الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مائة يوم ... -شرف-

سعد هجرس

2011 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


بعد مرور مائة يوم على تولى الدكتور عصام شرف رئاسة حكومة مصر.. من حق الناس أن يطلبوا "كشف حساب" يوضح إنجازاته وإخفاقاته على حد سواء.
وللإنصاف فإنه لا يجب التعامل مع أداء الدكتور عصام شرف وحكومته بصورة مجردة وانتزاع هذا الأداء من سياقه التاريخى، فلا يجب أن ننسى ان عصام شرف تولى منصبه فى أعقاب ثورة أسقطت رأس نظام تحالف الاستبداد والفساد، ومثل هذا السقوط ليس حدثاً عادياً، بل إنه أشبه بالزلزال الكونى الذى يخلف وراءه دماراً وخراباً وتوابعاً وذيولاً كثيرة وخطيرة.
وهذا يعنى أن شرف تسلم "خرابة" كبيرة باتساع الوطن، لا تعمها صور الخراب والدمار فقط وإنما تنتشر فى ربوعها حقول الألغام والأنفاق والدهاليز السرية المكدسة بجحافل من البلطجية والمخربين المدربين من بقايا النظام المترنح وحزبه "المنحل" وجهاز قمعه الرهيب والجزء الفاسد من رجال الأعمال الذين أدمنوا النوم فى سرير حكومة الدكتور أحمد نظيف.
وفى مواجهة هذه الانفاق والدهاليز الموالية بطبيعة مصالح أصحابها لنظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك، خرجت من "تحت الأرض" أيضا جحافل من العناصر التى كانت محظورة من العمل العلنى، أو التى كان بعضها الأخر مع جهاز مباحث أمن الدولة المنحل ويوفر لأعماله القمعية الغطاء "الشرعى" الذى "يكفر" الخروج على الحاكم.
هؤلاء وأولئك – وغيرهم – وجدوا أنفسهم "فى النور" دون حسيب أو رقيب.
ووجد عصام شرف نفسه فى مواجهة هذا كله: بلد بلا أمن وبدون جهاز شرطة واقتصاد متوقف، أو شبه متوقف، ومطالب فئوية من كل حدب وصوب، وحركات احتجاجية لا تكتفى برفع المطالب وإنما تقطع الطرق وتخلع قضبان السكك الحديدية وتزيد وقف حال الناس الذين يعانون سلفا من ضيق ذات اليد مع انفلات غول الأسعار، ثم شاء أولئك الخارجون من كهوف الماضى السحيق أن يزيدوا الطين بلة فأشعلوا نيران الفتنة الطائفية لأسباب بالغة التفاهة لا علاقة لها بالدين الاسلامى أو الدين المسيحى من قريب أو بعيد.
باختصار.. وجد عصام شرف نفسه فى وضع لا يحسد عليه، ومع ذلك فإنه حاول "تضميد الجراح" تارة "ورفع الأنقاض" تارة أخرى، ومحاولة إعادة الأمن والأمان وتحريك عجلة الاقتصاد فى كل الأحوال.
وسيسجل التاريخ للرجل أنه نجح خلال مائة يوم عصيبة أن يقوم بنجاح كبير نسبيا بوظيفة "رجل الإطفاء" حيث استطاع إخماد العديد من الحرائق التى كانت كفيلة بإحراق الوطن.
كما استطاع ان يوقف تفاقم أزمات إقليمية خطيرة كان يمكن أن تشكل تهديداً مروعاً للبلاد، وبخاصة الاحتقان الشديد الذى تسبب فيه نظام حسنى مبارك مع دول حوض النيل وما كان ينذر به تفاقم هذا الاحتقان من مشاكل ضخمة تؤثر بالضرورة على شريان حياة مصر.
واستطاع فى أيام معدودات أن يحقق المصالحة الفلسطينية بين "فتح" و"حماس" التى عجز نظام حسنى مبارك عن تحقيقها فى سنوات، بل ربما كان أحد المحرضين على استمرار الشقاق بين "الأخوة الأعداء".
واستطاع ان يفتح الباب المغلق بالضبة والمفتاح المفضى إلى إقامة علاقات مع إيران. وهو وضع شاذ حيث لم يكن فى العالم كله من لا يقيم علاقات دبلوماسية مع طهران سوى ثلاث دول فقط هى أمريكا واسرائيل .. ومصر!!
وتم هذا بالتوازى مع فتح أبواب "الحوار الوطنى" و"الوفاق القومى" وتحريك بحيرة الاحزاب السياسية الراكدة من سنين.
***
لكن عصام شرف ظل هدفاً لانتقادات متنوعة رغم إنجاز ما سبق.
وأحد أهم هذه الانتقادات هو ذلك "البطء" الشديد فى حسم قضايا تحتاج إلى السرعة الفائقة. وهو "تباطؤ" وصل فى رأى البعض إلى "التواطؤ"، خاصة فيما يتعلق بإجراءات محاكمة مبارك وزعانفه.
واحتار الكثيرون – وأنا منهم- أمام العجز الغريب عن كبح جماح جيوش البلطجية رغم ان أسماءهم وعناوينهم معلومة لرجال الشرطة، ورغم أن هناك حالة طوارئ، وقضاء عسكرى!!
كما احتار الناس فى تفسير سبب بطء محاكمة رجال حبيب العادلى، بل وترك بعض المتهمين – رسميا – بقتل أبنائنا وبناتنا.
واحتار الناس فى تفسير تقاعس الحكومة عن تطبيق القانون ضد مثيرى الفتن الطائفية- مثلا – أو ضد من يقطعون الطرق ويروعون خلق الله، والاكتفاء بجلسات "الصلح" على يد مشايخ بعينهم.
واحتار الناس فى صدور قرارات اعتماداً على نفس سياسات نظام حسنى مبارك، مثلما حدث فى تعيينات المحافظين، والتمسك بابقاء شخصيات مرتبطة بالنظام السابق تحت دائرة الضوء، مثلما حدث فى مؤتمر "الحزب الوطنى" ومؤتمر "الوفاق القومى".
***
لكن الملفت للنظر أيضا ان نفس أولئك الذين حرقوا البخور للدكتور عصام شرف فى بداية توليه رئاسة الحكومة، انقلبوا عليه مؤخرا، لا لشئ إلا انه أعرب عن تأييده لفكرة صياغة "الدستور أولا"، واعتبر هؤلاء أن تجاسر شرف على ذلك "خروج" على "الأغلبية".
***
وهذا يعنى ان هناك من يربطون استمرار "رضاهم" على عصام شرف باستمرار خضوعه لمشيئتهم.. فإذا اختلف معهم – حتى فى أحد التفاصيل – فإن جزاءه هو الحرمان من صكوك الغفران ومفاتيح الجنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه


.. اعتصام لطلبة جامعة كامبريدج في بريطانيا للمطالبة بإنهاء تعام




.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح