الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخلاق اليساريين - بمناسبة محاولات بعث الروح في الصدام اليساري – الإسلامي في العراق

علي بداي

2011 / 6 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


وصلت الشعوب العربية مع نهاية العام الماضي الى نهاية مخزون صبرها وتحملها الذي فاق بكمه مخزون أراضيها من النفط . نعم أخيراً دخلت شعوبنا مرحلة التصادم الحقيقي المنتظر منذ عقود مع حكامها، فإحتج العرب عبر حرائق بشرية فريدة من نوعها تكررت يوميا ، لتعلن حلول ساعة الخلاص من حياة لا أمل فيها . حلت ساعة الإنتفاض، ولكن دون أن يلوح في الأفق مايشير الى ولادة البديل الذي ينتشل الملايين نهائياً من مستنقع الفقر والتخلف ، فالقوى التي مثلت أمل الفقراء قبل أربعين أو خمسين سنة تُحاصر الآن في زاوية ضيقة مُتهمة بالخروج على "أعراف المجتمع" و" أخلاقنا الإسلامية " ولاتكاد تجد الطريق ولا الطريقة للدفاع عن نفسها .
في هذا الوقت يأتي ماكتبه الداعية الإسلامي "عدلي صادق" من مركز الدعوة الإسلامية في فلسطين بعد زيارته لولاية "كيرالا" الهندية التي يحكمها الحزب الشيوعي منذ فوزه في الإنتخابات الأخيرة، ليثيرالكثيرمن علامات التعجب والأسئلة الباحثة عن إجابات.
تُعّد كيرالا ومعها ولاية البنغال الغربية (شمال شرق الهند) أهم مراكز ثقل الشيوعيين في البلاد وهي تضم (20) دائرة انتخابية تتوزع على (14)محافظة. ويبلغ تعداد سكانها أقل بقليل من 32 مليون نسمة.
يتحدث السيد "عدلي صادق" من مركز الدعوة الإسلامية عن رحلته من دلهي الى ولاية "كيرالا" للمرة الثانية خلال سنة فيقول:
"كانت رحلتي هي الثانية خلال سنة الى الولاية العجيبة الفاتنة، التي يحكمها حزب شيوعي، له من جماليات السلوك الإجتماعي ومآثره وآدابه، ما لاقى إحترام وإنصاف الشيوخ وعمداء كليات الشريعة واللغة العربية ومعهم الفعاليات الحزبية والدينية من كل الأطياف. فحكومة "كيرالا" كلفت وزيراً من كلي الديانتين اللتين يدين بهما سكان الولاية الكبيرة، لكي يضطلع بالمسؤولية عن الشؤون الدينية لجماعته، وعن دور العبادة والأوقاف التابعة لها. وبالنسبة للمسلمين، فإن هناك شبه إجماع على حُسن أداء وأريحية وزير الشؤون البلدية والقروية الشيوعي «بالولي محمد كوتي» الذي هو أيضاً مسؤول مديرية مصالح المسلمين وأوقافهم. الشيوخ يصفونه بالمسلم بالولادة، وهو لا يعارض هذا الوصف، بينما الواصفون يقرون أن تجربة "كيرالا" الشيوعية، ربما ستهدي نجاحات أخرى للشيوعيين في ولايات أخرى".
يقارن "عدلي صادق " بين حكم شيوعي في الهند وحكم إسلامي في غزة قائلا: عندما سمعت هذا الكلام هنا، حدثتني نفسي، أن النقيض الصارخ لتجربة "كيرالا" الشيوعية، هو تجربة "غزة" الإسلامية، التي لن تهدي «الإخوان» سوى العفار!
ويستطرد الداعية الإسلامي "عدلي صادق" قائلا:
في ولاية "كيرالا" الشاسعة، ترى عجباً في الطبيعة وفي الإنسان، فشوارع مدينة «كاليكيت» خالية تماماً من المتسولين، وخالية من القمامة بخلاف الوضع في العاصمة الإتحادية دلهي ، أي إنها تتميز بالنظافة عن عواصم قاريّة تتكوم فيها القمامة التي ترتع فيها القطط، في منحنيات شوارع أحيائها الراقية.
ليس هذا فحسب بل ويورد السيد "عدلي صادق" ما هو أهم :
وتخلو "كاليكيت" من الظواهر المثيرة، كالسراويل الأنثوية المحزّقة، أو الثياب الكاشفة عن المفاتن الجسدية، كما تخلو من إشارات تدل على التواجد البذيء للعالم السُفلي، من دعارة ومخدرات، ودعارة «سياحية» مغلّفة بعروض خدمات «المساج» كما في ولايات أخرى. وربما لا تلمح شرطياً ولا سيارة أمن، وتحس أن الناس هنا، من المستحيل ان يتشاجروا أو أن يعلو صوتهم في وجه بعضهم البعض.
قرأت هذا الحديث الصريح للسيد " عدلي صادق" وأنا أتابع وقائع وتطورات المعركة التي يخوضها مجلس محافظة بغداد منذ قرابة العام مع الكتاب والمثقفين العراقيين بدعاوى الترويج لتعاطي الخمر والأباحية ، واللهجة الغريبة التي يستخدمها السيد " كامل الزيدي" رئيس مجلس المحافظة في التعامل مع الأدباء ( وجلهم من اليساريين) بتكراره لمفردات مثل " مخمورين" و"المروجين للملاهي الليلية " .
أين هي الحقيقة ؟ في هذا الخليط من التهم المتبادلة ؟ وكيف يمكن أن يكون يساريو الهند أكثر "حشمة" وإحتراما " لأخلاق المجتمع " من يساريي العراق؟
أن سلاح التشهير وإثارة الكذب هو سلاح يشتد بأسه ، كما يبدو، كلما إنحدر المجتمع وإنزلق الى مستنقعات التخلف والخرافة . في هذا الخضم لايغيب عن أصحاب مشروع "التشهير"الخلط المتعمد والساذج بين الثقافة الرفيعة والتحلل الأخلاقي فلايفرقون متعمدين بين منتديات المثقفين ، وملاهي الرقص الخليع والمجون التي يحاربها اليساريون. وهذا الخلط لايعني أنهم يجهلون الفرق بين الأمرين، بل لأن هذا الطريق هو الأسهل للوصول الى أهدافهم. فاليساريون مثلا يتميزون بالدعوة للإهتمام بكل مايخص التطوير الروحي للإنسان وضمن ذلك الموسيقى الرفيعة والآداب والفن التشكيلي ، ولكن المتطرفين من بين التيارات الإسلامية يأخذون من الموسيقى الجانب الأردأ الذي يُستغل في الملاهي المتواضعة والمراقص الخليعة لكي يرفعونه كلافتة في صراعهم من أجل شل عقول البسطاء ومنعهم من القدرة على التفكير. واليساريون يضعون حرية المرأة كإنسان في أولوياتهم لكن المتطرفين الإسلاميين يحاولون تلطيخ هذا الشعار الإنساني بمساواته مع الأباحية وتشجيع الدعارة .

تؤكد تجربة السنين الماضية أن المعركة بين الجانب الديني الطائفي والعلماني في مثل هذه الظروف ستبقى غير واضحة المعالم وغيرمتكافئة ، مما يوجب على اليساريين تكثيف جهودهم لتجنب الإنجرارنحو مواجهة لايكسبون منها شئيا بسبب إفتقارهم الى وسائل الإعلام واسعة الإنتشار المرئية أولاً، وبسبب أن السيد "الزيدي" مثلا ماهو الا واجهة الصدام أما الماكنة التي تدعمه فهي كل الأحزاب الدينية الطائفية ومن خلفها رأس المال الديني الإيراني الضخم ثانياً. وبسبب من واقع التخلف الإجتماعي المريع الذي تعيشة أغلبية فئات الشعب العراقي.
فالمنطق الذي تنتهجه القوى الأكثرتخلفاً من بين التيارات الإسلامية هو منطق جرالقوى اليسارية الى مواجهة يظهر فيها اليساريون وكأنهم مدافعين عن البارات والملاهي والمجون، ويؤقت الإسلاميون حملاتهم في فترات حساسة لإستثمار زخم شهر محرم أو شهر رمضان، والهدف الأساس من وراء ذلك هو سياسي بالدرجة الأولى، وهو إرغام اليساريين على التخلي عن تصديهم لفساد الحكومة ومجالس محافظاتها وخاصة مجلس محافظة بغداد الذي يحفل بغير الكفوئين والمتهمين بجرائم تزوير.
تعرف أغلبية الشعب العراقي أن اليساريين هم الجهة الوحيدة التي لم تتلوث أياديها بالفساد وهذا بحد ذاته مايُرعب القوى التي نهبت البلاد بإسم الدين ،وهكذا فكلما تزايدت إشارات الإتهام بإتجاه الإسلاميين تحملّهم مسؤولية خراب البلاد ونهبها بإسم الدين ، كلما حاول هؤلاء حرف وجهة موجات النقد الجارفة عبر خلق صدام مع اليساريين حول مسائل ذات حساسية إجتماعية. في مثل هذه الحال ستكون المعركة أشد ضراوة فهي تخص زعزعة الاساس الروحي الذي يستند اليه النهب الإقتصادي .

هناك من يقول أن أطرافا ما في الحكومة تسعى عن قصد لتعزيز مكانة الأحزاب الدينية عبر تصويرها كجهة حافظة للأخلاق ومدافعة عن القيم الرفيعة ، ووسيلتها في ذلك إستدعاء الفعاليات والمظاهر التي لايستسيغها المجتمع الآن الى الواجهة ،مثل إستدعاء فرق غربية تضم راقصات يرتدين الملابس القصيرة للإشتراك في إحياء المهرجانات ومن ثم توجيه أنظار الناس الى ذلك لإثارة الإنتباه وإستثمار الضجة، هذا ماحصل بالضبط في مهرجان بابل حيث إستثمر مجلس المحافظة وجود نساء بملابس قصيرة ضمن الفرقة الدنماركية للإنقضاض على الموسيقى كلها .فالاسلاميون يقطفون الآن ثمار مرحلة التخلف الإجتماعي التي دخلها العراق بتمهيد من جرائم صدام حسين الإجتماعية الكبرى ولربما كانت الظروف الحالية أنسب لهم لتمرير مشروعهم المتخلف حتى من بداية القرن الماضي بعد أن حل المسجد محل المثقف وإكتسبت الجامعة دور الجامع وتمكنوا هم من وضع اليد على المليارات عبر النهب وموازنات الوقفين الشيعي السني التي تفوق موازنات الوزارات الخدمية.
وبعد كل هذا يثير ماكتبه السيد عدلي صادق من مركز الدعوة الإسلامية في فلسطين سؤالين كبيرين هما: لماذا يستحسن إسلاميونا مايفعله اليساريون في البلدان الأخرى ولايتورعون عن عمل أي شئ لتشويه سمعة اليساريين في بلدانهم؟ وإذا كان مرد ذلك هو فشل اليساريين في الإقتراب من الناس في بلداننا فالسؤال الثاني هو لماذا يفشل اليساريون في إقناع الناس ببرامجهم الإجتماعية؟ وكيف وصلت الأمور في البلدان العربية أن تتصدر التجمعات الدينية التي لم يكن لها أي دور في معارك التحررالوطني والإستقلال المشهد السياسي؟ وهناك ماهو أهم كيف سترد جموع العلمانيين في بلداننا على هجمات الإعلام الديني المتطرف بحيث لايكون أمام أي أحد الا أن يُقر بما أقر به السيد "عدلي صادق"؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أرجو ان يكون صالحاً للنشر
رافد الجشعمي ( 2011 / 6 / 23 - 19:58 )
اذا اردت بناء بيتي فلن اهتم بعقيدة البناء قدر اهتمامي بحرفيته . للأسف يجر اليسار العراقي نفسه الى مواجهات في ميادين و موضوعات ليست في صالحه تماماً . أقول : ان عظمة اليسار في حمله الراية الاجتماعية وآلام الفقراء , ولكن , من خلال متابعتي للحوار المتمدن لم أعثر على هذا النوع من الطرح , ولا اريد ان أعد هفوات اليسار , بل ارى ان على اليسار ان يعمل جدياً لنيل الثقة الشعبية بميزان صناديق الاقتراع , لان البرلمان هو ساحة التغيير . وشكراً

اخر الافلام

.. داعمو غزة يغيرون ا?سماء شوارع في فرنسا برموز فلسطينية


.. رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب




.. مراسل الجزيرة هشام زقوت يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع


.. القسام تستهدف ثكنة للاحتلال في محور نتساريم




.. واشنطن تطالب قطر بطرد قيادة حماس حال رفضها وقف إطلاق النار