الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مثقفون وفتّانون

سعدون محسن ضمد

2011 / 6 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


في الحياة هناك قدران، خاسران، تعيسان ويؤديان إلى الفشل، الأول هو قدر المثقف، والثاني هو قدر الجماهير التي يسعى المثقف لإصلاحها.. وأزاء هذين القدرين، هناك قدر ثالث، رابح، سعيد ويؤدي إلى النجاح، ذلك هو قدرُ (قائد) الجماهير، فتّانها، مخادعها ومصّاص دمائها.
قدر المثقف أن وعيه مغاير لوعي الناس، يدرك ما لا يدركون، يراهم بأم عينه يسرعون نحو السراب فرحين، فيقف بوجههم مضطراً، الأمر الذي يغضبهم منه. ويقف فتّان الجماهير ليستغل هذا التضاد لمصلحته، فيعبئ الجماهير ضد منافسه على قيادتها والحائل بينه وبين مص دمائها، مستغلاً ضعف موقف المثقف وهشاشته، من جهة، وجهل الجماهير المركَّب من جهة أخرى، فيفتن الجماهير من خلال الوقوف بصفها والظهور بمظهر الحريص على مصالحها. وهنا تتَّضح خسارة القدرين الأولين وربح القدر الثالث.
فماذا على الجماهير أن تفعل وهي تجد نفسها مخيرة بين اثنين، بين مثقف تحسب أنه يحول بينها وبين الخلاص، وبين فتّان تحسب أنه يأخذ بيدها إلى خلاصها؟ ومن جهة أخرى ماذا على المثقف أن يفعل وهو يرى أهله وأحبابه يسرعون نحو مصارعهم؟
يضطر المثقف ـ بحكم وعيه من جهة، وإخلاصه من جهة أهم ـ إلى الوقوف بوجه الجماهير. فهو لا يجد بداً من سد الطريق عليهم وإن كان يائساً من إقناعهم. وهنا يدرك الفتّان هشاشة موقف غريمه، وهكذا يركب ظهر الجماهير متَّجهاً بهم صوب السراب، ليحقق غايتين، إرضائهم وسحق غريمه بأقدامهم. أما الجماهير فتراها مضطرة لسحق هذا الذي تحسب أنه أحمق ليس إلا، وأعمى لا يرى طريق الخلاص، بل هو يحول بينها وبين سلوك هذا الطريق.
ومن هنا يكون قدر المثقف خاسراً؛ لأن مصرعه يكون سحقاً تحت أقدام من يكدح لإنقاذهم من الموت، ويكون قدر الجماهير خاسراً أيضاً لأنها تسحق بأقدامها، راعيها الحقيقي ومنقذها. ويكون قدر القائد الفتّان رابحاً، لأنه سيصل لموقع السراب محمولاً على الأكتاف بلا غريم يزعجه بفلسفته وتشكيكاته، وعندما ينكشف للجماهير أنها كانت تركض وراء السراب، سيكون لديه الوقت الكافي لتبرير موقفه، فهو لم يجبرهم على شيئ، بل وافقهم على اختيارهم، فإن كان مخطئاً فقد سبقوه إلى الخطأ.
أما ذلك الذي طُحنت عظامه سحقاً تحت الأقدام فقد يتصدقون عليه بالرحمة ويطلبون له الغفران، فيا لقدره الخاسر ويالحظه السيئ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل حقا يدرك مثقف عراق اليوم ما لا يدركون؟
محمد ضياء عيسى العقابي ( 2011 / 6 / 25 - 05:10 )
الوضع مقلوب في عراق ما بعد 2003. الجماهير أوعى من معظم مثقفيها الذين ضاعوا في بحر المستجدات لأنهم لا يفهمون الصراع الطبقي بعمق. وعي الجماهير غريزي نابع من الحرص على البقاء على قيد الحياة وتفادي أخطار الموت. ببساطة الجماهير تشعر وتسمع وترى بأم عينيها ما وقع عليها من إبادة جماعية أيام البعث الطغموي وما تلى سقوطه وما هي موعودة به (مثلاً: قبل أيام وزع الإرهابيون في جرف الصخر مناشير على البيوت الشيعية تنذرهم بالإبادة وأن لا شيعة بعد اليوم -فضائية الحرة). أما معظم مثقفينا وخاصة من اليسار فهم يكررون أخطاء الماضي ولم يستوعبوا دروس الحركة الشيوعية العراقية والعالمية. تشعر أن بعضهم وكأنه لم يسمع بسقوط الإتحاد السوفييتي والمنظومة الإشتراكية. إنهم يروِّجون، من غير إدراك، لبضائع تنتجها مصانع أعداء الديمقراطية لقتل الديمقراطية وبإسمها . يلومون هذا وذاك لفشلهم بينما الحقيقة الساطعة هي أنك لا تستطيع جذب الجماهير إليك وهي تشعر بخطر الإبادة وأنت تقول لهم: عيب عيب أنتو إخوة لا تتعاركون!!. القضية أيها السادة هي قضية صراع طبقي على السلطة المفقودة يريد المنتفع السابق إسترجاعها بأي ثمن. هذا هو جوهر الصراع.


2 - رائع ومتألق
مازن البلداوي ( 2011 / 6 / 25 - 06:33 )
اخي العزيز سعدون
مقال رائع زادك تألقا امام من عَرِفَ طرحك الموضوعي منذ بداية ظهورك الاعلامي، وبذات الوقتفاني استشعر بركان الغضب في داخلك وقدأ بدأ يلقي ما بداخله من الم وحسرة وندم لايملك لحيلولته من رادع
اخي العزيز..... هنالك نوع آخرون الناس يتحكم هو بقدره الا اني اعتقد بانك شملته مع الفتّان، وهو المثقف الذي يروّج للفتّان، هؤلاء هم ذراع الفتّان وذراعه فيجب على الواعين ان يضعوا لهم حدا، واعتقد بانّي قد علّقت على مثله في مقالات سابقة لك، وبالذات مسألة الجماهير والتي تمثل محور هذا الامر
فمن باب لانستطيع ان نصف الجماهير بأنها مغيّبة حرصا على كرامتها ومكانتها ومن باب آخر نتوقف عندما نريد ان نجعل من الجماهير حكما لمن تختاره قائدا لها ليخدمها خلال فترة معىينة، وماطرحته هنا يمثل عين المشكلة، الا اننا لانستطيع الهروب من القول بان جميع المجتمعات التي حدث فيها تغييرا معينا قد عانت من ذات مايعاني منه مجتمعنا، الا ان هذه المجتمعات كان لها من انبرى من بينها ليرفع صوته ويجهر بالحقيقة على مرارتها امام الجماهير
نعم ان الامر مُحْبِط الى درجة ما، الا اننا لن نكَفَّ عن المحاولة الجادة في سبيل العراق
تحيات


3 - تعليق
جعفرمحمدالتميمي ( 2011 / 6 / 25 - 07:11 )
ان مشكله المثقف الحقيقي في بلاد العرب وضمنها العراق بان هناك بون واسع بين وعيه ووعي الجماهيرفينشا فراغ يقوم بملاه المثقف الانتهازي والثوراتا لتي تشهدها البلدان العربيه اليوم هي ثورات ثقافيه اكثر من كونها ثورات سياسيه وهي قاىمه على ركيزتين الوعي والثقه الوعي ان تعي الجماهير ان الطلم والطغيان التي تعانيه طريق مسدود لابد من موقف للتغيير والركيزه الثانيه الثقه فلابد ان تثق الجماهير بالمثقف الحقيقي كخلاص لهاوفي عالم اليوم لم تعد نظره الفن للفن ناجحه فالظلم والطغيان يقصيان على كل معالم الفن والحمال انها معركه مصير دخلها المثقف الحقيقي وبصفه الجماهير ضد الظلم ومزيفي الثقافه معركه لابد من خوضها حتى النفس الاخير


4 - ما العمل
حسين محيي الدين ( 2011 / 6 / 25 - 10:31 )
لقد كتبت عن شيئ نحسه ونعيشه فلى المثقف الحقيقي والمخلص يسكت عن الوهم ليعيش مرتاح البال ولا العوام من الناس يعوون الحقيقة أو يتنازلون عن جهلهم المركب لذلك دائما لا يحقق المثقف مبتغاه . وينعم الفتان كما تقول باستغلال العوام وقيادتهم نحو المجهول . لكن لا تنسى يعيش المثقف مرتاح الضمير أما الفتان فلا ضمير له


5 - ما ينقص المثقف
احمد حسن ( 2011 / 6 / 27 - 09:02 )
تحياتي لك اخي سعدون والى كل المشاركين//في رايي ان الطاغي فنان ماهر لانه استطاع ان يجذب الجماهير ويحقق اهدافه فهو الفنان بلا منازع ويا ليت شعري لو كان المثقف يمتلك هذه الموهبة فالصراع في الواقع مابين فنان كامل واخر لا يعرف كيف يكون فنانا اما الجماهير فهم المتفرجون في مسرح الحياة وهذا يتطلب ان يبحث المثقف عن البرنامج الذي يجعله فنان امهر حتى يصفق له الجماهير واعتقدان سلاح الطاغية الذي جلب نجاحه هو الواقعية فهو يعيش معهم في كل تفاصيل حياتهم اما المثقف فقد جعل سدا ما بين الجماهير وافكارة بحيث ان الجماهير تراه يتكلم بغير لغتهم فلا يفهمونها/فعلا مثقفينا ان يدخلو المجتمع ويحطمو ذلك الجهل المؤسس كما سماه اركون ويدخلو في عمق تلك المؤسسات الصانعةللجهل وفي مجتمعنا المؤسسة الدينية/

اخر الافلام

.. السياسة الفرنسية تدخل على خط الاحتجاجات الطلابية


.. روسيا تزيد تسليح قواتها ردا على الدعم الغربي لكييف | #غرفة_ا




.. طهران.. مفاوضات سرية لشراء 300 طن من اليورانيوم | #غرفة_الأخ


.. الرياض تسعى للفصل بين التطبيع والاتفاق مع واشنطن | #غرفة_الأ




.. قراءة عسكرية.. صور خاصة للجزيرة تظهر رصد حزب الله مواقع الجي