الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملكية الفضاء وعولمة ما لا يمكن عولمته..!!

رامي أبو جبارة

2011 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


ظل ميداس الاغريقي لقرون خلت رمزا للجشع في أبشع صوره، وبقيت أسطورته المتمثلة في رغبته بتحويل التراب إلى ذهب، عالقة في أذهان الواعظين، يستخدمونها بين الحين والآخر للتحذير من الطمع وعواقبه الوخيمة. ولكن ما لم يخطر على بال ميداس وهو في ذروة جشعه وطمعه، أن يمتلك شيئا خارج نطاق عالمه، كامتلاك نيزك أو نجمة مثلا، سواء كانت تلك النجمة من ذهب أو حتى من تراب. ورغم ما عرفته البشرية من قصص جشع اختلط بها الدمع مع الدم، كتاجر البندقية وتطبيقاته الحية على أرض الواقع، إلا أن هذا الجشع وشهوة التملك تلك، بقيت في نطاق ما هو ممكن الوصول إليه.

قبل آيام، هالني خبر كنت قد قرأته وأنا أتصفح احد الجرائد القديمة التي احتفظت بها لسبب لم أعد أعرفه، حيث يفيد الخبر بأنه بات من الممكن لأي شخص امتلاك نجمة واستبدال اسمها من رمزها النجمي (س10 مثلا) الى اسمه الشخصي مقابل مبلغ من المال، وطبعا الجهة المخولة لبيع وشراء النجوم هي وكالة أمريكية!! قد يكون هذا الخبر قديما، وربما وجده أغلب القراء خبرا عاديا كذلك، إلا أنني عندما قرأته وتأملت به قليلا، قادني تلقائيا إلى التساؤل عن مشروعية امتلاك نجمة أصلا؟ والأهم من ذلك من اعطى هذه الوكالة أو غيرها الحق في امتلاك النجوم من الأساس، وبالتالي الحق في بيعها؟! أما وبعد أن حاولت التحقق من دقة هذا الخبر، فقد اكتشفت أن القمر كذلك لم يسلم من مثل تلك المبادرات، وأن أول شخص سجل القمر بإسمه رسميا كان الشاعر التشيلي الراحل "جينارو كاجاردو" في احدى الدوائر العقارية في مدينته، وتساءل "جينارو" عن المانع في امتلاك القمر بحكم أسبقية وضع اليد؟! كما أن مجموعة من الشركات في بريطانيا وأمريكا قد قامت بإعلان حقها ببيع أراضٍ على القمر، ولعل توارد الأنباء عن نية شركة جوجل بدفع مليار دولار للحكومة الأميركية، مقابل وضع شعارها على سطح القمر حتى يراه أهل الأرض كنوع من الدعاية والترويج لها يأتي في نفس السياق.

أعادني هذا التأمل والبحث إلى العصور البدائية السحيقة، يوم كانت هذه الأرض مشاعا لجميع من عليها دون استثناء، إلى أن سيّج أحدهم أرضا وقال أن تلك الأرض هي ملك له، ووجد أناسا سذّجا بما فيه الكفاية حتى يصدقونه، فكانت صدفة الملكية الخاصة على حد تعبير جان جاك روسو، وهذا ما جرى بالضبط مع ذلك الشاعر التشيلي المجنون الذي حاول امتلاك القمر، إلا أن الفرق الوحيد أنه لم يجد من يأخذه على محمل الجد!! وهنا تبرز نفس الأسئلة عن كيفية امتلاك أول شخص لقطعة من كوكب الأرض؟ ومن أعطاه الحق في امتلاكها؟

أما وأن قضية ملكية الأرض - رغم ما تبعها من مآسي - قد اصبحت خارج اطار التساؤل، بفعل الزمن والموروث الشهواني الجمعي للبشرية، فعلى الأقل يجب أن تبقى ملكية النجوم والقمر موضع رفض، لأن المشكلة لا تتوقف عند هذا الاعلان، فالأدهى من ذلك أن هناك ما يقارب 750 ألف ثري قد امتلكوا بالفعل نجوما في السماء حتى الآن، وبالتالي أخشى ما أخشاه مستقبلا، أن يحرمنا أولئك الأثرياء بطريقة أو بأخرى رؤية النجوم التي يشترونها، فتصبح سموات الفقراء بلا نجوم، وليالي البؤساء دون أقمار!!

يبدو إذن، أن الملكية الخاصة بدأت تدخل طورا جديدا اليوم، طور امتلاك ما لا يمكن حتى الوصول إليه. وها قد فاق طمع الانسان اليوم خيال كاتب أسطورة ميداس الاغريقية، يوم تصور أن ما تمناه ميداس باحالة كل ما تلسمه أصابعه إلى ذهب يمثل الجشع في ذروته، ولذلك لن أستغرب أن يخرج علينا شخصا آخرا يدّعي حقوق ملكية الشمس، ويحاسب كلّ فرد يستخدمها أو يستخدم أشعتها بأي طريقة كانت، وربما يحاسب ارنست هيمنغوي في قبره لأنه سبق وأن استخدمها في احد عناوين رواياته، باعتباره يمتلك حقوق الملكية الفكرية للشمس كمصطلح أيضا!!

في الختام، يبقى التساؤل الأبرز ان كانت ستنجر الثقافة الانسانية وراء هذه الحماقات الفردية فتتبنّاها، ويصبح بيع وشراء النجوم والنزاع عليها وخوض الحروب من أجلها أمرا طبيعيا وغير مستغرب في القرون القادمة، كما هو عنوان فيلم جورج لوكاس الشهير "حرب النجوم"؟ أم أن ما تبقى من حكمة في جنس بني البشر ستكون قادرة على كبح جماح شهوة التملك هذه وجنونها التي وصلتها ذروة في ظل العولمة، فلا تتكرر مأساة ملكية الأرض بصور أخرى أكثر حداثة؟ وأتساءل أيضا ان انتصرت الشهوة على الحكمة في هذه المعركة ضمن الصراع الأزلي بينهما، فماذا سيبقى لعاشق فقير يعد حبيبته بأن يلامسا نجوم السماء في ليلة حلم صيفية؟


* كاتب عربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Naming Rights
Hakim ( 2011 / 6 / 22 - 21:51 )
هناك صراع في الولايات المتحدة الامريكية بين العلماء والمتدينين محوره الرقي والتطور ضد التصميم الذكي خصوصا عندما نعلم ان اخر احصائية تدل على ان 93٪ من العلماء لا يؤمنون باله شخصي وهذا الصراع امتد الى المحاكم التي بتت لصالح التطور ومنعت تدريس التصميم الذكي في المدارس والجامعات كمادة علمية


في هذه المحاضرة يلقي عالم الفلك نيل تايسون محاضرة واود ان اشير ابتدائا من الدقيقة 22 دقيقة و 45 ثانية هنا
http://thesciencenetwork.org/programs/beyond-belief-science-religion-reason-and-survival/session-2-4
ما يسميه
Naming Rights
بداية بتسمية النجوم


المحاضرة هي من سلسلة محاضرات القيت بهذا المؤتمر
http://thesciencenetwork.org/programs/beyond-belief-science-religion-reason-and-survival

اخر الافلام

.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه


.. اعتصام لطلبة جامعة كامبريدج في بريطانيا للمطالبة بإنهاء تعام




.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح