الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لكي لا نخجل من النظر إلى عيونهن

عودة بشارات

2011 / 6 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لا رجاء من النظام السوري. وقالت العرب: "خضّ المي وهي مي". فلن يُنتِج الخضّ زبدة مهما طال ومهما بُذلت الجهود، فمن أجل الحصول على زبدة يجب خض الحليب، لا الماء.
من أجل الشفافية بودي أولا القول إنني أمقت الأنظمة التي تتاجر بالوطنية وبمعاداة الاستعمار وإسرائيل، بهدف التستر على ممارساتها التعسفية ضد شعبها. في نهاية الأمر معاداتنا للإمبريالية والعدوانية الإسرائيلية، هو لرفع شأن المواطن، وتسييد كرامة الإنسان وإطلاق إبداعه بدون خوف وليشعر أنه صاحب البيت.
لقد جلب نظاما البعث، "الشقيقان"، العار على حركات التحرر. في سوريا، مثلا، لن تجد معارضًا إلا هاربًا من الوطن، أو ملقًى في غياهب السجون الرهيبة أو مفقودًا. والمواطن هناك لا يفتح فمه، كما قال دريد لحام في حينه، إلا لدى طبيب الأسنان.
مقت هذه الأنظمة مضاعف، بالذات لأنها تتحدث باسم المُثل التي نناضل من أجلها. وهكذا عندما تشاهد بأم عينك سفاحًا يقصف شعبه بالطيارات، وعلى شاشة التلفزيون يقول لك إنه معاد للإمبريالية، يجب الإعلان فورًا: "إني بريء من دم هذا الصديق"، الدماء الزكية لشعب ينتفض من أجل كرامته وحريته. واجبنا، كحركة يسار قبل الآخرين، إنقاذ مصطلحات التحرر ومعاداة الاستعمار من جرائم مدّعيها. ويجب إيصال هذا الموقف أولا للشعب السوري، لكي لا تختلط الأمور فيصبح القتل بالجملة ودوس كرامة الإنسان رديفًا للتحرر والاشتراكية.
يقولون لنا: إن المعارضة كاذبة. حسنًا المعارضة كاذبة و"متآمرة" وأطلقوا عليها ما شئتم من النعوت. إذًا لماذا لا تفتحون الميدان للصحافة المحلية والعالمية، لتساعدكم في كشف كذبهم وخيانتهم. كيف من المعقول أنه بعد قتل أكثر من 1300 مواطن سوري، لا يوجد صوت واحد مغاير في التلفزيون السوري.
وأعود لخض الماء، هذا المثل الذي حضرني، عندما استمعت للخطاب الاخير لبشار الأسد، ابن أبيه، حيث لم يقدم أي جديد لمواجهة المرحلة، مثل الاعتراف بوجود معارضة ومحاورتها. أو التعهد بلجم الفاشيين في صفوف حزبه. كما يظهر فبشار لا يستطيع أن يخرج من جلده.
يذكرنا الشقيق الرهيب ماهر، بعمه الأكثر دموية، رفعت الأسد، الذي نظم مليشيات خاصة به، فتضخمت حتى شكلت، في حينه، تهديدًا على الأسد نفسه، وفقط بتدخل أمهما، ناعسة، حُسم الموقف. حافظ، حسب باتريك سيل- كاتب سيرته، قدم لرفعت "اقتراحًا لا يمكن رفضه" ورفعت خرج من اللعبة. تم ذلك في مشهد يمكن مشاهدته فقط في أحسن عائلات المافيا. باستطاعة مايكل كورولوني في فيلم "العراب" أن يتعلم الكثير من عائلة الأسد.
أما عن حكاية الدعم السوري للقضية الفلسطينية فحدث ولا حرج. فالذي لا خير فيه لأهله لا خير فيه لأصدقائه، وقال الرسول العربي الكريم "خيركم خيركم لأهله". من أيام الحصار السوري لمخيم تل الزعتر في العام 76، ووقوف الأسد إلى جانب قطعان الكتائب الفاشية في لبنان. وحتى إجهازه على ما تبقى من المقاومة الفلسطينية، التي كان قد بدأ شارون بقصفها في عدوان العام 82، وذلك عندما طرد عرفات من نهر البارد في الشمال في السنة التالية.
كما يظهر فإن بوابة القومية البعثية منخفضة لدرجة أنها لا يمكن دخولها إلا زحفًا على البطون. والعداء السافر لعرفات كان الرد على محاولة الأخير الحصول على بعض الاستقلالية. تحت خيمة الأسد نشأت تنظيمات فلسطينية تضرب بسيفه حتى ضد أشقائها. القيادة السورية وحتى يومنا هذا مستمرة في التدخل السافر لمنع اللحمة الفلسطينية.
ماذا يريد الاستعمار والعدوانية الإسرائيلية أفضل من هذه الحكومة الساكنة، خلال حوالي الأربعين عامًا. وعندما تم الاعتداء على سوريا وجنودها قبل سنوات عدة رفع بشار الأسد الشعار: "سنرد في الزمان والمكان الملائمين". وذلك في الوقت الذي كان يدعو فيه جماهير الضفة وغزة، المحاصرين ومنزوعي السلاح لثورة عسكرية حتى النصر.
قصة الانتفاضة المجيدة، كما هي الحال في الانتفاضات الشعبية، انطلقت من حيث لم يتوقع احد. لا أمريكا، ولا إسرائيل، بوسعها أن تُخرج غضبًا بهذا الكم ولا تستطيع أن تجترح بطولات بهذه الصورة. بالعكس فالإدعاء أن عناصر خارجية هي التي حركت هذه الاحتجاجات، هو بمثابة إهانة للشعب السوري المجيد.
وهكذا في السادس من آذار هذا العام، استيقظ أهالي مدينة درعا النائية المتاخمة للصحراء، على شعارات "الشعب يريد تغيير النظام"، وهي تزين جدران المدينة الغارقة في بؤسها.. هكذا بدأت الانتفاضة. اتضح فيما بعد، أن "الجناة" هم خمسة عشر طفلا وفتًى (بعمر ما بين 10-15 عامًا)، التهب خيالهم بمشاهد الربيع العربي، فخطوا هذه الشعارات الرهيبة. أراد الجنرال عاطف نجيب، ابن عم الرئيس، تلقينهم درسًا ليكونوا عبرة للآخرين، فتم زجهم في الزنازين المظلمة، وتم ضربهم حتى سالت دماؤهم، وفيما بعد، وبموجب أساليب التعذيب البعثية، تم اقتلاع أظفارهم وأنزلت الحروق في أجسامهم. أثار هذا التعذيب غضبًا هائلا في صفوف الأهالي وانطلقت الشرارة. أراد الجنرال ابن عم الأسد تلقين درعا درسًا فانتفضت سوريا.
وقبل حوالي السنة قرأت كتابًا أهداه لي صديق بعنوان "القوقعة"، وهي قصة سجين سوري عادي، تم الاعتقاد انه من حركة "الإخوان المسلمين"، وبعد 13 عامًا في السجن يُكتشف الخطأ، وخاصة أن السجين لم يكن مسلمًا. والحقيقة أنني ألقيت الكتاب عدة مرة خلال قراءته، بسبب وصف وحشية التعذيب والإهانة وسحق الروح الإنسانية. وتذكرت أنني قبل عشر سنوات كتبت في "الاتحاد" منتقدًا الزيارات إلى سوريا والتقاط الصور مع القيادة السورية. وكما أذكر قلت انني أخجل من أن ترى هذا المشهد أم أو ابنة أو أخت لسجين سياسي سوري يئن تحت وطأة التعذيب. آنذاك كيف سيكون بإمكاننا النظر في عيونهن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تداعيات دعم مصر لجنوب إفريقيا ضد إسرائيل


.. طالبة بجامعة جنوب كاليفورنيا تحظى بترحيب في حفل لتوزيع جوائز




.. الاحتلال يهدم منازل قيد الإنشاء في النويعمة شمال أريحا بالضف


.. الجيش الإسرائيلي: قررنا العودة للعمل في جباليا وإجلاء السكان




.. حماس: موقف بايدن يؤكد الانحياز الأمريكي للسياسة الإجرامية ال