الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة العربية في المغرب بين الترسيم الدستوري و تحديات الواقع

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2011 / 6 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


حضرت العربية كلغة رسمية في لمغرب منذ دستور 1962 و استمر هذا الطابع الرسمي مع دستور 1996؛ و الآن جاء مشروع دستور 2011 ليؤكد على هذا الطابع الرسمي؛ إذ جاء في الفصل الخامس منه : " تظل العربية اللغة الرسمية للدولة" كما جاء في نفس الفصل تأكيد من الدولة على حماية و تطوير اللغة العربية؛ و تنمية استعمالها .
إن هذه الدسترة في الواقع ليست سوى إقرارا بواقع لغوي؛ كانت فيه الريادة دائما للغة العربية؛ على امتداد اثني عشر قرنا؛ ليس من منظور إيديولوجي و ديني- كما يحلو للبعض أن يزعم- و لكن من منظور السوق اللغوية – كما صاغها بيير بورديو- حيث " توجد السوق اللغوية عندما ينتج شخص ما خطابا موجها لمتلقين قادرين على تقييمه وتقديره ومنحه سعرا معينا " بيير بورديو- السوق اللغوية- تر: حسن أحجيج-فكر و نقد – ع: 20 .
و الخطاب ارتبط دوما باللغة؛ و بخصوص اللغة العربية؛ فقد كانت لقرون؛ لغة العلم و المعرفة؛ و لهذا كان سعرها عالي القيمة دائما؛ ليس بسبب ارتباطها بالدين فقط؛ و لكن كذلك لقيمتها الحضارية؛ و حمولتها الفكرية و العلمية.
لقد حضرت العربية في المغرب –و ما زالت- كرأسمال لغوي؛ و الحديث عن الرأسمال اللغوي –حسب بورديو- يعني وجود فوائد لغوية. و لعل أهم هذه الفوائد في حالة المغرب؛ هو أن تتمكن منطقة مغمورة في شمال إفريقيا؛ من فرض نفسها كقوة حضارية؛ وصل إشعاعها الحضاري إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط؛ و صنع حضارة ما زالت إسبانيا تحتفظ بآثارها إلى اليوم .
و إذا كانت السوق اللغوية-حسب بورديو- بمثابة نمط معين من القوانين (المتغيرة) التي تحكم تشكل أسعار المنتوجات اللغوية؛ فإن اللغة العربية من هذا المنظور؛ و نظرا لامتدادها في جغرافيات متعددة و لمراحل تاريخية طويلة؛ تؤكد تسعيرتها الحقيقية التي لم تتراجع كغيرها من المنتوجات اللغوية الأخرى؛ و من منظور قانون العرض و الطلب؛ فإن المنتوج الذي يحافظ على تسعيرته لوقت أطول؛ هو منتوج عالي الجودة؛ لأن المستهلك اللغوي لن يقبل بمنتوج ضعيف الجودة؛ مع وجود منتوجات لغوية منافسة .
إن المشرع المغربي –إذن- و هو يدستر اللغة العربية كلغة رسمية؛ في جميع التعديلات الدستورية؛ لا يقدم على هذه الخطوة فقط للمحافظة على الانتماء العربي للمغرب –لأن هذا أمر واقع لا جدال فيه- و لكن لأن اللغة العربية حضرت في المغرب كرأسمال ثمين؛ ساهم إلى حد بعيد في نقل المغرب إلى مرحلة حضارية جديدة؛ كفاعل إقليمي و قومي و دولي .
و نحن هنا حينما نتحدث عن اللغة العربية؛ فإننا نقصد التراكم الثقافي و الحضاري الذي تحمله هذه اللغة؛ ما دامت اللغة في الأخير هي مسكن الكائن كما يؤكد الفيلسوف الألماني (هيدجر).
إن الشخصية المغربية (بالمعنى الجمعي) في تشكلها التاريخي؛ فكريا و اجتماعيا ونفسيا؛ هي مدينة في جزء كبير جدا للعروبة؛ كلغة و ثقافة و حضارة و دين؛ و الكتابات التاريخية اللاتينية التي تحدثت عن شمال إفريقيا تقدم لنا صورة حقيقية عن المغرب العربي؛ الذي كان مزرعة كبيرة لروما؛ ينتج القمح و الشعير؛ أما الثقافة و الحضارة؛ فهي حكر على الروماني (المتحضر)/(المتدين)؛ و لا يشاركه فيها (البربري) الذي سلبه الرومان حتى القابلية لتقليد الروماني المتحضر!
إن أول ما استطاع الإنسان المغربي تكسيره؛ بعد انتمائه إلى الثقافة و الحضارة العربية؛ هي تلك الصورة النمطية التي رسمها له الرومان؛ باعتباره بربريا/ غير متحضر... حيث نجح خلال وقت قياسي؛ في قلب التوازنات السائدة؛ و ترقى في سلم الحضارة؛ و أصبح مصدرا أساسيا؛ للغة و الثقافة و الدين... و هكذا سيلقن أحفاد الرومان دروسا بليغة؛ حينما نجح في بناء إمبراطورية تمتد من إفريقيا إلى أوربا؛ إمبراطورية تداول على حكمها العرب (الأدارسة؛ السعديون؛ العلويون) و كذلك الأمازيغ( المرابطون؛ الموحدون؛ المرينيون) .
لقد ولدت العروبة في المغرب عبر زواج ناجح بين (كنزه الأمازيغية) ابنة زعيم أكبر قبيلة مغربية (أوربة)؛ و (إدريس العربي) الذي دخل المغرب فوحده و بنى أسس إمبراطورية قوية؛ امتدت حدودها بين بلاد تامسنا على المحيط الأطلسي غربا و بلاد تلمسان بالمغرب الأوسط شرقا .
إن عروبة المغرب لم تتنكر يوما للإرث التاريخي الأمازيغي؛ بل خلقت حوارا حضاريا يتجاوز قدرات المرحلة؛ و إذا كان (إدريس الأول) هو مؤسس هذا الحوار؛ بعدما تمت مبايعته من طرف القبائل المغربية؛ على اقتناع تام برسالته الحضارية السامية؛ التي حارب و هاجر من اجلها؛ فإن هذا الحوار هو الذي سيستمر لقرون بعده؛ و ما زال يفرض نفسه بقوة رغم المؤامرات التي تواجهه من الداخل و الخارج .
و لذلك فقد آمنت العروبة في المغرب بالتعددية و الاختلاف؛ خلال مرحلة كان السيف هو الحاسم بين الجد الهزل ! و هذا ما شجع المغاربة على الافتخار بالانتماء إلى هذا المعين الحضاري الذي لا ينضب؛ فأحسوا و اقتنعوا لقرون أنهم يشكلون امتدادا للعالم العربي الكبير (مشرقا و مغربا) و هذه حقيقة انغرست في فكر و وجدان المغاربة؛ لم يستطع المستعمر الفرنسي رغم مجهوداته الجبارة اقتلاعها .
و هذه رسالة يجب على أذناب الاستعمار الفرنسي في المغرب؛ اليوم؛ أن يستوعبوها جيدا؛ فالمغرب سيظل امتدادا عربيا؛ ليس لأن الأمر مفروض على المغاربة بالقوة و العنف؛ و لكن لأن المغاربة فضلوا هذا الخيار الحضاري؛ و أجمعوا حوله في واقعهم المعيش فكريا ووجدانيا؛ قبل أن يترجم دستوريا .
إن مشروع دستور 2011 حينما يؤكد على الطابع الرسمي للغة العربية و يتعهد بحمايتها و تطويرها؛ و تنمية استعمالها؛ و حينما يؤكد على تعميق أواصر الانتماء إلى الأمة العربية الإسلامية؛ و توطيد وشائج الأخوة و التضامن مع شعوبها الشقيقة؛ حينما يؤكد على كل هذا؛ فهو لا يضع خريطة طريق توضح كيف يمكن الانتقال من التنظير إلى الممارسة.
و هذا ما يدفع إلى التساؤل مرة أخرى؛ هل هناك إرادة حقيقية للدولة؛ بخصوص دسترة اللغة العربية كلغة أولى للمغاربة دستوريا و كذلك واقعيا؟ أم إن دستور 2011 سيعتمد نفس منطق الدساتير السابقة؛ التي نصت جميعها على ترسيم اللغة العربية؛ لكن الواقع كان شيئا آخر؛ حيث أن جميع القطاعات الحيوية في الدولة من اقتصاد و إدارة و تعليم عالي ... تعتمد اللغة الفرنسية؛ أما اللغة العربية فإنها اكتفت بحضور رسمي على مستوى الدستور؛ من دون ترجمة النص الدستوري على مستوى الممارسة ؟
لقد علمتنا التجارب الدستورية السابقة؛ أن الدستور شيء و الممارسة شيء آخر؛ لذلك من حقنا أن نتساءل حول طبيعة الترسيم المرتقب للغة العربية في دستور 2011 ؛ فهل سيظل النص الدستوري الخاص بترسيم اللغة العربية؛ نصا فارغ المحتوى؛ يخضع للانتهاك من طرف اللوبي الفرنكفوني؛ الذي يفرض اللغة الفرنسية في المغرب؛ كلغة أولى على مستوى الممارسة ؟ أليس من واجب الدولة أن تكون حاسمة؛ في فرض نصوص الدستور المتفق حولها من طرف المغاربة؛ على الجميع و من دون تمييز خصوصا و أن الفصل السابع و الثلاثين من مشروع دستور 2011 يؤكد : " على جميع المواطنين احترام الدستور و التقيد بالقانون؛و يتعين عليهم ممارسة الحقوق و الحريات التي يكفلها الدستور بروح المسؤولية و المواطنة المسؤولة؛ التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات" ؟
إن دسترة العربية كلغة رسمية أولى في المغرب؛ تواجه في الواقع مجموعة من العوائق التي رسخها الاستعمار الفرنسي؛ حينما وضع نصب أعينه؛ محاربة اللغة العربية في المغرب؛ لأنها تمثل امتدادا حضاريا؛ يمكن أن يعرقل جميع مشاريعه الاستيطانية. و حتى بعد انسحابه من ساحة المعركة على وقع ضربات المقاومة؛ سيعوض انسحابه باستعمار ثقافي؛ و كانت الفرانكفونية هي الجسر الرابط بين الاستعمار العسكري و الاستعمار الثقافي.
و لذلك فإن العائق الحقيقي أمام دسترة اللغة العربية في المغرب؛ هو هيمنة اللغة الفرنسية؛ على جميع القطاعات الحيوية في الدولة؛ من الاقتصاد إلى الإدارة إلى التعليم... و هذا ما يجعل ترسيم اللغة العربية؛لا يتجاوز المستوى الرسمي؛ أما الدسترة الحقيقية و الواقعية فهي للغة الفرنسية رغم أن الدستور لا ينص على ذلك صراحة .
لنكن أكثر وضوحا –إذن- في علاقتنا مع الشعب المغربي؛ و إذا كان التيار الفرنكفوني في المغرب يسعى إلى فرض اللغة الفرنسية على المغاربة كلغة أولى؛ فليدافع على خياره أمام المغاربة؛ من خلال دسترة الفرنسية كلغة رسمية للمغرب؛ و عرض ذلك على الاستفتاء الشعبي؛ و إذا قبل المغاربة بذلك؛ فيجب على الدولة أن تفرض هذه اللغة على المغاربة بقوة القانون؛ أما أن نتحايل على نصوص الدستور؛ فنقوم بترسيم اللغة العربية على الورق؛ و ترسيم اللغة الفرنسية على أرض الواقع؛ فهذا هو ما لا يجب أن يقبل به الشعب المغربي؛ من منطلق دستوري واضح؛ يدافع على سيادة الوضوح و الشفافية بين المواطنين؛ الذين يصوتون على الدستور؛ و بين الدولة التي تؤتمن على حماية سيادة الدستور في الحياة العامة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كتب الأمازيغ وتكلموا لغات كل الدخلاء
ميس اومازيغ ( 2011 / 6 / 23 - 17:05 )
لذلك نجد لغتك العربية هذه يا رجل تتداول في ألأسواق وفي الشارع العام ليس فقط في المغرب بل حتى في عقر دار من يعتبرون عربا, غريب امركم اليست مجرد لغة ورقية لا يتقن التخاطب بها حتى ملوك ورؤساء من تسميهم عربا؟ يا رجل انها محكومة بالأنفقراض رغم كل محاولات المتشبثين بالوهم,ثم هل حقا دخلت العروبة الى المغرب عن طريق المسمى ادريس؟ ان ادريس مات وحسب ما هو معلوم فانه كان عاقرا وانني لأتحدى ان يعرض محتوى قبر من يسمى ادريس2 لتحليل الدي ان اي لأزالة كل غموض والتباس,ثم لتعلم ان قصة هذا الشخص يلفها من الغموض ما يجعلها اسطورة تاريخية لا غير , ان الأمازيغ يا رجل كتبوا بكل لغات الدخلاء وتكلموها بل ان بعضهم تروم ,اعد قرائة التاريخ ليتبين لك الأمر, الم ياتيك حديث اغوسطين انه ألأمازيغي( سي اغو سثين) ومعناه الحليب المصفى,ان ترسيم الأمازيغية وايلائها ما تستحق من العناية 1في 1000 فقط مما اهدر عن العربية ستريك من تكون غذا واهل مكة ادرى بشعابه كما يقال,
تقبل تحياتي

اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو