الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنقاذ الثورات العربية من الاختراق

مصطفى مجدي الجمال

2011 / 6 / 24
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


في الخمسينيات والستينيات ثارت الشعوب العربية من أجل التحرر الوطني، وضد الصهيونية والاستعمار.. وكانت الثورات الوطنية العربية المتزامنة والمتفاعلة دليلاً واضحًا على الوحدة الوجدانية والمصلحية بين الشعوب العربية..
ووقتذاك لم يجد الاستعمار والصهيونية حليفًا غير النظم العربية الرجعية، تلك النظم التي سخرت كل إمكاناتها المالية للتآمر على الثورات والنظم الوطنية العربية، بدءًا من الاغتيالات والحركات الانفصالية والضغوط الاقتصادية، ومرورًا بالاستدراج إلى حروب استنزافية مثلما حدث في حرب اليمن، وانتهاءً بتشجيع وتمويل والترويج للحركات الرجعية التي ترفع زورًا شعارات الإسلام كي توقف المد الوطني التحرري..
أما اليوم.. فقد أكدت الشهور الأخيرة أن وحدة الوجدان والمصالح المشتركة العربية أقوى بكثير مما يظن المتربصون سوءًا بالشعوب العربية.. فما إن انطلقت الثورة في الريف التونسي وامتدت إلى العاصمة وهرب الدكتاتور المخلوع إلى السعودية، حتى كانت كبرى الثورات الشعبية العربية الحديثة في القاهرة والأسكندرية والسويس والمنصورة وسائر المدن المصرية، واليوم ها هي السعودية نفسها تمارس ضغوطًا هائلة على المجلس العسكري المصري من أجل مساعدة مبارك وزمرته على النفاذ بجلدهم..
واتسع إشعاع الثورة المصرية ليمتد إلى ليبيا واليمن والبحرين وسوريا.. وكالعادة استخدمت السعودية قدراتها المالية والقبلية كي لا تؤدي الإطاحة الممكنة بدكتاتور اليمن إلى تغيير حقيقي في النظام السياسي والاجتماعي يشكل خطرًا على النظام السعودي الرجعي الموغل في تخلفه وعمالته للولايات المتحدة.. ونتيجة لهذا التلاعب بالمبادرات والزعامات القبلية دفع الشعب اليمني وشبابه الثائر ثمنًا باهظًا جدًا في الأرواح..
أما في البحرين فلم تجد السعودية بدًا من الزحف العسكري لقمع الثورة البحرينية، ورفع أقبح الشعارات والنعرات المذهبية لحرمان الشعب البحريني البطل من ثمار تحركه الشجاع ضد حكم فاسد ومتفسخ.. وتحت شعار محاربة التوسع الشيعي والإيراني أريقت الدماء وتم تكميم الأفواه.. بينما أدعياء الديمقراطية في الغرب الاستعماري يباركون أو يوجهون انتقادات خفيفة.
وعلى العكس من هذا تحركت الدول العربية الرجعية بكل قواها وإمكاناتها لإسقاط النظامين السوري والليبي.. وهما بالطبع نظامان مستبدان ولا يمكن الدفاع عنهما بحال من الأحوال.. ولكن عداء السعودية والنظم الرجعية العربية ، ومن ورائهم الغرب الاستعماري، لهذين النظامين ليس سببه بالطبع الرغبة في نشر الديمقراطية في سوريا وليبيا.. وإنما تقديم الخدمات للاستعمار الذي يبذل كل ما في طاقته للاستيلاء على كامل النفط الليبي الذي ذهب جزء منه للصين وروسيا وماليزيا.. أما سعي السعودية لإسقاط النظام السوري فهدفه بالتأكيد القضاء على أي تهديد للكيان الصهيوني، وخاصة من خلال الصداع الذب يمثله حزب الله في لبنان، وتصاعد النفوذ الإيراني بالمنطقة..
وهكذا لا يمكن لأي أحد على ظهر الأرض إنكار حق الشعوب في الإطاحة بالجلادين والنهابين.. ولكن في الوقت نفسه يجب على الشعوب العربية أن تدقق جيدًا فيمن يدعون أنهم حلفاء ومؤيدون حقيقيون للثورة.. فلا يمكن على الإطلاق تصور أن الولايات المتحدة وحلف الناتو والسعودية أنصار مخلصون للثورات.. وإنما هم يريدون امتطاء ظهر الثورات العربية لتحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية واقتصادية محددة..
السخرية الحقيقية أن بلدًا كالسعودية لا تتوفر فيه الحدود الدنيا من حقوق الإنسان سواء للمواطنين أم للمقيمين على أرضه (باستثناء الأمريكان والأوربيين طبعًا) يمكن أن يكون نصيرًا للثورات العربية.. فالسعودية ليس بها برلمان ولا أحزاب ولا نقابات ولا رقابة على الميزانية.. فهل هذه هي قلعة الديمقراطية التي يستند إليها الغرب الاستعماري في نشر الحريات، أم في السعي لاختطاف الثورات العربية وتحويل مسارها..
نعم.. هناك محاولات حثيثة لاختطاف الثورات العربية.. خاصة وأن هذه الثورات في معظمها قد قامت بها تحركات شعبية تلقائية وائتلافات عريضة جدًا اجتمعت على مطالب إسقاط النظام، ولكن للأسف دون برامج واضحة لبناء الدولة البديلة..
محاولة الاختطاف الأوضح تقوم بها القوى الظلامية رافعة- للمفارقة- شعارات الديمقراطية، بينما تقول الحقيقة إن أيديولوجيتها معادية لجوهر الديمقراطية، وحتى إن اضطرتها الظروف التكتيكية والملابسات المرحلية إلى رفع شعارات الديمقراطية فهي ديمقراطية "المشوار الواحد".. أي ينتهي الغرض منها تمامًا بعدما توصل الظلاميين إلى كراسي الحكم..
وتزداد خطورة الظلاميين بكل تنويعاتهم على الثورة إذا أخذنا في الحسبان التفكير الجدي عند بعض دوائرا لبحث وصنع القرار في الولايات المتحدة لاستخدام التيارات الظلامية في مشروع حده الأدنى هو السيناريو التركي وحده الأقصى هو السيناريو الباكستاني.. وبالطبع سيختلف هذا المزيج من بلد عربي لآخر..
لن تكفي الإطاحة بالطغاة إذا ظلت نظمهم باقية على حالها، وقواعدهم الاجتماعية لم تُمس في الصميم.. ولن يكفي تغيير الدساتير إذا ظلت ثروات البلاد منهوبة للأجانب ووكلائهم من اللصوص المحليين..
أي أن الديمقراطية السياسية لن تكتمل إلا بإحداث تغييرات دستورية عميقة في بنية السلطة والمجتمع بما لا يسمح بعودة الدكتاتورية واللصوصية والزبونية السياسية، وأيضًا بإرساء عقد اجتماعي جديد لا يمكن لأي طرف كان الانقلاب عليه إذا اغتر بقوته في لحظة تاريخية معينة..
أيضًا لا بد أن تكتمل الديمقراطية السياسية بتغيير اجتماعي حقيقي.. فيتم إيقاف سياسات الخصخصة ونهب المال العام واستيلاء شلل الفاسدين على الموارد الاقتصادية.. كما يجب أن تعود الدولة للقيام بوظائفها الاقتصادية والاجتماعية لتوفير العمل والسكن والتعليم والعلاج لفئات الشعب المطحونة من الفقراء ومحدودي الدخل والمهمشين.. ولا بد أن تكون الديمقراطية سلاحًا في أيدي الجماهير من أجل العدل الاجتماعي..
إذا نجحت الثورات العربية في الربط بين المطالب الديمقراطية والمطالب الاجتماعية والاقتصادية للجماهير.. فإنها سوف تكتشف ساعتها أن من يدعون زورًا الوقوف إلى جانب الثورات العربية هم أول من سينقلبون عليها، وسيحاولون إعادتنا مرة أخرى إلى حظيرة نظم حكم عسكرية أو عائلية أو عشائرية.. أو حتى التآمر لتفتيت الأوطان بفعل صراعات عرقية أو طائفية أو قبلية..
خلاصة القول إن طوق النجاة وشرط النجاح للثورات العربية هو في الجمع بين شعارات التحول الديمقراطي والعدل الاجتماعي والحفاظ على الإرادة الوطنية المستقلة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمين المتطرف في فرنسا يعتزم منع مزدوجي الجنسية من شغل مناص


.. تركيا تدعو سوريا -لاستغلال الهدوء- للتقارب مع المعارضة والتح




.. VODCAST الميادين | حمة الهمامي - الأمين العام لحزب العمال ال


.. غريتا ثونبرغ تنضم إلى آلاف المتظاهرين لأجل المناخ في هلسنكي




.. نيران تأتي على البرلمان الكيني إثر اقتحامه من آلاف المحتجين