الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أَبَسَ عباس الكفاح المسلح

ماهر علي دسوقي

2011 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


لعل ما يميز القضية الفلسطينية في المرحلة الراهنة هو تراجعها المستمر على المستوى العربي والدولي .. إضافة الى الإرباك والتشرذم الذي تعيشه على المستوى المحلي بفعل عوامل عدة، أبرزها دخول القيادة الفلسطينية بيت الطاعة الأمريكي، منذ توقيع اتفاق اوسلو في العام 1993، وما تبع ذلك من تنازلات جوهرية وصلت بل ومست العصب الفلسطيني.

ففي الوقت الذي كانت فيه قيادة م.ت.ف تساوم على ما اصطلح عليه بالثوابت الوطنية، كانت الحالة العامة فلسطينياً تُدخل في متاهات شتى لقلب المفاهيم رأساً على عقب .. فبدلاً من أن "يطرب" المواطن الفلسطيني الخاضع للاحتلال لوقع البطولات والكفاح المسلح العنيد ضد الغاصبين، فرض عليه سماع "انغام نشاز" تحولت لاحقاً الى ايديولوجية مسيطرة وميهمنة بفعل نهج أولياء الامور ..

كما درجت العادة لدى اصحاب القرار هؤلاء الى محاولة تثبيت المفاهيم مقلوبة لدى العامة، ومنع غيرهم من نشر افكاره في "المناطق" التي يسيطرون عليها .. وذلك لإظهار وتكريس "بطولاتهم" على انها الخلاص الوحيد المتبقي للشعب الفلسطيني .. فأخذ الناس يسمعون عبارات تتردد "بوصلات" ايديولوجية مبرمجة وموجهة من قبيل: "السلطة تخوض غمار كفاح ضار في المفاوضات" ، "الاحتجاج بطريقة لطيفة يؤدي لنيل الحقوق" ، "الرقص المعاصر اداة نضال حضارية وسبيلنا لإطلاع العالم على معاناتنا"، "المقاومة السلمية تحرج اسرائيل" ، "العنف مدعاة لضياع الحقوق" ..الخ، وكل ذلك من اجل إفقاد القضية الفلسطينية مكتسباتها التاريخية والسياسية ولربما القانونية ايضاً، ولإجهاض المقاومة الحقيقية فكراً وممارسة ليصبح التواطؤ الايديولوجي مع الاحتلال الصهيوني تعبيراً مكثفاً وواضحا لنهج التخريب الاوسلوي، الذي اختطته قيادة السلطة منذ البدء، لا بل وتصر على المضي قدماً فيه ارضاءً للولايات المتحدة الامريكية ، لتعلن في خاتمة المطاف انها انتصرت على شعبها لا على مغتصب الأرض..
وقد صدق الفيلسوف كانط حين قال: "ان القوة المسيطرة التي تحرم الانسان من حرية نشر افكاره بشكل علني، تحاول ان تحرمه ايضاً من حرية التفكير".. الأمر الذي تجسد واقعاً في مناطق الحكم الذاتي عبر الاعتقال السياسي ، والفصل من العمل وملاحقة لقمة عيش المعارضين، وتشويه السمعه والارهاب النفسي …

وإمعاناً في ممارسة طقوس الاخضاع وتزييف الوعي، جاءت تصريحات السيد محمود عباس المهينة للكفاح المسلح الفلسطيني مساء الاثنين 20/6/2011 ، عبر أثير احدى الفضائيات اللبنانية السعوية المشتركة ، لتؤكد على سالف القول، مطعمة ومزيدة ومنقحة باضافة نوعية فيها من الاستهزاء ما يكفي للفت انتباه طفل صغير .. عبر تأكيده هذه المرة وبالمطلق على ان الكفاح المسلح قد "خرب بيتنا"!!

وحين بدا لعباس ان مقدم البرنامج تفاجأ من القول وكاد ان يستغرب عليه ذلك ، قام فوراً بإحالة "الشتيمة" الى الانتفاضة الثانية التي اشتعلت نارها في نهاية ايلول عام 2000، ووصفها بالانتفاضة المسلحة التي خربت البيت الفلسطيني محاولاً بذلك استدراك ما اطلقه لسانه، وكأن أبْس الانتفاضة دون غيرها من النضال الفلسطيني مدعاة للفخر والاستعراض!

ان مصطلح "تخريب" الذي استخدمه رئيس السلطة، ورئيس الدولة، ورئيس م.ت.ف، ليحمل في طياته الكثير، لا بل انه يذكرنا بما دأب عليه الكيان الصهيوني وإعلامه من وصفٍ للنضال الوطني الفلسطيني "بالتخريبي"، اوحسب كل حاله ،"تخريب" "مخرب" "مخربون" "عمليات تخريبية" .. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : ألهذا المستوى وصل الأمر بقيادة الشعب لتتماهى مع ايديولوجيا التزوير الصهيونية ؟!

إنها الأبده بعينها، وما قيل لاحقاً لتبرير العبارة، لهو ايضاً من أوابد الكلام .. كيف لا وقد سقط آلاف الشهداء على طريق الكفاح المسلح الفلسطيني !! كيف لا ومئات الالاف أسروا منذ العام 1967 – على الاقل – لإيمانهم بالكفاح المسلح وهناك اكثر من 10 الاف اسير ما زالوا في الاسر ومنهم قيادات كبيرة في حركة فتح ..
ان اطلاق مصطلح "تخريب" يعني بداهة ان من سقط شهيداً لا يعد كذلك الان ، وان من في الأسر ليس اكثر من "مخرب او مجرم" لا يستحق الافراج والحرية ..
وإن كان من الضروري استخدام هذه العبارة المقيتة فيجب استخدامها معكوسة على اصحابها ونهجهم الغريب ، وعلى الاحتلال ايضاً فهم أولى بهذه التسمية !!

والا كيف يمكن ان نفهم تهويد القدس وقتل الابرياء وتشريد شعب بأكمله واحتلال ارضه وزرع نبات شيطاني فيها يسمى الاستيطان !! أليس هذا تخريباً !! وكيف يمكن تسمية اسقاط البندقية والكفاح المسلح من معادلة الصراع مع الصهاينة ، علماً بأن المواثيق الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة شرعت ذلك، وهي ذات الجهة التي ينوي السيد عباس التوجه اليها في ايلول القادم ..

وكيف يمكن تسمية المفاوضات التي لا طائل منها ولا يعرف لها شكل او لون او طريق او محتوى .. وماذا يسمى الفساد المستشري في ارجاء بقايا وطن .. وماذا يسمى تمزيق "الوطن" على خلفية الصراعات الحزبية الضيقة .. وما هو المسمى الامثل لتصفية اطر ومؤسسات م.ت.ف الكفاحية .. وماذا يسمى الاعتقال السياسي .. وقطع ارزاق العباد لا لشيء الا على خلفية الانتماء الحزبي المغاير، او على خلفية حرية الرأي والتبعير .. وماذا يسمى فساد القضاء وفساد الطعام والدواء وحليب الاطفال .. وماذا يسمى فساد وسرطنة الخبز وماذا تسمى المئبرة المنتشرة بين صفوف اهل السلطة .. أليس هذا كله هو التخريب بشحمه ولحمه ودمه ؟!

ان الشعوب المضطهدة والمستعمرة اذ تناضل وتكافح ضد قوى الاستكبار والاستعمار فانها تطمح الى الحرية والعدالة الاجتماعية، لا الى قيادة تحط من قيمة نضالها وتتحالف مع عدوها الطبقي والقومي من اجل مصالحها الضيقة ..

ولا يفوتنا الذكر هنا أن السيد عباس لم يكن باستطاعته ان يطلق مثل هكذا تصريح لو كانت الحالة الفلسطينية على خير ما يكون ، حيث تبعثرت قوى م.ت.ف ، وانقسم الجسد الفلسطيني على خلفية نزاعات ونزعات ضيقة ، فاستقوى البعض على الحالة العامة مدعوماً بما لديه من تحالفات خبيثة، فجاء التخريب المنظم والايديولوجيا التزويرية او "الثقافة الجديدة" كما اسمها رئيس سلطة فتح في بقايا الضفة الغربية .

ومن الواضح الآن ان المشكلة لم تكن بالكفاح المسلح بل بالقياده التي وقفت على رأس الهرم السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية وباقي فصائل العمل الوطني الفلسطيني، ومن المعروف ايضا ان صلاح القيادة يشكل مدماكاً هاماً في البناء التحرري والتنمية والاستقلال ..
ان اولئك الذين يطمحون لانجاز التحرر الوطني تقع على عاتقهم وقبل غيرها مسؤولية التصدي لايديولوجيا التزوير بكل ابعادها، عبر تشكيل كتلة تاريخية مانعة، والا فان ما يجري الآن لن يكون الا نقطة في بحر التزوير القادم ..

وأخيراً وليس آخراً ..
تذكر يا سيد عباس ان هناك من أُطلِقت على لسانه الحكمة .. وهناك من أُطلِقت على لسانه النقمة .. فانظر أين نقف !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من الواضح أنك لا تعيش في فلسطين
سائد ( 2011 / 6 / 22 - 20:46 )
هل الكفاح المسلح تعويذة مقدسة أم أنه مجرد وسيلة للتحرير والتحرر ؟ وإذا كان الفلسطيني في الخارج لا يخضع لما يخضع له سكان غزة والضفة ولا يعنيه موت الشعب لقمة سائغة للصواريخ الموجهة والدبابات، فلماذا لا يحاول أن يتفهم ظروف شعب الداخل ؟ محمود عباس صادق في تعبيره بأن الكفاح المسلح خرب بيتنا وكفى ممن لا يعانون من الموت والدمار تدخلاً فيما لا يعنيهم.


2 - قلم فلسطيني جريء
مراد القدسي ( 2011 / 6 / 22 - 21:36 )
من خرب بيت الشعب الفلسطيني هم اهل التفاوض العبثي وليس ابطال الكفاح الوطني
وكيف نصنف ابوجهاد اذا وابو علي مصطفى ودلال المغربي انهم وامثالهم شعلة الكفاح المسلح الفلسطيني وهم الرموز وليس غيرهم
لك التحيه اخ ماهر وللحوار المتمدن


3 - ماهر دسوقي يعيش في فلسطين
فاطمه الخليلي ( 2011 / 6 / 22 - 21:57 )
الاخ ماهر يعيش في فلسطين اخ سائد وكنت اتابع برامجه السياسيه عبر المحطات المحليه قبل ان يمنع
الكفاح المسلح وسيله ولكن لا يجوز القول انه خرب بيت الشعب الفلسطيني
اخ ماهر اظنها زلة لسان من الاخ ابو مازن


4 - الجزائر تحررت بالبندقيه
جميله الجزائريه ( 2011 / 6 / 22 - 22:05 )
الجزائر تحررت بالكفاح المسلح وان شاء الله فلسطين كذلك
التحيه من الجزائر للاقلام الحره في فلسطين


5 - الكفاح المسلح دمار بلا نتائج
سائد ( 2011 / 6 / 23 - 10:30 )
لقد مارس الشعب الفلسطيني الكفاح المسلح من العام 1967 وما قبل، ولحتى الآن. ماذا حققنا بالكفاح المسلح سوى آلاف من القتلى وعشرات الآلاف من المعاقين والجرحى وعشرات الألوف من الثكالى والأرامل والأيتام ؟؟؟؟ ألا يجدر بنا أن نتوقف لحظة لنفكر هل الكفاح المسلح وثن يجب عبادته ؟ الشعب في داخل فلسطين مثخن بالجراح والآلام والآن يدفع ثمن الحصار جوعاً وتخلفاً. أليس من حق شعب الداخل أن يحيا حياة طبيعية ؟؟ الفلسطينيون في الخارج لا يهمهم حتى لو مات أهل الداخل عن بكرة أبيهم. أين الضمير ؟؟


6 - كفاح الشعوب المسلح
جميله الجزائريه ( 2011 / 6 / 23 - 12:48 )
ان امه لا تجيد استخدام السلاح للدفاع عن ذاتها تستحق ان تعامل معاملة العبيد ،اخ ماهر انهم يخشون من مسمى البندقيه لانهم يريدون استعبادنا للابد
يجب ان تسال الامم المتحده عن الضمير ومن يتشدقون يوميا بالديموقراطيه وحقوق الانسان لقد اذلت المقاومه اللبنانيه اسرائيل وسوف يذلها الشعب الفلسطيني ايضا


7 - اعيش في فلسطين / رد الكاتب
ماهر دسوقي ( 2011 / 6 / 23 - 16:42 )
اعيش في ما تبقى من فلسطين وتحديدا في مدينة رام الله خبرت الاعتقال على يد الصهاينه اكثر من 15مره وخبرت الاعتقال على يد السلطه اكثر من 5 مرات .. لاجىء واعرف تمام المعرفه ماذا يعني هذا لا ازاود على احد ولكني ما ان احمل قلمي اكتب ما يجول في خاطري حاملا هموم ابناء جلدتي .. فهل تغضب ؟؟
لا اتاجر بقضية احد ولكني اعرف حقا معنى المعاناة ..فهل تغضب؟؟
لا اقسم ابناء شعبي بين الداخل والخارج واعرف حقيقة العدو والاتفاقيات الموقعه ..فهل تغضب؟؟
اعرف حق المعرفه ماذا يعني اقتحام البيوت ليلا او نهارا من اجل الاعتقال او القتل وقد خبرت ذلك منذ العام 1976 حتى اليوم وعلى جسدي ما يكفي من النياشين من الاحتلال والسلطه..فهل تغضب ؟؟
افتخر بانتمائي الى الشعب الفلسطيني في المخيمات والقرى والمدن والباديه وفي الشتات وما اصابني اصاب ابناء شعبي اطمح للحريه والعداله الاجتماعيه والعوده والاستقلال وسابقى على عهد اجدادي الصالحين ..فهل تغضب ؟؟


8 - ماذا حققنا بالكفاح المسلح ؟؟؟
سائد ( 2011 / 6 / 24 - 07:53 )
يا ماهر لا أود أن أذكر تاريخي الشخصي في فلسطين لكي لا أزاود عليك ولكن كن موضوعيا وأجب عن السؤال. ماذا حققنا بالكفاح المسلح ؟ ومع اختلال ميزان القوى مع الاحتلال بصورة رهيبة، هل من الممكن ممارسة الكفاح المسلح دون ويلات لم يعد بإمكان الناس أن يتحملوها ؟

اخر الافلام

.. سيارة تقتحم حشدًا من محتجين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة أمري


.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. سيناتور أمريكي يعلق على احتجاجات جا




.. الولايات المتحدة.. التحركات الطلابية | #الظهيرة


.. قصف مدفعي إسرائيلي على منطقة جبل بلاط عند أطراف بلدة رامية ج




.. مصدر مصري: القاهرة تصل لصيغة توافقية حول الكثير من نقاط الخل