الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هي دورةُ الأشياء ..

يحيى علوان

2011 / 6 / 25
الادب والفن



إِنْ إغتَسَلَتِ السماءُ ، جُـنَّ فـي العصافيـرِ الحنينُ للمـدى .. وللريـحِ
خُيـولُ البرّيَّـةِ لِجـامَ شوقٍ أَفلَتَتْ ...
بالحُلُمِ يشتَعِلُ الوقتُ ، فالغُيـومُ أَوغلَتْ فـي الرحيـلِ ..
النهـارُ ماسِيَّ الصفـاءِ غَـدا تقريبـاً .. الهـواءُ رَخـوٌ كالحريـر ..
..................................
إثنَينِ كانـا ، علـى دراجتين ، ثالثهمـا الظـلَُ ورابعهما ظِـلٌ آخَـرَ ..
.. تستدرِجهم الوَهـدَةُ ، حتى شَفا بُحيـرَةٍ ، تَتَثاءَبُ فـي الضحـى ..
تَتَشهّى ضجيجاً ، أو مَـنْ يُشاكِسُ كَسَلَ مرآةٍ علـى خَـدِّ المـاء ..
البُحيرةُ حَقلُ مـاءٍ لَمْ ينَمْ الليـلَ مَقروراً .. هَدهَـدَتهُ شمسٌ مُتَبَرِّجَـةٌ ..
غَطّتـه بلحافِهـا ، فنـامَ كرضيـعٍ شَبِع علـى صـدرِ أُمّـهِ ..

صـامِتَيْنِ إفتَرَشا العُشبَ ، ثالثهمـا الظِـلُّ ..
راحَ يُنقِّـلُ نَبضَـه بيـنَ المـاءِ ودَنْـدَنَـةٍ ، لا يَعرِفُ كيفَ إلـى خاطِـرِه تَسلَّلَتْ ..
رمـى حَجَـراً علـى جبهـةِ المـاء ، غـاصَ الحَجَـرُ .. !
أَلحَقَـه بثانٍ ، فما شَهِدَ مصيـراً آخَـرَ ..
سَـدَّ نوافِـذَ الكـلامِ .. يبحثُ عـنْ رقـائقَ يُطَـوِّحُ بهـا على صفحـةِ المـاءِ ،
يَقيسُ بِهـا المسـافَةَ بينَ حَذَقِ الطفـولَـةِ وتَكَلُّسِ الشيخوخـة ..
مَـدَّتْ يَدَهـا إلـى كَتِفِـه .. " مالَكَ ..؟! لماذا تَتَشاغَلُ عنّـي .. ؟! "
...................................
...................................
" هِـيَ دورَةُ الأشـياءِ ، ليسَ إلاّ .. ! " قالهـا مُتهيّبَـاً أنْ يُـدرِكَ الصمتُ غايتَـه ،
فيتَكَسَّرَ خَزَفُ التـواصلِ فـي حضـرةِ المـاء ..

مـراكِبُ بلا أشرعَـةٍ .. البحيـرةُ تغرَقُ فـي سكونٍ يَبتهـلُ لِنأمَـةٍ ،
سكونٌ داكِـنٌ يَنهَـرُ اللغـةَ ،
.. الأبجديَّـةُ تَمضَـغُ الصمتَ بكَسَلٍ ، تُراقبُ سربـاً من الذكريـاتِ يَمُـرُّ مُتَمَهِّـلاً ..
كلُّ شيءٍ هـاديءٌ ، كأَنَّ رِتاجاً غليظاً أَغلَقَ فمَـه .. صـارَ لسانه ثقيلاً ، مثلَ حجَـرٍ ..
هَـرَباً من وحشتِه ، تَشاغَلَ بمراقبـةِ قطيـعٍ من غَنَـمِ الغيـومِ ، مُبَعثَـرٍ يسعى
لإصطبلـه فـي طـرَفِ السماء ..
كالخِـرقَـةِ ، خَلَـعَ ظِلَّـه ، ألقـاه للمـاء .. ظَـلَّ ساكنـاً ، طافيـاً ، كأنـه
يمتطـي قِشَّـةً يابسةً ..

حَـلَّ أَوانُ البـوحِ ، يَطـرُدُ زَمَـنَ الوَجَـلِ .. يأكُـلُ الجـراحَ عـاريَةً ..
يسوطـه صـوبَ أسئلةٍ جـديدةٍ ، تُطَـوِّحُ للقمامـةِ بالرخـوِ المُترَهِّـلِ
من جاهـزِ الأجوبـةِ ..
حَـدّقَ فـي إِلتماعـةِ بَحـرِ عينيهـا ، دَفَـنَ وجهـَهُ في ليلِ شعرِهـا .. وأَطلَقَ زَفـرَةً حَـرّى :
.................................
- " آهٍ يا وَجَـعَ المـاءِ ..! يخشاكَ قُـرصُ القَمَـرِ ، يَتَمنّى أَنْ يبقـى طافيـاً ،
كزَهـرِ اللوتس حتى لا يَغـرَقَ فيذوبَ مثلَ حبَّـةِ دواء .. !

هـل تعرفيـنَ ، يا حُلوَتـي ، مـا هـو وَجَـعُ المـاء ؟! عندمـا ينشفُ الريـقُ ،
ويتَصمّغُ باطِنُ الحَلقِ ، فتَتَيَبَّسُ الشفاهُ مثل خَشَبٍ .. ولا تجدينَ شُربَـةَ ماء ..؟
رُغـمَ أَنّكِ تسمعينَ هديـرَهُ ، لأنّكِ فوقَ قَطْـعٍ جَبَليٍّ ، والنهـرُ بعيـدٌ ،
فَـرَّ من مـدى الرصاصـةِ ، وتوارى أبعـدَ من سَـرابٍ .. ؟!
وجَعُ المـاءِ ، كانَ يُباغِتنـا عندمـا يخطفُ النهـرُ واحـداً مِنّا ليكون عريساً للسعلاة
تلتهمـه بعـد زفافـه عليهـا .. فيظلُّ الأهـلُ والجيـرانُ يَذرعـونَ الشُطُوطَ ليـلاً
بفوانيسِهم ، يقرَعـونَ الصواني وأغطيَـةَ القدورِ ، تَتْبَعُهـم مظاهـرةٌ من الصغارِ،
يُرَدِّدون لازمَـةً لا يملّـونها جيئةً وغدواً - يحوته ، يا منحـوته .. هِـدِّي إبنَّـه الغالـي ..
وإنْ جانْ مَتهِدّينـه ، أَدُكلِج بصينيـة .. - *

كُنّـا إذا زَمْجَـرَ النهـرُ ، وبالغِريَنِ طَفَـحَ .. لا نَقرَبـه ، إلاّ للتَباري ، أَيُّنَـا أَمهَـرَ
فـي رمي حَجَرٍ مُسَطَّحٍ يصـلُ إلى أبعَـدِ مسافةٍ على وجه المـاء قبلَ أَن يَغطِسَ ...
وعندمـا يروقُ مِزاجُ النهـرِ وتصفـو دخيلتُـه ، نهايـةَ الربيـعِ ، نلهـو معـه ..
نُسَيِّرُ مراكبَ مـن كَرَبِ النخيـلِ مُـزدانةً بالشموعِ .. ونَدلِـقُ طاساتٍ من الشعيرِ
كرامَـةً لحصـانِ الخِضـرِ ، بعدَ أَنْ نَضمُـرَ المستحيلَ من الأماني ، عَـلَّ الخِضـرَ يحققها في عُرسِ النهـرِ ذاك ..!
...............................

هـيَ دورةُ الأشياءِ .. "

* * *
" لِمـاذا تشتري الحزنَ وهـذا مهرجـانٌ للطبيعةٍ والترَاخـي ، بِلا ثمَنٍ ؟
.. لكَ دارٌ ، أو قـُلْ سقفٌ يأويكَ ، وغيرَ مُشَرِّدٍ أنتَ ، فماذا .. !"
إزدَرَدَتْ بقيَّةَ الإستِغرابِ ، كَـيْ لا تُخَدِّشَ أَناه ..

- " مُشرَّدُ الروحِ أنا .. مـاذا أفعَـلُ مع سَحَرَةٍ يقتحمـونَ خُلوَتـي ، يُنغِّصِـونَ عَلـيَّ تَسَلُلّي إلى سَكينَةِ المـاء ،
مُلَفَّعاً بأقداري البسيطةِ ، وحَيرةٍ بَكماءَ ، مثلَ تسبيحٍ خافِتٍ ..

...............................

فَالـدارُ ليسَت لِـي ... وأَهلُهـا ليسَوا لِـي ..
ممنـوعٌ أَنْ أَصرخَ فيهـا ، إلاّ همساً !
وكـذا الشَفَقُ المُضرّجُ بالحُمرةِ ، ليسَ لِـي ..
أَتُراهُ يَنفَجِرُ إِنْ أدخَلتُهُ مملَكَةَ نَثْـريَ ، الـذي لِـيَ ..؟
وهَلْ يحتَجُّ إِنْ رميتُـه فـي بئرٍ دَفَـنَ مـاءَهُ ..؟!
أَمْ تُـراه يتَفَتَّتُ مثلَ نُثارِ قوسٍ لا مرئـيٍّ ، فلا يُبقـي سوى شمعَةِ العتمَـةِ ؟!
............................

آهٍ يا عِقـرَ دارٍ ليسَ لِـي !
يـا هـدوءاً يُنـاكِدُني ، أمـا تَعِبتَ ؟!
تَعـالَ ، حُطَّ رَحلَكَ .. إِفرِشْ عباءتكَ عنـدي ..
منَ اليأسِ قَدْ شُفيتُ ، ومن تثاؤبِ الأمَلِ بُرِّئتُ .. فلا تَخفْ ، لنْ أُصيبَكَ بعدوى ..!
تعـالَ ، طاعنونَ في الفُضـولِ ، نُنصِتُ ، لِهَذَيانٍ .. لِصَمَمِ مَصائرنا الُمحتَمَلَةِ ..
عَلَّنـا نَظفَرُ بِسِرِّ الوهـمِ المِسخِ ، يَقودُ لعجائزَ تُمَشِّطُ شُعورَ الغوايَـةِ ،
تُوصِلُ إلـى أكثـرِ الإنكساراتِ وثوقـاً .. "
....................................

" ولكـن ، أَينَ موقِعـي ، أَنا ، في حَطَبِ الكـلامِ هـذا ؟! "
مُمتَعِضَةً أَلقَتِ السؤالَ ، كَمَنْ يرمـي قِطّـاً بشحمَةٍ .

- " أَنتِ ؟!
بدونِ مُبالَغَـةٍ ، أَنتِ فاتِنَتـي ومُلهِمَتـي ..
فأفتحي الثـوبَ للصيفِ ، لـي ...
ودَعي الكناري ، مُزركشاً بالضوءِ ، يُنَقِّـرُ عنـد شُبّاكِ الحَشَـا ما أشتهى ..
سأَغـزِلُ لكِ من حُرقَـةِ المُهجـةِ عِشقاً يُبَلِّلُ رَهبَـةَ الرَشَـا ،
فهـذا المـاءُ يعرفُنـا ونعرفُـه .. لا خـوفَ من ضيـاعٍ .. !
نَدَّعـي أَننـا فرسانُ التأقلُمِ ، ونُصَدِّقُ مـا ندَّعـي ..
لكنّنَا لا نَعرِفُ مـاذا نفعَـلُ إِنْ بنا وجَـعُ الحنينِ طَفَـحَ ..
فهَـلْ تَتَوبُ الجذورُ إلى أَرضهـا ، والديـارُ إلـى أَهلِهـا تَثـوبُ ؟!
وهَـلْ يَئـنُّ في منامِـهِ الصـدى شَوقـاً لِمَصدرهِ .. ؟
...........................
...........................

هكـذا هـيَ دورَةُ الأشياءِ يا صاحبتـي ، كمـا تَرَيْـنَ ! "













ــــــــــــــــــــــــ

* صَوّرَ الخيالُ الشعبي العراقي الغريقَ على أنَّ كائناً خرافياً قميئاً جداً .. شعره من الشوك وله أثداء مترهلة يُلقيها على ظهره ، يسكنُ الماءَ ، يسمّونه " السُعلاة " أو" الحوتة "، يخطفُ الصغار إلى عرينه ، عميقاً تحتَ سطح الماء .. تلتهمه السعلاة بعد أَنْ يتمَّ زفافه عليها .. ويبدو أنَّ الخيال الإسطوري إبتدَعَ تلك الخرافة لردع الأطفال ، من الذين لايجيدون السباحة ، عن الإقتراب من الأنهار .. وإذا ما غَرقَ أحدهم ، يردّدُ أهله خلال البحثِ عنه عند الشاطيء لازمةً تدعو السعلاة أو الحوتة إلى الإفراج عن المخطوف .. وإلاَّ سيواصلون إحداثَ ضجيجٍ يمنعُ السعلاة من النوم .. حتى تيأس وتطلقَ سراح أسيرها لتخلُدَ بعدها إلى النوم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطفل اللى مواليد التسعينات عمرهم ما ينسوه كواليس تمثيل شخ


.. صابر الرباعي يكشف كواليس ألبومه الجديد ورؤيته لسوق الغناء ال




.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت