتيجة ساعتها ستكون الالقاء في بئر الاهانة والمهانة .

2- واما أن يجنح الى الهجوم على الحياة بشكل مدمر له وللمجتمع معتنقآ المبدأ الهوبزي (نسبة الى الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز) أن الانسان ذئب لأخيه الانسان فحالة الطبيعة عند هوبز هي حالة طمع وأنانية وهي حرب الجميع ضد الجميع ، وهي بالمناسبة الحالة التي يكون عليها من انتهج ضده في تربيته نموذج القسوة البالغة .

وهو في كلا الحالتين فاقد للقدرة على السعادة والاسعاد لأنه ممتلئ بالخوف من الغد، شاعرآ بأنه لا يستحق حتى أن يتمتع بأي نعيم في الحياة أو أية مكافأة تلقى في طريقه ظنآ أنها لن تدوم وأنه يجب أن يستعد للبكاء على هذه اللحظات الجميلة في القادم من الأيام .

أما الصفتين الوحيدتين المشتركتين بين المدلل والمحروم هما الطمع والأنانية المفرطة ، وبالطبع من الواضح أن كلا النموذجين يقدمان الوصفة السحرية الكاملة للفشل والضياع ، وبالتالي فانه من المؤكد أن نموذجآ تربويآ ناجعآ هو ذلك الذي يجمع بين التدليل الكافي والمحترم بدون مبالغة وغياب واضح للقسوة الغير مبررة وان وجدت فتكون في اطار العقاب الضميري كالحرمان من المصروف أو من الخروج أو من السهر ، بالطبع مع الغياب الكلي لمفهوم العقاب البدني فيجب ان يفهم الآباء ان هذا الكائن الصغير الموجود بينهم انما هو مشروعهم الانساني للحياة والمجتمع .

نحن في أمس ومسيس الحاجة الى تعميق مفهوم تربوي حديث خاصة في ظل التغيرات الدراماتيكية الراديكالية في مجتمعاتنا على الصعيد السياسي من الانتقال من جحيم الديكتاتورية الى جنة الديموقراطية ، وما يتطلبه ذلك من تغيير بنيوي في النمط القيمي والتأطير الفكري والشكل السلوكي اللائي يجب أن تكون عليهم مجتمعاتنا الحرة الحديثة بعد قرون من الطغيان والاستبداد وتشويه الضمائر واخصاء العقول .

فنموذج التربية الأسرية القائم على السمع والطاعة وعدم الجدال والنقاش والارهاب الفكري والبدني وهو النموذج الأمثل الذي يروج له الطغاة وأعوانهم أيآ كانت مواقعهم ومنهم من يضفي عليه صبغة دينية قدسية ، هذا النموذج الارهابي لا بد من افنائه واستبداله بنموذج قائم على المحاورة والنقاش بل والتشجيع عليها بدءً من اختيار الملابس مرورآ باختيار أماكن العطلات والمنزل والسيارة انتهاءً بالمشاركة في اختيار القرارات المصيرية والايمان الحقيقي بحرية الأبناء في اختيار مستقبلهم والعمل على تشجيعهم وتعضيد ثقتهم بأنفسهم لا الاقلال منهم والسخرية من قدرتهم على العمل ومتابعة حياتهم وفق النهج الذي ارتضوه لأنفسهم .

لابد للآباء أن يعوا تمامآ أنه لصالح أبنائهم في المستقبل ولكي لا يُجار عليهم ولكي لا يخافوا في الحق لومة لائم لابد على الآباء أن يتبعوا مع الأبناء نهجآ تربويآ قائمآ على الصراحة والايفاء بالوعود وتقبل النقد من الأبناء طالما كان نقدآ في حدود الأدب والاحترام ، فمن يشب منذ نعومة أظافره على التعلم والتيقن بأنه يمتلك شيئآ نفيسآ وغاليآ يعتد به ألا وهو رأيه فانه يشيب على أنه لا خوف من ظالم وأنه لابد من محاسبة المخطئ والمقصر وأن العمل الشريف والحرية هما طريق النجاح وحين تحين ساعته سيموت وهو يشعر بالكرامة ومورثآ لأبنائه حياة تستحق أن تُعاش .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيسة لجنة الشؤون الاجتماعية في المجلس البلدي لمحافظة ظفار آ


.. لمستشارة بوزارة العمل الاجتماعي والطفولة والأسرة الموريتانية




.. نائبة رئيس مجلس محافظة معان عايدة آل خطاب


.. أميرة داوود من مكتب ديوان محافظة الجيزة في مصر




.. رئاسة الجمهورية اليمنية فالنتينا عبد الكريم مهدي