الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحليل دور مسرحي (أنتيجوني)

أبو الحسن سلام

2011 / 6 / 23
الادب والفن


* تمهيد :
عندما نتحدث عن مبدأ الوحدة والأهداف وفق منهج (قسطنطين ستانسلافسكي) في تحليل الدور مسرحي ؛ تمهيدا لأدائه إتباعا لمنهج علمي فإننا نتحدث عن التحليل الأدائي تجسيد دور مسرحي محدد . وهنا يلتزم الممثل بتحديد مناط التعبير القولى في حواره مجسدا لأبعاد الدور نفسه ( جسديا – اجتماعيا – نفسيا) بمعني حرصه على تفعيل المنهج العلمي في إبراز فاعلية الصفات الخارجية متوائمة مع الصفات الداخلية للشخصية مناط أدائه التمثيلي أو مشخصّا له ( بأداء يقف عند الصفات الخارجية الاجتماعية للشخصية ، حالة رسمها رسما نمطيا ، غير مكتمل الأبعاد ، وبخاصة البعد النفسي) حالة إتباع منهج التغريب الملحمي.
• أنتيجوني ( مشهد المواجهة الرئيسية):
• تحليل وحدات البنية الأدائية على طريق أهداف الدور:
إن دورا مثل دور (أنتيجوني) لسوفوكليس ، لابد وأن يؤدى تجسيدا لاكتمال أبعاده ، ولبروز البعد النفسي ، متوّجا للبعد الاجتماعي حيث سيطرة الحاكم الفرد ( كريون) على البلاد فى إثر ما حدث لأوديب ، وما جرتّه أقدار آلهة دلفى على أسرته من وبال وبلاء معلوم وذلك هو جذر الفعل الذي دفع أنتيجوني إلى مواجهته بشجاعة ويحزم. وهنا نكون قد وضعنا أيدينا على الوحدة البنائية الأساسية في الحدث المسرحي . ولأن هذا الذي جرى قد حفر نفسه حفرا على حياة أنتيجوني حفرا نفسيا غائرا عدة مرات ، كانت المرة الأولى نتيجة لما جرى عليها بعد انتحار أمها جوكاستا، فور علمها بحقيقة زواجها من ابنها وإنجابها وإخوتها منه ، والمرة الثانية على إثر ما جرى على أبيها الذي فقأ عينيه على إثر علمه بما جرّه فعله- المقّدر غيبا- على نفسه وأسرته وعلى شعبه .أما المرة الثالثة فكانت عند حدوث صدام بين أخويها ( بولينيكس) و(إتيوكليس) في نزاعهما على الحكم، والذي انتهى بقتل كل منهما للآخر على إثر منازلة دامية بينهما على عادة قادة حروب القدماء، أما المرة الرابعة فكانت بمثابة الحفر الأكثر غورا في أعماقها ، حيث سماح خالها الحاكم المتسلط ( كريون) بدفن جثمان شقيقها ( أتيوكليس) وأمره بتعليق جثة شقيقها الآخر ( بولينيكس) لجوارح الطيور في الخلاء. تلك المراحل النفسية وإن اتخذت مسارا تعبيريا واحدا من حيث نمط الأداء تجسيدا لانعكاس حالة الحزن والمعاناة وضرورة التماسك ورباط الجأش ،إلاّ أن ذلك الخط التعبيري المستبطن لما بعترك بداخلها ويصطرع في شعورها الدفين إنما يمر بمحطات صدام نفسي ، تشكل وحدات التي يقترحها ستانسلافسكي منهجيا على الممثل الذي يستظل بمظلة نظامه أو منظومته المنهجية في أداء دور مسرحي ، إلاّ أن التنويع الأدائي لتلك لمستويات تلك الحالة؛ أمر ضروري لتأكيد جمالية التعبير عن تغير اللحظة الشعورية ، وتأكيدا لإمساك الممثلة بالعاطفة الحاكمة للدور كله. أي بالهدف الرئيسي من أدائها لمشهد المواجهة بينها والحاكم كريون ،انطلاقا من أهداف مرحلية هي دلالات إنتاج لكل نقلة شعورية على خط الوحدات المتصلة للمشهد المسرحي.
أما المستوي الثاني من أداء هذا الدور المعقد فيتطلب من الممثلة الانتقال إلى خط تعبيري ، ينفض عن الشخصية غلاف حزنها ، ويتجاوزه إلى خط الإمساك بلحظة شعورية تتوج موقفها الرافض لحكم كريون بنشر جثة أخيها ، ومن ثم العمل على استمالة أختها ( ياسميني) لتتشاركا في إنزال جثة أخيهما التي تعفنت وتناهشتها الجوارح ، وزكمت رائحتها أنف اليونان كلها . ثم الانتقال الشعوري بخيبة أملها في أختها التي خافت على نفسها من عقاب خالهما الحاكم كريون ، فأبدت عدم قدرتها على مخالفة ، ثم جاءت لحظة المواجهة الحتمية التي ، كانت تنتظرها بالقطع ، حيث يأتي دور توجيه أصابع الاتهام إليها وإلى إسميني أيضا . وهو المشهد الذي رأيت الوقوف عنده ، وتحليله تحليلا أدائيا وفق منهج ستانسلافسكي ، مسلحا بركيزتين ، هما : دور الوحدات أي مراحل تجسيد ذلك الموقف ( في مواجهة أنتيجوني للحاكم المتسلط كريون ) مواجهة دفاع قائم على حيثيات ، تسمو بدور قانون الآلهة وشريعتها على قانون الحاكم الدنيوي ( من التراب نجئ وإلى التراب نعود) ، وهو موقف نقيض لدفاع إسميني التبريري الضعيف ، حتى مع تعاطفها مع أختها وإعلانها بمسؤوليتها معها في مخالفة أمر الحاكم. وتلك هي المستويات الشعورية لأداء دور أنتيجوني ، ولدور إسميني.
نص مشهد المواجهة
كريون: أشاطرت أختك دفن بولينيس ، أم تقسمين أنك لم تعلمي بهذا الأمر ؟
* ( العاطفة الحاكمة للشخصية في هذا الموقف هي الحزم في توجيه الاتهام)
أسمينا: هذا الأمر!!لقد أخذت بخطى منه ولئن سمحت لي أختي بأن أقول الحق
فعلّي أن آخذ نصيبي من الذنب.
*( العاطفة الحاكمة هنا هي الخوف المزدوج منهما معا والبراءة المشوبة بالسذاجة ، ومحاولة لتأنيب الذات أو جلدها كتكفير عن عدم مشاركة أختها)
أنتيجونا: العدل يحظره عليك. لقد سألتك المعونة فأبيتها، وقمت بما قمت به
منفردة.
*( العاطفة الحاكمة هنا هي الإقرار بالحقيقة ، والصدق مع النفس وتحمل مسؤولية فعلتها منفردة ، دون قبول لمحاولة تعبير أختها عن ندمها)
أسمينا: ولكني حين أراك شقية لا أتردد في أن أشاركك في الشقاء
*( العاطفة الحاكمة لهذه اللحظة الشعورية هو الإشفاق على أختها من المصير الذي ينتظرها)
أنتيجونا: لقد علم الجحيم وسكانه من قام بهذا العمل . لا أستطيع أن أحبّ من
تتجاوز محبته الكلام.
*( العاطفة الحاكمة هي الشعور بالسخرية مما تدعيه أختها قولا لا فعلا ، بخاصة وهي تعرف أختها حق المعرفة وقد خبرتها حين طلبتها فلم تستجب لنداء الواجب الذي تفرضه عليها عقيدتها الدينية ورباط الرحم بينها وجثمان أخيها )
أسمينا: لا تحرميني أيتها الأخت شرف الموت معك، وإني قد قمت لأخي بالواجب
الدّيني.
*( اللحظة الشعورية هنا لحظة انفعال تتراوح بين مظهر الصدق اللحظي)
أنتيجونا: إيّاك أن تنتحلى لنفسك شرفا لم تأخذي منه بنصيب.موتي وحدي يجب
أن يكفي.
*( اللحظة الشعورية هنا مزدوجة مابين إحساسها بزيف شعور أختها أو مظهريته، وبإشفاقها عليها لتضخم شعورها بالذنب لكونها لم تشارك أنتيجوني)
أسمينا: كيف أستطيع أن أحبّ الحياة إذا فرّق الدهر بيني وبينك
*( الشخصية هنا تمسك بطرف خط الصدق تعبيرا عن اللحظة الشعورية أمام أختها التي هي على شفا حفرة من الهلاك )
أنتيجونا: اطلبي ذلك إلى كريون ؛ فأنت له شديدة الإخلاص !
*( العاطفة الحاكمة لأنتيجوني هنا هي القسوة والحسم مع أختها مع إدانة الحاكم)
أسمينا: كم تؤذيني بهذه السخرية المرّة. وما نفعها ؟!
* ( اللحظة الشعورية هنا تنضح بالمرارة والحسرة ، مع الاستعطاف الضمني)
أنتيجونا: لم أسمح لنفسي بذلك إلاّ راغمة متألمة.
* ( العاطفة الحاكمة هي الشعور بالمرارة والأسي والحزن الدفين)
أسمينا: ماذا عسي أن أفعل الآن لأنفعك ؟
• ( الشعور باليأس والقنوط واليد المغلولة)
أنتيجونا: احتفظي بحياتك ، فلست احسدك عليها.
• ( لحظة صدق مشاعر)
أسمينا: إني لشقية تعسة ! ماذا ؟ أليس لي أن أقاسمكما قدّره القضاء ؟!
• ( لحظة شعورية باتهام النفس ورغبة في جلد الذات. ، مع تساؤل استنكاري يعمق ندمها )
أنتيجونا: لقد آثرت انت الحياة وأثرت أنا الموت.
• ( لحظة تقييم للواقع وهي لحظة إدراك، مشوبة بشعور باللوم)
أسمينا: لقد كنت أنبأتك بهذا كله.
• ( رد اللوم بلوم مقابل)
• أنتيجونا: تعجبين بما في كلامك من حكمة ، وأنا أعجب بما في كلامي من عناء
• ( لحظة تقييم ، واستدراك للعاقبة وقد اقتربت ، في شعور مشوب بالتهكم ، دون أن يبدو منها تراجع عن نبل غايتها )
أسمينا: آه ! لقد استوى حظنا من الجريمة.
• ( شعور بصدق ما نطقت به ، دون تخل عن إدعاء بشرف المشاركة ، فضلا عن حكم بإدانة نفسها وأختها ، بما يعكس عدم اقتناعها بالواجب الذي قامت به أختها وتقاعست هي عنه ، وهو شعور بتبرئة نفسها)
أنتيجونا: طيبي نفسا بالحياة . لقد ماتت نفسي منذ أمد بعيد وأصبحت
لا تنفع إلاّ الموتي.
• ( إيمان عميق وثابت بصحة ما أقدمت عليه ، وبما نذرت نفسها فداء له وفي ذلك تأكيد على كونها شخصية تراجيدية تقدم على ما اعتزمت عليه بحسم وإصرار ، وهي تعلم أنها مقدمة على الهلاك )
كريون: لست اخشي أن أقول إن هاتين الأختين لمأفونتان.إحداهما كانته دائما،
والأخرى قد بدأت تكونه منذ الآن.
* ( تقييم شكلي لهما ، بما يشبه الذّم ، وهو مشوب بإشفاق متهكم)
أسمينا: أيها الملك ، لا يستطيع العقل أن يثبت على حاله الطبيعية حين
يبلغ الألم اقصاه .
• ( سطحية ، لا تخلو من سذاجة في تبرير ما وصفهما به ، كما لو كانت لا تدرك سخريته منهما )
كريون: مهما يكن من شيء ، فهذا نصيبك حين أردت مشاركة الأشرار في
الشر.
• ( إدانة ، قائمة على تهديد )
أسمينا: ما عسى أن تكون حياتي وحدي وبدونها ؟
• ( شعور بحزن وتعاسة مغلفة باستعطاف )
كريون: لا تذكريها فقد ماتت.
• ( إصدار حكم ، في حدة وقسوة لا تلين)
• أسمبنا: ماذا ؟ أتقتل خطب إبنك ؟
• ( شعور بالهلع ، في استفهام استنكارى حاد ، فيه إدانة لفعله المتوقع)
كريون: هناك أرض أخرى يمكن أن تحرث
• ( شعور بعم المبالاة وتأكيد لعزمه على إهلاك أنتيجوني)
إسمينا: ليس هذا ما اتفقا عليه.
• ( تخلص درامي يتقنع فيه المؤلف من وراء الشخصية بشعور مظهري)
كريون: إني لأكره شرار النساء لأبنائي
• ( حسم للصراع ، وإغلاق لمنافذ الرجاء في استنقاذها)
أسمينا: أيها العزيز هيمون ، ما أشدّ ما يزدريك أبوك !! "

وهكذا يتوج أداء الدور المسرحي بالمنهج العلمي ، عن طريق التحليل ، وصولا إلى القدرة على الإمساك باللحظة الشعورية عبر خط عاطفة حاكمة للدور المسرحي 1
ـــــــــــــــــــــــــ
1- ( راجع :د. أبو الحسن سلام ، محاضرات في مناهج التمثيل والإخراج، طلاب الدراسات التمهيدية لدرجة الدكتوراة بقسم المسرح بجامعة الإسكندرية2009 )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو