الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المال وفير و لكن أين الإرادة السّياسيّة....؟!

باهي صالح

2011 / 6 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


أفلست و انهارت الاشتراكيّة كنظام إقتصادي في العالم كلّه و خلّفت و أورثت وراءها كوارث تنمويّة و اقتصاديّة على كلّ الأصعدة في جلّ البلدان الّتي تبنّتها، و الأسوأ أنّها شكّلت مجتمعات اتّكاليّة كسولة بفكر معوّق يعاكس الأداء و يناصبه العداء... الجزائر أيضا حذت حذو الدّول الاشتراكيّة و على رأسهم الاتّحاد السّوفييتي سابقا و قرّرت فجأة تغيير نظامها الاشتراكي بعد أن كانت ترى فيه خيارها الأوحد و مصيرها الّذي قرّرته و كتبته على نفسها بُعيد استقلالها كنظام لا خيار بعده و لا بديل عنه لبناء نفسها و صنع نهضتها...و لم تتنازل عنه إلاّ بعد أن تحوّل اقتصادها إلى خراب و تأكّد لديها أنّ كلّ ثوراتها في الصّناعة و الزّراعة و الثّقافة و غيرها كانت جلّها مجرّد زوابع صوتيّة و فسائيّة سرعان ما تلاشت و تبدّدت مثل فقاعات الصّابون، أمّا مصانعها و مركّباتها الصّناعيّة الّتي غنّت و طبّلت و زمّرت لها و أقامت لها الأعراس و المهراجانات الدّعائيّة طوال أكثر من ثلاث عقود لم تكن سوى هياكل كرتونيّة انهارت بشكل مضحك أمام أوّل هبّة ريح...!

فَهِمَ النّظام الجزائري بحكم طبيعة الشّخصيّة البدويّة لأبرز ساسته و حكّامه أنّ الاشتراكيّة هي مجرّد استيراد و تشييد مركّبات و مصانع و بنايات و هياكل خرسانيّة أو حديديّة و حصر ملكيتها على الدّولة ثمّ ملئها و حشوها بالآلاف المؤلّفة من المسيّرين و الإداريين الّذين لا شغل لهم غير قراءة الصّحف و تجاذب أطراف و أذيال الحديث إلى جانب جيوش مجيّشة من العمّال غير المدرّبين النّازحين من البوادي و الأرياف أساسا مع أنّ أغلبهم لا يعرف غير مهنة الرّعي و ممارسة الفلاحة الموسميّة منذ مئات السّنين، ثمّ لتوزّع لهم رواتب شهريّة بل و أرباح سنويّة تقتطعها لهم الدّولة من ميزانيتها و ليس من مداخيل أو أرباح مفترضة للشّركة أو للمصنع أو للمؤسّسة، و في احتفالات مناسبيّة و سنويّة و عرضيّة و استعراضيّة و دعائيّة و مجونيّة و تبذيريّة يعلنون أرقاما كاذبة عن أرباح و عن إنتاج و إنتاجيّة حقّقتها مصانعهم و شركاتهم الكرتونيّة الوهميّة...بينما حقيقة الأمر أنّ كلّ قطاعات الإنتاج المحتكرة جميعها من طرف الدّولة بدءا من صناعة المكانس الّتي كان يصنعها المكفوفون يدويّا إلى تركيب المركبات و بعض الآلات الثّقيلة مثل الجرّرات و الشّاحنات و غيرها...كلّها كانت خاسرة و الدّولة كانت تداري و تغطّي ديونها المتراكمة و المتزايدة سنويّا بالآلاف المؤلّفة من الملايير احسبها إن شئت بالدّينار أو حتّى بالدّولار...؟!

و لكن الاشتراكيّة لم تمنع بعض الدّول من تحقيق إنجازات ثوريّة و هامّة كالاتّحاد السّوفييتي سابقا...صحيح أنّ الاشتراكيّة انهارت في النّهاية بعد أن تهاوت بأداء الأمّة الرّوسيّة و أفرزت أمراضا عضالة و عادات سيّئة أدّت إلى تراجع حجم الاقتصاد و الدّخل القومي بصفة عامّة و وسّعت هوّة التطوّر في بعض تفاصيل التّكنولوجيا مقارنة مع أمريكا و الغرب، إلاّ و أنّه ورغم ذلك فإنّ أوّل قمر صناعي أُرسل إلى الفضاء و أوّل رجل مشى فوق القمر هما حدثان سوفيتيان بامتياز في عزّ و ذروة الاشتراكية و عصرها الذّهبي...!

بالإضافة إلى ذلك لا ننسى أيضا أنّ روسيا هي المقابل و النّد الاستراتيجي الوحيد و المكافئ لأمريكا ، فلا أوروبا و لا الصّين و لا اليابان و لا أيّ دولة أخرى يمكنها مضاهاة أمريكا خاصّة في الفضاء و التسلّح بأسلحة الدّمار الشّامل، أو في حجم و مدى و عدد الصّواريخ الباليستيّة العابرة للقارّات و لا في أقمارها الصّناعيّة و لا في حجم ترسانتها من بقيّة الأسلحة الكيميائيّة و البيولوجيّة و لا حتّى التّقليديّة و غيرها، منها المعلوم و كثير منها سرّي لا يعرفه و لا يعلمه أحد، بل أنّ روسيا تسبق العالم كلّه بما فيهم أمريكا نفسها خاصّة في علوم الفضاء بصفة عامّة و ليس أدلّ على ذلك أنّها كانت أوّل دولة في العالم تبادر إلى إنشاء أوّل محطّة فضائيّة سنة 1971 وهي محطّة ساليوت وكان على متنها سبعة روّاد وكانت أهدافها علميّة وعسكريّة، و في عام 1986 أنشأت هذه الدّولة محطّة مير الفضائية و لم تكن جوهرة تاج البرنامج الفضائي السّوفييتي فحسب، بل كانت جوهرة البرنامج الفضائي للجنس البشري كلّه، المحطّة التي زارها وعمل بها كثير من علماء وروّاد الفضاء من كثير من الدّول و الجنسيات و حُدّد عمرها الأفتراضي بخمس سنوات، لكنّها استمرّت تعمل بكفاءة و واصلت تخدم البشريّة فيما كانت تُغدق به على العِلم و العلماء من معلومات لا تُقدر بثمن عن الأرض و الكون طوال خمسة عشر سنة كاملة.. و ستبقى الإنسانيّة و كلّ استكشافاتها الفضائيّة في المستقبل القريب و حتّى البعيد تدين لهذه المحطّة بالكثير و الكثير...و في سنة 1998 و بموجب تعاون دولي بقيادة الولايات المتّحدة وروسيا وتمويل من كندا واليابان و مجموعة أخرى من الدّول الأوربيّة بدأ البناء في محطّة الفضاء الدّوليّة لتأخذ محلّ و مهامّ المحطّة الرّوسية مير، و المُلفت هو أنّ التّقنية و الخبرة الرّوسية في هذا المشروع الدّولي الجبّارهي العمدة و الأساس...!

إذا كيف تحقّقت كلّ تلك الإنجازات في كنف إشتراكيّة متطرّفة و متوحّشة....؟!

الإجابة سهلة و بسيطة و يمكن تلخيصها في جملة بسيطة: إنّها الإرادة السّياسيّة عندما تتحوّل إلى قرار سياسي في المقام الأوّل...
نعم الإرادة السياسيّة يمكن أن تُحقّق المعجزات في أيّ دولة خاصّة إذا توفّر المال...

محرّك النّهضة أو التّنمية في دولة ما متطوّرة قد يكون متعامدا تراكبيّا بالنّسبة للمجتمع أو أفقيّا أو حتّى كليهما معا أي تكامليّا في نفس المكان و الزّمان...أي أنّ عجلة التّطوير يمكن أن يضطلع بها و يشرف على إدارتها و تحريكها في الاتّجاه الصّحيح و السّليم السّاسة أو نظام الحكم بنفسه، و في دولة ثانية يمكن أن يبادر المفكّرون و المبدعون و النّخب و أصحاب المال و رجال الأعمال و بصفة آلية بحتة في تحريك العجلة (عجلة التّنمية) ، و في دولة ثالثة يمكن أيضا أن تتظافر جهود الطرفان (السّلطة و المجتمع المدني) و يساهم كلّ طرف بنصيبه و بطريقة عفويّة أيضا في إطلاق و تدوير تلك العجلة....و طبيعة التّركيبة الفكريّة و الثّقافيّة لهذه الدّولة أو لتلك الدّولة هي المُعطى و العامل الأساس في تحديد الخيار و المدى و أيضا درجة النّجاح...!

فلو أخذنا مثلا الاتّحاد السّوفييتي السّابق كمثال و تسائلنا كيف حقّق إنجازاته المذهلة تلك بنظام و بإيدلوجيّة أثبتت عقمها و فشلها الذريع في عقر دار متّبعيها و منظّريها و مفكّريها الأوائل و في كلّ الدّول الّتي انتهجتها و تبنّتها، و كيف استطاع المارد الرّوسي أن يصنع على نهج و فلسفة الفكر الإشتراكي حضارة متميّزة تضاهى بانجازاتها الفذّة و مجدها الخالد و تنافس أقوى دولة في العصر الحديث و هي أمريكا و من ورائها الغرب و الجنس الأصفر...؟!

نكرّر إجابتنا الأولى في حالة الإتّحاد السّوفييتي و نقول، إنّ المحرّك في هذه الحالة أفقي التّراكب و يتمثّل بلا شكّ في الإرادة السّياسيّة الفاعلة، النّشطة و المواظبة الّتي أدارت بجبروتها و عنفوانها عجلة الإنجازات و صنعت تلك الحضارة الرّائعة رغم مصائبها و محنها و الأثمان الباهضة الّتي دفعتها شعوبها..و لنقول أيضا إنّها جنون العظمة..إنّها حبّ المنافسة و طلب الغلبة الّذي يميّز عدد من السّياسيين المجانين مثل ستالين و هتلر و موسليني جمعهم عصر واحد و جغرافيا واحدة و تماثلت ظروفهم و طبائعهم و دوافعهم و نزعاتهم...إنّها الهوس و الرّغبة الجامحة في الاستقواء و التوسّع بين قادة مجانين مهووسون أكلوا عقول شعوبهم العظيمة مثل الشّعب الألماني و الشّعب الرّوسي..جملة القول إنّه التّضارب و التّصادم..إنّه الصّراع على النّفوذ و السّيطرة، إنّها ضرورات التوسّع في أجواء مشحونة بالتوتّر و التّحدّي...!

و ذلك مناخ يساعد كثيراعلى إدارة عجلة الإنجاز في اتّجاه القوّة مهما كان الثّمن و مهما كانت المصاعب...!

لذلك و بقوّة إرادة السّياسة لوحدها المدفوعة بجنون العظمة و حبّ السّيطرة أستطاع الاتّحاد السّوفييتي أن يسبق أمريكا و الغرب كلّه في الوصول إلى القمر، و أستطاع على مرّ عقود أن يُجالد أمريكا استراتيجيّا و ردعيّا في مجال الفضاء و الأسلحة الشّموليّة و الصّواريخ و الأقمار الصّناعيّة المختلفة بما فيها العسكريّة و السرّية كمّا و كيفا...و استطاع الشّعب السّوفييتي العظيم بمحرّك السّياسة لوحده رغم شحّ المال بالمقارنة مع المعسكر الغربي أن يصنع معجزات صناعيّة و يبدع منجزات أبهرت العالم بما فيه أمريكا نفسها...استطاع الرّوس أن يصنعوا السّلاح ويتميّزوا في صنعه و ينافسوا الأمريكيين و كبرى الدّول الغربيّة في تكديسه و تصديره...و استطاعوا أن يطوّروا الفلاحة و يصنعوا الطّائرة و السيّارة و كثير من الصّناعات الأخرى الثّقيلة و المعقّدة...و هذا كلّه كما قلنا حدث بقرارات سياسيّة محضة...أي أنّ الدّولة في هذه الحالة أشرفت بنفسها على مبادرة التّنمية و احتكرت تدوير عجلتها بمحرّك الإرادة السّياسيّة وحدها بنسبة تقارب المائة في المائة...!

أمّا في حالة أمريكا فقد كان للمقاولين و أصحاب المال دورلا بارز في كثير من الإنجازات و الأعمال و مشاريع التّنمية الرّائدة، ساندهم في ذلك جوّ سياسي مرن و إيجابي بصفة عامّة أتاحته طبقة عريضة و قويّة من السّاسة و الحكّام و بيئة ثقافيّة إجتماعيّة مواتية تجاه فكرة الّنهضة و تحريك عجلتها في الاتّجاه السّليم، و نستشفّ من هذه الحالة كون محرّك العجلة التّنمويّة عَمِل بطريقة متعامدة و أفقيّة في آن واحد و بانسجام و تناغم إيقاعي عفوي، أي تظافرت في هذا البلد الإرادة السّياسيّة و جزء هامّ من النّخبة و رجال الأعمال و أهل الثّروات..!
و أبرز مثال نسوقه هو بيل غيتس و دوره في تأسيس شركة ميكروسوفت و فضله الّذي لا يُنكر في نشر و تعميم خدمة الانترنت في كلّ أرجاء العالم ، وليس غريبا أنّ يصبح هذا الرّجل من الرّجال الثّلاثة الأوائل الأغنى عالميّا بفضل ما جمعه من ثروة من تجارة بيع البرمجيات خاصّة برامج التّشغيل الأكثر استخداما في أجهزة الكمبيوتر المختلفة من طرف بني البشر...و في السّياق نفسه نستشهد أيضا بأقوى محرّكات البحث على الشّبكة العنكبوتيّة المتمثّلة في ياهو و غوغل و أم أس أن و كلّها أسّسها مبدعون و مختصّون في علوم الكمبيوتر بمشاركة مساهمين ومقاولين و رجال أعمال...و الأمر نفسه ينطبق على أعداد لا حصر لها من المشاريع و الأفكار و الإنجازات المذهلة الّتي قفزت بحضارة أمريكا إلى مراتب المجد و الخلود..و كثير من تطبيقات الكمبيوتر الأخرى بشقّيه الهاردوير و السّوفتوير، مثل قطع الكمبيوتر وملحقاته و مثل المتصفحات و المضادّات الفيروسيّة...إلخ
و على المنوال نفسه أعطى الأمريكيّون المبدعون و الخواصّ و أصحاب المبادرات لبلدهم مساهمات كبرى في الفلاحة و العمران و السّكك و مدّ الجسور و الطّرق المعلّقة و المستشفيات و الجامعات و في صناعة الطّائرات و السيّارات (شركة فورد مثال) و مختلف الآلات و الأجهزة... إلخ

و طبعا فإنّ للدّولة و ساستها دو ر موازي في البناء و الدّعم ولكن هنا بتظافر قوّتي المال و الإرادة السّياسيّة...

و كذا الأمر نفسه يحدث في أوروبا بنسب متفاوتة منافسة أحيانا و غير منافسة أحيانا أخرى لدولة أمريكا في هذا المجال أو في ذاك...

لذلك فإنّي أكرّر القول بأنّ الإرادة السّياسيّة في أيّ بلد يمكن أن تُحقّق معجزا ت نهضويّة خاصّة إذا توفّر المال...

أمّا السّاسة أو الحكّام الّذين توالوا على حكم الجزائر خاصّة في الخمسة عشرة سنة الأخيرة فإنّهم لم تنفعهم البحبوحة الماليّة بفضل مداخيل النّفط و الغاز و ارتفاع أسعارها في الأسواق الدّوليّة.. لم يتقدّموا بالبلد خطوة واحدة لأنّهم معاقون فكريّا و يفتقدون لصفاء العقل و للإرادة السّياسيّة السّليمة...و عليه فإنّ البلد ظلّ يراوح مكانه منذ الإستقلال، و الأسوأ أنّهم بتصرفاتهم الخرقاء غير المحسوبة أتلفوا و أضاعوا ما حقّقته البلاد طوال عقود السّبعينات و الثّمانينات، أي فعلوا ببلدهم الّذي استشهد من أجله أكثر من مليون و نصف المليون شهيد كما فعل الدبّ الأخرق مع صاحبه حين أراد أن يُبعد عنه ذبابة حطّت على أنفه...عصبوا أعينهم و سدّوا أنوفهم و آذانهم و انجرفوا مع تيّار الّذين ارتدّوا و كفروا بالنّظام الاشتراكي بعد أن اتّخذوه خيارا و عقيدة...كانت موضة عالميّة و كانت موجة طاغية لأغلب البلدان الّذين فشلت إشتراكيتهم ...و في فورة تخبّط و لخبطة و صدمة نظام الحكم في هذا البلد المنكوب بحكّامه و شعبه على حدّ سواء (مع الأسف) من تأثير مصائبه و كوارثه الإقتصاديّة و الاجتماعيّة الّتي جرّها على نفسه رمى (النّظام) بلا تردّد و بلا أدنى تفكير بكلّ القطاع العمومي مثل الوباء في مرمى النّفايات لأنّه إرث الإشتراكيّة الخاسر و البائد، حتّى معمل المكانس الّتي كان يسترزق منه العشرات من العميان هم و عائلاتهم تمّ طردهم جميعا ثمّ صفّوا المعمل و قسّموه بين الأحباب بدعوى أنّه ظاهرة إشتراكيّة مفلسة (عوّضوه باستيراد مكانس من صنع صيني أقلّ جودة)...و هكذا فعلوا و أثخنوا في أغلبيّة المصانع و الشّركات و المشاريع الكبرى و الصّغرى و المتوسّطة و ما فعلوه بميراثها من العتاد و الآلات و المُركّبات و المشآت و الأملاك و الأموال إمّا تركوه و أهملوه و هجروه للعراء و الهواء و الشّمس و الصّدأ، أو وزّعوه بينهم كما فعلوا بمعمل المكانس...!

صحيح أنّ كثير من مؤسّسات و شركات و مصانع القطاع العامّ كانت خاسرة و كانت البنوك التّابعة للدّولة تُغطّي ديونها و مرتّبات موظّفيها وعمّالها، إلاّ أنّها كانت مكسبا للشّعب و كانت معيله، و الأهمّ أنّها أينعت مبادرات و صنعت علامات و أشرقت ببوادر و أسّست لبدايات مشجّعة و وضعت مصاطب انطلاق لبعض الإنجازات و الأفكار التّنمويّة لو تمّ الحفاظ عليها و الصّبر على رعايتها و واصلت الدّولة تمويلها رغم عدم جدواها الإقتصاديّة لكُنّا اليوم في مصاف كوريا الجنوبيّة...!

لو تروّى نظام الحكم آن ذاك قليلا و استشار ذوو العلم و المعرفة لعرف أنّه ليس كلّ مشروع وُلد من رحم الإشتراكيّة أو غير مًُربح يُبرّر للحكومة وقفهُ و طرد عمّاله و تصفية تركته، و لأَدرك أنّ بعض التكاليف كانت لازمة و كان يجب على الدّولة الاستمرار في تحمّل أعبائها و آثارها الإقتصادية غير الحميدة بمبرّر السّياسة وحدها...هناك مشاريع يتعيّن و يتوّجب على الدّولة دعمها و رعايتها و تغطية نفقاتها و ديونها ليس بدافع الرّبح أو النّجاعة الإقتصاديّة كما يقولون، و إنّما بدافع تهيئة التّربة و المناخ المناسبين لتقدّم مأمول، و بهدف الإعداد و رسم الطّريق و توفير بذور التطوّر و التّنمية الّتي نطلبها و نحتاجها...!

أنا أرى أنّ الرّاحل هوّاري بومدين رغم تحفّظي على طريقة وصوله للحكم و كثير من خططه الإقتصاديّة و أفكاره السّياسيّة...أرى أنّه كانت للرّجل إرادة سياسيّة مشابهة لأولئك المهووسون بجنون العظمة و حبّ الزّعامة و هي الصّفات الّتي تطبع شخصيّة السّاسة و الحكّام عادة بعشق الأضواء و الظّهور و بالرّغبة في التوسّع و طلب القوّة...و واضح أنّه كان هناك تنافس غير معلن على الزّعامة بينه (الرّئيس الجزائري السابق هوّاري بومدين) و بين كلّ من العقيد معمّر القذّافي و جمال عبد النّاصر غير أنّ زعامة هذا الأخير غطّت على الإثنين معا لحجم مصر شعبيّا و ثقافيّا و لدورها في الصّراع العربي الفلسطيني و في عدد آخر من قضايا الدّول العربيّة و الإقليميّة، و لذلك اعتمدوا ثلاثتهم نظام الإشتراكيّة و فكرة احتكار الدّولة لتدويرعجلة الاقتصاد لشعوبهم و بلدانهم...و في البلدان الثّلاثة أي الجزائر و مصر و ليبيا تشابهت مظاهر و إرهاصات و حتّى نتائج ما طبّقوه و ما سعوا إلى تحقيقه من الاستحواذ و الاستقواء و التوسّع حتّى و إن اقتصر الأمر على التّنافس على لقب الزّعيم الأوحد للشّعوب العربيّة....و النّهاية انهار كلّ شيئ لأسباب ثقافيّة و جيوسياسيّة و دوليّة و غيرها لا حاجة لنا لتمحيصها و الحديث عنها الآن...!

و أقتصر في عجالة على أداء هوّاري بومدين السّياسي في سنوات السّبعينات لأزعم أنّ الرّجل كانت له إرادة سياسيّة رغم ما ظهر من مساوئها و تشوّهاتها خاصّة في الصّناعة و الزّراعة و حتّى في الثّقافة الموجّهة و المدجّنة المبنيّة أغلبها على تمجيد الزّعيم و سياسة الحزب الحاكم...و ما يهمّني هنا لأستدلّ به على طرحي هي فكرة الثّورات الّتي أطلقها الرّجل و الّتي تمثّلت أساسا في تحدّيان اثنين هما:

أوّلا الزّراعة حيث وزّيع آلاف الهكتارات على الفلاّحين و وفّر لهم مساكن لائقة في شكل تجمّعات آهلة و قرى نموذجيّة قريبة من أراضيهم تحوي أغلب المرافق و المتطلّبات الحياتيّة بعد أن خلّصهم من أكواخهم و بيوتهم القصديريّة، ثمّ أمدّهم بكلّ الأموال و الوسائل و الإمكانات في شكل هبات أو دعم أو قروض بنكيّة لم تُستردّ أبدا...و كانت في البداية شبه ثورة خاصّة على مستوى الحفاظ على الأراضي الزّراعيّة و وقف التصحّر و إقامة حواجز كثيفة من الأشجار أهمّها السدّ الأخضر للفصل بين المناطق الصّحراوية و المناطق الصّالحة للزّراعة....

ثانيا الصّناعة أين أنشأ هوّاري بومدين المئات من المصانع الثّقيلة بالاستعانة بدول من الغرب و من الكتلة الاشتراكيّة و حظي قطاع الطّاقة عنده باهتمام أكثر...و في سنة 1972 بلغ تفاؤل الرّجل بسياسته في التّصنيع أنّه كان يردّد أنّ الجزائر ستخرج بشكل كامل من دائرة التخلّف وستصبح يابان الوطن العربي....!

و لكن الشّعب غير المؤهل ثقافيّا و غير المدرّب و غير المتعلّم حيث كانت الأمّية قد انتشرت بين أوساطه مثل الطّاعون بنسبة قاربت أو جاوزت 97 %..و الشّعب الّذي خرج لتوّه مثخنا بجراحاته و عقده و آلامه من تحت سطوة استعمارعنصري بغيض كرّس كلّ موبقات الجهل و التخلّف بلا رحمة و لا شفقة على مدى 132 سنة ...هذا الشّعب لم يكن آن ذاك في مستوى التحدّي الّذي أخذه زعيمه على عاتقه و لا في مستوى طموحاته و سياسته، أو بالأحرى عطّل محرّك الإرادة السّياسيّة و أوقف عجلة النّهضة و التّنمية المأمولة الّتي كانت ستُؤهّل البلد لحجز مكان لائق تحت الشّمس....!

بيد أنّ الطّبيعة السّياسيّة للرّئيس السّابق هوّاري بومدين البدويّة كما أشرنا سابقا لم تكن إرادة سياسيّة في عمقها بل كانت مجرّد قرارات سياسيّة انفعاليّة و ظرفيّة، كما أنّها لم تكن على درجة كافية من القوّة و النّضج و اتّضاح المعالم، و فضلا على أنّها كانت تتجاذبها قوى و إرادات سياسيّة أخرى معاكسة و غير مساندة مع عدد من رجالات الحزب الحاكم آن ذاك الأقوياء (حزب جبهة التّحرير الوطني) فإنّها أيضا كانت تفتقر للإصرار و النّفس الطّويل...بوضوح أكثر لم تكن قرارات نابعة من شخصيّة لها تصوّر صحيح أو بالأحرى لها قناعات سياسيّة راسخة ذات قاعدة كاريزماتيّة قياديّة حقيقيّة بقدرما كانت إرادة مستنسخة عن قادة و رموز سياسيّة ثائرة و طامحة للقوّة و التوسّع في الاتّحاد السّوفييتي و دول شرقيّة أخرى...خلاصة القول أنّ سياسة هوّاري بومدين كانت في شقّها الأعظم مجرّد محاكاة ناقصة الخبرة و النّظرة بعيدة المدى...كانت سياسة تأثّر و انجراف مع موجة الإيديولوجيّة الاشتراكيّة الطّاغية الّتي اجتاحت في ذلك الوقت دول المعسكر الشّرقي بقيادة الاتّحاد السّوفييتي....

لكن و رغم أنّ الإرادة السّياسيّة لهوّاري بومدين كانت مستنسخة أكثر منها ذاتيّة أو تكوينيّة إلاّ أنّها أينعت ثمارا و بوادر مشجّعة عجزت كلّ من الدّولة و المجتمع على رؤيتها لاحقا، خاصّة عندما هوت أسعار المحروقات فجأة و بانت على إثرها كلّ عيوب و عورات ومصائب الاقتصاد الجزائري القائم كلّه على ريع و مداخيل النّفط...و عندما قرّر النّظام تغيير خياره الأوحد و إيديولوجيته و عقيدته المُثلى تخلّص كالمعتوه أو المصدوم من كلّ ميراث الاشتراكيّة كما أشرت آنفا و رماه غير آسف في مكبّ القمامة قبل أن يتريّث و يفكّر و لو قليلا ويُفرز ما أمكنه ممّا تساقط من ثمار و بذور سليمة و صالحة للاستهلاك و للاستنبات في أرض التّنمية و النّهضة بالبلاد...!

حُمّل النّظام الاشتراكي كلّ كوارث الإقتصاد الّتي أصابت بلدنا في الجزائر و هذا في الحقيقة فيه الكثيرمن التجنّي و الإجحاف رغم أنّه لا يُعفي و لا يُبرّئ فكر الإشتراكيّة من عيوب تنظيريّة و تنظيميّة قاتلة إن لم يتمّ تكييفها، مع أنّ مشكلة الاقتصاد في الجزائر هي في الأساس مشكلة تسيير و هذا ما عشناه وما نعيشه حتّى في عصر الرأسماليّة...و السّؤال ما الّذي تغيّر و ما الّذي تجاوزناه و تعلّمناه حتّى من أخطائنا السّابقة...؟!

بل ما الّذي حقّقناه بنظام الرّأسماليّة...؟!

المشكل في الجزائر مشكل ثقافي تكويني داخل تركيبة الشّخصيّة الجزائريّة في المقام الأوّل...!

و مرّة أخرى و رغم كلّ إختلالات و أمراض الثّقافة الّتي كان يعاني منها الإنسان الجزائري و ما زال، و رغم كلّ عيوب الاشتراكيّة و مشاكلها، و رغم كلّ الأثمان الباهضة الّتي تكبّدتها الدّولة في سنوات السّبعينات، إلاّ أنّ الجزائر و بتظافر الإرادة السّياسيّة و الثّروة النّفطيّة في ذلك الوقت استطاعت أن تبني صناعات ثقيلة من شاحنات وجرّارات و حصّادات و أنواع أخرى من العتاد الفلاحي، و استطاعت أن تصنع الرّاديو و التّلفزيون و المكواة و مجفّف الشّعر و قائمة أخرى طويلة من الأدوات و التّجهيزات و الآلات الكهرومنزليّة المتنوّعة مثل الثلاّجات و المكيّفات و كلّها بتمويل عمومي صِرف ...صحيح أنّها بدأت تركيبيّة و بمساعدة تُقارب المائة في المائة من دول غربيّة و شرقيّة، لكنّها مع الوقت و مع تراكم الخبرة و التّجربة بدأ الفنّيون و المهندسون الجزائريّون و كذا الأيدي العاملة الّتي تدرّبت و تمرّست...بدأوا يطرحون مساهماتهم و إنتاجها المحلّي الصّنع، و بدأوا يُخرجون إلى العالم أجهزة تلفاز و راديو و غيرها من الأجهزة و في داخلها أجزاء و قطع إليكترونيّة جزائريّة الصّنع مائة في المائة...و المُلفت أنّها كانت صناعات تنافسيّة و تتميّز بالجودة و تنطبق عليها المعايير الدّوليّة...نتج عن ذلك إنجازات و مفاخر...و الأروع البدأ بإنتاج قطع إلكترونيّة جزائريّة خالصة مثل الصمّام و الترانزستور و المكثّف و المقاومة، و البدأ أيضا بوضع لمسات و تعديلات محلّية هنا و هناك على ما تركّبه من أجهزة و أدوات و تجهيزات...و كانت مسيرة لو استمرّت للبلد شأن آخر....!

هل تُذكر الدّول و تسود بكثرتها مثلا، أم بزعيقها و صراخها، أم بكثرة شعاراتها و مهراجاناتها...؟
ما الّذي يجعل كلمة فرنسا و ألمانيا و بر يطانيا و أمريكا و اليابان و الصّين و روسيا و دول أخرى هي العليا و كلمة دول عربيّة و إسلاميّة و غيرهما هي السّفلى...؟!

ما الّذي يجعل الدّول المصنّعة تتحكّم في العالم و تسيّره على هواها...؟!

و هذا يجعلني أتساءل: بماذا تُذكر الشّعوب في هذا العالم و بماذا تسود...؟

أليس بالسيّارة و الطّائرة و الصّاروخ و الكمبيوتر و البرمجيات و أجهزة التّلفاز و التّجهيزات الطبّية و غيرها و الانتاج التّلفزي و السّينمائي و الأبحاث العلميّة...إلخ...؟

و الجزائريّون كذلك إذا أرادوا أن يسودوا و يُذكروا مثل شعوب أمريكا و الغرب و الشّرق الأقصى، و إن أرادوا أن تكون لهم كلمة محترمة و مسموعة في هذا العالم، فعليهم أن يصنعوا و يبدعوا كلّ هذه الأشياء...على قادتهم و جنرالاتهم و نظام الحكم عندهم كيفما كانت طبيعته أن يعوا و ينتبهوا إلى أهمّية الوفرة الماليّة الحاليّة و يُدركوا بل يستيقنوا أنّه لا ينقصهم خلال هذه العشريّة إلاّ إرادة سياسيّة صادقة و فاعلة...عليهم أن يستغلّوا فرصة الثّروة البتروليّة و الغازيّة الّتي هبطت عليهم من السّماء....!

إنّ فكرة صناعة طائرة صغيرة مثلا أو سيّارة هو مجرّد مشروع مثل كلّ المشاريع الأخرى لا يحتاج سوى لقرار سياسي و لتمويل حكومي مباشر في حالتنا، بشرط أن لا يُنتظر من وراء هكذا مشاريع ربح أو نجاعة إقتاصاديّة على مستوى المستقبل المنظور على الأقلّ...و على نفس المنوال يمكن للنّظام الجزائري أن يُكفّر عن مظالمه و مفاسده بإقرار مشاريع صناعيّة و استراتيجيّة على أن يكون دافع المواظبة على الإنفاق و الإشراف عليها بكلّ إصرار و صبر دافعا طويل النّفس و سياسيّا بالدّرجة الأولى، و ليس عيبا أن يتعلّم النّظام عندنا و يحذو حذو أنظمة دول مشابهة لنا من ناحية الامكانيات مثل تركيا و إيران بدأت تفعل الشّيء نفسه منذ أقلّ من عقدين...!

لنعمل كما عملت الصّين و كوريا الجنوبيّة و الهند و غيرهم...إنّ تطوّرهم الحالي مدين كلّه لزخم الإرادة الإجتماعيّة و الإرادة السّياسيّة لأنظمة الحكم في تلك البلدان على حدّ سواء...و دعامة تلك السّياسة الّتي آتت أُكلها خاصّة في مجال التّصنيع في أكثرها و منذ بدايات التّحديث إلى غاية أيّامنا هذه هي "المحاكاة" أي التّقليد و سرقة الأفكار و براءات الإختراع من اليابان و أمريكا و الدّول الغربيّة و من كلّ بقاع العالم...و مع مرور الوقت تجمّعت لديها التّجربة و المعرفة ممّا أهّلها شيئا فشيئا لأن تبدع إبداعاتها و تحقّق إنجازاتها الخاصّة بها و المميّزة لحضارتها و لثقافة شعوبها حتّى أصبحت دولا تُذكر و تسود...!

المال وفير و الخير كثير فلماذا غابت الإرادة السّياسيّة...؟!

يمكن للرّئيس الجزائري و قبل انقضاء هذه السّنة مثلا أن يتّخذ قرارات مصيريّة لمشاريع أساسيّة و كبرى و لا يأخذ في اهتماماته و حساباته إلاّ الأبعاد السّياسيّة و المستقبليّة لقراراته تلك على الدّولة الجزائريّة...

كما تفعل الصّين و الهند و تركيا و إيران و غيرهم من الدّول يمكننا في الجزائر أن نفعل مثلهم...أنظروا للسيارات الصّينيّة و الإيرانيّة مثلا، رغم أنّها مكتوب عليها صُنع بإيران و صُنع بالصّين إلاّ أنّها في حقيقة الأمر مجرّد نسخ محوّرة و معدّلة عن سيّارات يابانيّة و فرنسيّة و ألمانيّة و غيرها، تأمّلوها و ستجدوها في معظمها صناعة تركيبيّة مع إدخال بعض التّعديلات و اللّمسات على محرّكاتها و هياكلها و بعض قطع غيارها...و هذا بإمكانهم أن يفعلوه مع بقيّة ما يتبنّون صناعته...أوا تظنّون أنّ الصّواريخ الّتي تسمّيها إيران بأسمائها و تتبجّح يوميّا بصناعتها و إطلاقها و استعراض قوّتها بها على دول المنطقة...أوا تصدّقون حقّا أنّ إيران صنعتها حتّى و لو بنسبة 20 %...؟!

إنّ طرازات الصّواريخ التي تتباهى بها إيران اليوم هي في حقيقتها صواريخ كوريّة و صينيّة و روسيّة معدّلة..تأكّدوا أنّه لو أزلنا الغطاء الخارجي لبعضها الآخر لتبيّن أنّ الميكانيزم كلّه و باقي القطع الأساسيّة و الإليكترونيّة داخل الصّاروخ أو القمر الصّناعي المزعوم إمّا روسيّة أو أمريكيّة أو يابانيّة أو أوروبيّة الصّنع أو خليط من جميع تلك الدّول...مع إدخال بعض التّعديلات على مستوى مثلا الحمولة و المدى و حتّى في هذه الحالة لا يمكن الاستغناء عن مصنوعات و إبداعات الغرب في شكل معدّات أو قطع يتمّ نزعها من تجهيزات أخرى أو يتمّ شراؤها و تهريبها و سرقتها من أوروبا و أمريكا و دول أجنبيّة أخرى، إذ أنّ الإرادة السّياسيّة كما نعرف لا يقف أمام تحدّيها و إصرارها شيء...و هذا ليس غريبا و لا مستهجنا فحتّى الدّول المصنّعة تستعين بدول و شركات أخرى في صناعاتها و كثيرا ما تحتاج إلى خبرات و مشاركات دول أضعف و أصغر منها بكثير...!

و كادت الإرادة السياسيّة لمعمّر القذّافي أن تضع ليبيا في طريق تصنيع أوّل قنبلة نوويّة ليبيّة لولا تدخّل أمريكا و الغرب و إرغامه على إلغاء ذلك لاعتبارات أمنيّة إقليميّة و جيوسياسيّة...!

يمكننا نحن أيضا في الجزائر أن نفعل ما تفعله إيران و تركيا و النّمور الآسيويّة...و يمكن فضلا عن ذلك أن نُطوّر و نوسّع و نُنوّع إنتاجنا الحالي بما تكدّس لدينا من كفاءات و خبرة و بما حقّقناه و حافظنا عليه من منتجات و ماركات معروفة مثل مصنع الشّاحنات بإمكان هذا المصنع أن يُنتج على الأقلّ نوعا من السيّارات النّفعيّة و حتّى العسكريّة، و لِم لا تمويل أوّل دبّابة جزائريّة كما يحصل في أمريكا ففيها شركات صناعة السيّارات هي نفسها من يشرف على صناعة الدبّابات و مختلف عربات و تجهيزات و أسلحة العسكريين...و على هذا الدّرب يمكن أن تورق شجرة النّهضة تغذّيها الإرادة السّياسيّة و ينمّيها مع مرور الزّمن جزء من ثروة البلاد...

لنبدأ نحن أيضا بالمحاكاة و التّقليد و التعلّم ممّا يبدعه و يصنعه الغير، لا ضير أن نسرق و نشتري و نُهرّب الأفكار و الخطط و الاختراعات و التّجهيزات و الموادّ، ثمّ شيئا فشيئا نتشجّع و نُباشر كما فعلت دول أخرى كذلك على إدخال تعديلاتنا و لمساتنا..و في عقدين أو ثلاثة نبدأ في نشر و ترويج ماركات و إنتاج صناعي يمكن أن نكتب عليه بكلّ فخر و ثقة جملة " made in Algeria "...!

هناك قطاعات و مجالات على القرار السّياسي في الجزائر أن يدرك أهمّيتها لمستقبل البلاد و يتبنّى من فوره تمويلا و رعاية مشاريع بخصوصها و بشأنها، إنها قضيّة بقاء..!

و هذه قائمة أهمّ المشاريع الّتي أصبحت بها الدّول تُذكر و تسود/

- مشروعات لصناعة الكمبيوتر و لواحقه...
- مشروع صناعة قمر صناعي صغير..
- مشروع صناعة صواريخ متوسّطة المدى..
- مشروع صناعة متصفّح الكتروني...
- مشروع صناعة مضادّ فيروسي الكتروني...
- مشروع صناعة محرك بحث الكتروني...
- مشروع صناعة سيّارة...
- مشروع صناعة طائرة صغيرة...
- مشروع صناعة سنمائيّة...
- مشروع صناعة أسلحة متوسّطة و ثقيلة..
- مشروع يتكفّل بمختلف الرّياضات النّسويّة و الرّجاليّة...
- مشاريع أبراج و ناطحات سحاب و مُركّبات و مرافق كبرى خاصّة في العاصمة و المدن الكبرى...

يجب أن يوضع برنامج زمني محدّد و تتّضح الرّؤية و الأهداف السّياسيّة بالنّسبة لكلّ المشاريع المذكورة، و يجب أن تتكفّل الدّولة بتوفير الأموال اللاّزمة و تقوم بنفسها على رعايتها و متابعتها عبر مؤسّساتها و هيئاتها و حتّى عبر رئيسها و حكومتها و رجالاتها النّافذة بصفة شخصيّة و مباشرة و لا تتوانى (الدّولة) و لا تضعف ولا تخضع للمشاكل و لا للعراقيل مهما كان نوعها أو شدّتها...و مع الوقت و بالضّرورة تُفرّخ تلك المشاريع الأساسيّة آلاف المشاريع الصّغرى و المتوسّطة الأخرى الموازية و التي تحتاجها سياسة التّصنيع ممّا سيساهم بلا شكّ في إنعاش الإقتصاد و خفض مستويات البطالة في أوساط الشّباب على وجه الخصوص...فحينما تتحوّل تلك المشاريع إلى سياسة دولة فسيُكتب لها النّجاح بالتّأكيد...!

كلّ ما نحتاجه هو المال و القرار السّياسي، أمّا المال فقد أنعم اللّه علينا به و هو وفير، و أمّا القرار السّياسي أو بالأحرى الإرادة السّياسيّة فهذا ما ينقصنا و ما نحن بحاجة إليه لإطلاق مشروع التّنمية الشّامل في الجزائر...؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24